mercredi 31 mai 2023


الامــــير عــــبد الـــــقـــــادر و نصارى الـــــشام
l’émir Abd el Kader et les chrétiens du levant (Syrie )
( قصة الاوسمة و النياشين🎖️🎖️🎖️🎖️ التي تظهر في صوره النادرة و الرد على شبهة الماسونية السخيفة ).🎖️🎖️🎖️🎖️
فــــي عام 1860 لجاءت العائلات المسيحية الهاربة من الحرب الاهلية في سوريا الى الامير عبد القادر الجزائري الذي كان منفيا في دمشق و طلبوا منه حمايتهم و انقاذهم فما كان منه الا ان فعل ذلك و حماهم مع جنوده و افتداهم و ذكر الناس بتسامح الدين الاسلامي و ارجعهم لصوابهم في دمشق بعد فتنة نشبت بين النصارى و الدروز بتدبير و مكيدة فرنسية لايجاد حجة لاحتلال سوريا و فصل لبنان الذي حدث فعلا لاحقا
ولمّا بلغتْ أخبارُ هذه الواقعةِ الهائلة الخليفة العثماني عبد المجيد خان ، وما صنعه الأمير في سبيل أداء واجبه الديني ، أظهر الخليفة رضاه العالي بفعله وأنعم عليه بالنيشان المجيدي العالي الشان من الرتبة الأولى وأرفق معه فَرَمَانًا وحملهما إلى الأمير الصدرُ الأعظم علي باشا، وإليكم نصّ الفرمان:
((قد أحاط علمي الشريف السلطاني بحال الحميّة الدينيّة الثابتة في أصل فطرة الأمير عبد القادر الجزائري ، زيدَ فضلُه ، وخلوصه الأكيد الوطيد لطرف دولتي العليّة ، وقد اضطره كل منهما لاستعمال الهمّة والغيرة الكليّة الفائدة في الخدمة المرغوبة وهي تخليص عدد كثير من تبعة دولتي العليّة الواقعين بأيدي الأشقياء الظالمين عند وَقع الفتنة والعناد مؤخرًا في الشام من بعض ذوي التوحش الجاهلين بالوظائف العليّة الإسلاميّة والأحكام الجليلة الشرعيّةوحيث أنّ حركته الحسنة قد استوجبت لدى سلطنتي زيادة المحفوظيّة ووقعت موقع الاستحسان ولأجل حسن توجهاتي السلطانية الحاصلة في حقّه والمكافأة العلنيّة على خدمته الخيرية الواقعة ، أحسنتُ إليه بنيشاني المجيدي الهمايوني من الرتبة الأولى ، وأصدرتُ له فرماني السلطاني المعلوم المؤْذن بالمكارم الملوكانية في أول صفر الخير سنة سبع وسبعين ومئتين وألف)).انتهى
فسُرَّ الأمير بهذا الإنعام السلطاني ورفع إلى حضرة الخليفة كتابًا يشكره فيه ويلخص له ما حدث ، جاء فيه : ((...ثمّ لمّا وقعت حادثة الشام وانتُهِكت محارم الله بلا احتشام ،وتعيّنَ على كل فردٍ من العباد بذل المجهود في دفع ذلك الفساد ، قمتُ بأداء ما قدرت عليه من هذه الفريضة العينية ؛ والنيّةُ الصحيحة في ذلك تحصيلُ رضاء الله تعالى ثمّ طاعةُ الدولة العليّة...)).انتهى [الرسالتان مثبتتان في (تحفة الزائر) لمحمد باشا 2/96ـ98].
وتوالت مكاتيب الشكر وقصائد التهنئة بالورود على الأمير من الدول والأدباء والشعراء والعلماء والأعيان اقتداءً بالدولة العثمانية.
ومنها رسالة من قائد الثورة في الداغستان والشيشان الشيخ (محمد شامل الداغستاني) رحمه الله ؛ ونصّها:
((..إلى من اشتهر بين الخواص والعوام ، وامتاز بالمحاسن الكثيرة عن جملة الأنام ، الذي أطفأ نار الفتنة قبل الهيجان ، واستأصل شجرة العدوان ، رأسها كأنه رأس شيطان ، المحبّ المخلص السيد عبد القادر المنصف ؛ السلام عليكم وبعد : فقد قرع سمعي ما تمجّه الأسماع ، وتنفر عنه الطباع ، من أنه وقع هناك بين المسلمين والمُعاهَدِين ما لا ينبغي وقوعه من أهل الإسلام ، وربما كان يُفضي إلى امتداد العناد بين العباد في تلك البلاد ، ولذلك عند سماعه اقشعرّ منه جلدي ، وعبست طلاقة وجهي ، وقلتُ (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) ، وقد تعجبتُ كيف عميَ من أراد الخوض في تلك الفتنة من الولاة عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "ألا من ظلم مُعَاهَدًا أو انتقصه حقّه أو كلّفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس ، فأنا حجيجه يوم القيامة"وهو حديث حسن ، ثمّ لما سمعتُ أنّك خفضت جناح الرحمة والشفقة لهم وضربت على يد من تعدّى حدود الله تعالى وأخذت قصب السبق في مضمار الثناء واستحقيت لذلك ، رضيتُ عنك والله تعالى يرضيك يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون لأنك أحييت ما قال الرسول العظيم الذي أرسله الله رحمة للعالمين ، ووضعتَ من يتجرّأ على سنّته بالمخالفة نعوذ بالله من تجاوز حدود الله ، ولكوني ممتلأً بالرضى عنك كتبتُ إليك إعلاماً بذلك . والسلام . حرر سنة 1277هـ شامل الغريب)).انتهى
فأجابه الأمير برسالة جاء فيها : ((الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى سائر إخوانه من النّبيين والمرسلين ، إنه من الفقير إلى مولاه الغني عبد القادر بن محيي الدين الحسني إلى الأخ في الله تعالى والمُحب من أجله الإمام شامل كان الله لنا ولكم في المقام والرحيل وسلام الله عليكم ورحمته وبعد ، فإنه وصلني الأعز كتابكم وسرّني الألذ خطابكم ، والذي بلغكم عنّا ورضيتم به منّا من حماية أهل الذمة والعهد ، والذَّب عن أنفسهم وأعراضهم بقدر الطاقة والجهد ،هو كما في كريم علمكم مقتضى أوامر الشريعة السّنية، والمروءة الإنسانية ، فإنّ شريعتنا متممة لمكارم الأخلاق ، فهي مشتملة على جميع المحامد الموجبة لائتلاف اشتمال الأطواق على الأعناق . والبغيُ في كل الملل مذموم ومرتعه وخيم ومرتكبه ملوم ولكن :
يُقضى على المرء في أيام محنته **** حتى يرى حسنًا ما ليس بالحسن
فإنّا لله وإنا إليه راجعون على فقد أهل الدِّين وقلَّة الناصر للحق والمعين ، حتى صار يظنُّ من لا علم له أنّ أصل دين الإسلام الغلظة والقسوة والبَلادة والجفوة ، فصبرٌ جميل والله المستعان ..
حرر في أول جمادى الأولى 1277)).انتهى [انظر (تحفة الزائر) ص114ـ 115].
إن الناظر في كلام الأمير في جوابه للسلطان وللشيخ شامل يرى بوضوح أنّ الأمير يشرح سبب موقفه من أحداث 1860م بأنه الالتزامُ بأوامر الشريعة الإسلامية في دفع الفساد ، والعدلُ مع أهل الذمة ونصرةُ خليفة المسلمين ، وكلامه صحيح ولا يستطيع أحدٌ إنكاره ، فالواجب على كل مسلم عاقل أن يعتمد هذا الكلام ، فهو كلام ثابت صحيح صرّح به الأمير نفسه وهو موافق للشريعة. وأما ما سواه فهو كذب ومفترى وتأباه الشريعة!
ـ والآن ما هو موقف فرنسا وإنكلترا وباقي دول أوربا الصليبيّة؟تلك الدول التي كانت بالأمس تصرخ وتنادي بالدفاع عن المسيحيين في بلاد الشام وحرّكت جيوشها وأساطيلها لهذا الغرض ، وها هي ترتد خائبة لم تصنع شيئًا للمسيحيين وتركتهم دون إمدادهم بالقوة التي وعدتهم بها! بل رضيت بالتدابير العثمانية ، التي كانت ترفضها من قبل!
وحقيقة الأمر أنّ الدولة العثمانية المسلمة هي التي حمت النصارى في الشام (سواء من رعاياها أو من الأجانب) وأنقذتهم من الفتنة ، وكذلك فإنّ الأمير عبد القادر الجزائري الذي تعرفه الشعوب الأوربيّة بوصفه قاهرَ فرنسا وجيوشها الصليبيّة ، والمدافع عن حمى الإسلام والمسلمين في الجزائر ، والمتعصّب لدين الإسلام ، هو الذي تولّى أمر إطفاء الفتنة وإنقاذ المسيحيين أفرادًا ورجال دين. عملاً بأحكام الشريعة الإسلاميّة! وقد كافأته الدولة العثمانية وشكرت صنيعه.
وفي الوقت نفسه هو الذي أحبط المخطط الأوربي ، وخيّب مساعي الجيش الفرنسي ، وفوّت الفرصة على الصليبيين لتقويض دعائم الخلافة الإسلاميّة. وهذا ولّدَ غيظًا شديدًا في صدور ملوك فرنسا على الأمير ، الذي ظنّوا أنهم قد استراحوا منه ، وقضوا على حركته المقاومة لهم.
وبالمقابل فإنّ سكوت حكّام الدول الأوربيّة سيفضح أمرهم أمام نصارى الشرق ويكشف كذبهم وادّعاءهم الغيْرَة على أبناء دينهم ، وسيُعرّي أغراضهم الدنيئة ، ومطامعهم الجشعة ، التي هم على استعداد لسفك دماء أبناء دينهم في سبيل تحقيقها!! فما العمل؟
لم يكن أمام ملوك وحكّام أوربا حلٌّ يخرجهم من ورطتهم إلاّ أن ينضموا إلى صفوف المباركين والمهنّئين والشاكرين والمادحين للأمير عبد القادر.
فبدأت كتب الشكر والنياشين والأوسمة والهدايا الاعتبارية ، تتوالى على الأمير من الملوك والقياصرة. وسأثبتُ لكم نصوصها نقلاً من كتاب (تحفة الزائر ص99):
1 ـ {صورة المرسوم الممضي بخط يد قيصر الروس المرسَل صحبةَ النيشان}
((نحن اسكندر الثاني إمبراطور وافطركراطور جميع الروسيين .. إلى آخر الألقاب.
إلى الأمير عبد القادر ، اقتضت رغبتنا أن نُشْهِرَ التفاتنا إليكم بشهامتكم وعملكم بما اقتضته الإنسانيّة، واجتهادكم في إنقاذ ألوف المسيحيين من أهالي دمشق ، الذين وُجدوا في خطر عظيم.
اقتضى الحال أننا سمّيناكم من أعظم فرسان رتبتنا الإمبراطورية الملوكانية المشهورة بالنسر الأبيض ، وهذه علامتها واصلة إليكم ونحن لم نزل باقين على المحبّة لنحوكم بالاعتبار الإمبراطوري الملوكي.
حُرر في بطرسبورج في يناير سنة ستين وثمانمئة)).انتهى
2ـ {صورة ما كتبه ملك اليونان}
((نحن "أوتون" بنعمة الله ملك اليونان قد أعطينا الأمير عبد القادر النيشان الكبير رتبة أولى من صنف نيشاننا الملوكي ، المدعو بنيشان المخلص. المؤرخ يوليه سنة 1833 وأرسلناه إليه ليحمله ويستعمله بمقتضى أمرنا ، وبناءً على ذلك أصدرنا له هذا المرسوم ممضيًا منا ، ثمّ من وزير بلاطنا الملوكي والتعلقات الخارجية. حرر في أثينا بتاريخ سبتمبر 1860)).انتهى.
ما كتبه قيصر بروسيا ( المانيا والنمسا )
((نحن غليوم بنعمة الله تعالى ملك بروسيا .. إلى آخر الألقاب. قد منحنا الأمير عبد القادر بن محيي الدين نيشان صليب النسر الأحمر من الطبقة الأولى. وقد أعطينا إرادتنا هذه لأجل تملّكه الحقيقي لهذا الوسام ، حاوية توقيعنا وإمضانا مع الختم الملوكي من بالسبيرج في 12/11/1861)).انتهى
4ـ {نص تحرير ملك إيطاليا}
((إنّ عظيم تصرّفكم في أمر المسيحيين في الحوادث الشاميّة قد أثبتت أمام أوربا أنّكم ممن حاز المزايا الحربية العظيمة ، خصوصًا في الحادثة الدمشقية ، التي أنقذتم فيها النفوس الكثيرة ، فكان ذلك حلية لنفسكم الكريمة المصطفاة ، ثم إنه يوجد بيني وبينك أيها الأمير العزيز ، مواصلة أفرحُ بذكرها وهي محبّة الحريّة التي تجعل تابعيها محافظين على العدالة الحقيقيّة ، وإذا كنتَ في أيّامك السابقة لم يمكنك الحصول على النجاح التام على حسب مرغوبك ، فهذا لا يكون مانعًا لاكتسابك ـ بالنظر لشجاعتك القوية ـ الاحترام والاعتبار من جانب أهل الحرب المعاصرين لك ، والذين يقاتلون في صالح استقلالية الشعوب. ونظرًا لشهادتي بهذا الاحترام المخصوص لشخصك الكريم ، فأنا مرسل إليك الآن الشريطة الكبرى ، نيشان موريس والعاذر ، وهو أقدم نياشين الخيولية والفروسية ، وهو يسلّم لك على يد اثنين من ضباطي ، وهما الكاواليردي كاستيلونو ، والكونت دي كاستيلونيه ، القادمين إلى حضرتك لأجل هذا الأمر . وإني أوصي بهما شديد اعتنائك ، وأرجو أن تصادفك السعادة فيما بين يديك أيها الأمير السعيد ، نظير النّدا الذي يقطر من السماء ليعطي الإقبال إلى الأرض ، والمأمول قبول هذا الدعاء مني لأجلك في المستقبل ، كما أرجو أن تعتقد تمام محبّتي.
حرر في مدينة تورين بتاريخ سبتمبر سنة 1860
محبّك فيكتور عمانوئيل )).انتهى
5ـ {نص ما كتبه وزير خارجيّة فرنسا}
((أيها الأمير السامي ، إنّ خبر الحوادث الشاميّة قد طرق مسامع الدولة الفرنساوية ، وإجابة لطاعة مولاي الإمبراطور وإرادته ، بادرتُ الآن بإعلان اعتباره السامي والتشكر الوافر من طرف جلالته على السعي الذي تكرّمتم به على الأهالي المسيحيين والراهبات والمبعوثين الفرنساويين وجمهور القناصل بتلك الواقعة المحزنة.
والمزية العظيمة في ذلك هي مشاهدة همتكم العليّة التي جعلتكم وقاية لحياة ألوف المساكين ، وجعلت محلّكم ملاذًا لهم في وقتٍ كان الأشقياء الخارجون عن الطاعة يرتكبون القبائح المخالفة لأوامر الباري تعالى ، ولما تقتضيه الإنسانية. أما الإمبراطور نظرًا لمعرفته بعليّ همتكم وكرم أخلاقكم ، فإنه لم يتعجب مما أظهرتموه من الإقدام في ذلك الوقت الضنك ، وهو الآن يشعر بداعٍ ذاتي يدعوه إلى أن يخبركم عن فرحه الشديد الذي أثّر فيه تأثيرًا قويًا بإجراء ما أجريتموه ، وأنا أرجوكم قبول التهاني الشخصية مني التي أضيفت ، أيها الأمير السامي ، تأكيدات سمو اعتباري لحضرتكم في 31/8/1860)).انتهى
ثمّ حضرَ رئيس المترجمين في دائرة الوزراء الفرنساوية مبعوثًا من لدن الإمبراطور إلى حضرة الأمير وقدّم إليه نيشان "الليجون دونور" Légion d'honneur المرصّع من الرتبة الأولى ، وبلّغه اعتبار الإمبراطور وسائر الفرنساوية لمقامه العظيم.انتهى ["الليجون دونور" تعني: وسام الشرف].
6ـ {نص تحرير قنصل دولة إنكلترا في دمشق}
((إلى عظمة الأمير السيد عبد القادر. المعروض لسعادتكم أنني قد أُمرت من الحكومة الإنكليزية الفخيمة أن أبيّن لكم حاسّيتها الفائقة ، نظرًا لما أظهرتموه من حقوق الإنسانية بتخليص جماعة كبيرة من المسيحيين ، الذين لولا ذلك لهلكوا بين أيدي أهل القَسَاوة في المذبحة الأخيرة بدمشق ، وبسلوك عظمتكم عرفت الحكومة الإنكليزية مقامكم الرفيع للغاية ، ثم أعرض أنّ هذا الشرف الذي صيّرني واسطة لتقديم حاسيات دولة إنكلترا الفخيمة إلى حضرتكم ، أعتبره شرفًا عظيمًا لا مزيد عليه ، وقد كنتُ شاهدت اجتهاد عظمتكم في تخليص عدّة أناس كانوا مضطهدين ، حتى إنني حصلتُ بذلك على حاسيات التعجب . والآن لي الشرف بأن أكون مبلغًا لكم ما سطرته ، وداعيًا لعظمتكم.
حرر في 24/8/1860 من قنصلاتو دولة إنكلترا في دمشق)).
وبعد هذا بعثت الملكة بندقيةً هدية للأمير مكتوبًا على ظهر صندوقها : من حضرة جلالة ملكة المملكة المتحدة بريطانيا العظمى إلى صاحب السمو الأمير عبد القادر ، تذكارًا للمساعدة الخيرية المبذولة للمسيحيين في دمشق سنة 1860.انتهى
إذن إنّ أوّل مَنْ منح الأمير تقديرًا ونيشانًا ووسامًا هو الخليفة والسلطان العثماني ، وباسم الدولة العثمانية . فهذا يدل أنّ موقف الأمير من أحداث فتنة النصارى في الشام ، كان في جانب الدولة العثمانية وخدمة مصالحها ، ونصرة سلطانها ، ولذلك استحقّ هذا التكريم.
وأما النياشين والأوسمة الأوربيّة فقد علمتم سببها ومناسبتها ، والقضية كما رأيتم لا علاقة لها بالماسونية لا من قريب ولا من بعيد!! وإنما هي أوسمة منحتها الدول والحكومات ، وليس جمعيات سريّة! والأمير لم يضعها إلاّ مرّة واحدة وأُخِذَت له بضعة صور ، ولم يكن سعيدًا بذلك ؛ كما روى عنه أبناؤه ؛ وكان الغرض من تلك الصور أن تنشر في الصحف الأوربيّة فيرى الشعب الأوربي بنفسه تكريمَ ملوكه وحكَّامه للرجل الذي كانوا بالأمس يطعنون فيه ويظهرونه بصورة العربي المسلم المتعصِّب والحاقد على المسيحية ، والهمجي المتعطش للدماء ، وأن حربه مع الفرنسيين كانت فقط لأنهم مسيحيون لا لأنهم غزاة معتدون!!
واليوم هم يعترفون بأنه داعية سِلم لا سفّاح ، ولا يحقد على الديانة المسيحية وإنما يتعامل مع أصحابها المعاهَدِين (أهل الذمَّة) وفقًا لأحكام الإسلام ، فلا يسمح بالاعتداء عليهم وتقتيل العُزَّل منهم ، بخلاف المعتدين والغزاة. تقول الأميرة بديعة بنت مصطفى الحسني متحدِّثَةً عن قصة صورة الأمير بالأوسمة:((...وما من شيء يُحمل إلا لهدف، وهدف الأمير لم يكن للتزيّن أو التفاخر، لأنه كان يحمل وسامًا واحدًا يعتزّ به، وهو وسام الجهاد. والدليل على ذلك عدم ظهوره في أي مناسبة بهذه الأوسمة، وأنه لم يذهب بها إلى احتفالات افتتاح قناة السويس عام 1864م ولا غيرها.وكانت غايته من أخذ صورة بها هو تحذير جميع الأطراف من العودة إلى مثل تلك المغامرات الخطيرة. لقد أراد من إشهارها القول للمستعمرين إني جعلت خططكم هباءً منثورًا ، وما أرسلتموه من تقدير لعملي هو ميثاق منكم بعدم العودة للتفريط في حقّ الإنسانية. وأراد القول للذين أسرفوا على أنفسهم: حذار أن تثقوا بالمستعمرين! فلقد غرّروا بكم ودفعوكم إلى عمل طائش طالما حذّرتكم منه. انظروا، لقد تبرّؤوا منكم وقدموا الأوسمة صاغرين لمن وقف ضد طموحاتهم. هذا ما كنت أسمعه من جدتي زينب عندما كانت تنظر إلى صورته هذه وتقول: كم كان أبي حزينًا عندما وضعنا له هذه الأوسمة لأخذ صورة فوتوغرافية له، وقد وُضعت مرة واحدة ولغاية واحدة كما أسلفت)).انتهى[انظر (أصحاب الميمنة إن شاء الله)ص224].
وقد يتساءل البعض فيقول إنه رأى هذه الأوسمة في عدّة صور مختلفة للأمير عبد القادر.
وفي الجواب أقول : ليس بين أيدينا للأمير عبد القادر الجزائري سوى أربع صور فوتوغرافية شخصية، واحدة منها فقط فيها تلك الأوسمة! أمّا الثلاث الأُخَر فيظهر فيها الأمير بزيّه المعروف (الجبّة والعِمامة) ونحن لا نشاهد هذه الصور الأربع في معظم وسائل الإعلام والنشر! في حين أن الصور الأخرى المنتشرة ـ وياللأسف ـ في الصحافة والإعلام العربي والغربي إنما هي صور مرسومة ومتخيّلة وفيها اختلاف كبير في شكل الأمير وهيئته!
والصور الفوتوغرافية الحقيقية للأمير أُخِذَت له في عدّة مناسبات أشهرها تلك التي كان حاضرًا فيها حفل افتتاح قناة السويس سنة (1869م) ، والناظر إلى تلك الصورة يجد الأمير فيها بلباسه البسيط (الجبة والعمامة) ولا وجود لأي أوسمة أو نياشين (سواء التي حصل عليها سنة 1860م أو غيرها!)، مع أنّ الحفل يحضره ملوك وأباطرة العالم ، وكانت العادة في ذلك العصر أنّ الشخصيات المرموقة إذا حضرت مثل تلك الاحتفالات تزيّنت بكل ما تملكه من أوسمة ونياشين!
ولو نظرنا إلى صورة بعض رجال الدولة العثمانية في ذلك الوقت لرأينا صدره وبطنه قد غُشّي بالأوسمة والنياشين والأشرطة ، والمتصفح لكتب التراجم والأعلام المصوَّرَة يرى صور الوُلاة ورجال الدولة العثمانيين وكثيرًا من الوجهاء في تركيا ومصر والشام وقد غشّيت صدورهم بالأوسمة ، وكانت عادة منتشرة!
في حين أن المعروف عن الأمير أنه لم يكن يضع تلك الأوسمة حتى في المناسبات الرسمية وكان مظهره دائمًا عاديًا وبسيطًا ، كيف لا وهو الذي كلما ازدادت شهرته وتعظيم الناس له ازداد تواضعًا وتبسّطًا ، هذا كان منهجه وطريقته كما وصفه المترجمون له. والأمير كان ذائع الصيت مُحْتَرَمًا عند الجميع ومآثره معروفة فلا حاجة له إلى إظهار الأوسمة أو ما شابهها ليلفت انتباه الآخرين. بخلاف غيره!!
والناظر إلى الصورة الفوتوغرافية الشخصية للأمير والتي فيها تلك الأوسمة ، يجد أنّ الأوسمة الثلاثة التي وُضِعت أعلى الصدر إنما هي الأوسمة العثمانية!، وإلى أسْفَلَ منها يجد الأوسمة الأربعة الأخرى ، وأمّا الشريط الأحمر الذي يتقلّده فهو وسام (الليجون دونور) الفرنسي. و ارتداها بامر من الخليفة العثماني الذي لا يرد امره خصوصا انه كان يريد اظهار تسامح الاسلام للشعوب الاوروبية و ما كان من الامير عبد القادر الا تنفيذ امره و لو مكرها .
والعجيب أنّ بعض الناس المروّجين لتهمة انتساب الأمير إلى الماسونية ، إذا سُئِلوا عن دليلهم على ما يزعمون؟ أجابوا بأنّ الشريط الأحمر الذي على صدر الأمير هو شعار الماسونية!!
وهذه سقطة كبيرة منهم ، وسببها أنهم يجهلون أوصاف ورتب الأوسمة الخاصة بكل دولة. كما يجهلون شعارات الماسونية. فليس في شعارات الماسونية هذا الشريط (الوسام) ، في حين أنه وسام معروف ومشهور وهو وسام (الليجون دونور Légion d'honneur ) الفرنسي الذي ارسلته تظاهرا بشكره لحماية المسيحيين بينما كانت تقف وراء تلك الفتنة و القصة معروفة ، وهذا مثبت في المراجع المتخصصة في هذا الشأن.را)).
اما عن شعار النجمة السداسية فهو شعار بلاد المغرب و الاندلس لقرون قبل ظهور الماسونية و الصهيونية و هو موجود في كل المساجد المغاربية و الاندلسية فهو شكل هندسي كان يستخدم للزخرفة و الرايات و كان رمزا مكتوبا فيه اسماء الخلفاء الراشدين و كل زاوية يكتب فيها : الله ، محمد، أبو بكر، عمر، عثمان و علي.
أما النصوص المكتوبة على الراية فهي : "نصر من الله و فتح قريب و بشر المؤمنين يا محمد" "ناصر الدين عبد القادر إبن محي الدين" و هو مازال في متحف الجيش الوطني في الجزائر و يستطيع اي شخص مشاهدته و التاكد فهو مجرد رمز هندسي كان المسلمون يستخدمونه في راياتهم و زخارفهم حتى القرن العشرين توقفو عن ذلك بعد ان اختاره الصهاينة كرمز لكيانهم.


 

Aucun commentaire: