lundi 21 novembre 2022


مصحف ابن مراد
مصحف الجزائريين الأول
____________
_ عندما تنظر إليه وتقلب صفحاته الصفراء المتناثرة يتوقـف دوران الساعة ويعود بك الزمن إلى عشرات السنين ... إلـى يوم الناس هذا يتهافت الناس على نسخه القديمة ويدفعون فيها أغلى الأثمان وقلّما يوفقون في مبتغاهم لندرته وصعوبة التفريط فيه .
_ إنه مصحف رودوسي أو ابن مراد كما يسميه الجزائريون أول مصحف طبع في الجزائر واشتهر بينهم، وإن كان جيل الألفية لا يعرفه كما لا يعرف أشياء كثيرة جميلة عن بلده، حتى وإن عرف مصحف ابن مراد فقد يصعب عليه قراءته لتميّز خطّه الجميل واختلافه عن الخطّ الذي تعلمه في المدرسة .
_قصة هذا المصحف طويلة بدأت بفكرة لأخوين تركيين أصلا جزائريين دارا؛ رودوسي أحمد وقدور ، ورودوسي نسبة إلـى جزيرة رُودِس الواقعة ضمن جزر الأرخبيل التي فتحت مبكرا زمن سيدنا معـاوية رضي الله عنه وبقيت تحـت سلطان المسلمين حتى استولى عليها الإيطاليون مطلع القرن الماضي وهي اليوم ضمن الأراضي اليونانية .
_ كان الأخوان رودوسي شغوفين بالكتاب ومشتغلين به طباعة وبيعا ونشرا، مولعين بالسفر والترحال وبعد جولتهما التجارية وعودتهما إلى الجزائر ساءهم حال الكتاب في هذا البلد الذي أنهكه الإستدمار وحال بينه وبين كل أشكال العلم والمعرفة.
_إستحوذت فرنسا على المطابع واحتكرت الطباعة التي بدأت مبكرا في الجزائر سنة 1830 ... بينما كان الجزائريون بعد سنوات طويلة من هذا التاريخ يعتمدون على نسخ الكتاب باليد أو إدخاله خفية من مصر والشام .
_ كـان التحدي كبيرا ... إنشاء مطبعية عـربية فـي الجـزائر لتحفظ التراث الإسلامي والعربي المهدد من قبل الإستدمار الفرنسي الذي دمـّر الزوايـا والمسـاجد وأحـرق الكتـب والمخطوطات النادرة وهرّب بعضها إلى باريس؛ كلّل المشروع بالنجاح رغم الحاجز الكبير الذي يتمثل في فرنسا اللعينــة
ليسجل عام ( 1314ه/1895م) ميلاد أول مطبعة عـربية إسلامية في الجـزائر سميت بالمطبعة الثعالبية نسبة للولـي الصالح العلامة العلم شيخ المحروسة سـيدي عبد الرحمن الثعالبـي (ت 875 ه) صاحب العلوم الغزيرة والتصانـيف العديدة أشهرها الجواهر الحسان في تفسير القرآن والمطبوع في أربعة أجزاء .
_ لـم يكتـف الأخوان بطباعة الكتب بل أضافا مكتبة للبـيع والمطالعة بحي القصبة العتيق ليصبح المكان قبلة للعلمـاء والأدباء والباحثين خاصة وأن المطبعة كانت تأتي بالجديد شهريا .
_ المشروع الثاني للأخوين كان طباعة المصحف الشـريف كيف لا يكون مشروعا أو حلما والأمر يتعلق بكتـاب ربّ العالمين أفضل ما يتلى وما يقال وخير ما ينفق فيه المال تمّ الأمر وطبع المصحف الشريف ليكون ثاني مصحف يطبع بالمغرب العربي عام (1905م) بعد مصحف المغرب الأقصى الذي طبع على الحجر سنة (1879م) .
_ طبع المصحف برواية ورش عن نافع من طريق الأزرق وجزّئ إلى أربعة أجزاء في كل جزء ربع من القرآن الكريم ولكل ربع فهرسه الخاص وصفحته المزخرفة في بدايته وختم الربع الأخير بدعاء ختم القرآن الكريم ، أخذ هجاؤه من مورد الضمآن للخراز واتبع في عدّ آياته طريقة الكوفيين كما اعتمد على الوقف الهبطي وأضيفت له طريقة المغاربة فـي ضبط الأثمان والأرباع والأنصاص والأحزاب .
_ أما الخط المعتمد فهو المبسوط خطّ مغاربي جميل اعتنى به كثير من الطلبة وتعلموه وكتبوه في ألواحهم حتى صـار يعرف بخط ابن مراد ، والذي كتب هذا المصحف في نسخه الأولى بين ( 1905 و 1937 م ) هو الخطاط الشهير فـي العاصمة محمد السفطي رحمه الله ( 1861 _ 1946 م ) عمل وكيلا لمقبرة القطار ومؤذنا وحزّابا بمسجد سيدي رمضان بالقصبة التي كان له فيها محل يشتغل فيه بالخط وتسفير الكتب والنقش على الجلود .
_ في سنة 1931 كتب المصحف الثالث وطبع والجديد فيه كتابة رقم الآية في نهايتها عكس سابقيه وتم تصحيحه في الأزهر الشريف وصدرت طبعة أخرى سنة 1937 م لتـكون الأخيرة لأن فرنسا لعنها الله ضيقت على صاحب المطبعة ومنعته من نشر المصحف بعد أن رأت تهافت الناس علـى كتب المطبعة وخاصة المصحف الذي لم تعد تخلو منه بيوت الجزائريين وتجاوزت شهرته الحدود الجزائرية ليصل إلـى الشقيقتين تونس والمغرب، وحتى الدول الإفريقية صـار يتداول فيها مصحف ابن مراد .
_ بقيت دار لقمان على حالها إلى غاية 1971 ليكون الموعد مع آخر طبعة وهي المتداولة بكثرة اليوم والتي اطّلع عليها وصححها العلامة مفتي الجامع الأعظم شيخ الإقراء ومسند المقرئين محمد بابا عمر المالكي وخطيب الجامع الجديد الشيخ محمد يعقوبي والعلامة الفقيه محمد شارف رحمهم الله جميعـا .
بقلم: [ محمد أمين برحايل ]

 

Aucun commentaire: