lundi 22 septembre 2008

تاسيس مدينة المدية


ماديكس.. الصنهاجيون ويوسف بن تاشفين

يثير تاريخ تأسيس مدينة المدية جدلا كبيرا بين المشتغلين على البحوث التاريخية، حيث تنسب هذه المدينة إلى قرية قديمة تدعى (لامباديا)، بينما يعزوها آخرون إلى بلدة (ألمغارا)، بينما يؤكد فريق واسع من المؤرخين أمثال البكري، إنّ ميلاد مدينة المدية يعود إلى قرن ونيف، ويجزم هؤلاء استنادا إلى ما دلت عليه الحفريات، على أنّ المدية كانت تسمى "ماديكس" أيام الرومانيين القدامى، وكان يٌطلق عليها أيضا إسم (لمبديا)، لتأخذ اسمها الحالي "المدية" من إحدى قبائل صنهاجة الضاربة بالمنطقة، ثمّ أعاد السلطان يوسف بن تاشفين إعمارها العام 1155 م، وبناء الساقية التي أنشأها الرومان، علما إنّ المدينة مرت بفترات صعبة قبل ذاك التاريخ، لتدرك الاستقرار بعد أن تولى "الزيريون" بنائها على يد " بلكين بن زيري " 950 م على أنقاض المدينة القديمة، بالتزامن مع المنحى الذي شهدته وقتئذ مدينتا الجزائر العاصمة ومليانة.
ويروي باحثون، إنّ المدية خضعت ابتداءا من القرن الثالث عشر، لسيطرة قبيلة أولاد منديل المغراوية سنة 1289 م، حيث تمكن السلطان الزياني "عثمان بن يغمراسن" من الإستيلاء على ما يعرف حاليا بـ"الونشريس"، كما تسرد مخطوطات إنّ السلطان المذكور ضرب حصارا على المدينة التي كانت سيطرة تحت قبيلة "أولاد عزيز" من أبناء الزعيم الأمازيغي "توجين ثن".
وفي سنة 1303م، سقطت المدينة في يدي السلطان المريني " أبو يحيى"، هذا الأخير بنى قلعته المشهورة، قبل أن يقوم "أبو زيان" الذي كان سلطانا على بني عبد الواد، استرداد المدية وضمّها تحت حكمه سنة 1366 م.

إيالة الجزائر وملاحم الأمير

بدأت مدينة "المدية" عهدا جديدا مع قدوم الأتراك وإنشاء الدولة العثمانية لما عرف بـ"إيالة الجزائر" سنة 1547م، حيث قسّم "حسن باشا" البلاد إلى ثلاث مناطق، وجعل المدية عاصمة " بايلك التيطري " في الوسط، وعيّن أول باي للمنطقة سنة 1578 م.
وبعد دخول المحتل الفرنسي للجزائر في يوليو/تموز 1830 م، لم تستسلم المدية مبكّرا، رغم شنّ الجيش الفرنسي عدة محاولات توغل بقيادة الماريشال (دامريمون)، حيث تمكّن الباي "بومرزاق" آنذاك من إحباط هجمات الفرنسيين ودفعهم إلى التراجع حتى الساحل، ولم يتمكن الفرنسيون من اختراق المدية إلاّ بعد سبعة أشهر، إثر إعدادهم سبعة آلاف مقاتل بقيادة الماريشال "كلوزيل"، لتدخل القوات الفرنسية المدية في 21 شباط/ فبراير 1831 م، أين جرى تعيين "الباي عمر" واليا على المدية.
وفي سنة 1836 م، أنهى القائد الشهير "الأمير عبد القادر الجزائري" السيطرة الفرنسية على المدية، ودخلت المدينة ضمن نطاق دولة الأمير بعد معاهدة التافنة التي اضطر الفرنسيون إلى توقيعها سنة 1837 م، لتبقى المدينة مركزا للمقاومة حتى سنة 1840 م، تاريخ دخول الفرنسيين المدينة مجدداً، لتبقى المدية محل شد وجذب فرابة قرن كامل، إلى حين تفجير الثورة التحريرية في الفاتح نوفمبر/تشرين الثاني 1954م، حيث كانت عاصمة الولاية التاريخية الرابعة إبان تلك الثورة، كما أسهمت غداة استقلال الجزائر سنة 1962 م، في تشكيل الكينونة الجزائرية عبر إنجابها أعلاما كبار على غرار الفنان "محمد محبوباتي"، وعظماء أمثال فضيل اسكندر، فخار مصطفى وعشرات الأسماء الأخرى.
ولا يمكن للمرء أن يذكر المدية دون أن يتوقف عند العلاّمة "محمد بن شنب" (1869م- 1929م)، فهذا الأخير كان بارعا في اكتساب العلوم والمعارف وأجاد اللغات الاسبانية، الألمانية، اللاتينية، الفارسية و التركية، ناهيك عن العبرانية، وجرى انتخابه العام 1920 عضوا ضمن المجمع العلمي العربي بدمشق، قبل أن يكون أول جزائري يتحصل على الدكتوراه في الآداب بدرجة ممتاز سنة 1922م، كما كان شاعرا مفلقا، وشارك في عديد المؤتمرات العلمية في الرباط وأكسفورد وباريس.
العلامة محمد بن شنب، أجمع العرب والعجم على عبقريته، حيث أشد به المستشرق "رينيه باسييه" و"مارتينيو"، والعلامة "البشير الابراهيمي" و"سعيد الزاهري" و"احمد توفيق المدني" والفنان "عمر راسم"، وقال فيه "عبد الحميد بن باديس" رائد النهضة الحديثة في الجزائر:"فقدناه لما عرفناه".
وخلّف بن شنب ورائه ما يزيد عن الخمسين كتابا في سائر العلوم باللغتين العربية و الفرنسية منها: تحفة الأدب في ميزان أشعار العرب، رسالة في المنطق، "أمثال العوام في أرض الجزائر والمغرب"، "رحلة الورتيلاني"، "أبو دلامة، حياته و شعره"، وشرح "مثلثات قطرب" سنة 1907، كما له العديد التحقيقات والتنقيحات، والترجمات والفهارس لكثير من نفائس الكتب، وحينما عزم علماء الاستشراق على وضع دائرة المعارف الإسلامية سنة 1899م، كان "بن شنب" العربي المسلم الوحيد بين خمسين من المستشرقين.


سحر الآثار
تزخر المدية بعديد المناظر الطبيعية ذات الجمال والسحر المنقطع النظير، على غرار فسوحات أولاد هلال ومنعرجات الحمدانية، تمزقيدة، أولاد هلال، بوقزول، سهل بني سليمان، وغيرها، كما تمتاز بإرث تاريخي يمتد إلى ما قبل التاريخ، في صورة أقواس جواب، وقلاع الكاف الأخضر، وقصر البخاري، وسانق.
اللافت، هو تميّز أبناء المدية بمحافظتهم على تقليد متوارث، يتصل بإحياء الوعدات لمن يعرفون بـ(أولياء الله الصالحين)، وتقام بالمناسبة ما يسمى بـ"الطعمة"، وتقام على هامشها مسابقات لألعاب الفروسية مصحوبة بالأنغام والمدائح، كما تشتهر المدية بحفلات زفافها وتقاليد (العرضة)، (المحضر)، (الحزام)، وغيرها من الولائم المصادفة للأيام الدينية والموسمية، في صورة (عيد العنب) الذي تشتهر المنطقة بجودة محاصيله، تماما مثل أكلات شعبية تنفرد نسوة المدية بتفننهنّ في تحضيرها على منوال: العصبان، الكسكسي، البركوكس، وحلويات كـ: البغرير باللوز، حلوة العنب، المثقبة، المعارك، وغيرها من الأكلات ذات الصلة العرفية بين العوائل هناك

Aucun commentaire: