samedi 18 novembre 2017

الإنكشارية
لإنكشارية (من التركية العثمانية: ينيچرى، تعني: "الجنود الجدد") طائفة عسكرية من المشاة العثمانيين شكلوا تنظيماً خاصاً لهم ثكناتهم العسكرية وشاراتهم ورتبهم وامتيازاتهم، وكانوا أقوى فرق الجيش العثماني وأكثرها نفوذاً.
وتقرأ الكلمة على الصحيح "ينيجاري" فهي تكتب بالتركية: "يكني جاري" فقرأها الأزهريون: إنكشاري"، لأنهم لم يدركوا أن الكاف لا تلفظ، وأن الجيم هي "ch " باللغة الإنكليزية فقلبوها شيناً! فعمت الكتابات العربية الآن، في حين كان الناس يقرؤنها " الينيجارية ".

شعار الإنكشارية
لا يعرف على وجه الدقة واليقين وقت ظهور هذه الفرقة، فقد أرجعها بعض المؤرخين إلى عهد "أورخان الثاني" سنة 1324 على أن هذه الفرقة اكتسبت صفة الدوام والاستمرار في عهد السلطان مراد الأول سنة 1360، وكانت قبل ذلك تسرّح بمجرد الانتهاء من عملها. جرى حلّ هذه الفرقة بشكل نهائي بعد "الواقعة الخيرية" على يد السلطان محمود الثاني عام 1826 بعد ثورتهم على السلطان وانتهوا بحادثة مذبحة الإنكشارية.
من المعروف أن الإنكشارية كانوا عزاباً في عهد السلطان أورخان، ثم سمح لهم السلطان سليم بالزواج بشرط كبر السن، ثم أطلق حق الزواج. وارتبط الإنكشارية بالطريقة الصوفية البكتاشية. امتاز الجنود الإنكشاريون بالشجاعة، والصبر في القتال، والولاء للسلطان العثماني. وكان هؤلاء الجنود يُختارون من سن صغيرة ويربون تربيةً عسكرية في معسكرات خاصه بهم، بالإضافة إلى تلقيهم مختلف العلوم الإنسانيه كالدين الإسلامي واللغه وغيرها، وفي أثناء تعليمهم يقسمون إلى ثلاث مجموعات: الأولى تعد للعمل في القصور السلطانية، والثانية تُعد لشغل الوظائف المدنية الكبرى في الدولة، والثالثة تعد لتشكيل فرق المشاة في الجيش العثماني، ويطلق على أفرادها الإنكشارية، أي الجنود الجدد، وكانت هذه المجموعة هي أكبر المجموعات الثلاث وأكثرها عددًا.
وقد كان جنودها يدخلون في سن مبكرة جدا و يربون تربية عسكرية خاصة و قد كان من اقوى الفرق في العالم و كان مجرد ذكر اسم الفرقة يثير الرعب لما امتازوا به من ضراوة في القتال و الشجاعة
لذا كان القوات الخاصة التركية من اوائل في النشاة ان لم تكن اول قوات خاصة في العالم.

كانت الإنشكارية تتألف من ثلاثة اقسام رئيسة هي: كورجي لر، و أورطق لر، وفودله خوركان.
أما كورجي لر: فهي من عامة الإنكشارية ، و ظهرت نتيجة للفرز الذي يحصل في اسطنبول بين الأفراد الذين كانوا يقيمون في أدرنة وبورصة واسطنبول للحراسة.
أما الأورطق لر: فقد أطلقت تلك التسمية على المتقاعدين من الإنكشارية أو على المعفيين من الخدمة. و إذا ما استدعى بعضهم للخدمة العسكرية ، و يمنحون مقابل ذلك مكافأت خاصة.
أما فوردله خوركان: فهي تسمية اطلقت على العسكريين المعادين إلى الخدمة العسكرية، وكانوا يعطون رواتهم من مخصصات الأوجاق، ويكلفون بتأمين أطفال الإنكشارية الذين مات آباؤهم أثناء الخدمة.
طريقتهم في القتال:
كانت طريقة الإنكشارية في القتال واحدة في كل زمان ومكارم رغم امتداد حقيبتهم مدة خمسمائة سنة، و تعدد أجناس البشر التي جاربوها و تنوع أشكال المناخ و اختلاف الطبيعة الجغرافية التي قاتلوا فيها. فصفوفهم كانت دائما محاطة بعدد غفير من العساكر غير المنظمة. وكانوا في الهجوم او الدفاع يجعلون تلك العساكر في المقدمة و يفتحون بهم الحرب.
وبها كانوا يشغلون العدو ومدة بحيث لا يتيسر له الوصول إلى معظم عسكرهم إلا بعد أن يكون قد كل من القتال ، حتى إنه في الحصار أيضا كان أولئك الجنود العادمون كل نظام يملؤون بجثثهم الخلجان فيتخذوها الإنشكارية سلالم يصعدون عليها إلى القلاع و الحصون.

حجم الجيش الإنكشاري:
كانت بداية تاسيس الجيش العثماني في سنة 730 هجري / 1329 ميلادي، و استمر حتى تم القضاء عليه و إلغاؤه سنة 1242 هجري/ 1826 ميلادي. وحصلت خلال هذه المدة الطويلة التي استمرت خمسة قرون تبدلات كثيرة في حجم هذا الجيش. ففي بداية امرها، كانت قوات الإنكشارية تتألف من ألف رجل، و بعد صدور القانون اصبح عددها اثني عشر الف رجل ، و في عهد السلطان محمد خان الثالث أصبح تعدادها خمسة عشرة ألف رجل، و في منتصف القرن الحادي عشر هجري، خفض العدد إلى النصف، و في أوائل القرن الثاني عشر هجري ، عاد فارتفع من ستين ألفا إلى ثمانين ألفا، و في عهد السلكان سليم الثالث بات تعدادها مئة و عشرة آلاف رجل، و استمر هذا العدد في الارتفاع في عهد السلطان محمود إذ اصبح مئة و اربعين رجلا.
زي الجيش الإنكشاري :
حتى ظهور العثمانيين لم يكن لاية دولة جيش منظم أو له زي متميز سوى جيش الرومان، وقد قام العثمانيون بتطبيق زي عسكري خاص بهم اتسم بالزركشة، حاكوا به زي فبيلتهم الأصلي. وكان ذلك قائما عندما جابهوا جنكيزخان، و عندما قاموا بتأسيس دولتهم في عهد الغازي اورخان 730هجري/ 1329 ميلادي.
ولما أسسوا جيش الإنكشارية لمجابهة أعدائهم وضعوا لجيشهم زيا خاصا و أولوا عناية خاصة للباس الراس الذي كان يميزهم من أعدائهم. إذ كانوا يلبسون لاطية من اللباد الأبيض على مثال الشيخ بكطاش مدلاة منها خرقة على الظهر رمزا إلى كم الشيخ الفاضل و تذكارا لبركته إياهم.
وكانوا يعلقون بطرفها معلقة من خشب للأكل دليلا على شدة اهتمامهم بالأكل لاستطاعة قيامهم دائما بالحروب الشاقة، كما كانوا يقيمون لقدور الطبيخ الشأن العظيم؟ فالقدر عندهم هي الشارة المقدسة و الهدف الأسمى، وكانوا إذا أرادوا العصيان يقلبون القدور أمام منازلهم.
وقد الزم العسكر بارتداء الجبة على أجسامهم و بخاصة جند الإنكشارية ، و لقد أضيفت إليها من مؤخرتها قطعة قماشية مستطيلة الشكل، كانت توفر الحماية من حرارة الشمس صيفا و البرد القارس شتاء، و استمر الجند في استخدامها إلى ان حل محلها السربوش الذي سمي آنئذ "بورك أو أسكوف". ثم سمي فيما بعد " كجة".
وكانت ألوان الأحذية تميز الضابط من العساكر ، فكان الضباط يرتدون الأحذية الصفراء في حين كان الأفراد يرتدون الأحذية الحمراء. أما الخيال منهم فكان يرتدي الجزمة ذات المهماز .
وكان علمهم أرجواني اللون، و عليه هلال و سيف ذو حدين اعتمدوه خمسمائة سنة.

قيافة الرأس:
أجبر الجند و الضباط على حلق شعر الرأس و الذقن و الغبقاء على خصلة شعر في أعلاه، و هذا كان مطبقا على افراد الإنكشارية. و اما الضباط و المتقاعدون: فكانوا يطلقون شعر الرأس و الذقن معا.
وقد عدّ حلق الرأس و الذقن بالنسبة للأفراد بمثابة نظافة و طهارة لهم. و في البداية لم يكن يسمح للضباط و المتقاعدين إطلاق لحاهم كونها من الممنوعات ، و مع ذلك فقد كان البعض يطلقونها و يقومون بتبخيرها يوميا، و كانت الدولة تصرف لهم البخور العطرة كمخصصات لهم من أجل ذلك.

وظل الجيش محافظا على هذه المظاهر حتى سنة 1241هجري / 1825 ميلادي ، إذ بدأت القوات العثمانية تجابه الجيوش الأوروبية وجها لوجه، الأمر الذي دفع العثمانيين لإجراء تبديل في مظهر الجيش خلال القرون الثلاثة التالية، فأصبح الجنود يشذبون شعر الرأس و اللحى، و غذا شعر الرأس قصيرا. و مع ذلك كنا نرى عناصر بعض القطعات العسكرية يشذون عن تلك القاعدة و يحافظون على النمط القديم الأمر الذي أبقى على نمطين في هذا المجال في صفوف الجيش العثماني.
أسلحة الجيش الإنكشاري:
تسلح الجيش العثماني على امتداد خمسة قرون بأسلحة مختلفة، و كانت الدولة العثمانية من أولى الدول في الشرق التي استخدمت الأسلحة النارية ، في وقت لم يكن قد عم انتشارها في بعض الجيوش الأوروبية.
وقد استخدم مشاة الإنكشارية أول تأسيس أوجاقهم القوس و النشاب إضافة على السيف و السكين و الخنجر و استخدام قسم آخر منهم القامة، و هو سيف عريض و مسنقيم، ثم البلطة. و شكل القوس و النشاب المسمى"تيركيشر" مع السهام التي وضعت في جبعة الجندي سلاحه الرئيس آنذاك. و أما السيوف التي زودت بها القوات العثمانية فكانت تصنع في البلدان العربية و في روسيا . فضلا عن الخنجر و السكين اللذين كانا يثبتان في كمر الجندي و العصا الغليظة أو الدبوس الذي استمر استخدامه حتى القرن التاسع الهجري.
وكانت قوات الفرسان و القابي قول تستخدمان السيف (اليامجدن" و المزراق و الجريد. وكانت خيالة الولايات تستخدم فضلا عن ذلك العصي الغليظة و الدبوس.
اما سيوفهم فكانت مشابهة لسيوف المشاة من حيث طولها إلا أنها كانت أقل عرضا منها و كانت ذات راسين كيسف ذي الفقار و كانت تحمل على الكتف و كان ذلك سيان لدى المشاة و الخيالة.
وفي اواسط القرن الحادي عشر غدت اسلحة الإنكشارية مشابهة للطراز الاوروبي، فزودت بنادقها بالحربة مما اضطر الدولة لإلغاها في أواخر القرن الثاني عشر للهجرة.

وكانت الدولة العثمانية مسؤولة عن تأمين كل الأسلحة الفردية التي كانت من مسؤولية العسكر أنفسهم. وكان الجنود الإنشكاريون يزينون أسلحتهم الشخصية بحفر الآيات القرآنية أة بعض الموشحات الدينية، و أنزلوا فيها حروفا من الفضة او الذهب أو العاج أو الصدف او المرجان و شمل التزين نصلات السلاح و المقابض و الحمالات..
فضائل و مناقب هذا الجيش على دولته:
كان لهذا الجيش المنظم الفضل في تشييد الملك و الخروج به دائرته اتلضيقة إلى ما وصل إليه من العظمة و الامتداد في أوروبا و أسيا و أفريقية و جزائر البحر، حتى صار للملك الحق بأن يلقب نفسه "سلطان البرين و خاقان البحرين".
على هذا أحبهم السلطان سليمان و أدناهم منه ، و غمرهم بعطاياه، و أجرى عليهم امتيازات لم ينالوها من أحد قبله، فزادهم ذلك عتوا و تعديا و جعلهم اقل شجاعة. خاصة بعد أن داخلهم الكبرياء بعد كل هذا الفوز الذي حققوه و هذا الظفر الذي حققوه، حتى صاروا يحسبون أنفسهم علة وجود الدولة و الملك فتجاسروا و عصوا. و أصبح على الملك ان يؤدي لهم المبالغ الوافرة لنيل رضاهم ، و راحوا يتدخلون في تولية و عزل الوزير أو السلطان.
وهكذا ، فبعد أن كانت شجاعتهم مضرب الأمثال ، و كأنهم ما خلقوا للقتال، و أكسبوا الدولة أعظم الفتوحات ، تحولوا من يد للدولة إلى يد أعداء لدولتهم. وسلاطينهم، و بات العصيان لغتهم سواء أطاع السلطان أوامرهم أو امتنع عن طاعتها .
ويرجع أسباب فساد هذا الجيش إلى أمور اقتصادية و إدارية و سياسية منها:

شعور العسكر بقوته و بأنه عماد الدولة العثمانية دون منازع.
تلكؤ الفتوحات العثمانية النسبي منذ النصف الثاني من القرن 10 هجري / 16 ميلادي. فانصرف عن الحرب إلى اللهو.
الأزمات الاقتصادية التي كانت تصيب الدولة فتتأخر في تسليم رواتب الجند.
تفكك بنيته الاولى القوية و دخول عناصر متنوعة فيه.

فجعلوا عرش السلطان تحت رحمتهم، و أخطعوا الدولة لنفوذهم و مأربهم، يعزلون و ينصبون من السلاطين من يشاؤون و متى يشاؤون، و تحكموا بالحكومات و الإدارة و السياسة ، و نشروا الفوضى و العصيان ، ينهبون العباد و يسلبون العباد . ز كان تاريخهم في آخر قرنين سلسلة متصلة من العصيان و الخلع و التولي و القتل. ومن ضحاياهم السلاطين: عثمان الثاني (1617-1621 ميلادي)، محمد ابن السلطان إبراهيم(1647-1685)، سليم الثالث (1798-1808).
وفي هذين القرنين تخلوا عن الكثير من نظام الجند الذي تربوا عليه ، فأباحوا شرب الخمر وسربوها ، و حصلوا على إذن بالزواج و الإقامة مع عيالهم ، و دخلوا عالم التجارة فتاجروا و تعاطوا الأسباب و الصنائع بسبب احتياجات عيالهم و لم يحافظوا على شيئ من صفات الجنود . إلا على أخذ علائفهم في اوقاتها و علائف عيالهم.
وكانوا فوق كل شريعة لا يسالون عما يفعلون و لا يؤدون لخزينة الحكومة شيئا، لذا بات الدخول في صفوفهم حلم كل شاب ومصدر رزق لهم، إذ بات على كل من يود الالتحاق بهم و النضمام لصفوفهم أن يشتري الوظيفة بميالغ باهظة. فدخل بينهم الكثير ممن لا يجيدون حمل السلاح و لا يتقنون فن القتال.
نهاية جيش الإنكشاري:
بعد أن تحول هذا الجيش من مضرب مثل في الشجاعة و النظام و الإخلاص للدولة، إلى مضرب مثل في الفساد و السلب و النهب، وسبي النساء و السطو على الأرزق. أصبح حملا ثقيلا يكاد يغرق الدولة التي أنشأته، وكان كلما حاول سلطان ما التملص منه أو إضعافه قتلوه. حتى جاء السلطان محمود الثاني، و كان مبغضا لطريقة الإنكشارية، و حلف أنه لا بد من أن يهلك تلك القوة الفظيعة القابضة على زمام السلطنة بأيديها الحبيثة.
وظل يدبر ويهادن مدة ثماني عشرة سنة في انتظار الفرصة المؤاتية للتخلص منهم وراح يقوي فرقة الطوبجية التي تعلم أفرادها طريقة الإفرنج في استخدام المدافع. وفي سنة 1826ميلادي كان عددهم في القسطنطينية قد بلغ أربعة عشرة ألفا، وكانوا خاضعين للسلطان و خبيرين بأمور الحرب حتى وقعت الواقعة و ألقي القبض عليهم فقتلوا و خنقوا أو سجنوا ونفيوا حسب ذنوبهم. وكنت ترى البوسفور مملوءا بجثث القتلى التي كانت تلقى فيه ، وقد بلغ عدد القتلى 30 ألفا وانتهت هذه العساكر المنكودة الحظ.
وتم استئصال شافتهم و إبادة وجاقهم. ولو عمل السلطان محمود شيئا فشيئا على إعادة تنظيم صفوفهم و تدريبهم بالحسنى و مداهنة قوادهم لكان ذلك أفضل للدولة التي يقم لها قائمة بعد إبادتهم.