mercredi 29 juin 2022


 مولده ونسبه :

ولد أحمد مصالي الحاج ليلة 16 ماي 1898 في حي رحيبة بمدينة تلمسان العريقة ،أمه هي فاطمة بنت ساري حاج الدين القاضي الشرعي في تلمسان ، أما أبوه فيدعى أحمد ويتميز بقامته الطويلة التي تتجاوز مترين وعشر سنتيمترات ،وقد كلفه سكان مدينة تلمسان بحراسة ضريح الولي الصالح سيدي بومدين لتقواه و ورعه .
· طفولته :
درس مصالي الحاج في المدرسة الأهلية الفرنسية في تلمسان ،فكان يتألم كثيرا لمدى اهتمام المدرسة بتاريخ فرنسا وتلقينه للتلاميذ في الوقت الذي غيب فيه تماما تاريخ وجغرافية وطنه ، ولاحظ الطفل أحمد الفرق الشاسع بين ما يتلقاه في المدرسة عن الحضارة والعدل الفرنسيين وما يشاهده في الواقع من اهانة واستغلال للجزائريين ، فأصبح التلميذ مصالي شديد الغضب يثور لكل صغيرة وكبيرة تمس زملاءه التلاميذ فلقب بــ" محامي القسم" مما دفع إدارة المدرسة إلى طرده سنة 1916.
كما تلقى مصالي الحج تربية دينية في زاوية الحاج محمد بن يلس التابعة للطريقة الدرقاوية بتلمسان .
مارس الطفل أحمد إلى جانب دراسته عدة أعمال لمساعدة عائلته الفقيرة ، فاشتغل حلاقا فاسكافيا ثم بقالا وعمره لا يتجاوز العشر سنوات ، كما اشتغل في مصنع للتبغ كملصق للطوابع على علب السجائر والأكياس لكنه فصل عن العمل لأن القانون يمنع تشغيل الأطفال .
· تجنيده الإجباري في الجيش الفرنسي :
أصدرت السلطات الاستعمارية الفرنسية قانون التجنيد الإجباري سنة 1911الذي ينص على تجنيد الشباب الجزائري إجباريا للخدمة في الجيش الفرنسي ، فرفض الجزائريون القانون المجحف في حقهم و طالبو بإلغائه لأنه يفرض عليهم القتال إلى جانب الكفار حسب اعتقادهم آنذاك .
شارك مصالي الحاج في عدة مظاهرات شعبية ضد قانون التجنيد الإجباري ، وكان يستمع إلى خطب الشيخ حلول شلبي في الجامع الكبير فيتلمسان التي تحرض السكان على رفض هذا القانون ويدعوهم للهجرة إلى البلاد الإسلامية كي لا يقعوا تحت طائلته فيقاتلوا في جيش الكفار، فاتبعت ألاف العائلات الجزائرية الميسورة الحال توجيهات هذا الشيخ وأمثاله من العلماء الأجلاء فهاجرت إلى الكثير من الأقطار الإسلامية
كالمغرب وتركيا ومصر والشام ، وأما عائلته فقد بقيت في تلمسان للان إمكانياتها لم تسمح لها بذلك .
استدعي مصالي الحاج إلى الخدمة العسكرية الإجبارية في الجيش الفرنسي عام 1918 ، فنقل إلى وهران ثم مدينة بوردو الفرنسية ، ولحسن حظ الشاب مصالي أن الحرب العالمية الأولى كانت على وشك الانتهاء ، إلا أنه تألم كثيرا لأن الدولة العثمانية التي يرتبط بها عقائديا قد انهزمت في الحرب أمام كل من فرنسا وبريطانيا واعتبر ذلك هزيمة للإسلام والمسلمين .
وقد ازداد تمسك مصالي الحاج بالدين الإسلامي عندما كان في فرنسا ، وكان يخشى غواية الشيطان في بلد الجن والملائكة حسب ما يقال عنها ، فكان شديد التقوى والورع إلى درجة أنه كلما وسوست له نفسه أو فكر مجرد التفكير في ارتكاب الحرمات يذهب ليغتسل ويطهر نفسه في نهر غارون القريب من بوردو .
وليس غريبا أن يكون مصالي بهذا التقوى لأنه لم يؤمن بأن ما لحق المسلمين من استعمار وهوان و هزائم يعود إلى ابتعادهم عن الدين الصحيح وعدم طهارة سريرتهم وقلوبهم وجسدهم وعقولهم .
سرح مصالي الحاج من الخدمة العسكرية في 28/02/1921 ، فعاد إلى مدينة تلمسان ليشرع في البحث عن العمل اللائق لكنه كان يرفض الاستغلال البشع للعمال الجزائريين عكس ما كان يحدث في فرنسا أين تدافع النقابات عن حقوق العمال وتحد من استغلال أرباب العمل اعرق جبينهم ، وقد وجد مصالي الحاج العمل لدى خمسة من أرباب العمل في تلمسان لكن لا أحد من هؤلاء حدد له راتبه وشروط وساعات العمل اليومية ة أيام الراحة ، واعتبر مصالي ذاك استغلالا وهضما لحقوق العمال الجزائريين الذين لم تسمح لهم السلطات الاستعمارية بإنشاء نقابات تدافع عنهم وعن مصالحهم ، و اضطر مصالي إلى الهجرة نحو فرنسا لعله يجد ظروفا وشروطا للعمل أفضل من الجزائر التي تسلط عليها المعمرون الأوروبيون .
هجرته إلى فرنسا :
هاجر مصالي الحاج إلى فرنسا ككثير من الجزائريين الذين هاجروا إليها بحثا عن القوت لأنهم لم يجدوا عملا في بلادهم الجزائر . وأمام هذه الهجرة المكثفة وضعت السلطات الفرنسية قوانين اتحد من هجرة الجزائريين لأن المعمرين الأوروبيين كانوا يرون فيها مسا بمصالحهم الخاصة لأن استمرارها يؤدي إلى قلة الأيدي العاملة الجزائرية فلا يجدون من يشتغل لديهم بأجور زهيدة .
واضطر الجزائريون إلى الهجرة سريا بعد سن هذه القوانين الاستعمارية ، وكانت كارثة إنسانية في عام 1925 عندما احترق أكثر من خمسين جزائري داخل مخزن إحدى البواخر فندد الرأي العام والوطني بهذه القوانين الجائرة و المعاملة الوحشية للجزائريين .
مارس مصالي الحاج عدة أعمال في فرنسا ، فاشتغل في مصنع للنسيج ثم في مصنع صهر الحديد ليتحول إلى بائع متجول للقبعات ثم استقبال الزبائن في إحدى الفنادق ، وآخر عمل قام به هو تجارة الجوارب .
و إلى جانب العمل اهتم مصالي الحاج بتثقيف نفسه فسجل كمستمع حر للمحاضرات في مدرسة اللغات الشرقية و السوربون والمعهد الفرنسي ، مثلما كان يطالع كثيرا كتب التاريخ والسياسة و الاقتصاد والفكر ، فكان يدون كل ملاحظة أو معلومة جديدة قرأها أو استنتاج توصل إليه من خلال مطالعاته المتنوعة .
شخصيته :
تتميز شخصية مصالي الحاج ضد الظلم والقهر و الاستغلال إلى جانب أخلاق عالية اكتسبها من التربية الدينية التي تلقاها على أيدي والده ومعلميه في الزاوية الدرقاوية ، وكان رياضيا محبا للفنون والثقافة خاصة المسرح والموسيقى ، وحولته ثقافته ومطالعته الكثيرة إلى شخصية ذات قدرة عالية على التنظيم والنضال والدفاع المستميت عن الحق بالحجة الإقناع ، وأهلته هذه الخصال لقيادة جهاد الشعب الجزائري ضد الاستعمار لأكثر من ثلاثين سنة .
جهاده ضد الاستعمار الفرنسي
تأسيس نجم شمال إفريقيا :
أسس مصالي الحاج بمعية عمال جزائريين ومغاربة وتونسيين منظمة "نجم شمال إفريقيا " في عام 1926 بهدف الدفاع عن مصالح عمال شمال أفريقيا في فرنسا والعمل من أجل تحرير الغرب العربي كله من نير الاستعمار الفرنسي الغاشم وتولى مصالي الحاج رئاسة نجم شمال أفريقيا سنة1927 بعد انسحاب حاج علي عبد القادر فأعطى للثورة بعدا ثوريا ووطنيا ، وشارك في مؤتمر الشعوب المناهضة الاستعمار الذي انعقد في بروكسل سنة 1927 إلى جانب شخصيات ثورية بارزة منها بطل الثورة الفيتنامية هوشي منه .
عرف مصالي الحاج في هذا المؤتمر العالمي بقضية الجزائر والمغرب العربي عموما وطالب باستقلالها عن فرنسا .
وفتح مصالي الحاج بذلك صداما مباشرا بين نجم شمال إفريقيا والسلطات الاستعمارية الفرنسية التي سمعت خطابا جديدا وثوريا لم تسعه منذ عقود لأن فــي تلك الفترة لم يجرؤ أحد من الجزائريين على المطالبة باستقلال الجزائر صراحة وأقصى ما كان يطالب به الزعماء الجزائريون آنذاك هو إدخال إصلاحات وتحقيق المساواة في الحقوق والواجبات بين المسلمين و الأوروبيين في الجزائر .
إن هذه المواقف الثورية لمصالي الحاج جعلت منه أول داعية للاستقلال الوطني في القرن العشرين فيستحق بذلك لقب "رائد الوطنية الجزائرية "وكيف لا يلقب بذلك وهو الذي ضحى بالنفس والنفيس من أجل نشر فكرة الاستقلال الوطنية في صفوف الشعب الجزائري وربى شبابا وحضرهم للعمل المسلح من أجل تحرير الوطن . وقد أيعنت الثمار التي غرسها باندلاع الثورة في ليلة أول نوفمبر 1954
انتشار فكرة الاستقلال :
ساهم نجم شمال إفريقيا في نشر فكرة الاستقلال في و صفوف المهاجرين الجزائريين في فرنسا ، فسلطت السلطات الاستعمارية وشرطتها وأعضاء هذا التنظيم شتى أنواع التعذيب و الاعتقال لكن في كل مرة يخرجون منها أكثر إيمانا وقوة وصلابة وعزيمة على مواصلة الجهاد من أجل تحرير وطنهم الجزائر والمغرب العربي كله من الاستعمار الغاشم.
إن الانتشار الواسع لأفكار نجم شمال أفريقيا في صفوف المهاجرين الجزائريين في فرنسا قابله ضعف الانتشار داخل الجزائر بسبب العراقيل الاستعمارية وضعف الاتصال بالجماهير داخل الوطن التي لم تعرف حقيقة مصالي الحاج و تنظيمه ، كما أن الشعب الجزائري آنذاك كان متأثرا بالتنظيمات السياسية التقليدية خاصة النواب بزعامة فرحات عباس ومحمد صالح بن جلول التي كانت تطالب بتحقيق المساواة بين المسلمين الجزائريين و الأوروبيين في الجزائر، أمـــــــا
جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بزعامة العلامة عبد الحميد بن باديس فكانت تركز على الإصلاح الديني وتربية وتعليم الجزائريين .
في 02/08/1936 نظم كل من فحرات عباس وعبد الحميد بن باديس والطيبي العقبي ومحمد صالح بن جلول ... وغيرها من الشخصيات الجزائرية تجمعا شعبيا في الملعب البلدي في الجزائر العاصمة لمناقشة مجموعة من المطالب الجزائرية لتقدم إلى السلطات الفرنسية والنظر في مشروع بلوم فيوليت الذي ينص على ترقية بعض الجزائريين وجعلهم متساوين مع الأوروبيين في الحقوق و الواجبات .
انتقل مصالي الحاج في اليوم نفسه من باريس إلى الجزائر للمطالبة بالكلمة أمام جموع الجماهير التي لا تعرف هذا الرجل ، وان سمع عنه بعض الحاضرين إلا أنه تشكلت لديهم صورة مشوهة عنه بسبب الدعاية الاستعمارية الموجهة ضده في الجزائر .
سمح منظموا هذا الاجتماع الشعبي لمصالي الحاج بالحديث إلى الجماهير الحاضرة لمدة لا تتجاوز خمس دقائق ، فأخذ حفنة من تراب هذا الوطن فقال أن هذه الأرض جزائرية ملمة وهي ليت للبيع ولا يحق لأي كان بيعها للأجنبي ، وذكر بأن فرنسا استولت على الجزائر بالقوة ونطالب باستقلال الجزائر التام بدل المطالبة بإصلاحات لا معنى لها .
فرأت فيه الجماهير الحاضرة الصدق والإخلاص ، وتذكر الجميع أن فرنسا استولت على الجزائر بالعنف منذ أكثر من قرن وأنها لن تخرج إلا بالعنف والقوة بعدما كادت أن تنسى الجماهير هذه الحقائق .
وحملت الجماهير مصالي على أكتافها بعد إنهاء خطابه وهي تردد شعارات الاستقلال والحرية ، فمنذ ذلك اليوم التاريخي أصبحت أفكار نجم شمال أفريقيا تتردد في كل مكان من ربوع هذا الوطن ، فاضطر الاستعمار إلى حل هذا التنظيم من جديد ليعود تحت اسم أخر هو حزب الشعب الجزائري (PPA) في 11/03/1937 ،فانتقل هذا التنظيم من فرنسا إلى الجزائر وأصدر جريدة "البرلمان الجزائري "إلى جانب صحيفة" الأمة" التي كان لها صدى كبير من قبل وساهمت بشكل كبير في نشر فكرة الوطنية و الاستقلال في الجزائر .
في السجون الاستعمارية :
بعد أيام من تأسيس حزب الشعب الجزائري علم مصالي الحاج بتنظيم الفرنسيين لتظاهرات واحتفالات بمناسبة العيد الوطني الفرنسي يوم 17/08/1937 فأراد الحزب استغلالها لإبراز مطالب الشعب الجزائري في الاستقلال عن فرنسا ، فطلب مصالي من زوجته الفرنسية الأصل صنع علم جزائري يحمل الهلال كرمز للإسلام والنجمة كرمز للأركان الخمسة و يلون بالأخضر للدين والأبيض للإسلام والأحمر لدم الشهداء .
ورفع المتظاهرون هذا العلم عاليا أثناء احتفالات 14/07/1937 وينادون "يحيا حزب الشعب الجزائري" و"تحيا الحرية" و "يحيا الإسلام" و يناشدون سويا نشيد "فداء الجزائر" الذي وضعه مفدي زكريا ، فتحولت الاحتفالات الى اصطدامات عنيفة بين مناضلي حزب الشعب الجزائري بزعامة مصالي الحاج والبوليس الاستعماري المدعوم بالمناضلين الشيوعيين الذين أرادوا منع الوطنيين من التظاهرة .
ونظم مصالي الحاج و إخوانه مظاهرات وتجمعات أخرى في عدة مناطق من الوطن ، فاعتقلت السلطات الاستعمارية كلا من مصالي الحاج ومفدي زكريا و حسين لحول ووجهت لهم تهمة المساس بأمن الدولة الاستعمارية بسنتين سجنا قضوها في سجن الحراش .
وعشية اندلاع الحرب العالمية الثانية سنة1939 حلت السلطات الفرنسية حزب الشعب وألقت القبض على مصالي بعد أشهر فقط من إطلاق سراحه من سجن الحراش وحوكم محكمة صورية لتصدر حكما بالسجن لمدة 16سنة يوم 17/03/1941 . فنقل إلى سجن لمبيز الرهيب ، ومنذ تلك الفترة ظهرت شعارات جديدة لدى الشعب وهي "أطلقوا مصالي" .
وفي عام 1942 دخلت جيوش الحلفاء المتمثلة في الجيوش البريطانية والأمريكية إلى الجزائر فقضت على نظام فيشي الموالي للنازية الألمانية ، وأطلقت سراح مصالي ، وشارك حزب الشعب الجزائري مع كل من فرحات عباس و جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في صيغة بيان فيفري 1943 الذي يطالب بحق الشعب الجزائري في تقرير مصيره ، وأسس مصالي الحاج مع "هؤلاء أحباب البيان والحريةً" في 14/03/1944 الذي يجمع القوى الجزائرية المناهضة للاستعمار .
خشيت السلطات وحدة الشعب الجزائري ، فوضعت مصالي تحت الإقامة الجبرية في قصر الشلالة ، لتكتشف أنه كان يحضر ثورة شعبية ضد الاستعمار فنقله إلى الكونغو برازفيل في أفريقيا السوداء يوم26/04/1945 لتحمله فيما بعد مسؤولية أحداث 08 ماي 1945 التي انتهت بمجازر رهيبة ارتكبها الاستعمار في حق الشعب الجزائري الذي قتل أكثر من45 ألف شهيد .
تحضير الثورة المسلحة
بعد عام من مجازر 08 ماي 1945 أطلقت السلطات الاستعمارية سراح مصالي الحاج و زعماء جزائريين آخرين ومنهم فرحات عباس و الشيخ البشير الإبراهيمي وغيرهما .
وأعاد مصالي الحاج تأسيس حزب الشعب الجزائري تحت اسم جديد هو"حركة الانتصار
للحريات الديمقراطية " وشرع في تحضير الشغب للثورة المسلحة فأسس المنظمة الخاصة في فيفري 1947 مهمتها تدريب المجاهدين على العمل المسلح و جمع الأسلحة و المؤن و الأدوية لليوم الموعود .وللأسف اكتشف البوليس الاستعماري هذه المنظمة العسكرية في عام 1950 و اعتقل الكثير من أعضاءها والتحق الآخرون بالجبال ينتظرون ساعة اندلاع الثورة .و في هذه الفترة سافر مصالي الحاج إلى البقاع المقدسة لأداء فريضة الحج وقام بزيارة عدة بلدان في المشرق العربي و طالب حكوماتها بالدعم العسكري والمادي والسياسي لكفاح الشعب الجزائري ، وعاد إلى الجزائر في عام 1952 لينظم عدة تجمعات شعبية يوعي فيها الشعب ويحضره للثورة ، فوقعت عدة اصطدامات بين الشعب و البوليس الاستعماري الذي حاول منع هذه التجمعات ، واعتقلت السلطات الاستعمارية الزعيم مصالي الحاج يوم 14/05/1952 فوضعته تحت الإقامة الجبرية بنيوز في فرنسا ،وبقي فيها حتى عام 1953 .
وفي عام 1953 ظهرت أزمة داخل حزب " حركة الانتصار للحريات الديمقراطية" بين أنصار مصالي الحاج وأنصار اللجنة المركزية الذين اتهموا مصالي بالاستبداد و عبادة الشخصية داخل الحزب ، فكادت هذه الــأزمة أن تعصف بالحزب و نضالات الشعب الجزائري ، فظهرت اللجنة الثورية للوحدة والعمل على يدي مجموعة من المناضلين الذين حاولوا الإصلاح بين المصاليين ومركزيين وإعادة لم شمل الحزب الوطني ، لكن هذه المحاولات باءت بالفشل ، فاجتمعت مجموعة من أعضاء المنظمة الخاصة في المدنية بالعاصمة لمناقشة الوضع الخطير ، فقرر المجتمعون إشعال فتيل الثورة قبل فوات الأوان ، فكان هؤلاء وراء اندلاع الثورة المسلحة ليلة أول نوفمبر 1954 دون علم المركزيين ولا المصاليين الذين عقدوا مؤتمر في هورنو ببلجيكا في جويلية 1954 وأعلنوا تأسيس حزب جديد سموه "الحركة الوطنية الجزائرية MNA " بزعامة مصالي الحاج ومواصلة النضال وبقي المركزيون في الحزب القديم "حركة الانتصار للحريات الديمقراطية " وبذلك انشق الحزب الوطني العتيد إلى حزبين .
موقفه من الثورة المسلحة
اندلعت الثورة المسلحة ليلة 01/11/1945 على يد جبهة التحرير الوطني التي أسسها مجموعة من الشبان الذين تربوا على يد مصالي ورضعوا المبادئ التي ناضل من أجلها لأكثر من ثلاثين سنة قضى أغلبها في المنفى والسجون ، وقد انضم الكثير من الشباب إلى الثورة المسلحة معتقدين أن قائدها هو مصالي الحاج ، ولم يعلموا أن الثورة قامت بدونه ألا بعد مرور أشهر . اكتشف هؤلاء فيما بعد أن لمصالي الحاج تنظيما آخر أطلق عليه " الحركة الوطنية الجزائرية"
يعارض به تنظيم "جبهة التحرير الوطني" الذي أشعل فتيل الثورة ،فاصطدم التنظيمان فقتل الأخ أخاه في المهجر والجبال والمدن مما يطرح علينا السؤال لماذا هذا التقاتل بين الأخوة كانوا في حزب الشعب الجزائري ثم حركة
انتصار الحريات الديمقراطية بزعامة مصالي الحاج و أعطوا أغلى ما يملكون من أجل تحرير وطنهم الجزائر فهل لأن "الحركة الوطنية الجزائرية MNA " رفضت حل نفسها والخضوع لقيادة الثورة التي أمرت كل التنظيمات الجزائرية بحل نفسها
والانضمام إلى جبهة التحرير الوطني كأفراد وليس كتنظيمات ؟ ولماذا رفض مصالي الحاج حل "الحركة الوطنية الجزائرية " و الالتحاق بجبهة التحرير الوطني ؟ هل لأنه رفض أن يكون تحت قيادة شباب رضعوا مبادئ الوطنية على أيديه فأخذته العزة بالإثم ؟ وهل لأن مصالي الحاج اعتقد أن جبهة التحرير الوطني تحالفت مع خصومه المركزيين الذين اصطدم معهم داخل " حركة الانتصار للحريات الديمقراطية " عشية اندلاع الثورة ؟ أم هل لأن جبهة التحرير الوطني ضمت إليها خصومه التقليديين الذين اختلف معهم في أساليب النضال ضد الاستعمار ومنهم جماعة فرحات عباس وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين ؟ أم أن مصالي الحاج رأى الثمرة التي سقاها ورعاها يقطفها غيرهم ؟ و اعتقد بأنه حضر للثورة طيلة عقود فقادها الآخرون ؟ هل لأن مصالي كان بعيدا عن الواقع ولم يكن يعرف الحقائق بسبب بقائه سنينا عديدة في السجون الفرنسية فكان ضحية هذا الجهل فاتخذ موقفا سلبيا من جبهة التحرير الوطني قائدة الثورة المسلحة ؟.
إن للمستقبل والبحث التاريخي الجاد كفيل بالإجابة عن هذه التساؤلات كلها . لكن مهما كانت الإجابة فعلينا أن نعلم أن مصالي الحاج لم يتخل عن أهدافه ومبادئه من أجل تخليص الجزائر من براثن الاستعمار ، و إن خلافه مع جبهة التحرير الوطني ليس معناه معاداة الثورة من أجل الاستقلال أو خيانة كما أراد البعض إيهامنا .
فهل من المعقول أن تصدر خيانة الوطن من رجل أفنى حياته كلها في سبيل تحريره ؟ و ان كان لنا حكما على موقف مصالي الحاج من الثورة الجزائرية فيمكن لنا القول أنه أخطأ التقدير لم يخن أبدا .
وما يؤثر حقا هو بقاء مصالي الحاج بعد الاستقلال منفيا في الخارج مثل الكثير من الذين قادوا الثورة ذاتها . ولم تطأ قدماه أرض الوطن الذي حلم بحريته وبقي في فلرنسا منزويا في حجرته متعبدا ومطالعا للكتب و كتابة مذكراته حتى لقي ربه يوم 03/06/1973 لينقل ليلا الى مسقط رأسه تلمسان فيدفن هناك بحضور جمع غفير من المواطنين الذين لم ينسوا أبدا أن مصالي الحاج هو لرائد الوطنية الجزائرية وغرس مثلها في قلب الشعب قبل أن تتحول الى حقيقة فرحم الله مصالي الحاج وندعو الله أن يغفر ذنوبه .

Aucun commentaire: