jeudi 26 février 2009

سي حمدان رحمة الله عليه


الشهيد سي حمدان البطل الأسطورة

كلما كان الحديث عن ثورة التحرير والتضحيات الجسام التي قدمها الشعب الجزائري لنيل حريته واستقلاله، كلما جرى الحديث عن الأبطال الذين كانوا في الطليعة حتى أصبحت الروايات التي تتدوال عن بطولاتهم وشجاعتهم وكأنها أساطير، من ذلك مايروي عن البطل الشهيد اعمر بن هلال المعروف سي حمدان الذي مازال سكان أحياء مدينة المدية وقراها ومداشرها عندما يتحدث كبارهم ومجاهديهم عن بطولات وشجاعة سي حمدان وكأنهم يرون أساطير من نسج الخيال ، كيف لا وهو ما أدى بالصحافة الاستعمارية يوم استشهاده تكتب عبر صفحاتها بعناوين عريضة: القضاء النهائي على مسؤول جبهة التحرير بالمدية. وهذا في صحيفة صدى الجزائر الصادرة بتاريخ 09 ماي 1960.

ولد سي حمدان في شهر سبتمبر 1938 بقرية الكتاب بضواحي المدية، توفي والده وعمره لا يتجاوز البضعة شهور، له أخ وحيد يكبره وهو مجاهد أيضا، وستة أخوات، وكغيره من أبناء الجزائر الذين حرموا من طلب العلم والدراسة التحق الطفل اعمر بكتاب القرية حيث تلقى قسط من القرآن الكريم على يد الشيخ السلاني ثم انتقل إلى المدرسة الزوبيرية الحرة التي كانت المدرسة الوحيدة بالمديتة التي تلقن أبناءها الروح الوطنية واللغة العربية والتي كان لها الفضل والشرف في تخريج أعداد كبيرة من الوطنيين والشهداء والإطارات ومازالت تؤدي رسالتها إلى اليوم، ثم انقطع عن الدراسة ليساعد أخاه محمد على إعانة شؤون العائلة فاختار مهنة النجارة.

وعندما اندلعت الثورة كان عمره لا يتعدى 16 سنة، ولم ينتظر حتى يشتد عوده بل دخل الثورة بقلبه وكيانه ومع انطلاق الشرارة الأولى بدأ يتصل بالمجاهدين ويجالس المناضلين، وكان حلمه الوحيد الصعود إلى الجبل ولم يمنعه سنه من القيام ببعض الأعمال التخريبية، ونظرا للشجاعة والفطنة والذكاء الذي أظهره كلفه القائد الشهيد سي الطيب الجغلالي مفجر الثورة بالمنطقة ومنظمها بمهمة متابعة أحد الخونة للتأكد من اتصاله بالعدو، حيث كان هذا الخائن يتصل بالمواطنين ويدعي أنه من مواطني جبهة التحرير ويهددهم بمسدسه ليدفعوا له الأموال فقام سي حمدان بهذه المهمة أحسن قيام وحضر تقريرا مفصلا للقائد سي الطيب الجغلالي أثبت فيه صحة أقوال المواطنين بخصوص الخائن فأمره بإلقاء القبض عليه وفعلا تمكن من ذلك ووضعه في كوخ ريثما يفصل في أمره تاركا حارسين عليه هما الشهيدان أحمد الصالحي ومصطفى المسراتي ولكن الخائن خادع الحارسين وفر في اتجاه أحد مراكز العدو مخبرا إياهم بالواقعة وفي اليوم الموالي وبينما كان الشهيد سي حمدان بحي عين الذهب وإذا بفرقة الدرك الاستعماري تهجم عليه وتلقي عليه القبض لأن الخائن كان مندسا بينهم داخل سيارة الجيب واقتيد الشهيد إلى مركز الشرطة حيث سلطت عليه شتى أنواع التعذيب وكان أول واحد يفرض عليه شرب المازوت في ذلك المركز ورغم ذلك أنكر الشهيد معرفة الخائن وانتمائه للثورة وأنه لم تقع عينيه على ذلك الخائن، وصادف أن غاب محافظ الشرطة عن المركز فناب عنه أحد الجزائريين العاملين في المركز فطلب هذا الأخير من أفراد الشرطة المكلفين بتعذيبه واستطاقه بأن يتركوه على انفراد مع الشاب ليتكفل هو باستنطاقه حيث يستعمل معه الوسيلة النفسية ولغة الجزائريين، ولما انفرد به الشرطي الجزائري وعده بأن يطلق سراحه شريطة أن يخبره إن كان يعرف الخائن الذي أوشى به وإن كان فعلا قبض عليه وأراد قتله، وتصنع البطل سي حمدان أنه واثق من كلامه على أساس أنه جزائري وأخبره بكل ذكاء ودهاء بأنه صحيح ألقى القبض على ذلك الخائن وأراد قتله لأنه كان يدعي بأنه من الجبهة التحرير ويهدد المواطنين بمسدس يحمله ليأخذ منهم الأموال مضيفا: وإذا لم تصدقني ابعث رجالك إلى داره وفتش في مدفأة منزله وسترى بعينيك، وفعلا تم ذلك حيث لما توجه رجال الشرطة إلى دار الخائن عثروا على المسدس وعادوا به، عندها قال ذلك الشرطي الجزائر أن هذا الشاب المدعو اعمر بن هلال بريء وأن المتهم هو ذلك الخائن وفورا أطلق سراح سي حمدان وهذا بعذ 45 يوما قضاها في السجن وأدخل مكانه ذلك الخائن.

خرج سي حمدان من السجن أكثر عزيمة من ذي قبل وذلك لما رآه بأم عينيه ولما قاساه من معاملة وحشية تجاهه وتجاه أبناء وطنه.

وأقسم بأن لا يغمض له جفن إلا بخروج المستعمر الجاثم فوق صدر أمته، انقطع عن العمل نهائيا وأصبح يتظاهر بأنه يعمل وذلك لإيهام العدو وعملائه الذين كانوا يتربصون به وكان يقضي الليالي مع المجاهدين والمناضلين ولما كثر نشاطه وخاصة بعد أن قام بالعديد من العمليات الفدائية في المدينة،وضواحيها ضد الخونة والمعمرين، خشيت عليه قيادة الجبهة من افتضاح أمره فطلبت منه الالتحاق بالجبل وكان ذلك في أواخر 1956 وهو نفس الوقت الذي بدأت فيه السلطات العسكرية الإستعمارية تبحث عنه للتجنيد الإجباري وهكذا أصبح مطاردا.

من المدرسة الزوبيرية إلى الكتيبة الزوبيرية

التحق سي حمدان بإخوانه في الجبل وانضم بعدها للكتيبة الزوبيرية حيث تلقى تدريبا عسكريا أهله لخوض العديد من المعارك والمشاركة في عدة كمائن إلى جانب إخوانه المجاهدين، في سنة 1958 اشتبكت الكتيبة مع العدو في معركة مشهورة وهي معركة أولاد سنان التي استعمل فيها العدو مختلف الأسلحة بما فيها الطائرات والدبابات وقد أصيب البطل سي حمدان خلالها بجروح في ساقه فاقترحت عليه الجبهة بعد هذه الإصابة إن كانت له رغبة في التوجه إلى المغرب مع بعض الشباب المتعلمين والطلبة لمواصلة التعليم ولكنه أصر على البقاء وسط الميدان، عندها عين محافظا سياسيا لهذا القسم الشهيد الماحي باشن، زكان هذا القسم يشمل مدينة المدية والقرى والمداشر المحيطة بها، فقام سي حمدان بهذه المهمة أحسن قيام وأعطى الثورة نفسا جديدا حيث قام نتجنيد العشرات من الشباب ودرب الكثير منهم واستطاع بفضل حنكته وذكائه وأخلاقه السامية وتفانيه أن يدخل قلب كل عائلة وقلب كل مجاهد ومناضل بالمنطقة. ومما يروى عنه أنه كان يقضي جزءا من الليل في الجهة الشرقية للمدينة والجزء الآخر في الجهة الغربية أو العكس، ويقدم توجيهاته ويعطي أوامره للمناضلين والماجهدين وعندما يأتي النهار ويلتقي مناضلو ومسؤولو مختلف الجهات يقسم كل واحد أن سي حمدان قضى الليل بينهم.!!

ملك أم بشر!!

من هنا دخل الشك البعض في أن سي حمدان ليس إلا من فئة الملائكة بدليل أن بعضهم كان يشك في لقائه في تلك الليلة وتساءل إن كان في حلم أم في حقيقة، وبالفعل فإن سي حمدان كان يتصل بالمجاهدين والعائلات والمسبلين في ليلة واحدة من شمال المدينة إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها قاطعا المسافات الطوال لم تثنه الصعاب والأهوال شأنه شأن كافة المجاهدين والأبطال الذين قدموا النفس والنفيس لتحرير الوطن.

ويؤكد لنا معظم المجاهدين والمناضلين الذين تحدثنا إليهم أن معظم العمليات الفدائية إن لم تكن كلها التي استهدفت المعمرين والخونة ومراكز الشرطة بين سنتي 1958و1960 كانت من تخطيط الشهيد سي حمدان أو بمشاركته شخصيا تنفيذا لأوامره ويشهد على ذلك قتل كبار المعمرين أمثال ماركايو، ومنقاش وغيرهما.

وكان الشهيد قبل أن ينفذ عملياته يبعث برسائل للمعمرين لدفع الأموال لجبهة التحرير بل كان يبعث برسائل للجودان ليخبره بأنه في اليوم الفلاني وفي الناحية الفلانية بالقرية الفلانية سيكون بالمكان الفلاني إن أراد مقابلته أو مواجهته!! وكانت كلما وصلت الرسالة للجودان يرتعد ويختفي لعدة أيام ريثما تهدأ فرائسه ويعود إلى حالته الطبيعية.

وتؤكد معظم العائلات والمجاهدين الذين تحدثنا معهم أن سي حمدان كان يتجول نهارا عبر الشوارع الرئيسية للمدينة وأحيائها مرتديا قشابية وحاملا كيسا به أدوات البنائين ولكن تحت القاشابية كان يحمل سلاحه وكم من مرة اكتشف أمره وينجو من الحصار بأعجوبة. وكان اللباس المفضل لديه هو اللباس المزركش أي البارا حتى أن بعضهم يروي أنه كان يندس في بعض الأحيان وسط جنود الاستعمار ولا يتفطنون له، وقد استطاع بفضل حنكته وتكثيفه للعمليات الفدائية بمدينة المدية وضواحيها أن يخفف الضغط على الأرياف والجبال المحيطة بالمدينة بعد العملية المعروفة بالربع ساعة الأخير، وأصبح الشغل الشاغل للسلطة الإستعمارية بالمدينة.

استشهاده بعد آخر اجتماع.

كانت الساعة تشير إلى الثانية من صباح يوم السابع ماي 1960حينما اجتمع سي حمدانرفقة ستة من إخوانه المجاهدين من بينهم أخيه محمد، بمنزل الشيخ زوارد بقرية الكوالة بضواحي مدينة المديةحيث انقسمت الفرقة إلى قسمين:

قسم يضم أخاه محمد بن هلال والمجاهدان مازوني جمال المدعو عبدالسلام وخالد زميرلي وقد استشهدا فيما بعد،وتوجه ثلاثيتهم إلى قرية بني عطلي على الطريق المؤدي إلى جبال تمزقيدة، أما سي حمدان فقد رافقه الباقي إلى حومة بوقلقال وهو مجمع سكني لعائلة كبيرة تعد من أكبر العائلات اللمدانية حيث توجه الشهيد إلى المركز الكازمة أو المخبأ الذي اعتاد عليه عند عائلة مجبر امحمد وحوالي الساعة التاسعة صباحالم يتفطن أحدا إلا والمكان محاصر بقوات كبيرة من طرف أصحاب القبعات الحمراء مدججين بالسلاح والكلاب وقد حوصر الحي السكني من جميع جوانبه وكان يوما مشهودا بحي تاكبو وعين الذهب، حيث يتواجد المخبأ السري الذي كان سي حمدان متواجدا به رفقة إخوانه المجاهدين وهذا المخبأ لم يكن يعرفه سوى المجاهدين الذين أقاموا بهولهذا فإن رائحة الخيانة كانت تزكم الأنوف وهي وشاية أحد المستسلمين من الذين كانوا تعرفوا على هذا المخبأ السري وربما حتى من المقربين من سي حمدان نفسه بدليل أنه في ذلك اليوم كان جنود الإحتلال قد كشفوا سبعة مخابئ سرية أخرى عبر أحياء المدينة وكانت كل هذه المخابئ يرتادها سي حمدان والمقربين منه.

وهكذا كانت البداية بصاحب الدار الشهيد امحمد مجبر، الذي أخرج عنوة من داره وسلطت عليه أنواع التعذيب أمام الدار ولم يتفوه بكلمة ولم يخبر عن المخبأ ولا عن المجاهدين وعندها ربطوه إلى جذع شجرة ومثلوا به حتى استشهد ولكن العدو الذي كان يحاصر المسكن تأكد أن سي حمدان ورفاقه داخل الدار وبواسطة مكبر الصوت كان جنود العدو يطالبون سي حمدان بالاستسلام والخروج وتأكد البطل بأنه لا جدوى من البقاء داخل المخبأ لأن العدو عازم على هدم الدار فوق ساكنيها فاستعد للمعركة الحاسمة مع رفاقه وكان قد أخذ وعدا مع نفسه منذ التحاقه بالثورة بأنه إما أن يعيش لينعم بالاستقلال وإما أن يستشهد، أما أن يقبضوا عليه فهذا من المستحيلات السبع وانطلقت المواجهة التي دامت قرابة الساعتين استشهد خلالها البطل سي حمدان واثنين من رفاقه وهما الشهيدان سي يحي وعبدالرزاق القليعي وتكبد العدو أكثر من 10 قتلى وضابط برتبة رائد ولما تأكد العدو من انتهاء المعركة وجيء بجثة سي حمدان ورفيقيه والتف حولهم جنود الاحتلال وقف قائدهم قائلا: بمثل هذا البطل انتصرت فرنسا على النازية.....،

وكأنهم كانوا أقل نازية من ألمانيا ثم سلم جثته للسكان فهب الرجال يكبرون والنساء تزغردن ويرششن جثث الشهداء الطاهرة بالعطور واكن يوما مشهودا في تاريخ مدينة المدية ووري الشهيد التراب رفقة صاحب الدار في قبر واحد بمقبرة الحي المعروفة بمقبرة الزبوجة ....وهكذا استشهد البطل سي حمدان وعمره لا يتجاوز 22 سنة وقد كتبت جريدة صدى الجزائر يوم 09 ماي 1960 وبالبنط العريض تحت عنوان: القضاء النهائي لعى مسؤولي جبهة التحرير الوطني بالمدية، ولكن هيهات فقد خاب ظن العدو وتاصلت مسيرة الثورة بالمدية بنفس العزيمة وب رجال صدقوا الله ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا صدق الله العظيم ورحم الله شهداءنا الأبرار )بقلم رويس عبد السلام .

Aucun commentaire: