mardi 25 janvier 2011

تضامن الجزائر مع مسلمي الأندلس أيام المحنة الكبرى 1492-1640 م


د. محمد الأمين بلغيث

تعد الدراسات التاريخية، التي تناولت الهجرة الأندلسية، وعلاقتها بالجزائر قليلة، وربما يعود ذلك إلى تحجيم دور الجزائر في التقليل من هذه الكارثة الإنسانية، التي ارتكبتها الصليبية الإسبانية في حق المسلمين العزل، لا لشيء إلا لأنهم رفضوا التنصير الجماعي لهم.

حملت الجزائرعلى عاتقها، مهمة إنقاذ مسلمي الأندلس، الفارين من محاكم التفتيش التي نصبتها لهم إسبانيا الشيء الذي أجج روح الانتقام الإسباني بصفة خاصة، والأوربي بصفة عامة، على الجزائر التي أقلقت الجميع، لامتلاكها لأسطول بحري قوي، قهرت به أعداء الإسلام، فكانت سيدة الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط، وكانت الجزائر تحمي تجارتها وتجارة الدول الإسلامية في عرض البحر المتوسط.

ما هي الأسباب الحقيقية لهجرة مسلمي الأندلس؟ وكيف كان رد فعل البحرية الجزائرية؟ وما مدى استفادة الجزائر من هذه الهجرة؟ وما هي انعكاساتها على مستقبل إسبانيا؟

1. ظروف وعوامل إنقاذالجزائر للأندلسيين:

تربط الجزائر بالأندلس علاقة قديمة، قدم اعتناقها للإسلام، خاصة منذ دخولها من طرف طارق ابن زياد كما استدعت قرطبة قبيلة زناتة الجزائرية ضد الدولة الفاطمية الشيعية، وازدادت أواصر المحبة والتعاون بين الأندلسيين والجزائر، أيام دخول المرابطين والموحدين أرض الأندلس وضمّها إلى أقطار المغرب العربي.

كما توافد عدد كبير من الأندلسيين على طول السواحل الجزائرية (1200كلم)، بدءا من القرن الثالث الهجــري (1000م)؛ ويعود الفضل إليهم، في ازدهار مدينة المسيلة في أوائل القرن الرابع الهجري (1100م). أما البكري فيقول بأن تاريخ الهجرة إلى الجزائر كـان بدءا من منتصف القرن الثالث الهجري، وهذا ما ساعد على تجريد عمران كثير من المدن الساحلية للعشائر المحلية القريبة منها كنفرة ومسقن من ازداجة.

لكن الدكتور سعيدوني يتكلم هنا على الهجرة الأندلسية بعد سقوط مدينة إشبيلية (722هـ-1371م) الذي يعتبر بداية للهجرة الجماعية. لكن الهجرة بلغت ذروتها، على إثر قرارات الطرد التي أصدرها الملك الإسباني فيلب الثالث سنة 1609م.

غير أن عبد الرحمان الجيلالي في كتابه "تاريخ الجزائر" له رأي مخالف للرأيين السابقين، فهو يرى بأن بداية الهجـرة الأندلسية إلى الجزائر، كانت عام (856هـ-1452م) بفعل تزايد نشاط القرصنة وبداية الهجمات الإسبانية.

ويبدو أن أهم هجرة على الإطلاق، هي تلك التي وقعت أثناء وبعد سقوط غرناطة الإسلامية بيد الإسبان سنة: 1492م، وهي آخرمملكة يفقدها المسلمون بهذا البلد. فهذا التاريخ، يمثل فاجعة كبرى، وشؤما وحزناكبيرين للعالم الإسلامي، بينما هو تاريخ فرحة وانتصار بالنسبة لإسبانيا بصفة خاصة وأوربا بصفة عامة، لأنه يمثل ازدواجية تاريخية ملؤها الفرح بنشوة النصر، بعد طرد المسلمين من الأندلس واكتشاف العالم الجديد بقيادة أمريكو فيسبوشي. فلم يكن أمام الجزائريين، سوى نصرة إخوانهم المضطهدين الفارين من مجازر الأندلس، خاصة وأن الجزائر كانت أول قاعدة لأعمال الجهاد ضد إسبانيا، وكانت مدينة الجزائر تدعى بلد الجهاد. (...)

وهكذا فإن اختلال التوازن بين المسلمين والمسيحيين في الأندلس، هو السبب في سقوط الأندلس، هذه النهاية غير السعيدة جعلت العديد من مسلمي الأندلس يهاجرون هجرة اضطرارية نحو بلاد المغرب العربي حاملين عبقريتهم للعمل في ظل عز الإسلام والمسلمين. ورغم ذلك لم ينجوا من ملاحقة الصليبية الأوروبية، حيث وقع التعاقد بين الصليبيين على استئصال المملكة الإسلامية بالشمال الإفريقي، بمباركة البابوية في المؤتمر الذي تم عقده في طور ديزلاس "TORDESILLAS" سنة 899هـ-1494م.

وكانت الجزائر تدرك جيدا، طبيعة الصراع الذي كان يدور بين المسلمين من جهة والمسيحيين من جهة ثانية، لذلك حاولت جهدما تستطيع، تقديم الدعم المادي والمعنوي للمسلمين في الأندلس.

ومن ذلك أنها لم تتأخر في مدّ يد المساعدة إلى السلطان النصري "أبي عبد الله محمد الخامس" ملك غرناطة على عهد السلطان الزياني أبي حمو موسى الثاني سنة 763هـ- 1361م، وتتمثل هذهالمساعدة في: ((خمسين ألف قدح من الزرع، وثلاثة آلاف قطعة من الذهب لكراء السفن)).كانت هذه المساعدة في إطار الصراع المرير، الذي أهلك الجميع بين الحفصيين في تونس والزيانيين في الجزائر والمرينيين في المغرب الأقصى.

إن وجود جالية أندلسية، لا بأس بها بأرض الجزائر في عهد الدولة الزيانية ورقيها في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحسن علاقة أبي حمو الزياني مع ملكة غرناطة، ومعرفة مسلمي هذه المنطقة، بما كانت تبذله الإمارة الجزائرية اتجاههم، وجهود الأخوين بربروسة خير الدين وعروج في التعجيل بنقل مضطهدي الأندلس إلى السواحل الجزائرية بحيث ((تمكنا في الفترة الممتدة بين سنتي 1528 و1584م من شنّ ثلاثة وثلاثين غارة بحرية ناجعة على السواحل الإسبانية، أنقذوا خلالها كثيرا من الأندلسيين.

كل هذه العوامل مجتمعة شجعت مهاجري الأندلس على التفكير في التوجه إلى الجزائر المجاهدة، وعلينا أن نضع في الحسبان عاملا آخر كان له الأثرالحسن عند مسلمي الأندلس الذين بقوا يتعرضون إلى عملية الإكراه لاعتناق المسيحية، هذا العامل هو ربط خير الدين مصير الجزائر بمصير الدولة العثمانية سنة 1518م.

وهنا تضاعف حقد الغرب بصفة عامة وإسبانيا بصفة خاصة على الجزائر والدولة العثمانية بفتح القسطنطينية سنة 1453م بصفة عامة.

ومعنى ذلك أن الجزائر في نظر إسبانيا تحولت إلى أكبر خطر أصبح يهدد أمن واستقرار إسبانيا على وجه التحديد. لأنها كانت تعي جيدا قوة الجزائر واستخدامها لمهاجري الأندلس في كسر شوكة إسبانيا، خاصة وأنها كانت متخوفة من عودة الهلال مرة أخرى إلى إسبانيا، فيقضي على كل ما خططته للنيل من الإسلام والمسلمين.

ومن بين دوافع الاعتداءات الأوربية عامة والإسبانية خاصة على الجزائر وسائر بلدان المغرب العربي نجملها في خمسة عوامل هي:

- ظهور الدولة الوطنية الحديثة في أوربا،
- والحقد الصليبي الديني والسياسي
- و رغبةالإسبان والبرتغاليين في وضع حد لنشاط مسلمي الأندلس المطرودين،
- واحتلال مواقع استراتيجية دائمة في هذه البلدان،
-والرغبة في التمسيح والتنصير ونشر المسيحية.
ومادمنا في صدد ذكر عوامل إنقاذ الجزائر لأهل الأندلس، كان لازاما علينا تذكير القارئ بتلك الرسالة التي كتبها أهل الأندلس إلى خير الدين، يطلبون فيها التدخل لإنقاذهم من بطش النصارى.
وعندها أحضر ستة وثلاثين جفن واتجه بهم ناحية الأندلس، فنقل فيهم عدد كبير من الأندلسيين إلى الجزائر، بعدما خلفوا ألف مقاتل من العسكر يحرسون جماعة المسلمون الباقية، فتكررت هذه العملية سبع مرات، نقل فيها سبعين ألف من الأندلسيين إلى الجزائر. ولم يكتفي أهل الأندلس بالاستنجاد بخير الدين بربروس بل طلبوا المساعدة أيضا من –السلطان العثماني "سليمان القانوني" عام (948هـ-1541م. (...)

ومن بين الأسباب الهامة التي جعلت أهالي الأندلس، يختارون الجزائر للاحتماء بها؛

كون الجزائر كانت أقوى دول المغرب العربي، بل وفي العالم الإسلامي بعد الدولة العثمانية "لكبر مساحتها وطول سواحلها وغناها الاقتصادي، ووفرة تجارتها ورواجها مع الخارج".

بالإضافة إلى امتلاك الجزائر للأسطول، وقوة عسكرية بحرية رادعة، وخبرتها في ميدان القتال البحري وامتلاكها لبحارة مهرة أمثال صالح رايس، والعلج علي، والرايس حميدو، واهتمامها الكبير بإعداد نفسها للمواجهة سياسيا وعسكريا واقتصاديا.

وكان مهاجرو الأندلس، يهاجرون إلى الجزائر، اعتقادا منهم بما أن الجزائر هي الدولة المغربية الأكثر إمكانيات مادية ومعنوية لحمايتهم والدفاع عنهم، بل ويصبحون أحد أهم عناصرها في جيشها البحري لمساعدة إخوانهم الذين بقوا تحت الأسر والاضطهاد أو التفكير في استرداد وطنهم بالأندلس.

2. انعكاسات هجرةالأندلسيين على الجزائر:

كانت لهجرة أهالي الأندلس إلى الجزائر، إيجابيات وسلبيات، أفادت وأضرت بالجزائر، لكن فوائدها كانت أكبر، لأن الجالية الأندلسية ساهمت مساهمة فعالة، في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية.

أ‌- الانعكاسات الإيجابية:

· لقد استفاد الجزائريون أيما استفادة من الخبرة العمرانية، التي كانت بحوزة الأندلسيين المقيمين بأرض الجزائر. ولاحظ الدكتور سعيدوني أن الجزائرلم تشهد نهضة عمرانية، كالتي عرفتها الجزائر بدءا من مطلع القرن الخامس عشر. فأسس الأندلسيون عدة قلاع، وحصون، ومدن ساحلية أو قريبة من الساحل، مثل القليعة والبليدة وشرشال، أصبح فيها عدد المنازل التي تعود للأندلسيين، تقدر بحوالي أثنى عشر ألفا.

· وبالإضافة إلى تواجد الأندلسيين في الجزائر العاصمة، وتنس،ودلس، وجيجل، وعنابة، ومستغانم وتلمسان وازدهرت على عهدهم انتشار العيون، والسواقي،وتنظيم الري، وكانت تدخل ضمن الأعمال الخيرية.

· جاءت هذه النهضة العمرانية والبشرية، التي عرفتها الجزائر، واختلط سكانها بسكان الجزائر، كان ذلك نعمة للجزائر"خاصة وان الجزائر تعرضت إلى انهيار ديومغرافيا وانكماش بشريا، نتج عن اجتياح الأوبئة وتكرر المجاعات واضطراب الأمن، منذ أواخر القرن 14 وأوائل القرن 15م".

· وقد ساعد امتزاج الفن الجزائري، بالفن الأندلسي "وجود حذاق من الجالية الأندلسية التي استقرت بالجزائر منذ القرن الخامس الهجري، واستمرت عملية الامتزاج نحو ثلاثة قرون... فأصبحت تلمسان ببناياتها وحدائقها أشبه بإشبيلية وغرناطة في روائعها الفنية وطبيعتها الفتانة".

· كما برع سكان الأندلس بالجزائر في النقش على الخشب، عبروا عن عبقريتهم هذه في صنع المنابر، تحمل صورا، وزخارف هندسية رائعة في"أسلوب مغربي إسباني حمله إلى شمال إفريقيا الفنانون الأندلسيون".

· ولم تقتصر مساهمة مهاجري الأندلس في الميدان العمراني فقط، بل أطالته في جميع الميادين لأنهم كانوا شعبا حيويا ونشيطا ذو حضارة راقية ممزوجة بين حضارة الشرق والغرب،ولأنهم امتزجوا امتزاجا كليا مع الجزائريين وكونوا شعبا واحدا متلاحما، عاد ذلك كله بالخير واليمن على الجميع.

· ففي الميدان الحربي مثلا، ساهمت القوة البشرية في تدعيم القوة الدفاعية للجزائر فأقبل العديد منهم للعمل في الأسطول الجزائري، للدفاع على السواحل الجزائرية، وصد الغارات الأوروبية المتكررة.

· كما ساهموا في تحرير كثير من المدن الجزائرية، التي أحتلها الإسبان، وقضى عروج على المتعاملين مع العدو الإسباني ومنهم شيخ تنس، بمساعدة مهاجري غرناطة وكان ذلك سنة 1517م.

· وبحكم طول مدة عيش مهاجري الأندلس بإسبانيا، فقد أفادوا الجزائريين، بإعطاء صورة واضحة عنها فتمكن الجزائريون بمساعدة مهاجري الأندلس من معرفة نقاط القوة، ونقاط الضعف لخصمهم الإسباني لذلك حضروا لهم استراتيجية حربية محكمة، تتلاءم وشدة حماس الأندلسيين في الانتقام من سالبي حقوقهم وطردهم من بلادهم المتمثل في العدو الإسباني.

· انتفعت الجزائر أيضا بالخدمات الاقتصادية للأندلسيين المهاجرين إليها، ففي الميدان الزراعي مثلا فقد طوروا النمط الفلاحي في الجزائر وذلك بإدخال تقنيات زراعية متطورة، فارتفعت نسبة الأراضي المستصلحة في متيجة، وعنابة، وتلمسان ووهران التي اشتهرت، بإنتاج مختلف أنواع الفواكه، مثل حب الملوك والإجاص، والتفاح والبرتقال، والعنب إلى جانب زراعة الزيتون والخضر والفواكه بمتيجة و زراعة التوت والأرز والقطن في مستغانم ومليانة وعنابة.

· وخير منطقة لاقت عناية أكبر في الميدان الزراعي، من طرف مهاجري الأندلس، سهل متيجة وأخص بالذكر فحص مدينة البليدة الذي اقتطعه خير الدين لجماعة من الأندلسيين تحت رعاية الشيخ سيدي أحمد الكبير، الذي استقر بوادي الرمان والذي أصبح يعرف فيما بعد باسم وادي سيدي الكبير، وبذلك غدت البليدة، وأحوازها تتميز "طيلة العهد العثماني بإنتاجها الوفير وبجناتها الفيحاء، التي كانت ملاذا للجنود الأتراك المتقاعدين".

· لم يكن الأندلسيون الجزائريون فلاحين فقط، بل كانوا أيضا صناعيين مهرة، فقد برعوا في مختلف المهن فكانوا بحق عمال ورشات مختصة في الخياطة (جلود، حرير، أقمشة)، والنجارة والحدادة، فما زالت صناعة القطيفة والشبيكة النسوية شاهدة على براعة المرأة الأندلسية في الجزائر.

· كما ازدهرت صناعة الزرابي، على يدهم في نواحي الغرب الجزائري، وخاصة تلمسان، بل يعود إليهم الفضل في تحسين صناعة الأسلحة، وإعداد البارود، وتطوير صناعة السفن، بمنائي الجزائر وشرشال.

· كما ساهم الأندلسيون الجزائريون بأموالهم الكثيرة، التي تمكنوا من نقلها معهم إلى الجزائر واستثمروها في الفلاحة والصناعة، وخاصة عملية الجهاد البحري، لإشفاء غليلهم من الإسبان الذين سلطوا عليهم شتى أنواع العذاب والاضطهاد فظهر منهم (الأندلسيين) رياس مرموقين، لهم باع طويل في مداعبة البحر وركوبه، وهم مراد الكبير وأحمد أبو علية.

· وهكذا تكون الجزائر، قد استفادت من خدمات وصنائع مهاجري الأندلس، كما استفادوا هم أيضا من الجزائر التي وجدوها مجالا خصبا، وفضاءا سياسيا يتحركون فيه بحرية وأمان وسلام، وملكت هذه الجالية في الجزائر ما لم نستطيع ملكه في إسبانيا ذاتها.

· وهكذا فقد موّن وموّل أندلسيو الجزائر العملياتِ الجهاديةَ، فأصبحت الجزائر تكبر في أعين أعدائها يوما بعد يوم وفي مختلف القطاعات، ولكن في نفس الوقت جلب لها كيد الأعداء وتربصهم لها في كل الأوقات والأحوال.

· وإذا عرجنا إلى الميدان الاجتماعي والثقافي، فهو الآخر قد ترك الأندلسيون فيه بصماتهم، فقد أضحى الأهلي الأندلسي رقما هاما وفعالا في المعادلة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ولا يمكن تجاهله أو الاستغناء عن نشاطه الدؤوب.

· فلقد انصهر الشعبان (الجزائري والأندلسي) في بوتقة واحدة، عن طريق الزواج لما يربطهما من وحدة اللغة و وحدة الدين ووحدة الحضارة ووحدة المصير المشترك، فزادت هذه اللحمة من صلابة الدولة الجزائرية الحديثة، والتي ما فرطت في الدفاع عنها بشيء بكل غال ونفيس.

· فرغم هذا التجانس العرقي واللغوي والديني والحضاري بين الاثنين، إلا أن الدكتور ناصر سيعدوني استطاع بفكره الثاقب أن يرصد لنا سبعة مميزات كانت تميز الجالية الأندلسية عن غيرها من بقية طوائف المجتمع الجزائري وهي:

- حنين الجالية الأندلسية إلى وطنهم الأصلي والعودة إليه،

- وأكثرهم علما وثقافة عن باقي المجتمع (النخبة) لمستواهم العالي الذي تحصلوا عليه وهم بالأندلس،

- الأجانب أكثرهم جهادا وحماسا ضد النصارى الإسبانيين لما عانوه منهم،

- وأصبحوا يشكلون برجوازية وطنية حقيقية في المدن الساحلية، وصبغها بصبغتهم الأندلسية، وتميزهم بذوق رفيع وطريقة حياة لها أصولها في المأكل والملبس والعمران، وتعلمهم المتحضر وأخلاقهم المهذبة، ومنازلهم القرميدية المؤثثة والمجهزة بأحسن أنواع الفراش والزخارف المتفنن فيها

- وغنى قاموسهم اللغوي، المتميز بلهجتهم العربية المميزة مثل استعمال الألف بدل القاف مثل (أهوة بدل قهوة وأرابة بدل قرابة، وقلب التاء مكان الثاء، مثل تور بدل ثور، وتريا بدل ثريا، إلى جانب أنهم عملوا على شيوع بعض المفردات الإسبانية بين أفراد المجتمع الجزائري،

- وأهم نقطة إيجابية في هذا الموضوع أنهم شجعوا سكان شرشال وبجاية، وأرزيو ودلس وتنس على استعمال اللغة العربية إلى جانب لهجتهم البربرية،

- وجود جماعة يهودية متميزة من أصول أندلسية (السفرديم)، خاصة في مركزها الرئيسي في تلمسان، وبداية الدمج الفعلي والجماعي للجالية الأندلسية في المجتمع الجزائري منذ نهاية القرن الثامن عشر الميلادي.

· ويضيف الدكتور سعيدوني أربعة عوامل أساسية ساهمت بقوة في عملية ذوبان ودمج الأندلسيين و هي:

o استمرار خطر التحرشات الإسبانية على السواحل الجزائرية، فدفعهم ذلك إلى النزوح إلى المناطق الداخلية،

o عدم تجاوب الحكام الأتراك مع همة ونشاط الأندلسيين، بحيث لم يلقوا الدعم الكافي والتحفيز المطلوب، ونظرة الأتراك لهم بنظرة متساوية مع بقية السكان،

o تفتح الجزائريين ومد يدهم الممدودة لإخوانهم الأندلسيين، في أن يقاسموهم في أعز ما يملكون،

o زيادة على سوء الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية و السياسية التيعرفتها الجزائر في العصر المتأخر من عصر الجزائر العثمانية، فقد انتشرت المجاعات والأوبئة و فقدان الأمن.

ب‌- الانعكاسات السلبية: وإذا تتبعنا تبعات الجالية الأندلسية وما مدى انعكاساتها السلبية على الجزائر، نجد تعرض الجزائر إلى حملات استعمارية صليبية من قبل إسبانيا بصفة خاصة ومن طرف أوربا بصفة عامة.

· فتعرضت السواحل الجزائرية إلى الاعتداءات الأجنبية المتكررة، فاحتل الإسبان المرسى الكبيرفي الفترة الممتدة من 1505 م إلى 1792 م، أي اكثر من قرنين ونصف، ووهران سنة 1509 موبجاية في عام 1510 م وعنابة 1510. واحتلوا حصن البينيون سنة 1510 بقيادة ديناقارو، واحتل الجنوبين جيجل سنة 1514، واحتل الإسبان هنين سنة 1531، وفي 1529 حرر خير الدين برج الفنار بميناء الجزائر العاصمة وفي أعـوام 1516 و1519 و1531 و1541حاول شرلكان الإسباني أن يحتل مدينتي الجزائر وشرشال إلا أن محاولاته باءت بالفشل لصمود الجزائريين بقيادة خير الدين.

· وتكررت الحملات الإسبانية على الجزائر، وهذه المرة ضد مدينة الجزائر عام 1567 بقيادة خوان قاسكون وأهمها الحملة الضخمة ضد الجزائر العاصمة سنة 1601 التي اشتركت فيها قوات "البابا، وجنوة و نابل، والطوسكان، وصقلية وسردينيا، وبارما، ومودينا، ولابروطان، وجزر البليار وقادها جانأندري دوريا حفيد الأميرال الإيطالي أندري دوريا".

· إلى جانب حملات الهولنديين ضد مدينة الجـزائر في ســـنـوات 1620 و1623 و1624 و1662، وحملات الإنجليز ضد مدينة الجزائر في سنوات 1620 و1655 و1672، وحملة فرسان مالطة عام 1647وحملات فرنسا على الجزائر في أعـوام 1663 و1664 و1665 و1682 و1683 و1688. وحملة الدانماركيين ضد الجزائر عام 1770 وحملة اللورد ايكسموث الإنجليزي ضد مدينة الجزائرسنة 1816 وحملة الأميرال هاري نيال الإنجليزي سنة 1824 وحملة الفرنسي Collet على مدينة الجزائر عام 1827. ما يلاحظ على هذه الحملات أنها كانت مكثفة ومركزة على وجه الخصوص على محاولة إسقاط العاصمة الجزائر، مركز ثقل الدولة الجزائرية الحديثة على عهد العثمانيين.

· كما شاركت فيها قوى أوربية استعمارية صليبية متعددة الجنسيات، عملت بثقلها السياسي والعسكري للنيل من سيادة الجزائر، التي أرغمت هذه الدول على دفع إتاوات سنوية منتظمة إلى خزينة الدولة الجزائرية. وإذا قمنا بترتيب الدول من حيث عدد حملاتها على الجزائر نجد إسبانيا في المرتبة الأولى ثم تليها فرنسا ثم انجلترا، ومن هنا يتعين علينا تحديد الأعداء الكبار للجزائر والذين كانوا ينسقون فيما بينهم لجمع أوربا قاطبة ضد الجزائر، بحجة أنها تمارس ضدهم القرصنة والرق، والحقيقة أنها كانت تهدف إلى كسر شوكة الجزائر التي أصبحت تقلق أوربا، بعدما أصبحت قلعة جهاد في الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، والتي فتحت ذراعيها للمسلمين الفارين من إسبانيا. وإذا استنطقنا مجموع الحملات الصليبية على الجزائر، نجد أنها كانت متتالية سنة بعد أخرى أو متقاربة جدا لا يفصل بين حملة وحملة أخرى إلا بضع سنوات، وهذا يدل على الإصرار والتصميم الإستراتيجي، على محاولة القضاء على الدولة الجزائرية الفتية، ومحوها نهائيا من الخريطة الجيوسياسية للعالم.

· وفي نفس السياق فقد تعرضت الجزائر في نفس السنة، إلى أكثر من حملة، وأقصد بذلك أنها هوجمت من طرف أكثر من دولة واحدة في السنة الواحدة، وهذا يدل على التضامن الأوربي وتحالفهم لأجل تحطيم الجزائر، فمثلا سنة 1620 والتي شاركت فيها كل من هولندا وانجلترا. وأحيانا تفشل حملة دولة أوربية، فتليها حملة دولة أوربية أخرى مباشرة، حتى يرهقون بها قوة الجزائر ليسهل عليهم احتلالها، إلا أن ذلك ما كان ليكون، لأن الجزائريون كانوا على علم بذلك.

· ولذلك أفشلوا هذه الحملات الواحدة تلو الأخرى، وإن كانت مع طول الزمن قد أتعبت الجزائريين وأرهقت طاقتهم وبددتها، ونالوا من قوة الجزائر في معركة نافارين سنة 1827، حيث وجهوا ضربة قاضية لحارس الجزائر والأمة الإسلامية في البحرالمتوسط جمعاء أي (الأسطول الجزائري).

· لقد دفعت الجزائر ضريبة الدم، طيلة ثلاثة قرون وربع قرن كاملة، من مواجهات عسكرية، وحصارات اقتصادية، كان ذلك كله لأنها وقفت موقفا تاريخيا شجاعا عندما تضامنت مع إخوانها المطرودين من الأندلس وكذلك من جراء كونها أصبحت قاعدة خلفية متقدمة للدولة العثمانية، التي أصبحت تهدد الوجود الأوربي لذلك قاوموها واستدرجوها إلى حيث استطاعوا إخراجها من جنوب شرق أوربا إلا في اسطنبول وضواحيها.

· وتعرضت الجزائر أيضا إلى تسرب عدد كبير من اليهود القادمين إليها، من الأندلس والذين احتكروا التجارة وكونوا طبقة اجتماعية وبرجوازية متميزة وفي غياب الوثائق لا نجزم أنهم كانوا أحد أطراف الصراع مع الحكومة الجزائرية. إلى جانب استئثار العنصر الأندلسي واليهودي في أهم المجالات الحيوية بحكم الامتيازات التي تحصلوا عليها على حساب العنصر التركي، الذي ركز على الجانب العسكري، والعنصر الجزائري المهمش لاستلابه من حقوقه الأساسية لخوف الأتراك منه، لذلك قربوا إليهم اليهود والأندلسيين وعزلوا الجزائري، إلا فيما يهمهم من قريب ويخدم مصالحهم.

· ونقدر ما ساهمت به الجالية الأندلسية في ترقية وازدهار المدن الساحلية المطلة على البحر الأبيض المتوسط إلا أن المدن الداخلية البعيدة عن الساحل سادها التخلف والفقر والجهل، لأنها كانت بعيدة عن الاحتكاك الحضاري، ولأنه عنصرالحياة، لعيش الأمم، واستمرارية مسيرتها. مما أدى إلى التفاوت الاجتماعي والحضاري، بين سكان الساحل، وسكان الداخل. بل ذهبت بعض الأطراف إلى حد اعتبار أن المدن الجزائرية الساحلية لم تستفد استفادة حقيقية من التطورات السريعة التي كانت تعيشها أوربا في عصر النهضة الذي توج بظهور الثورة الصناعية. وعليه فإن التطور النسبي للمدن الساحلية الجزائرية، لم يكن سوى قوة ظاهرية وتقدم مصطنع، باعتبار أنالجزائر اكتفت بالعيش من البحر وأهملت العمق الطبيعي والامتداد الجغرافي للجزائر بكل أبعادها.

منقول
http://travel.maktoob.com/vb/travel105352/

http://travel.maktoob.com/vb/travel256696/

http://www.akhawia.net/showthread.php?t=126341

http://bayn.online.fr/vb/showthread.php?t=41053

http://www.leblover.com/vb/forum88/thread176043-9.html

الأندلسيون وآثارهم بفحص الجزائر العاصمة والمتيجة


مدخل عام:
أعالج في هذه البحث دور الهجرة الأندلسية إلى فحص الجزائر والمتيجة، حيث تبدو نصوص ووثائق استقرار الأندلسيين في سواحل المغرب الأوسط بجناحيه الشرقي وحاضرته بجاية والغربي وحاضرته وهران ووسطه جزائر الثعالبة شحيحة، كما تظهر خطوط المواصلات البرية والبحرية هي التي هيأت مرافئ استقرار الجاليات الأندلسية بالمغرب الأوسط وبهذا الصدد يذكر العلاَّمة ابن خلدون"...وأما أهل الأندلس، فافترقوا في الأقطار، عند تلاشي ملك العرب بها ومن خلفهم من البربر، وتغلبت عليهم أمم النصرانية، فانتشروا في عدوة المغرب وإفريقية، من لدن الدولة اللَّمتونية إلى هذا العهد، وشاركوا أهل العمران بما لديهم من الصنائع، وتعلقوا بأذيال الدولة."(1).وأثرى هؤلاء بلاد المغرب بما يملكون من مناهج تعليمية وقدرة في الزراعة والصناعة، والجهاد البحري.كما ساهموا في تطوير ميناء بجاية وأسطول الدولة الحفصية أيام السلطان أبي العباس أحمد وتطوير فعاليته في مواجهة الأساطيل البحرية بغرب المتوسط، وكان أمير البحر آنذاك محمد بن أبي مهدي، فجعل من مدينة بجاية أكبر قاعدة لانطلاق الغارات على السواحل الأوروبية(2).
لقد كان الأندلسيون أركان دولة المستنصر الحفصي منذ منتصف القرن السابع الهجري، يتبوءون معظم المراكز الهامة فيها(3). كان اتجاه الباحثين العرب لفترة طويلة موجهًا بشكل مكثف إلى دراسة تاريخ الأندلسيين خلال قيام دولة الإسلام بالأندلس نتيجة توافرهم على عدد من المصادر الأندلسية المتعاقبة بتلك الفترة في حين اتجه عدد كبير من الباحثين الأوروبيين إلى دراسة تاريخ الموريسكيين بأسبانيا بعد سقوط غرناطة، فدرسوا تاريخهم من خلال وثائق محاكم التفتيش، ومن خلال المصادر المعاصرة واعتبروا موضوع الموريسكيين موضوعًا مسيحيًّا قبل أن يكون موضوعًا إسلاميًّا، وكان نتيجة ذلك أن تنوعت الدراسات الموريسكية(الأوروبية) إلى درجة أصبحنا نجد معها تخصصات جزئية داخل التخصص العام.وفي الجانب المقابل نجد الباحث العربيءفي أغلب الحالاتء لا تسمو المواضيع التي يتطرق إليها عن الإثارة العاطفية على اعتبار أنها "مأساة" (4)لحقت بالتاريخ العربي الإسلامي دون أبعاد هذه المأساة حضاريًّا وسياسيا، سواء على صعيد المجتمع الأسباني نفسه، أو على صعيد المناطق التي استقر بها الموريسكيون، خاصة منطقة المغرب العربي.هذه المداخلة المتواضعة لطرح الإشكالية الخاصة بمناطق استقرار الموريسكيين والصعوبات التي عاشها الأندلسيون في مناطق "الشتات" ولو تجاوزا لأنهم بين أظهر إخوانهم وبدار الإسلام. ثم أشير إلى جهودهم وآثارهم في فحص"جزائر الثعالبة" والمتيجة عامة.

الهجرات الأندلسية إلى الجزائر عامة والمتيجة خاصة:
تشير الوثائق القليلة إلى هجرات أندلسية مبكرة قبل سقوط غرناطة عام 1492م، وقبل الطرد النهائي لبقايا المدجنين من كان بحي البيازين وثوار جبال البشارات عام 1610م، وتبدو أول هجرة أندلسية واضحة نحو الجزائر"جزائر الثعالبة" على إثر سقوط سرقسطة البيضاء عام 512هـ/1120ء1121م واستقرارهم في أعالي الجزائر وموطن استقرارهم بحي أو حومة الثغريين ولا تزال الهضبة التي استوطنوها تحمل اسمهم إلى اليوم، ويعود لهم الفضل الأكبر في إحياء المنطقة والقضاء على أحراش بوزريعة واستصلاح غابات المنطقة كما سيأتي ذكره لاحقًا. لقد كان خط سير الثغريين من سرقسطة البيضاء أيام حكم أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين(537هـ/1143م)، فقد حملهم الأسطول المرابطي العامل في السواحل والجزر المرابطية من ميناء ألمرية إلى جزائر الثعالبة رأسًا وقد كانت الحاضرة المرابطية الشهيرة بالمغرب الأوسط.
أما الهجرة الأندلسية الثانية في هذه المرحلة المبكرة في منتصف القرن السادس الهجري، الثاني عشر الميلادي حيث تمت أيام سقوط ألمرية نفسها على يد الصليبيين الفرنسيين من بروفانس وإمارة لانغدوك(Langue d’oc) جنوب ووسط فرنسا، وكانت محطة استقرارهم الأولى بجاية الناصرية ثم تحولوا في ظروف لا نعلم دواعيها إلى فحص الجزائر، وكان استقرارهم ببساتين ثامنتفوست لقرب سهول المنطقة من المرافئ البحرية للجزائر الشرقية(5). وصد الحملات الأسبانية التي تسعى للسيطرة على ضفتي المتوسط في إطار الإمبراطورية الجديدة(6).


الهجرة الأندلسية الثانية:
هجرة أهل بلنسية الشهيرة، هجرة كثيفة نحو تونس الحفصية وبجاية كما خرجت عائلات كثيرة من تونس واستقرت أولا: بمدينة القل وتادلس "دلس" حاليا ومنها إلى فحص الجزائر المتيجة أيام اشتداد الحملات الصليبية الأسبانية على بجاية وبونة والقالة ودلس. هذه الهجرات كانت بطريقة
أو بأخرى تتم نحو جزائر الثعالبة منذ أيام المرابطين والموحدين ثم أسسوا مدينة القليعة فيما بعد.
ومن الأسباب الموضوعية التي أدت إلى استقرار هذه الجاليات الأندلسية من سرقسطة البيضاء وألمرية وبلنسية خاصة إلى رغبة الثعالبة وهم فرع من عرب المعاقيل الذين ملكوا المتيجة وضواحي مدينة الجزائر العاصمة والفحص بصورة خاصة لحاجتهم إلى خبرة هؤلاء الأندلسيين الزراعية خاصة والحرفية عامة.
تتميز الهجرات الأندلسية الأولى كما ذهب إلى ذلك جل المؤرخين الجزائريين بأنها هجرات أسر وجيهة وأعلام أندلسية بارزة كان لها الأثر الكبير في جميع الميادين العلمية والاقتصادية وقد استقطبتهم بجاية الناصرية والحفصية بصورة بارزة(7).
واستقرت حوالي ثلاثمائة أسرة أندلسية هاجرت من قشتالة والأندلس ومن أهل الثغور من مملكة بلنسية، واستوطنوا مدينة القل مدينة المهاجرين الأندلسيين كما يقول مارمول كربخال( 8 ).
لذا تطورت هذه المدينة العتيقة التي استوطنها الأندلسيون من شرق الأندلس وحواضره الشهيرة بلنسية ومثاغري جزيرة شقر، والقل بلد غني بالفواكه ومنها أشجار الليمون والبرتقال، كما كسبت المنطقة من خلال خبرة الأندلسيين درجة عالية في تربية دودة القز، لهذا كانت من أطماع بيدرو الثالث الأراغوني، الذي سعى للسيطرة عليها ثم الزحف على مدينة قسنطينة في مغامرة غير محمودة بتواطئ مع ابن الوزير الطامح في عرش تونس الحفصية بمساعدة مملكة أراغون الصليبية(9).

المرحلة الثالثة للهجرة الأندلسية نحو الجزائر
ارتبطت نهاية الحكم الإسلامي بالأندلس بسقوط آخر معاقل الإسلام المحاصر بأقصى جنوب غرب أوروباءغرناطة بني الأحمر(897هـ/1492م) وبانتهاج الأسبان سياسة متابعة حركة الاسترداد ببلاد المغرب وتعقب المهاجرين الأندلسيين بها، وذلك للحيلولة دون قيامهم بالجهاد البحري انتقامًا لما تعرضوا له، وقد أسفرت هذه السياسة عن استيلاء الأسبان على العديد من المراكز الساحلية بالسواحل الجزائرية، فقد فرضوا سيطرتهم على المرسى الكبير(1505) و وهران (1509م) ومستغانم (1511) وهنين
(1512).
تطلبت تصفية الوجود الإسلامي بأسبانيا ذاتها انتهاج سياسة التنصير الإجباري(10) للمسلمين التي أشرفت عليها الكنيسة الكاثوليكية وتبنَّاها الكاردينال خيمينيس (Cinseros Ximénés) ونفذها البغيض الأسباني فنقض فردناند وإيزابيلا العهد الذي أعطي للمسلمين مقابل تسليم غرناطة وحرمت الشعائر الإسلامية وأحرقت الكتب العربية وأغلقت المساجد (905هـ/1499م) واعتبر الدين الإسلامي خطرًا على أسبانيا ومنع وجود المسلمين بها(907هـ/1501م) وهذا ما أدى إلى انتفاضة المسلمين وقيامهم بثورة جبال البشارات(976هـ/1568ء1570م) وبعد سنتين فشلت الثورة فأرغموا على التهجير إلى السواحل المغربية، وأعقبت هذه الانتكاسة زيادة الضغط على المسلمين، فاتخذت في حقهم إجراأت قمعية رادعة مهدت إلى قرارات الطرد الجماعي التي أصدر قوانينها ومراسيمها فيليب الثالث ما بين 1607ء1614م بإيعاز من الكنيسة وتشجيع من الإقطاعيين فخصصت لهم السفن لنقلهم إلى السواحل المغربية، وقد تضمنت الوثائق الأسبانية قوائم السفن التي حملت الأندلسيين المهجرين إلى وهران والمرسى الكبير باعتبارهما مركزين أسبانيين يوجه إليهما المهجرون.فقد تم نقل ما بين شهري أكتوبر ونوفمبر من عام(1016هـ/1609م) 116022 مسلمًا من مناطق شرق الأندلس، وتعرض المهجرون الأندلسيون إلى مأساة ثانية بالجزائر وفاس حيث أغارت عليهم قبائل المنطقة، قال المقري التلمساني:"فخرجت ألوف بفاس وألوف بتلمسان من وهران...فسلط عليهم الأعراب ومن لا يخشى الله تعالى في الطرقات ونهبوا أموالهم وهذا ببلاد تلمسان وفاس ونجا القليل من هذه المعَرَّة"(11). ونتج عن هذا الوضع تجند المرابطين وشيوخ الزوايا بالمغرب الأوسط(الجزائر)لحمايتهم والدعوة إلى الجهاد، وطلب الفقهاء والوجهاء إلحاق البلاد الجزائرية بالدولة العثمانية حاملة راية الإسلام (918ء924هـ/1512ء1518م) وتحولت الجزائر بذلك إلى جبهة متقدمة في صد الدولة العثمانية للنفوذ الأسباني، وارتبط هذا العصر في الجزائر بتحول أعداد كثيرة من الأندلسيين من أسبانيا للاستقرار بالمدن والأقاليم الجزائرية الساحلية خاصة، فكانت أهم مراكز الاستقرار بالغرب الجزائري، وهران ونواحيها ومستغانم وآرزيو وجهاتها وتلمسان وقلعة بني راشد ومازونة وندرومة، وبالشرق الجزائري استقرت جاليات أندلسية ببجاية وجيجل والقل وقسنطينة وبونة(عنابة) والقالة، أما الوسط فاختارته بعض الجاليات الثغرية القادمة من وشقة وسرقسطة البيضاء وبطليوس بالغرب(البرتغال).وتجمع الأندلسيون في مدن الجزائر والبليدة والقليعة وشرشال وتادلس ومليانة والمدية ومازونة وفي إقليمي المتيجة والساحل القريب منها(12).
لقد تم نقل ما بين 1543ء1569م حوالي 7700 أندلسي من أهالي بلنسية وأليكانت وهذا أيام البحارة المشهورين صالح رايس، إيدن رايس درغوث رايس، حسن فينيزيانو،مراد رايس، كما شارك مئات المتطوعين الإنكشاريين ثوار جبال البشارات وهذا بإنزال بحري على شواطئ نواحي ألمرية ومربلة ما بين سنتي 1568ء1569م، وأشار كتاب غزوات عروج و خير الدين" أنه قد أنقذ ما لا يقل عن سبعين ألف أندلسي وحملهم خير الدين إلى الجزائر، وما يلاحظ أن أغلب هؤلاء المرحلين الأندلسيين يشكلون المرحلة الثانية للهجرة الأندلسية نحو الجزائر، كانوا من الطبقات المتوسطة والفقيرة فجلهم من الفلاحين وأصحاب المهن والصنائع والتجار والقليل منهم كان له حظ في العلم أو نصيب في الثقافة وهذا عكس المرحلة الأولى للهجرة الأندلسية للجزائر التي سبقت الإشارة إليها(13).


أثار الأندلسيين بالجزائر العثمانية:
أدَّت الهجرات الأندلسية المتتابعة نحو مدينة الجزائر إلى ارتفاع عدد السكان من 25 ألف(1518م) إلى 70 ألف (1580) ليرتفع إلى ما بين 100 ألف و120 ألف نسمة عام 1634م حسبما يستنتج من المصادر المعاصرة، بحيث أصبح الأندلسيون يشكلون ربع سكان مدينة الجزائر في بداية القرن الحادي عشر الهجري، مستهل القرن السابع عشر الميلادي، فقد قدر الراهب الأسباني هايدو(Haèdo) عددهم عام 1609م بما لا يقل عن 25000 نسمة وهذا ما اضطر حكام الجزائر إلى تحويل قسم منهم إلى الأرياف المجاورة كما حدث عام 1512م الذي عانى فيه السكان المجاعة ونقص الأقوات فحمل متولي الشرطة بالمدينة مسؤولية ذلك الموريسكيين وأمر بطردهم من المدينة في ظرف ثلاثة أيام، ولم يتردد في قتل الأشخاص العاجزين على مغادرة المدينة في الوقت المحدد(14)،كما انجرَّ عن تكاثر الأندلسيين بمدينة الجزائر تخصيص أماكن أخرى لاستقرارهم غير بعيد عن الجزائر، فقد أقامت أسر أندلسية بزعامة سيدي أحمد الكبير في مدينة البليدة(942هـ/1535م) وأنشأت جماعات المدجنين القادمين من قشتالة وثغور بلنسية مدينة القليعة(957هـ/1550م)، وطوروا كما سلف مدينة القل، وساحل الجزائر الشرقي، وجعلوا من مرفأ ثامنتفوست حصنًا وقلعة لحماية الجزائر البيضاء المحروسة، انتقامًا من الأسبان الذين أذاقوهم الأمرين.
لم يمانع حكام الجزائر تشجيع بعض الأندلسيين للعودة إلى وطنهم بهدف الجوسسة أو إثارة إخوانهم المدجنين ضد الحكم الأسباني، وفي هذا الإطار من النشاط السرِّي سارع موريسكيو بلنسية إلى إخبار إخوانهم بالجزائر بالاستعداد الأسباني للقيام بحملة بحرية ضد الجزائر سنة 1601م فأرسلوا لهذا الغرض زورقًا على جناح السرعة وعندما نجحت مساعيهم وفشل الهجوم الأسباني لم يترددوا حسب الوثائق الأسبانية التي أوردت الخبر من إقامة حفلات بهيجة جماعية تعبيرًا عن تضامنهم مع إخوانهم بالجزائر(15).

أولا: الدعم العسكري:
ساعد الأندلسيون في تدعيم الحكم العثماني بالجزائر،وقدموا يد المساعدة والعون للأخوين عرُّوج وخير الدين بربروسة في صراعهم مع الأسبان حيث كان الأخوان سببًا بعد الله في خلاص كثير من المسلمين من أيدي الكفرة المتمردين ونقلهم إلى أرض الإسلام.
اتخذ حكام الجزائر منذ عهد خير الدين من الأندلسيين جنودًا لحراسة أبراج مدينة الجزائر وألَّفوا منهم فرقًا عسكرية شاركت في توطيد الحكم العثماني في الأقاليم الداخلية للجزائر، فقد شارك 500 أندلسي من أهالي غرناطة وأراغون وبلنسية في الحملة التي شنها خير الدين للقضاء على حميد العيد حليف الأسبان المستبد بمدينة تنس ونواحيها عام 1517م كما كلفت جماعات الأندلسيين بحراسة مدينة المدية بعد أن تمكن خير الدين من تنحية محمد بن العابد وإلحاقها بالسلطة المركزية بالجزائر، كما قضت فرقة من الرماة(500) على حاكم مليانة المدعو حسن أيام حسن بن خير الدين.
تزايد عدد المدجنين الأندلسيين المدافعين عن الجزائر المحروسة وبلغ شهداؤهم أيام حملة الصليبي شارل كانت حوالي 5000 شهيدًا وبلغ عدد الأندلسيين المجندين 6000 فرد من مجموع 15000 رجل المقدرين للجيش والقوة العسكرية الجزائرية(16).ولا يمكن لعاقل إلا الاعتراف لهؤلاء الأندلسيين بالفضل الكبير في تحديث الجيش الإسلامي بالجزائر في العهد العثماني نظرًا لخبرتهم الطويلة في الجهاد وصد حملات القوات العسكرية الأسبانية التي أضاقتهم الأمرين.

ثانيًّا: النشاط الاقتصادي
اشتغل أندلسيو فحص الجزائر في الأعمال الزراعية والتجارية والحرفية وتفوقوا في ضروب الصناعات التقليدية، وكان أغلبهم بباب الواد وباب عزُّون من صناع أهل الأندلس، وأهم الصناعات التي عرف بها الأندلسيون صناعة النسيج بمختلف أصنافها" أقمشة الكتان والقطن والحرير والمحمل (القطيفة)"،وقد كانت معامل الأقمشة في الربع الأول من القرن السادس عشر تضم ما لا يقل عن 3000 عامل كما لا تقل هذه الصناعة أهمية عن بقية الصناعات والحرف الأخرى التي أتقن صناعتها الأندلسيون وهي التطريز(الشبيكة) والقلانس(الشاشية) وصناعة الحلي وتجهيز السفن وصناعة الأسلحة.
لم يقتصر النشاط الاقتصادي الخاص بالهجرة الأندلسية في المتيجة وفحص الجزائر وبقية مدن وحواضر استقرارهم على الجانب الحرفي، فقد نشطوا العمل الزراعي في الساحل الشرقي والغربي لمدينة الجزائر، حيث استصلحوا الأراضي وأخرجوا الماء ونظموا الرعي بفحص باب الوادي بواسطة مياه المعامل وفحوص باب عزون باستغلال مياه الحامة وواد خنيس ووادي الجر فبنوا الأحواض والصهاريج والسواقي والقنوات والحنايا والنوريات(الناعورات) وحفروا آبار الماء، وأنشأوا العيون، وكانت من أهمها عيون الحامة التي بناها أوسطى موسى، أحد الصناع الأندلسيين عـلى عهد قوصة مصطفى حاكم الجزائر(1610ء1613م).
على أن أهم آثار الأندلسيين في مدينة الجزائر والبليدة والقليعة والمدية يتمثل في تلك التقنيات الزراعية المتطورة التي أدخلوها إلى هذه المدن من حيث آلات العمل الفلاحي وطرق التشذيب والتلقيح والغراسة واختيار التربة ونوعية المياه(17)، مما أدَّى إلى تحسين أنواع عديدة من الأشجار المثمرة كالعنب، والبرتقال والزيتون والتفاح والجوز واللوز والمشمش، وإدخال أنواع جديدة من الخضر والفواكه لم يألفها السكان قبلهم مثل:حب الملوك(الكرز) والنارنج والقرنون والكراث والجلبان والملفوف والباذنجان والطماطم والبطاطس والفلفل وأنواع الزهور والقرمز.
شكل الأندلسيون أساس اقتصاد مدينة الجزائر بمثل الأعمال الحرفية والتجارية والزراعية التي جلبوها معهم من موطنهم الأصلي الأندلس بمختلف أقاليمه. وكان الأندلسيون المهجرون نحو الجزائر نواة تطور مدينة البليدة حيث قاموا باستصلاح فحص المتيجة وأقاموا البساتين الغناء وأحواض الماء لسقي البساتين والحقول، فعرف سكان المنطقة سعة الرزق ورخاء المعيشة أثناء القرنين السادس عشر والسابع عشر وهذا ما جعل سيور دي لا كروى(Sieur de lacroix) يؤكد على أن 2000 موريسكي هم سبب في جعل مدينة الجزائر مدينة غنية بمشاغل الحرير والقطيفة وغيرها من الصناعات اليدوية المتطورة الدقيقة(18).

التأثير على البنية الاجتماعية لفحص الجزائر والمتيجة:
ظل الأندلسيون شريحة اجتماعية متماسكة، يحتكر أفرادها أغلب المناصب الإدارية والوظائف الاجتماعية المهمة التي لم يشغلها الأتراك بمدينة الجزائر، وقد كانت لهذه الجماعة حظوة ومكانة لدى الحكام وتعامل خاص مع التجار الأوروبيين والمتعاملين اليهود الذين قدموا من الأندلس أو المدن الإيطالية وقد اشتهرت من هذه الطبقة الميسورة عدة أسر توارثت الثروة والنفوذ، واشتغل أفرادها بالتجارة والصناعة مثل ابن رامول، وابن هنِّي وابن النيقرو، وبرحال، وبوناتيرو، وبن تشيكو وبن الكبابطي، وبوضربة، وابن الشاهد، وابن الأمين، وابن عمار، وخوجة، والزهار، والآبلي وشلاسة، والعنجدون وغيرها(19).
ازدهار الحياة الفكرية والفنية بمدينة الجزائر
ساهم الأندلسيون بقسط وافر في التعليم بالمدارس المشهورة منها مدرسة الأندلس، مدرسة القشاش، كما كان لهم نصيب في فنون الأدب والثقافة لم يصل إلى مستوى أسلافهم من علماء بجاية وتونس وفاس ولكنه مكَّن من المحافظة على التقاليد التربوية والتعليمية الأندلسية كما ضمن استمرار التقاليد العلمية والفقهية والأدبية، فأصبح للفتح بن خاقان ولسان الدين بن الخطيب مثالا يحتذى به في فن الترسيل والنثر الفني، كما تؤكده أعمال ابن عمار وابن حمادوش وابن ميمون،كما تولَّى الأندلسيون الوظائف الشرعية كالقضاء والإمامة والخطابة والنظر في الأحباس والأوقاف واشتهر منهم في مجال القضاء: ابن النيقرو وابن الأمين وابن عمار وابن الكبابطي، أما في ميدان الفن فكان اهتمامهم كبيرًا كادوا ينفردون بتنشيط الحياة الفنية، فقد نقلوا إلى فحص الجزائر ومدنه الشهيرة الموشحات والأزجال الأندلسية وأدخلوا آلات موسيقية أندلسية، وحافظوا عليها مثل العود والرباب، والكامنجة، والصنوج والطبيلة والطارو والدربوكة، وأحيوا المواليد والإخوانيات وقصائد المديح والغزل والتشبيب ووصف الطبيعة والرثاء، وشعر الحرب، ومن أشهر منظمي الموشحات أبو العباس أحمد بن عمار الأندلسي الجزائري متولي إفتاء المالكية سنة 1180هـ/1766م(20) وصاحب الرحلة الشهيرة "نحلة اللبيب في الرحلة إلى الحبيب"(21) و"لواء النصر". ومحمد بن الشاهد الأندلسي الجزائري (ت.1207هـ/1793م).وعمر بن سيدي علي الأندلسي، متولي قضاء الحنفية سنة 1163هـ/1750م، وغيرهم من العلماء(22).
وفي الختام نقول إن الهجرة الأندلسية الأولى قبل سقوط غرناطة والهجرة الثانية بعد ثورة البشارات أعطت للجزائر عامة ومدنها الساحلية والداخلية خاصة بُعْدًا أندلسيا واضحًا، وأصبحت الجزائر وطنهم فدافعوا عنه بالغالي والنفيس طوال صراعها لمدة ثلاثة قرون مع أسبانيا النصرانية الكاثوليكية.
وخير ما نختم به هذه الحوصلة بتلخيص لما جاء في كتاب الدكتور مصطفى أحمد بن حموش حيث يلتفت المؤلف إلى إنشاء المدن كإحدى صور تحقيق المصلحة العامة وفق ضوابط الشريعة، فيذكر إنشاء مدينة القليعة مدينة المهاجرين الأندلسيين، ويفسر اسمها بأنه تصغير كلمة (قلعة)، في دلالة على وظيفتها العسكرية التي أرادها منها مؤسسها الباشا حسن، فقد كانت ركيزة في المنطقة لمواجهة القبائل البربرية بجبال شنوة.
كما يستعرض نظرية في غاية الفطنة والانتباه إلى ما حدث في الضفة الشمالية يوم تهجير الأندلسيين أو القضاء عليهم في المنافي ومحاكم التفتيش فيستخلص بأنه مقابل اختفاء المدن والقرى الأندلسية في أسبانيا كانت تنشأ مدن وقرى في الضفة الأخرى من البحر حتى أن أغلب المدن في المغرب يعود الفضل في إنشائها إلى أهل الأندلس، فقد كان سكان المغرب الأصليون آنذاك يفضلون الخيمة والريف على المدينة، ولعب العثمانيون دورًا حاسما في توطين اللاجئين الأندلسيين وإعانتهم على الاندماج في الإقليم الجديد، من منطلق ديني وإعمالا للمصلحة العامة في أعلى مستوياتها وهي حفظ الدين ورعاية الأمة.
يقترب الجزء الثالث ءمن كتاب الباحث المذكور أعلاهء أكثر من مدينة الجزائر ونموها، ويلاحظ بعض تفاصيل هذه المدينة التي كانت صغيرة إلى حد أن الرحالة لم يذكروها إلا نادرًا، وأصبحت في ما بعد في العهد العثماني إحدى المدن العربية الكبرى، حيث ازداد عدد سكانها وكبرت مساحتها وتحولت إلى نموذج يمكن قراءة السياسة العمرانية العثمانية فيها ولهذا كانت هذه المدينة إحدى المحاور الأساسية في الكتاب بمجمله(23).
يقول المؤلف مصطفى أحمد بن حموش: إن أغلب المشاريع التي اطلع عليها عبر الوثائق كانت عسكرية. ويضيف أنه في بعض الحالات تكون المشاريع أشبه بالإعلان عن مناقصة، ومن أمثلة ذلك "مشروع جلب الماء من عين الحامة حيث طلب علي باشا من أهل الخبرة إجراء دراسات على كيفية إيصالها للمدينة".
وأثر على نوعية الطراز المعماري المهاجرون الأندلسيون الذين تدفقوا على شمال أفريقيا بعد النكبة وكذلك الأسرى المسيحيون الذين استخدموا في المشاريع العامة، فضلا عن الطراز المشرقي العثماني الذي فرضه حضورهم في أجهزة السلطة.
وينتهي الباحث إلى خاتمة تؤكد على تكفل السلطة بالمسائل الإستراتيجية الكبرى التي ترتبط بالمدينة ككل، وأن المركزية في الإدارة ساعدت على التنسيق بين مختلف الخدمات، كما أن حضور أهل الخبرة بجانب السلطة كان له أثر في تحديد المشاريع الضرورية لاحتياجات السكان.
واندمج الأندلسيون مع "البلدية" من السكان "الحضر" والكراغلة وطبقة الأتراك، وشكلوا طبقة ميسورة. فتأثرت هذه الطبقة بلباس الأندلسيين ولهجاتهم، كما تأثر "البرانية" من البدو بسلوك هذه الفئة المتحضرة في المعاملة والمظهر الأنيق. فطبع الأندلسيون المدينة بطبائعهم الاجتماعية وأثروا على حرف مدينة الجزائر، كما أشار إلى ذلك أكثر من باحث في هذا العصر الذي كون مجتمعًا متماسكًا لمدة قرون حتى غزاهم الاستعمار، فدمروا العمران الموريسكي، وحطموا المساجد ومعاهد العلم وغيروا الشوارع بدعاوى توسيع المدينة، وهيمنوا على العقار، وأرجعوا سكان المدينة إلى عصر ما قبل تحضر المدينة في القرن السادس عشر والقرون التي جاءت بعده.

ـــــــــــــــــــــ
(1)أبن خلدون، المقدمة، ص:401.
(2)ء عبد الناصر جبَّار، بنو حفص والقوى الصليبية في غرب البحر المتوسط ص:131.
(3)ءممدوح حسين، الحروب الصليبية في شمال إفريقية وأثرها الحضاري، ص:303.
(4)ء وثيقة أندلسية عن سقوط غرناطة مع دراسة تحليلية للمستشرق جيميس.ت.مونرو، ترجمها وعلق عليها الدكتور محمد عبد الله الشرقاوي، القاهرة، دار الهداية،دون تاريخ)، ص: 17.
(5)ءتقع ثامنتفوست أو روسقونيا القديمة، على بعد 24 كلم شرق جزائر الثعالبة، وتحتل الجزء الشرقي من جوف الجزائر، ويقصد بثامنتفوست الجانب الأيمن، واسمها قديمًا روسقونيا المتكون من كلمة روس البونية الأصل وتعني قمة أو رأس، ومعناها: قمة أو رأس الأدغال:عمرها الرومان، وآثارهم الباقية إلى اليوم، لا تزال شاهدة على تعميرهم لها، وكانوا قد أزالوا الآثار الفينيقية، حيث كانت تمثل مرفأ السفن ومنطقة تخزين السلع الفينيقية، ثم عمرها الأندلسيون وكونوا منها حصنًا وقلعة في عهد الجزائر العثمانية، وكانت من ثامنتفوست تنطلق السفن لحماية الساحل الشرقي، وقاموا بتعمير المنطقة الفلاحية، وهذا بما جلبوه من خبرات في الري، ومد القنوات لسقي البساتين.انظر:تامنتفوست (روسقونيا القديمة)،الجزائر، الوكالة الوطنية للآثار وحماية المعالم والنصب التاريخية، 1998م.ص:3 .
(6)ء فرنان برودويل، المتوسط والعالم المتوسطي، تعريب وإنجاز مروان أبي سمرا، بيروت، دار المنتخب، 1993م. ص:47.
(7)ء محمد الشريف سيدي موسى، مدينة بجاية الناصرية(دراسة في الحياة الاجتماعية والفكرية)، تقديم الدكتور محمد الأمين بلغيث.الجزائر، دار هومة للنشر والتوزيع.2007م.
( 8 )ء مارمول كربخال، إفريقيا، الجزء الثاني، ص:362.
(9)ء ناصر الدين سعيدوني، صور من الهجرة الأندلسية إلى الجزائر (المجلة العربية للثقافة)، السنة الرابعة عشرة، العدد السابع والعشرون، عدد خاص بالتاريخ العربي في الأندلس، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، 1994م. ص:232. أفوقاي(أحمد بن قاسم الحجري الأندلسي)، ناصر الدين على القوم الكافرين(مختصر رحلة الشهاب إلى لقاء الأحباب)، تحقيق محمد رزوق،الدارالبيضاء، مطبعة النجاح الجديدة،1407هـ/1987م.ص:5.ممدوح حسين، الحروب الصليبية في شمال إفريقية وأثرها الحضاري.ص:472.
(10)ء وثيقة أندلسية: عن سقوط غرناطة مع دراسة تحليلية للمستشرق جيميس.ت.مونرو،ص:19. الفيكونت شاتوبريان، الإسلام في الأندلس آخر بني سراج(ملحق أخبار العصر في انقضاء دولة بني نصر آخر بني سراج)، ترجمة الأمير شكيب أرسلان، بيروت، دار مكتبة الحياة، 1985م.ص:129.
(11)ألمقري التلمساني، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، تحقيق إحسان عباس، بيروت، دار الثقافة.ناصر الدين سعيدوني، صور من الهجرة الأندلسية إلى الجزائر، ص:213.
(12)ء ناصر الدين سعيدوني، الجالية الأندلسية بالجزائر، مساهمتها العمرانية ونشاطها الاقتصادي ووضعها الاجتماعي( مجلة أوراق) مدريد، العدد الرابع، المعهد الأسباني العربي للثقافة،1984م.ص ص:111ء118.
(13)ءجاء في كتاب غزوات خير الدين وعروج، فكتب أهل الأندلس كتابًا إلى خير الدين يعلمونه بما وقع من النصارى من هذه المحن ويتضرعون إليه في إنقاذهم بما هم فيه فوصل إليه كتابهم فامتعض من أجلهم ودخلته حمية الإسلام، والغيرة للدين المحمدي، فعند ذلك، حضر ستة وثلاثين جفنًا، فلما رآهم الأندلسيون خرجوا إلى ذلك الجبل المتقدم، فتجرد في طلبهم النصارى فلما وصلوا إلى الجبل نزل إليهم أهل الأجفان من المسلمين وأتوهم من ورائهم ووقع بينهم قتال عظيم،قيض الله المسلمين عليهم فأخذ الكفار في الفرار وتبعهم المسلمون في الأثر حتى أبعدوا عن مكانهم، ثم إنهم رجعوا.لما رأى أهل الجبل من الأندلسيين ما منح الله عسكر خير الدين من النصر نزلوا إليهم من الجبل وسلموا عليهم واستبشروا بقدومهم... ، فرفعوا نساءهم وأبناءهم وما قدروا عليه من أموالهم وأبناءهم فأتوا بها إلى الأجفان ووسعوها بذلك، وركب فيها عدد كثير منهم ورجعوا إلى الجزائر بعد ما خلفوا ألف مقاتل من العسكر يحرسون جماعة المسلمين الباقية من الأندلس خوفًا عليهم من غائلة النصارى لعنة الله عليهم، فلما وصلت الأجفان إلى الجزائر خلفوا ما حملوه من الأندلس... فكان جملة ما حملوه سبعين ألفًا انظر:مجهول، تاريخ خير الدين، مخطوط رقم:5754.نقلا عن جمال قنان، نصوص ووثائق في تاريخ الجزائر الحديث(1500ء1830م)، الجزائر، منشورات المؤسسة الوطنية للطباعة، 1987م.ص:41.
(14)ء ناصر الدين سعيدوني، صور من الهجرة الأندلسية إلى الجزائر،ص:232.محمد رزوق، الأندلسيون وهجرتهم إلى المغرب خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، الدار البيضاء،1989م.ص:132.
(15)ء ناصر الدين سعيدوني، صور من الهجرة الأندلسية إلى الجزائر، ص:234.أحمد توفيق المدني، حرب الثلاثمائة سنة بين الجزائر وأسبانيا(1492ء1792م).الجزائر، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، 1977م.
(16)ء انظر رسالة فيليب الثاني ملك أسبانيا إلى فورك فو(Fourque Youls) سفير فرنسا بتاريخ 6 جويلية 1566م.ناصر الدين سعيدوني، صور من الهجرة الأندلسية إلى الجزائر،ص:236.
(17)ءلمزيد من الإطلاع على مسائل الماء والتقنيات الفلاحية التي برع فيها الأندلسيون منذ عهد قديم انظر: محمد الأمين بلغيث، الحياة الفكرية بالأندلس في عصر المرابطين، المجلد الثاني،ص:529 وما بعدها.
(18)ء سعيدوني، صور من الهجرة الأندلسية إلى الجزائر،ص:237.أحمد توفيق المدني، حرب الثلاثمائة سنة، ص:420.
(19)ء سعيدوني، صور من الهجرة الأندلسية إلى الجزائر،ص:236.
(20)ء أبو القاسم سعد الله، تاريخ الجزائر الثقافي، الجزء الأول، بيروت، دار الغرب الإسلامي،1981م.ص:282.(21)ءهذه الأعمال من اهتمامات المؤرخ سعد الله ونشر نصوصها الهامة، كما نشر رسالة الغريب إلى الحبيب تأليف أحمد أبو عصيدة البجائي، بدار الغرب الإسلامي عام 1993م.
(22)ء سعيدوني، صور من الهجرة الأندلسية إلى الجزائر، ص:239.
(23)ء مصطفى أحمد بن حموش، المدينة والسلطة في الإسلام، نموذج الجزائر في العهد العثماني، دبي، مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث، 1999م.(320صفحة).
عرض/ شفيق شقير المصدر:الجزيرة نت.


مراجع الدراسة
(*)ألمجلس الشعبي البلدي لمدينة البليدة، تخليدًا لمؤسس المدينة سيدي أحمد الكبير، أسبوع تاريخ متيجة عبر العصور، من:4 إلى غاية 9 ماي 2002م.
(1)ء عبد الرحمن بن خلدون، المقدمة،نسخة محققة، بيروت، دار الفكر،1422هـ/2002م.
(2)ء وثيقة أندلسية عن سقوط غرناطة مع دراسة تحليلية للمستشرق جيميس.ت.مونرو، ترجمها وعلق عليها الدكتور محمد عبد الله الشرقاوي، القاهرة، دار الهداية،دون تاريخ).
(3)ء الفيكونت شاتوبريان، الإسلام في الأندلس آخر بني سراج(ملحق أخبار العصر في انقضاء دولة بني نصر آخر بني سراج) ، ترجمة الأمير شكيب أرسلان، بيروت، دار مكتبة الحياة، 1985م.
(4)ء ناصر الدين سعيدوني، صور من الهجرة الأندلسية إلى الجزائر (المجلة العربية للثقافة)، السنة الرابعة عشرة، العدد السابع والعشرون، عدد خاص بالتاريخ العربي في الأندلس، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، 1994م.
(5)ء ناصر الدين سعيدوني، الجالية الأندلسية بالجزائر، مساهمتها العمرانية ونشاطها الاقتصادي ووضعها الاجتماعي(مجلة أوراق) مدريد، العدد الرابع، المعهد الأسباني العربي للثقافة.1984م.
(6)ء أبو القاسم سعد الله، تاريخ الجزائر الثقافي، الجزء الأول، بيروت، دار الغرب الإسلامي،1981م.
(7)ء محمد الأمين بلغيث، الحياة الفكرية بالأندلس في عصر المرابطين، المجلد الثاني، أطروحة دكتوراه الدولة مخطوطة، إشراف أ.د.عبد الحميد حاجيات، قسم التاريخ، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة الجزائر 1423ء1424هـ/2002ء2003م.نوقشت يوم 15 ماي 2003م.
( 8 )ء محمد رزوق، الأندلسيون وهجرتهم إلى المغرب خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، الدار البيضاء،1989م.
(9)ء أفوقاي(أحمد بن قاسم الحجري الأندلسي)، ناصر الدين على القوم الكافرين(مختصر رحلة الشهاب إلى لقاء الأحباب)، تحقيق محمد رزوق الدارالبيضاء، مطبعة النجاح الجديدة، 1407هـ/1987م.
(10)ء مصطفى أحمد بن حموش، المدينة والسلطة في الإسلام، مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث بدبي، 1999م.(320صفحة). عرض/ شفيق شقير المصدر الجزيرة نت.
(11)ء فرنان برودويل، المتوسط والعالم المتوسطي، تعريب وإنجاز مروان أبي سمرا، بيروت، دار المنتخب، 1993م.

المصدر:الدكتور محمد الأمين بلغيث، فصـول في التاريخ والعمران بالغرب الإسلامي، أنتير سينيي، الجزائر 1428هـ/2007م، ص 62 و ما بعدها ( 9789961.9728.0.96 :ردمك ) Editions InterSignes


الرجوع الى أعلى الصفحة