dimanche 8 mars 2009

الزمالة الامير عبد القادر




في الواقع إن عبد القادر كان اكثر انشغالا بإخضاع رعاياه وبقائهم على ولائهم له منه بمقاومة الفرنسيين.ذلك أن هؤلاء حاولوا جهدهم بكل الوسائل بالوعود ،بالرشوة، بالتهديد ، بإجراءات مثالية في القسوة أن يسيطروا على القبائل العربية وان يجعلوا منها حلفاء وقوات احتياطية وكانت كل غارة يقوم بها الفرنسيون تتبعها بالتأكيد غزوة من الأمير عبد القادر وكان كلا الطرفين يحاول فرض سلطته بالإرهاب ولكن بينما كان أحدهما مدفوعا بشهوة الاحتلال الجامحة كان الثاني يريد تخليص بلاده من شرورها وجعلها في الأخير عظيمة وقوية .

لقد علم الفرنسيون مدى أهمية الزمالة فاصبحوا يرون أنها الخلية الأساسية لنفوذ عبد القادر وكانوا يؤكدون أنها كانت مخزنا لثروة طائلة لذلك أصبحت الهدف الأساسي لنشاطهم فمن كبار ضباط الجيش إلى عقداء الوحدات العسكرية كلهم كانوا حريصين على اكتشاف الغنيمة الضخمة وكانوا يبذلون نشاطا حماسيا للاستيلاء عليها .

وفي ربيع سنة 1843 افتتح لامورسيير الحملة باحتلال تاقدامت وكان الأمير يراقب تحركاته الأخرى ،بقوة تقدر ب1500 فارس من حراج السرسمو المجاورة وقد علم من الجواسيس أن هدف لامورسيير هو الزمالة لذلك ظل عشرين يوما في كمين مانعا منعا باتا كل الاتصالات به حتى لا يكتشف أمره وكان هو ورفاقه يعيشون طيلة تلك الفترة على ثمار البلوط أما الخيل فقد كانوا يطعمونها من أوراق الأشجار وما ضاعف من قسوة المحنة انهم عاشوا هذه التجربة خلال شهر رمضان .

وذات يوم قدم على الأمير ضباطه وعلى وجوههم فرحة غامرة لقد وجدوا قطيعا من الغنم وقد آن للأمير على الأقل أن يتناول وجبة طعام دسمة لكنه قال لهم "خذوها إلى جنودي الذين يكادون يموتون جوعا " وعاد هو إلى وجبته العادية من ثمار البلوط.

وقد قاد لامورسيير قواته مرتين بحثا عن الزمالة ولكن عبد القادر رده على أعقابه في كليهما ولكن الخيانة كانت تعمل عملها فالشيخ عمر بن فراح الذي كان من بني عياد عرض خدماته على الفرنسيين لإرشادهم إلى المكان الذي تعسكر فيه الزمالة بالضبط وفي الحال وضعت الخطة ولم يكن هناك خوف من الأمير لأنه كان منشغلا بمراقبة تحركات لامورسيير ،وقد اختيرت الكتيبة المعسكرة في المدية للقيام بمهمة البحث عن الزمالة ، وكلف الدوق دومال بتنفيذ الخطة.

وفي العاشر من شهر ماي 1843 غادر دومال مركز بوغار على راس جيش قوامه 1300 راجل و600 فارس ومدفع ميدان .وقد أعلن الشيخ عمر أن الزمالة توجد في الكوجيلة التي وصلها الفرنسيون في الرابع عشر من الشهر المذكور ولكن الزمالة كانت قد غادرت هذا المكان ولم يعرف مكانها الجديد وظل الفرنسيون يبحثون عنها حائرين ،ضائعين غير متأكدين ،وقد هبت عليهم ريح السموم العاتية فأرهقت الجنود وأعيتهم إعياءا شديدا فتوقفوا وكوموا أسلحتهم ،وتقدم دومال بعض الأميال إلى الأمام متبوعا بفرسانه فقط .

وفي فجر اليوم السادس عشر من شهر ماي جاء الشيخ الخائن راكضا على فرسه معلنا أن الزمالة كانت عند نبع طاقين وفي الحال أعطى دومال أوامره بالسير نحو المكان المذكور لكن الشيخ انذره قائلا إن مهاجمة الزمالة بمجرد 600 فارس يظهر له من الجنون وطلب من الدوق دومال إما أن يعود إلى جيشه و إما أن ينتظر أن يلحق به ،لكن الدوق رد عليه بشهامة قائلا :"ليس هناك أمير من سلالتي قد تراجع أبدا ".

ثم أعلنت الأبواق عن التقدم .

ووصل فرسان دومال إلى الزمالة وانتشروا وجاسوا خلال ذلك البحر من الخيام وبسرعة شردوا أهلها الحيارى الخائفين شيوخا ، أطفالا و نساء أطلق الحرس الذي كان تعداده 500 جندي نظامي فقط النار دفعة واحدة .وحاول فريق من بني هاشم وقف التيار لكن الفرنسيين اكتسحوهم وكان النصر الكامل حليف الفرنسيين في اقل من ساعة .

إن مناظر الفوضى واليأس التي جرت خلال تلك الفترة القصيرة كالمحاولات الجنونية للهروب وهرج ومرج عدد ضخم من الإبل والخيول والبغال والثيران والأغنام وهي تقفز هنا وهناك كأنها أمواج بحر هائج قد خلدها الفنان العبقري هوراس فيرني :" ان الرسام وحده الذي يستطيع إنصاف ذلك المنظر الهائج الذي ليس له مثال الذي لا يمكن تقريبا تصوره".

ومع ذلك فان إراقة الدماء كانت نسبيا قليلة وكانت مكاسب النصر تتمثل غالبا في عائلات اكبر قواد عبد القادر نفوذا ماعدا عائلته التي تمكنت من الفرار غير أن الغنيمة كانت عظيمة فقد كانت تتألف من آلاف الحيوانات من مختلف الأنواع ومن مكتبة الأمير الخاصة المكونة من اندر المخطوطات العربية والتي كانت فخمة التجليد وكانت قيمتها تقدر ب 5000 جنيه إسترليني ومن صندوقه العسكري الذي كان يحتوي على ملايين الفرنكات ، ومن صناديق خلفائه وقواده التي وضعوها في الزمالة حفظا لها والتي كانت محشوة بالنقود الذهبية والفضية والحلي الثمينة .

وملا الجنود الفرنسيون أكياسهم بالقطع الذهبية الكبيرة وحشوا جرابهم بالجواهر والماس .ولم يكن صوت القيادة مسموعا وسط تلك الفوضى العارمة لذلك كان كل أحد يأخذ ويتشبث بالغنيمة التي رماها الحظ السعيد بين يديه .

وصلت أخبار الاستيلاء على الزمالة إلى الأمير بينما كان ما يزال مختفيا في حراج سرسو وقد هزته الصدمة بعض الوقت . وبعد أن صرف السيار الذي حمل إليه الأخبار تراجع إلى خيمته بضع ساعات حيث ظل يتعبد ويصلي .

وفي نفس الوقت تجمع قواده وضباطه ورجاله في وحدات خارج خيمته كان بعضهم صامتا ومطرقا وكان آخرون قد أطلقوا العنان لصب اللعنات ، إن كثيرا منهم فقد كل شيء ، فنساؤهم وأطفالهم اخذوا أسرى ولعلهم لن يلتقوا بهم مدة سنوات أو لعلهم أن يروهم أبدا .رأى أولئك المنكوبون الحائرون أن لا أمل لهم في المستقبل ولم يعطهم ظلا من العزاء إلا شعورهم بان أميرهم كان ما يزال بينهم .

وبينما هم كذلك إذ خرج عبد القادر من خيمته فتجمهروا حوله كانوا يتأملون نظرات عينيه وقد أراد بعضهم أن يخاطبه لكن الكلمات ذابت في شفتيه ولم يستطع أحد أن يسبر غور العمل الذي سيقدم عليه الأمير بعد الصدمة العميقة .ولكن السحابة قد انقشعت وشعت على سرائره بسمة مطمئنة وقال :" الحمد لله إن كل الأشياء التي كنت أقدرها حق قدرها والتي كانت عزيزة على قلبي والتي شغلت عقلي كثيرا لم تزد على أن عاقت حركتي و حولتني عن الطريق الصحيح أما في المستقبل فساكون حرا في محاربة الكفار".

ثم رجع إلى الحديث عن أولئك الذين سقطوا فقال :"لماذا علينا أن نشكوا وان نحزن أليس كل الذين أحببناهم وفقدناهم هم الآن في الجنة ينعمون ".

وفي اليوم التالي كتب إلى خلفائه :" إن الفرنسيين قاموا بغارة ضد الزمالة ولكن علينا أن لا نفقد الشجاعة فنحن سنكون منذ الآن أخف حملا واكثر استعدادا للحرب ".

وبذلك ارتفع عبد القادر فوق الأحداث ونجح في تسكين المياه التي كانت تتعكر من حوله فمن احلك الظروف التي حلت به وجد الأمل والحماس من اجل المستقبل .

وفي وقت لاحق حين كان عبد القادر يذكر هذه النكبة عبر عن نفسه بهذه

العبارات :"عندما هاجم الدوق دومال الزمالة كان أهلها لا يقلون عن 60000 نسمة و لكنه لم يحمل معه سوى عرشهم لقد كانت الزمالة تمتد من طاقين إلى جبل عمور فإذا صادف أن أضاع العربي أسرته فيها فانه يظل باحثا عنها يومين أحيانا قبل أن يجدها وحيثما حلت الزمالة تجف مياه الآبار والجداول لقد أقمت قوة خاصة من الشرطة لمنع تلويث المياه أو تبذيرها من قطعان الماشية ورغم جميع احتياطاتي فان كثيرا من أفرادها هلكوا من العطش.

إن الزمالة تحتي على عمال فنيين في الدروع والسروج والخياطة وكل صنعة كانت ضرورية لإقامتها وتنظيمها وكانت تقام فيها سوق عظيمة يؤمها عرب التل أما عن القمح والشعير والحبوب فقد كانت ترسل إلينا أو نرسل في جلبها من قبائل الشمال .

وكان نظام التعسكر محترما من الجميع ومنظما تنظيما دقيقا فعندما اضرب خيمتي يعرف كل أحد المكان الذي يشغله لقد كان معي 300 او 400 جندي نظامي إلى جانب الفرسان غير النظاميين من بني هاشم الاغريسيين الذين كانوا مخلصين إلي إخلاصا خاصا ، ولم يكن من السهل الوصول الي ولم افعل ذلك حفظا على أمنى الشخصي ولكني شعرت بضرورة إنجاز عمل لله وقد وضعت ثقتي فيه لتقوية وحماية الذراع الذي يحمل لواءه.

وفي الوقت الذي هاجم فيه الفرنسيون الزمالة كنت قرب تاقدامت أراقب الحامية الفرنسية بوهران التي كانت قريبة مني والتي كنت اعتقد أن علي أن أخشاها بالدرجة الأولى كان معي 1500 أو 1600 فارس وكان ابن خروب مع فليته وابن علال في الونشريس ومصطفى بن التهامي بين بني ورغة ولكن لم يقع لي أبدا أن أخشى نكبة كالتي حدثت من جهة المدية ولم يكن أحد من خلفائي يراقب تحركات ابن الملك .

ولكن رغم ذلك كله فقد كنا لن نفاجأ بالحادث لو لن لله لم يطمس عيون شعبنا فقد اعتقل أهل الزمالة عندما رأوا جنود الصبائحية مقدمين ببرانيسهم الحمراء أن هؤلاء هم جنودي غير النظاميين عائدين بل إن النساء رفعن أصواتهن بالزغاريد ترحيبا واحتفاءا بهم . ولم يشعرن بخيبة الأمل إلا بعد إطلاق النار ثم تلا ذلك حالة فوضى لا توصف شلت جميع جهود الذين حاولوا أن يدافعوا عن أنفسهم .

ولو كنت حاضرا لكان علينا أن نحارب من اجل نسائنا وأطفالنا ولعاش الفرنسيون يوما لن ينسوه ولكن لله أراد غير ذلك ولم اسمع بالنكبة إلا بعد ثلاثة أيام من حدوثها ولكن الفرصة كانت حينئذ قد ضاعت ".

إن قوة الفرنسيين الصغيرة مكنتهم من اخذ 3000 أسير ولكن كان من بين هؤلاء عدد من عائلات خلفاء الأمير أما بقيت الزمالة فقد تفرقت في مختلف الاتجاهات وقد وقع بعضها في أيدي القبائل العربية التي سلبتها ما كان عندها ولحق لامورسيير بالبعض الآخر .

وكان في طليعة المطاردين للزمالة مصطفى ابن اسماعيل الذي جعل نفسه معروفا خلال الحرب بغيرته الشريرة التي كان يساعد ويوجه بها الفرنسيين ضد الأمير عبد القادر والتي كانت تدفعه إلى عرقلته ومعارضته ولكن هذا الخائن لقي الآن المصير الذي يستحقة فعندما كان يجتاز منطقة فليته هوجم و أطلقت عليه النار وقطع رأسه وقد حمل رأسه إلى مركز قيادة عبد القادر الذي تفرس فيه برهة بنظرة رضى وصفح ثم بامتعاض أمر أن يرمي به إلى الكلاب .

وقد كانت المهمة الأساسية التي أصبحت تواجه الأمير هي استعادة نفوذه وبعث الثقة العامة في قومه بإعادة تنظيم الزمالة ولكن كل جهوده كانت بلا جدوى فالآثار المعنوية لهزيمتها والاستيلاء عليها لا يمكن التغلب عليها وكانت الأخبار تصل إلى عبد القادر يوميا عن فرار قبائل عديدة وذات نفوذ كما أن الوحدات العربية قد أصبحت الآن تملا صفوف أعدائه بل إنها تمشي علانية ضده .

ومع ذلك فقد تلت نكبات أخرى اعمق تأثيرا ففي الوقت الذي كان فيه الأمير في اشد الحاجة إلى اكثر خلفائه كفاءة قضى عليهم القدر القاسي .انهم لم يستطيعوا أن يتابعوا مهمتهم لأنهم إما وقعوا في الأسر أو قضوا نحبهم في ميدان الشرف وعندما جرد عبد القادر من هذه الحلقات الضرورية فقدت دولته التماسك فأقاليمه البعيدة سقطت ضحية للفرنسيين الذين نشروا أعلامهم المنتصرة في كل مكان ولكن قلب الأسد والإرادة الحديدية مازالتا على العهد وقد تحدتا القدر أن يأتي بأسوأ مما عنده .

فإقليم وهران قد اصبح مسرحا لصراع يكاد يكون فوق طاقة الإنسان. إن عبد القادر الذي كانت معه فرقة من حوالي 5000 من الجنود المخلصين المختارين قد جعل نفسه حاضرا في كل مكان فهو مرة ينزل على بعض القبائل التي نكثت العهد ، وأخرى كان يعترض طريق الطابور الفرنسي لقد كان دائما في المعركة يقود إطلاق النار مندفعا إلى اكثر نقط القتال كثافة وكان يشجع ويلهب ويحمس الفرقة الصغيرة التي كانت معه بمثال البطولة الذي كان يقوم به لقد سقط من حوله أشجع اتباعه وقتلت جياده تحته وتخرق برنسه الرصاص ومع ذلك فقد ظل يحارب بشجاعة وبلا هوادة دافعا عنفوان المعركة إلى الأمام وذات مرة فوجئ الأمير على حين غفلة منه ففي 22 من سبتمبر 1843 كان معسكرا بالقرب من زاوية المرابط سيدي يوسف على راس فرقة من المشاة و 500 فارس غير نظامي وبينما هو كذلك وشى به جاسوس إلى لامورسيير الذي لم يكن يبعد عنه سوى ستة فراسخ فقاد لامورسيير شخصيا إليه الكتيبة الثانية من صيادي إفريقيا وكان الجميع في زهو وثقة بالقبض عليه وقطعوا المسافة بسرعة أثناء السير ليلا ووصلوا المكان المعين في غبش الفجر.

وصحا عبد القادر من نومه على صرخات "الفرنسيون ، الفرنسيون "وكان لا يجد الوقت حتى لامتطاء فرسه وكان يمكنه الهرب لكن الموت كان افضل عنده من العار المزدوج : الغفلة والهروب . ونهض مشاته إلى أسلحتهم وتقدموا بأمر منه وهم يطلقون النار جزافا وتجمع فرسانه على صوته ثم عندما بدا الخان ينقشع شيئا فشيئا تسرب إلى صفوف الفرنسيين وباغتهم وفرقهم بقوة الصدمة والمفاجأة وبعد عدة دقائق من القتال المرير قاد جميع قواته في انتظام محكم وابتعد .

إن بني عامر قد انضموا إلى الفرنسيين وهم نفس بني عامر الذين كانوا قد لوحوا ب4000 سيف في الهواء استجابة لدعوة البطل الشاب عندما دعاهم إلى الجهاد بل هم أنفسهم الذين فتحوا له بشجاعتهم الفائقة طريق المجد والسلطان وقد قرر الأمير أن يهاجمهم فنزل عليهم بكل القوات التي كانت لديه واندفع وسط خيامهم وقتل عددا منهم وحمل معه غنيمة ضخمة وقد حاولت الفرق الفرنسية التي كانت تعسكر وسطهم أن تعترض طريق تقدمه لكن بدون جدوى ولكن أحد القواد العرب الذي كان سابقا أحد اتباعه تجاسر على جعله هدفا له فركب إليه و أطلق عليه النار مباشرة غير أن الرصاصة أخطأته فاستدار الأمير إليه أرداه قتيلا برصاصة من بندقيته .ورغم هذا النجاح المؤقت لجهوده التي لا تعرف الونى فان عبد القادر كان يعرف تماما أن جميع محاولاته لاستعادة سلطانه وترميم الصرح المنهار

لحظوظه ستكون غير مجدية وخيالية وبدون إعطاء شكل اكثر استقرارا ودواما لجهوده وطاقاته لقد كان يرى الآن بوضوح أن الجزائر قد أصبحت مغلقة في وجهه وأنها كميدان معركة لم يعد من المحتمل أن تقدم لوضعه أي نتيجة إيجابية رغم مقاومته التي لا تنقطع وغزواته المظفرة فقد شعر عبد القادر أن اللعبة قد ضاعت من يديه بدون مساعدة خارجية .

إن الزمالة الضخمة لم تعد تتجاوز دائرته الخاصة التي لا تكاد تصل إلى 1000 نسمة وكانت تجوب الأرض ضائعة في شقاء ويأس وقد كان عليه أن يكون مستعدا لجهود جديدة كلما أراد أن يضعها في مكان آمن.لذلك عندما كان يقودها إلى مكان بعيد عب الخطر اعترض طريقه لامورسيير من جديد.

وتلا ذلك قتال مرير وكانت النسوة تحمسن المحاربين بزغارديهن وأصواتهن ، وكان عبد القادر واتباعه يحاربون على مرأى ومسمع من زوجاتهم وأطفالهم فابدوا شجاعة واستماتة لا توصف ودارت الدائرة من جديد على خصم عبد القادر العنيد ونجح الأمير في قيادة الزمالة الصغيرة في أمان إلى بوك شيكة على حدود المغرب الأقصى كانت العلاقات السياسية بين فرنسا وإنكلترا في هذه الأثناء تهدد بالخطر وقد اعتقد عبد القادر أن الفرصة سانحة له فأرسل سفارة إلى ملكة بريطانيا وفي رسالة كتبها إليها فتح أمامها إمكانية الاستحواذ على الجزائر وقال فيها إن كل المدن الساحلية ستترك لسيادتها الكاملة ومن جهة أخرى فان العرب يطلبون منها الاعتراف باستقلالهم الوطني و أوضح عبد القادر أن تحالفا عظيما بين الإنكليز والعرب سيقيم جدارا لا يمكن اجتيازه في وجه التوسع الفرنسي في إفريقيا وقد وضعت الرسالة المذكورة بين يدي رئيس الوزراء البريطاني وطلب سفير الأمير مقابلة الملكة لكن طلبه رفض وعلى السفير على وعد بإرسال الجواب على الرسالة لكن ذلك لم يتحقق أبدا .

ومن جهة أخرى فان السفارة المذكورة قد كلفت بتسليم رسالة ثانية من عبد القادر إلى السلطان العثماني عن طريق وزارة الخارجية البريطانية وقد عرض فيها عبد القادر انه مستعد للاعتراف بسيادة خليفة آل عثمان في مقابل نجدة ترسل منه إليه حالا ووجهت الرسالة إلى وجهتها لكن بدون نتيجة .

ومهما كانت توقعات الأمير من الجهات التي كتب إليها فان اعتماده الأساسي كان على تأييد وتعاون سلطان المغرب فمنذ سنوات كان السلطان عبد الرحمن قد اظهر للأمير كل التبجيل والتقدير ومنحه هدايا متعددة و أطراه وداهنه بطريقة ذكية ، ولكن صداقته توقفت هناك فخلال مقاومة عبد القادر كلها لم يتقدم إليه عبد الرحمن أبدا بأي عرض بالمساعدة المادية مجانا كما أن عبد القادر لم يتنازل أبدا إلى طلب هذه المساعدة.

ولكنه الآن اضطر إلى طلب المساعدة تحت إلحاح الحاجة الماسة والشعور العميق بالواجب الديني فقد ترجى السلطان المغربي مستعملا لذلك اكثر العبارات إلحاحا واستعجالا أن يسخر كل موارد وقوات دولته لخدمة القضية المشتركة واظهر في ترجيه منه الخطر المشترك فقال إذا احتل الفرنسيون الجزائر كلها فأين يكون أمن المغرب؟ ذلك انه من السهل إيجاد المبررات للاعتداء على الثانية كما كان من السهل إيجاد المبررات للاعتداء على الأولى ومن حجج عبد القادر أن القبائل العربية التي ضعفت عزيمتها مؤقتا ستنهض من جديد على رؤية الجيش المغربي وستوحد من جديد صفوفها بحماس مشتعل حول الأعلام المغربية .

ولم يكتف الأمير بتحدي العواطف السياسية للسلطان المغربي فعزم على كسب انضمامه إليه إن لم يكن التحالف معه باللجوء إلى عمل يعبر عن الولاء الشخصي ذلك أن عددا من القبائل المغربية كانت منذ أمد طويل ثائرة ضد سلطانها فهاجمها عبد القادر أخضعها و أرسل زعماءها الثائرين مكبلين إلى وجدة كما أرسل في نفس الوقت رسالة شخصية إلى السلطان عبد الرحمن يعرض فيها خدماته عليه .

وكان رد السلطان المغربي شاكرا لكن متحفظا إذ لم يحمل إليه أي تشجيع وعندما وجد عبد القادر أن جهوده نحو السلطان غير مثمرة جمع حوله عددا قليلا من الاتباع المخلصين واختفى معهم عدة شهور في الصحراء مقررا أن يعتمد على جهوده الخاصة في استعادة مكانته وتثبيت نفسه.

وعندما تخلص الفرنسيون من حضور عبد القادر تصوروا أن عملهم قد انتهى فانسحابه من الميدان كان بالنسبة إليهم رمزا سارا لتنازله و انهزامه .

وقد هنأ الماريشال بوجو حكومته على هذه النتيجة الباهرة فقال :" بعد حملة الربيع 1843 كان يمكنني أن أعلن أن احتلال الجزائر وإخضاعها قد انتهى غير أنني فضلت أن اذكر ما هو أدنى من الحقيقة ولكني الآن بعد معركة الحادي عشر من هذا الشهر التي قضي فيها على بقية مشاة الأمير والتي قتل فيها أول واشهر خليفة له فإني أعلن على الملأ وبكل جرأة أن كل قتال جدي قد انتهى ، حقا إن عبد القادر قد يقوم بحفنة الفرسان الذين ما يزالون معه ببعض الحركات المباغتة المعزولة على الحدود ولكنه لن يحاول أبدا أية حركة هامة من جديد".

Aucun commentaire: