lundi 27 juin 2022


مالك بن نبي
يعتبر مالك بن نبي ومدرسته من أكثر المدارس الفكرية التي كان لها أثر واضح في تحديد وصنع ملامح الفكر الإسلامي الحديث، خاصة أن هذه المدرسة اهتمت أكثر من غيرها من المدارس الأخرى بدراسة مشكلات الأمة الإسلامية؛ انطلاقا من رؤية حضارية شاملة ومتكاملة. فقد كانت جهوده لبناء الفكر الإسلامي الحديث وفي دراسة المشكلات الحضارية عموما متميزة؛ سواء من حيث المواضيع التي تناولها أو المناهج التي اعتمدها في ذلك التناول.إلى حد تعبير ه أن "مشكلة كل شعب هي في جوهرها مشكلة حضارية، ولا يمكن لشعب أن يفهم أو يحل مشكلته ما لم يرتفع بفكرته إلى الأحداث الإنسانية، وما لم يتعمق في فهم العوامل التي تبني الحضارات أو تهدمها" عندئذ يطرح السؤال هل قيام وازدهار أي حضارة مرهون بعوامل أساسية كالثقافة والأفكار وحركة المجتمع وغيرها؟ أم يمكن إن نصطلح على تأخر المجتمعات بالإشكال الحضاري؟
وانطلاقا من هذا الاعتقاد الراسخ بأهمية الحضارة وضرورة "فقه" حركتها، انتابني شعور عظيم اتجاه هذا المفكر العظيم فارتأيت إلا أن أقف أمام هذا العنوان العريض الجدير بالاهتمام ليكون موضوع بحثنا ودراستنا،لاسيما أن مثل هذا العنوان يكاد يخلو من مكتباتنا الإسلامية.كيف ونحن نعتز بكل ماهو جزائري من فكر أصيل وحضاري، وهذا ماجعلنا نتطلع إلى الكشف عن هذا الإرث المعنوي.
وسيتركز هذا البحث على مشكلات الحضارة الثقافة والأفكار، والمشكلات الدينية باعتبارها حازت على الأولوية والكثافة في كتابات مالك بن نبي، فهو يرى أن أخطاءنا تتكون في عقولنا قبل أن ترتسم على صفحة الوجود، فالمشكلة التي نواجهها هي مشكلة فكرية، وعقلية قبل أن تكون مشكلة سلوكية، رغم الترابط بينهما، ومشكلات الثقافة والفكر والتربية هي في واقعها مشكلة واحدة ترتبط جزئياتها برباط وثيق، وليس سليماً أن نتناول أجزاء منها بالعلاج ونترك أجزاء أخرى، فالعلاج يجب أن يطالها جميعاً.
ولعلنا نرجو من وراء هذا البحث الإسهام في زيادة المعلومات لدى الأجيال القادمة كما يضاف إلى قائمة البحوث المكتبية لدى المعهد الإسلامي بغليزان،وإحياء لفكر بن نبي ذالك الفكر الوهاج الذي أنار العقول الإسلامية بما فيه الغربية بشهادة المفكرين من شتى أنحاء العالم.
وفيما يتعلق بمضمون الدراسة. فإن المصادر كانت مقدَّمة على المراجع، لاسيما وأن معظم المراجع لم تتناول موضوع البحث من الزاوية التي تناولها الباحث،ولإعطاء فكرة واضحة عن الفكر البنابي الحضاري قمنا بإنجاز هذا البحث الذي يتضمن ثلاثة فصول وخاتمة.
افتتحنا موضوعنا هذا بمقدمة خصصناها لمدى أهمية الموضوع متضمنة أشكالية البحث ومبرراته.
الفصـل الأول عنوناه بالحضارة عند مالك بن نبي وتطرقنا فيه إلى ثلاثة مباحث متضمنة مايلي:
المبحث الأول مفهوم الحضارة وعناصرها
المبحث الثاني مفهوم المجتمع قيمته دوره ومدى قابليته للمعامل الاستعماري .
المبحث الثالث تحديد مفهوم المرض الاجتماعي ،وماهي الشروط الأولية للتربية الاجتماعية
أما الفصـل الثاني فتطرقنا فيه إلى إشكالية الثقافة والأفكار في تنمية الحضارة من خلال ثلاث مباحث أيضا تحتوي على مايلي :
المبحث الأول تحديد ماهية الثقافة وعلاقتها بعلوم التاريخ والاجتماع والنفس
المبحث الثاني خصصناه لتمايز الثقافات والأفكار،ومدى ارتباط الأفكار بالمجتمع والحضارة.
المبحث الثالث فتعرضنا فيه إلى الأخلاق مبدءا وتوجيها وقيمة وكذالك أثرها في قيام الحضارة.
أما الفصـل الثالث فعنوناه بمشكلات العالم الإسلامي يتضمن مبحثين هما:
المبحث الأول مشكلة الحضارة والمفهومة والثقافة لدى الأمة الإسلامية.
المبحث الثاني درسنا من خلاله مدى ارتباط الدين بالحضارة وأثر أفكار الإسلام والقرءان في بناء هذه الحضارة.
المبحـــــــــث الأول: مفهوم الحضارة وعناصـــــــــــرها
1- التعريف بمالك بن نبي:
وُلد مالك بن نبي في مدينة قسنطينة في الجزائر عام 1905 ، ونشأ في أسـرة فقيـرة ؛ لأن جده لأبيه هاجر إلى طرابُلس الغرب احتجاجاً على الاستعمار الفرنسي وحـمـل مـعـه كـل أملاك العائلة ، هذا الميلاد جعله يتصل بالماضي عن طريق من بقي حياً من شهوده .
بعد إتمام دراسته الثانوية انتقل إلى باريس لكن الإدارة الفرنسية رفضت انضمامه إلى معهد الدراسات الشرقية فدخل مدرسة اللاسلكي التي تخرج منها مهندسا كهربائيا عام 1935م ومع ذلك لم يهمل طريق النضال وعمل على توعية العمال المغاربة وتنظيمهم، كما التقى بعدة شخصيات وطنية وأجنبية لكن السلطات الفرنسية لم تغفل عنه بل حاصرته وحرمته الشهادات رغم تفوقه عل ى الفرنسيين أنفسهم ومنعته الوظيفة والسفر، وحاصرته أسرته في الجزائر، انتقل سنة 1956م إلى مصر حيث تفرغ لتأليف كتبه وترجمتها، كما اتصل بالعديد من الطلبة وتنقل عبر عدة دول يشرح عدالة القضية الجزائرية، بعد الاستقلال وفي سنة 1963م عاد إلى الجزائر وشغل منصب مدير جامعة الجزائر وطالب بإنشاء مدرسة جزائرية مستقلة لعلم الاجتماع.
في عام 1967م استقال من منصبه ليتفرغ للعمل الفكري.
العوامل المؤثرة في ثقافته :
1 - وُلد مالك بن نبي في عصر سمع فيه من جدته لأمه قصص الاحتلال الفرنسي للجزائر ، وعاش مأساة بلد يخطط الاستعمار لشل فاعليته ، ومن ثـم لـتحويلـه إلى فـريسـة سهلـة الالتهام ، عاشها مالك يوماً بيوم في المدرسة الفرنسية حيث لا يسمح (لابن البلد) إكـمـال الدراسة الثانوية التي تؤهله للدراسات الجامعية ، وعاشها في تحول المجتمع عن فطرته وكيف ساد الصعاليك بمعونة الإدارة الفرنسية ، وكيف أصبحت العائلات العريقة فقيرة ، ذليلة بسبب الاستيلاء على أراضيها ، وكان اليهود هم الواسطة لانتقال الملكية من أبنـاء البلاد إلى أبناء المستعمر ؛ فاليهودي دائماً كان يقرض بـفـائدة 60% ، وعنـدمــا درس في فرنسا وعاش مع الجالية الجزائرية رأى الاستعمار من زوايـاه المختلفة ، وشـعـر بخـبـث الأساليب التي يقوم بها لتمزيق العالم الإسلامي.
2 - القراءات الغزيرة المتنوعة ، فقد بدأ بالقراءة منذ أن كان صغيراً في الابتدائية ، وقرأ كتب علم النفس والاجتماع وهو لا يزال في المرحلة الثانوية ، وكان يقرأ كل الصحف التي تصل إلى قسنطينة أو
تبسه ، ولا شك أن هذا الاطلاع الواسع على الثقافة الغربية هو في جانب منه على حساب الثقافة الإسلامية وكان له أثر عليه أيضاً ، فكثرة قراءاته لأعمال الفلاسفة جعلته يعتبر عصر الفارابي عند المسلمين هو عصر خلق الأفكار مع أن الفارابي وأمثاله لم يقدموا شيئاً يذكر للحضارة الإسلامية ، وكانت نغمة (الإنسانية) و(الـعـالميـة) سائدة عند الفلاسفة الغربيين ، ونجد مالك يكررها فيتكلم عـن حضـارة الـيـوم التي تسير نحو الشمول والعالمية 1 ويستعمل أحياناً عباراتهم التي هي نتيجة انفصام عندهم بين الدين والعلم مثل قوله : "إن الطبيعة توجد النوع..." 2
أو وهبته الطبيعة.
3 - ثقافته الإسلامية : يـعتـرف مـالك بـأن الذي كان يـرده عن الـغلـو في هـذا الاتـجـاه (القراءات الكثيرة للفكر الغربي) هو ما كان يتلقاه من دروس في التوحيد والفقه ، وقراءاته للكتب التي تأتي من المشـرق الـعربي مثل : "الإفلاس المعنوي للسياسة الغربية في الشرق" لأحمد رضا ، و"رسـالـة الـتوحيد" للشيخ محمد عبده ، و"طبائع الاستبداد" للكواكبي ، والمجلات الإسلامية الجزائرية مثل (الشهاب) التي يصدرها الشيخ ابن باديس ، ولا شك أن ثقافته الشرعية ضعيفة ولكن عنده اطلاع على التاريخ الإسلامي وقدرة على فهم الآيات والأحاديث التي تتعلق بسنة التغيير الاجتماعي وبسبب عمق تفكيره وتحرُّقه على العالم الإسلامي كان يرى أن بذرة عـودة الـوعـي للأمة الإسلامية هي في حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي يعتبرها امتداداً لما قام بـه ابـن تيـمـية في التجديد ، ولنفس السبب أيد جمعية العلماء في الجزائر وكان يعقد الأمل عليهم في الإصلاح وإن اخـتـلف معهم بعدئذ ، ولبُعده عن المشرق ولضعف ثقافته الشرعية كان يمجّد جمال الدين الأفغـاني وتلميذه محمد عبده ويرى أن الأول هو مصلح الشرق ؛ فثقافته الإسلامية خليط من آراء مدرسة الأفغاني ومحمد عبده ومن فهمه لآيات القرآن وسنن التغيير ، وأنه لابـد مـن الـرجـوع إلى طـريـقـة القرآن والسنة في رفع الناس إلى مستوى الروح كما يعـبـر هـو ، والحقيقة أنه يجمع أشياء متناقضة وإن بدت منسجمة بالنسبة له.
4 - ومن المؤثرات الواضحة في شخصيته ما عاناه من الـفـقـر الشـديـد في طفولـته ، وحياة النَّصَب والتعب التي عاشها في شبابه بحثاً عن العمل ، سواء في الجزائر أو فرنـسـا ، فـقد عمل بعد تخرجه من الثانوية في مصنع للأسمنت في مدينة (ليون) بفرنسا ، فكـان يـحـمـل الأكياس على ظهره ، ومرة باع
بعض ملابسه حتى يوفر وجبة غداء ، وبعد تخـرجـه من الهندسة طرق أبواب العمل في الدول العربية والإسلامية ولكن دون جدوى.
هذه الأوضاع النفسية جعلته يكره - وهو صغير - الدور المتـرفـة الـتي كـانت تـفـضح أمـام ناظريه بؤس أقاربه ، وأحكامه المسبقة كانت بسبب العيش في عائلة فقيرة زرعت لاشعورياً في نفسه من
الغيرة والحسد حيال العائلات الكبيرة 3 ، وكـان يعـجـبـه مطالعة صحيفة (الإقدام) التي يصدرها الأمير خالد الجزائري والـتـي كانت تـركز على مـوضـوع الـفـلاح الجزائري وبؤسه.
هذا ما يفسر لنا ميله للدول التي بدأت بتطبـيـق الاشتراكية كالجمهـوريـة العربية المتحدة 4 والجـزائـر بـعـد استـقـلالهـا 5 وبتأثـيـر من هذه الـدول كان يـظـن أن الاتحـاد السوفييتي ليس عنده مُناخ استعماري وهو صديق للشعوب !
توفــــــي في: 1973.10.31م
من مؤلفاته: شروط النهضة، الظاهرة القرآنية، مشكلة الثقافة، تأملات، آفاق جزائرية، المسلم في عالم الاقتصاد، مذكرات شاهد القرن، مستقبل الإسلام، مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي.
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

 

Aucun commentaire: