jeudi 29 décembre 2011

تاريخ مدينة المدية

احترت في أي المجالس أحط الرحال، فالمدية كانت التاريخ والجغرافيا لا جزئا منهما، وتجاوزت كونها الملهمة فهي الشاعر والأديب ، ومهما طال بي الوصف فإني لن أوفيها حقها مهما حاولت ، فلا يسعني الآن إلا أن أقول : أهلا بكم في مدينتكم !!

وقد فكرت طويلا في مقدمة مناسبة فلم أفلح ، وحاولت أن أبدأ بوصف بسيط فلم تطاوعني الكلمات، فإن كان علي تقديم لمحة بسيطة عنها كتمهيد ، فاسمحوا لي أن أنقل تعريفا موجزا لها من موسوعة وكيبيديا :

يقدر عمر المدية بألف عام أو يزيد، فالمدية عاصمة بايلك التيطري يعود تاريخها إلى عهد قديم أي حوالي 350هـ، بحيث قال أحد المؤرخين (المدية عتيقة قديمة،وأن المدية سبقت بني زيري وأنها أقدم من أشير…فقد تداولت عليها عدة حضارات وسكنتها الكثير من الشعوب، والمدية اليوم من بين ولايات الجزائر تتوفر على منتوج ثقافي، سياحي،وتاريخي وهي تقاطع مدينة تلمسان في عدة تقاليد لتشابه أنماط المعيشة لدى سكانها وطريقة عمرانهم، وأسلوب حياتهم، و من الشخصيات التى ولدت و ترعرعت بالمدينة الشيخ ابن شنب وفضيل اسكندر، كما أنها كانت عاصمة الولاية الرابعة في حرب التحرير ضد المستعمر الفرنسي.


تقع ولاية المدية في الأطلس التلي، وتتربع على مساحة قدرها 8700 كلم2 وعلى ارتفاع 920 م من سطح البحر وتبعد عن العاصمة(الجزائر) 88 كلم2 شمالا.

إداريا: تضم الولاية 64 بلدية و 19 دائرة ،تحدها من الشمال ولاية البليدة و من الجنوب ولاية الجلفة و من الشرق ولايتي المسيلة و البويرة و غربا ولايتي ولاية عين الدفلى و تسمسيلت .

تعتبر الولاية بفضل موقعها الجغرافي همزة وصل بين الساحل والهضاب العليا ،بحيث تمتاز بشتاء بارد. و صيف حار ،و تسمى بوابة الأمطار بحيث تصل نسبة الأمطار فيها من 400 إلى 500 ملم سنويا. وهي تعرف بتساقط الثلوج .

وهي ذات طابع فلاحي رعوي إذ تقدر الأراضي الفلاحية بمساحة 341.000 هكتار ومساحة غابية تقدر ب161.885 هكتار، تتوفر على إمكانيات حقيقية للنشاطات الاقتصادية المتعددة وخاصة السياحية منها .

المدية عبر العصور...

أحببت أن يكون أول شيء أكتبه هو"المحاضرة التي ألقاها الأستاذ محمد المختار اسكندر في الملتقى السادس للتعرف على الفكر الإسلامي المنعقد بقصر الصنوبر بالعاصمة ، من 13 جمادى الثانية إلى رجب 1392هـ/24 يوليو إلى 10 أغسطس 1972م." وقد نقلتها لكم من كتاب "تاريخ المدن الثلاث :الجزائر ، مليانة والمدية" والذي هو من اعداد ودراسة وتعليق الشيخ "عبد الرحمان الجيلالي" ، لما وجدنا فيه من إلمام بتاريخ المدية من كل النواحي،

المحاضرة :

المدية عبر العصور

أو

المدية في عيدها الألفي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، الحمد لله الذي هدانا لهذا ،وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والصلاة والسلام على رسول الله ، المنزل عليه قوله:

((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا))

وبعد ،

سيدي الوزير ، حضرات السادة والسيدات، أبائي ،أساتذتي الأجلاء، أبنائي الطلبة، يطيب لي أن أشكر بهذه المناسبة السعيدة، سيدي الوزير للتعليم الأصلي والشؤون الدينية حيث أتاح لي هذه الفرصة الثمينة للمشاركة في هذا الحفل الجليل ، ولا يسعني للتعبير عن هذا الموقف إلا أن أستعين وأستنجد بأستاذي وشيخي شاعر الجزائر الفذ ، ورائد النهضة الشعرية الحديثة : الشيخ محمد العيد آل خليفة ، حفظه الله ، وكانه كان ينظر إلى هذا الحفل الكبير البهيج من قصيدة رائعة صور فيها مثل هذه المناسبات بكل دقة وبراعة وصدق وعواطف وإحساس فياض ، حيث قال :

استوح شعورك من حنايا iiالأضلع

واستجل في القسمات حسن المطلع

وصـع الـتـحـية نظرة iiرفافة

كـالـورد، وارفـعها لهذا المجمع

مـن بـاحـث مـتفنن أو iiواعظ

مـتـسـنـن، أو قارئي iiمتخشع

مـا يـنـتـهي منهم بليغ iiمصقع

ألا يـحـيـل على البليغ iiمصقع

والـقـوم كالأسد الروابض الجتم

مـن حـولـهم أو كالنسور iiالوقع

والـمـهتدي فيها بجنب iiالمهتدي

والـلـوذعـي فيها بجنب iiاللوذع

دعـت الـبـلاد شـبابها iiفأجابها

عـجلا وحسبك بالشباب إذا دُعي

وقال كذلك في مثل هذه المناسبة السعيدة ، وهو تأسيس جمعية العلماء المسلمين سنة 1931 :

على الرحب حلوا أجمعين على الرحب

فـأنـتم ضيوف في حمى الله iiوالشعبِ

طـلـعـتم علينا كالكواكب في iiالدجى

وسـرتـم إلينا كالسحائب في iiالجدب

جـحـاجـحـة عرب الفرائح iiواللغى

فـأهـلا وسـهلا بالجحاجحة iiالعرب

بـسـاطـنـا لـكم منا قلوب iiوأعينا

فـدوسـوا عليها لا تدسوا على iiالترب

وقـد حـل هـذا الـعيد باليمن iiجامعا

لـشـمـلـكم فاستأصل البعد بالقرب

فـيـالـك مـن عـيـد تـجلى iiكأنه

عـروس تـجلت في مطارفها iiالقشب

عـلـى صـدرهـا عـقد تألق مثلها

تـألـق هـذا الـحفل بالسادة iiالنجب

وهي كلها عيون وغرر ودرر ، واشكركم مرة أخرى حضرة وزيرنا ، وحكومتنا الثورية بإقامة وتنظيم هذا الملتقى السادس للتعريف بالفكر الإسلامي، وإحياء تراثنا ، وبعثا لمجدنا الذي كادت أن تطمسه قوى الشر فخرج شعبنا كالمارد يتحدى الطغيان، وهاهو يبرهن عن مقوماته الشخصية والمحافظة على كيانه ، وها نحن نقيم الدليل على وجودنا وأصالتنا وعروبتنا وإسلامنا.

ولعمري هذه كلها هي أركان مقوماتنا التي نادت بها شخصيتنا الوطنية في الماضي العصيب والرهيب وهي: الاسلام ديننا –العربية لغتنا-والجزائر وطننا ، وقد صاغها رائد النهضة الحديثة أمامنا : الشيخ عبد الحميد بن باديس نشيدا لشعب :

شـعـب الـجزائر iiمسلم

وإلـى الـعروبة ينتسب

مـن قال حاد عن iiأصله

أو قـال مـات فقد iiكذب

أو رام إدمــاجـا iiلـه

رام الـمحال من iiالطلب

يـا نـشـأ أنت iiرجاؤنا

وبـك الصباح قد اقترب

خـذ لـلـحـياة iiسلاحها

وخض الخطوب ولا تهب

هـذا نـظـام iiحـيـاتنا

بـالـنـور خط iiوباللهب

فـإذا هـلكت iiفصيحتي

تـحـيا الجزائر iiوالعرب

ومن ضمن هذا التراث والأصالة ، تحيي الجزائر ذكرى ثلاث مدن جزائرية في عيدها الألفي ...الجزائر ، مليانة والمدية ، أما المدية فقد عاشت في عيدها الألفي أوقاتا مشرقة حيث زارنا وزيرها وزيرنا للتعليم الأصلي ، الأخ مولود قاسم ، بمناسبة عيد الاستقلال، والعيد الألفي للمدية ، ودشن بها ساحة بولوكين إحياء لذكرى مؤسسها ...وبهذه المناسبة نحيي ذكراها فله كل تشكرانتا، فلبست المدية حلة قشيبة فسجل هذه الخواطر شاعر المدية ، زميلنا وصديقنا الشيخ محمد الدراجي ، قصيدة في عيدها الألفي ، نقتبس منها هذين البيتين:

ألا حـي الـمـديـة iiبـالتهاني

فـعـام الألف من عمرها دعاني

فقد برزت للحفل ترفل في حلاها

كـتـائهة الجمال على iiالغواني

ونظم شاعرنا الشعبي للشعر الملحون : الصديق مصطفى بلجردي بهذه المناسبة :

ما أسعد بلدة iiالمدية

بذكرى عيد iiالألفية

فرحتين في احتفال

الألفية والاستقلال

فبعد هذه المقدمة البسيطة ، أنتقل بكم في رحلة عبر التاريخ إلى المدية واتمنى أن تكون رحلة مريحة ميمونة . فلنسر على بركة الله وحسن توفيقه وعونه ، نستعرض عبر هذه الرحلة عصور المدية ، وأطوارها ، وما لعبته من أدوار رئيسة ، لما تمتاز به من موقع استراتيجي هام.


موقف مع التاريخ :

إن التاريخ هو منطق للزمن ، ينتقل من الآباء إلى الأبناء ، ليكون منطلقا للأجيال ورافدا للرعيل الوافد ، ليعرف من أين وإلى أين؟ ...

وللمدية زمن لا يستهان به ، فهي وليدة ألف عام أو يزيد ، وهذا الزمن يصعب على الباحث أن يسلسل منطقه ، فهو زمن لدنيا بادت ، ثم عاشت ، إلا أن حقائق التاريخ إذا اهملها الزمن وقتا فلا بد أن تنشرها الأيام المتولدة من غابر الأزمان، فهذه البلدة التي تربعت على عرش الطبيعة لتتحدى الطبيعة ،وتخلق من أحفادها من يسخرون الطبيعة ، وقد كان أن هذه البلدة التي بلغت من العمر ألف عام ، قد يقول منطق الأجناس أنها هرمت وشاخت ، ولكنها وارفة الظل شابة الطبيعة ، وكلما امتدت الأيام بها زادتها جمالا على جمالها .

إن هذه البلدة التي صادقت التاريخ فكانت تاريخا، ونسجت من طبيعتها وحدة متجانسة في الأشكال والطباع أبت الضيم وحطمت الأغلال ورفضت الذل والهوان، يتجلى ذلك في مقاومتها المستمرة طوال أيام ممتدة ، لكل معتد أثيم ، وإذا كانت الأيام لم تنصفها والكتب التاريخية أهملتها إلا في مصادر قليلة متفرقة، وبصفة وجيزة فقد فرضت نفسها على التاريخ ، وكانت تل من وقت لآخر في مواقف شريفة، ومعارك عنيفة تخوضها وتنتصر، ولعل التاريخ أجمل الكلام عنها لتركتها الطويلة ، المثقلة بالحوادث والأحداث التي تتغلب على عقل المؤرخ وقلم الكاتب .

إن هذه البلدة التي كانت منطق إعجاب التاريخ فعزاها إلى عصر الرومان تحت حكم ((سبتم سفار)) 210 بعد الميلاد ، وكانت تسمى ((مدياس)) كلمة لاتينية ، أو كلمة ((أمدياس)) وهذا مع اختلاف الروايات في ذلك العهد ،أو من كلمة عربية ((لمدية))، وتقول روايات أخرى أنها سميت باسم ملكة رومانية تدعة لمبدية أو لمدية ولعل ما يؤكد هذه النظرية ما هو موجود في كتاب لمؤلف فرنسي "أندري جوليان" في كتابه "تاريخ إفريقيا الشمالية" .

وينسب للطبيب "مارشان" فيذكر المدية في مواضع مختلفة ، ويذكرها كذلك في نفس المصدر على لسان طبيب آخر "مفير" سنة 1359 ، حيث يقول : يوجد نفق للماء في مسافة ألفي متر تحت المدينة ، وهو موجود لحد الآن يقال له "الماجن" ، قال : والذي يثبت هذا هو مادة البناء التي كانت تستعمل خاصة في عهد الرومان وهو خلط الحجر الرقيق بالجبس ، وقال أيضا : حينما كانوا يحفرون الأساس للمستشفى العسكري ، عثروا على رفات بالية وتحف وزهرية مصورة عليها صورة امرأة وفخار ونقود من البرونز وفانوس ، لونها رمادي ....الخ

وما نستنتجه من خلال هذه البحوث أن البلدة قديمة موجودة منذ عهد الرومان ، ولعل الصورة في الزهرية هي رمز الملكة التي تسمى البلدة باسمها أو تنسب إليها ، وإذا كانت ملكة الرومان قد خلعت اسمها تاجا على هذه البلدة ، فهذا ولاء العارف بجمالها الطبيعي الجذاب ، ونطوي التاريخ من عهد الرومان الطويل وغيرهم من النوميديين ، ولعل الاسم تحرف عبر عصور التاريخ من المدية إلى نومدية ، أو قبيلة أو بطن من بطونها المتعاقبة ، كما حملت اسما بربريا من بطون صنهاجة ، تسمى "لمدية" وإليها ينسب، من ينتسب إليها "لَمْدي" أو "لَمْدَاني" .

اختلاف المؤرخين في تسميتها والانتساب إليها:

وهذا ابن خلدون يصرح في كتابه "العبر" (المجلد السابع صفحة 192) : ((نهض عثمان بن يغمراسن إلى المدية وبها أولاد عزيز من بني توجين ، وقام بدعوته فيها قبائل من صنهاجة ، يعرفون بـلَمْدِيَّة وهي تنسب إليهم ))، والذي يدعم أصل ما نكتب أو نقول أن ابن خلدون يصرح في موضع آخر :(( أن المدية بطن من بطون صنهاجة المسمى بأهله ، ونطق بعضهم بـلَمْدُونة والنسبة إليهم لَمْداني أو لَمْدي)) كما قلنا من قبل ...ومما يقال أن أهل المدية كانوا يصنعون فيها المدى وهي السكاكين ، فنسبت إلى الصنعة التي تصنع فيها ،.... ونطق الكلمة باللغة الفرنسية ((مِدِيا Médéa )) يوحي بأن النسبة أخذت من الصنعة !!!؟


مولد المدية:

أراد بعض المؤرخين أن يجعل مولد المدية في عهد حماد بن زيري سنة 350هـ ، ولكن صدق التاريخ يعطي ان المدية كانت ضاربة في القدم ، وأن تاريخها بألف عام يعتبر منطلقا لتاريخ حديث تناولته الأقلام كثيرا ، ونطقت به الألسنة ، وذلك يعتبر تدعيما لمجد هذا البلد وتقوية لأصالتها كما قال "ابن عبيد البكري" حيث قال :(( المدية بلد جليل قديم)) ودعم هذا رأي الوزاني الفاسي حيث قال :(( ان الأفارقة القدماء هم الذين خططوا المدية بما يعرف بنو "مْديّة" )) ويقف مع هذه الآراء المؤرخ "مرمور" عندما قال : (( إن المدية عتيقة قديمة وإن المدية سبقت بني زيري وأنها أقدم من "أَشِير" ))

*و"أشير" هي مدينة بالجنوب الشرقي من البرواقية ، قرب ثلاثاء الدوائر ، أنشأها زيري بن مناد رئيس صنهاجة وأميرها سنة 324هـ ، وجعلها مركزا حربيا لمحاربة قبائل زناتة الخارجة عن طاعة العبيدين ، وجلب لها الصناع والعمال من "مسيلة" و "طبنة " فأحكموا وضعها وأشادوا بناءها ، فكثر عمراها وشيدت فيها القصور والمنازل والحمامات وقصدها التجار والعلماء والأدباء من كل مكان، وكانت بها سوق تباع فيه كل لطيفة وظريفة ، وضرب بها "العبديون" عملتهم ، وكانت حرما آمنا حتى سنة 440 هـ حيث خربها " يوسف بن حماد الصنهاجي" حينما أنشئت العاصمة الجديدة "لَمْدية" ،وكانت أشير في سهل قرب الجبل الأخضر هدفا للعدوان وعارية من التحصينات الطبيعية مما جعلها بمعزل عن الأمن وعرضة للطامعين ، ولذلك فكر الأقدمون أن يلوذوا بتحصين طبيعي فكان هذا المكان هو المدية ، وفي ذلك العهد انطلق بنوا زيري من صنهاجة ومن اعوان الفاطميين على الخارجين ، وتطاولت دولتهم في القرن الرابع الهجري ، من تيارت غربا إلى الزاب شرقا ، ونظر الفاطميون إليهم بإعجاب فأنزلوهم أحسن المنازل ، لأنهم أقدر الناس على محاربة بدو زناتة .

ولما تسلم زيري بن مناد سنة 349هـ ، 960م حكم تيارت من الفاطميين ، أذن لابنه "بولوكين" بتأسيس ثلاث مدن : المدية 355هـ ، مليانة 360هـ والجزائر 362هـ ، وفي هذا الصدد يذكرنا ابن خلدون في حديثه عن المدية بما نصه : ((وكان المختط لها بوبوكين بن زيري )) كتاب العبر ، ج 7 ، وذكر البكري في كتابه : المسالك والممالك (( قام بتخطيطها )) وذكر مصدر آخر كلمة التشييد ، وانطلاقا من هذه النصوص نفهم بأن المدية كانت أنقاضا وخرابا بعد بنائها من عهد الرومان ، وذلك لطول العصور التي مرت عليها ، إذن فالتأسيس والتخطيط والتشييد يكون من العدم أو شبه العدم ، وإما اختيار الموضع الاستراتيجي الهام ، هو الذي تنبه له هذا العبقري في ذلك الزمان الغابر.

وكان لنا به فضل الاحتفال بمرور ألف سنة على تأسيس هذه البلدة الطيبة ، وكان اللقاء بالفاطميين على هذه الأرض يجعل منا ربطا بين المشرق والمغرب ، حيث أن الفاطميين كان لهم تأثير كبير أثناء وجوهم في هذه الديار ، فكان التأثير والتأثر بينهما واضحا في كثير من الأوجه ، وبعد انتقالهم إلى المشرق وفتحهم لمصر وتأسيسهم للأزهر الشريف لعنايتهم بالعلم وحفاظهم على الإسلام ، وإذا كانت المدية قد حضيت بالفاطميين قبلا ممثلا في مدينة أشير فإنهم قد اخذوا عنهم هذه الظاهرة ن وقد تربوا على حبهم للعلم ، واحترام العلماء وتقديس المبادئ الإسلامية ، فكلما تطاول بها الزمن زادتها الأيام تمسكا بالدين ، فينبغي أن ننمي هذه المملكة ونرعاها لنعيد مجد الإسلام ، فالقرآن فيها محفوظ والدين في أهلها ملحوظ.

التقارب التاريخي بين تلمسان والمدية :

لقد كانت الحضارة والتقارب بين تلمسان والمدية عبر عصور التاريخ متداولا بينهما ، وكثيرا ما كانت الأحداث تجمع بينهما وتقربهما إلى بعضهما ، فهذا ابن خلدون يذكرهما في كتاب العبر إذ يقول عن ابن يحيى بن زيان، مؤسس دولة الزيانيين بتلمسان مع مغراوة وبنو توجين وهم زناتة منتقلون ، دفعهم تيار الهلاليين نحو المغرب وأصبحوافي القرن السابع الهجري والثالث عشر الميلادي ما بين الونشريس والسرسو والمدية .

وفي عهد خلافة الموحدين سنة 646هـ/1248م ، حيث عمت الثورة هذه الجهات فدخل بنو عبد الواد ، وأغاروا على نواحي تلمسان، كما تغلب بنو توجين على منطقة الصحراء والمدية، إلى جبال الونشريس، وبادر ملوك تلمسان بالإستيلاء على المدية لموقعها الاستراتيجي الهام، إذ هي تقع في طريق الجنوب وطريق الشرق الجزائري، وقد تم الاستقلال لبني عبد الواد على عامة أوطان بني توجين، وكان موقفهم مع هؤلاء يتداول ما بين السلم والحرب، وهكذا نجد المدية دائما بين مد وجزر وحرب وسلم، فهي مهد الثورات وملجأ كل ثائر أو لاجئ.

نقل الحضارة إلى المدية:

إذا كانت تلمسان قد حضيت بالحضارة والفتح أولا ونالت شهرتها بسبب اعتناء الحكام والأمراء المتعاقبين عليها ، فإن المدية قد نالت نصيبا من هذا الاعتناء، وذلك عندما استولى عليها محمد بن عبد القوي على المدية وضواحيها وأنزل بها أولاد عزيز بن يعقوب وجعلها لهم موطنا وأعلن ولايتها المستقلة فقد جاء في خبر أبي سعيد عثمان 681 إلى 703هـ مع مغراوة وبني توجين ما يلي:

((لما عقد عثمان يغمراسن السلم مع يعقوب بن عبد الحق المريني ولى وجهه إلى الأعمال الشرقية من بلد مغراوة الزناتيين، وأصبحت بنو توجين كلها تابعة له ثم تابع السير إلى المدية سنة 688هـ فقام بدعوته فيها قبائل يعرفون بالمدية)) كما ذكرنا في صدر الحديث.

وقد أشار ابن خلدون أن اللمدانيين غدروا بأولاد عزيز ومكنوا الزيانيين من البلد، فقام رجل يدعى "عطية من توغرين" ومال إلى السلطان المريني المحارب لبني زيان، ثم تابع يوسف بن عبد الحق ورغب في ملك الونشريس، ثم عاد إلى بني توجين وحاربهم وانتهى إلى المدية ففتحها، وعادت لمدينة إلى طاعة السلطان عثمان فتقبلها منهم، وبدأ بتخطيط قصبتها القديمة ، عن ابن خلدون بالتصرف.

محاولة المرينيين مرة أخرى:

يتبين لنا من مراجع التاريخ وأحداثه أن المدية كانت مسرحا بين الوافدين ، يتلقفها فريق ثم يأخذها آخر ، فترات تقصر وتطول حسب استعداد الوافد وتفاعل أهل البلاد معه، فحينما نجد أن الزيانيين قد ملكوا ثم حوربوا من قبل بني مرين نجد محاولة أخرى لبني مرين لاسترجاع ولاية لتيطري ، فعندما رجع السلطان المريني "أبو الحسن" من تونس ونزل بالجزائر ، عزم أن يحارب بني زيان بمساعدة الثعالبة، ونصر بن عمر بن عثمان وسويد وزناتة، وانظم أبو ثابت الزياني لمغراوة، وفشلت كل المحاولات أمام الزيانيين ، فحينما دب الضعف في دولة تلمسان وأصبح ملوكها لا يستطيعون دفع مهاجمة الأعراب ، أعلنت المدية الاستقلال التام عنها.

كما أن المدية عرفت نوعا من الاستقلال قبل ذلك عندما كانت تحت قيادة إمارة الثعالبة وكانت تشتمل على مقاطعة التيطري ومتيجة سنة 548هـ/1152م

شخصيات تاريخية شرفت منطقة المدية:

في عهد الدولة الموحدية نبغ في هذه الناحية شخصية لها وزنها وقيمتها في الحقل الثقافي، والعلمي، وكان لها شأن عظيم بين كبار العلماء وهو أبو محمد عبد الله الأشيري نسبة إلى بلدة أشير بالجنوب الشرقي من مدينة البراوقية (التابعة لولاية المدية) في سفح جبل التيطري والتي كانت عاصمة قبل تأسيس المدية.

كان رحمه الله أمام أهل عصره في الفقه والحديث والأدب ، انتقل إلى الشام وسكن حلب الشهباء ففاق بها جميع علمائها كما قال ياقوت : كان إمام أهل الحديث والفقه والأدب بحلب خاصة وبالشام عامة، يتسابق إليه الناس إلى الأخذ عنه والتشرف بالانتساب إليه، ويتفاخر الوزراء والملوك بمجالسته والاسترشاد بعلمه وآرائه.

استدعاء الوزير "أبو الظفر عون الدين يحيى بن هبيرة" وزير المقتفي والمستنجد إلى بغداد وطلبه من الملك العادل"نور الدين محمود بن زنكي " لإقراء الحديث وتدريس علومه بدار السلام، (بغداد) فسيره الملك إليه محفوفا بالإجلال والإكرام، فأقرأ هناك كتاب(الإفصاح عن شرح معاني الصحاح) بمحضر الوزير مؤلف الكتاب نفسه ، وهو شرح يحتوي على تسعة عشر كتابا شرح بها الوزير أحاديث الصحيحين.

وقد جرت للشيخ مع الوزير منافرة فتقاطعا ثم ندم الوزير على موقفه هذا اتجاه الشيخ فاعتذر إليه وأغدق عليه بره وإحسانه، ثم سار الشيخ من بغداد إلى مكة ثم عاد إلى الشام فمات رحمه الله ببقاع بعلبك سنة 561هـ/1165م.

وهناك انطفأ السراج الوهاج وخبأ ذلك النجم الذي طلع من المغرب العربي وخاصة من بلدة أشير ليأخذ عنه المشرق العربي سراجه ونجمه ونوره ولا غرابة في ذلك فليس للعلم والمعرفة حدود بين المشرق والمغرب.

وهناك شخصية أخرى كان لها مجالها في ميدان العلم والثقافة ، وكان لها وزنها في بلاد الأندلس حيث مثلت عاصمة المدية أشير في تلك الربوع ، وهذه الشخصية هي الراوية الإمام الحافظ موسى بن الحجاج بن أبي بكر الأشيري ، وقد ولد في أشير ، وسكن مدينة تدلس (دلّس) من اعمال الجزائر ، ومنها خرج في طلب العلم إلى الأندلس فدخل إشبيلية سنة 535هـ/1140م ، فلقي بها الإمام ابن عربي وأبا الحسن شريح بن محمد وأبا بكر بن ابي طاهر ، ودخل قرطبة ، فأخذ بها عن أبي عبد الله بن أصبغ، وأبي مروان بن مسيرة ...وسمع مشكل بن قتيبة عن أبي عبد الله بن وضاح بالمرية سنة 537هـ /1142م وأخذ عن أبي محمد عبد الحق بن عطية ولازم ابن أبي الخصال وأبا محمد النفزي المرسي وأبا الحاج بن يمشد العكيسي وأبا الوليد بن الدباغ وأبا الحجاج بن يسعون ، وبعد أن استكمل معلوماته هناك عاد إلى وطنه ، فنزل مدينة الجزائر وأصبح إماما واعظا وخطيبا ، ونشر بها علمه الغزير وأحدث دويا في وقته ، ثم انتقل من العاصمة إلى مدينة دلّس حيث الراحة والسكون ظن حتى وافاه الأجل في صفر سنة 589 هـ/1193م .

زائر في المدية:

وهنا نقف قليلا لنستريح من وعثاء السفر ، وطول السير في دروب التاريخ، ويقال أن أهل المدية يكرمون الضيف ويقدرون اهل العلم و...وهذه الميزة لا زالت فيهم حتى الآن .

ولندع المجال لسائح ورحالة مشهور وهو "الحسن بن محمد الوزاني الفاسي" والمعروف عند الغربيين بالأسد الإفريقي فوصف المدية أحسن الوصف ، حيث قال :

((فالمدية مبنية في سهل جميل، خصب تسقيه أنهار كثيرة ، وأهلها أغنياء، يسكنون دورا جميلة، وقد استقبلوني بحفاوة وإكرام كأني أمير المدينة ))

ومن هذه الإشارة لمؤرخ مشهور ومعروف لدى الغربيين يتبين ما يلي:

1-الموقع الجغرافي الممتاز

2-انتعاش الحياة الإقتصادية.

3-رقي العمارة على ممر العصور وحتى للزمن الحاضر ، وكان أصحاب المدية من البنائين يختصون ويشتهرون بفن البناء، وخاصة في الناحيتين الروحية والاجتماعية.

أما الروحية فبناء المساجد ، والاجتماعية كبناء الحمامات ، وكفى بمسجد النور مفخرة وجلالا وجمالا

4-إكرام الضيف والحفاوة به ، مما جعل الضيف صاحب الدار وصاحب الدار هو الضيف، وهذا هو منتهى الكرم.

المدية تقدر العلم ، وتحترم العلماء:

إن الروح الدينية التي ورثتها هذه البلدة منذ الفتح الإسلامي المبين ، جعلهم يحترمون كل ذي قيمة علمية، وخصوصا إذا كان تلبس لباس الإسلام ، وتدين بالكتاب والسنة، وقد صرح بذلك الرحالة المشهور الحسن بن محمد الوزاني الفاسي ، فقال : ((وإذا زارهم أجنبي ذو علم ومعرفة فإنهم يعظمونه ويبجلونه ويبقونه عندهم ليفصل في قضاياهم ، ويعملون برأيه ، ويصوبون رأيه )) ومن هذه الملاحظة الوجيزة ، فإن احترامهم للأجنبي ليس احتراما لذات الأجنبي ، ولكن احتراما للعلم في ذلته وللصواب في نطقه وللحق في عدله، لذلك نجدهم يولونه منصب القضاء وإن كان ضيفا ، والحق ليس ضيفا في أرض الله ، فقد خلق الله السماوات والأرض بالحق ، فهذا التعظيم للحق في ذاته وهذا المنطق المشاهد على مسرح الحياة حتى يومنا هذا وإلى ساعتنا هذه .المدية في كتابة عالم ألماني "ه. ومال سان "، ترجمة د.أبو العيد دودو ، تحت عنوان ((أضواء على مدينة المدية))

حيث وصفها بقوله :

((تقع المدية ، وهي مدينة جبلية ، على بعد 45 كلم من البليدة ، ويبلغ ارتفاعها 3300 قدم ، أي 920 م ، وكانت في السابق عاصمة التيطري، ولها نفس المكانة والأهمية السياسية التي كانت لمدينة وهران وقسنطينة .

أما الطريق الذي يؤدي إليها من البليدة ، فهو من المناظر الخلابة التي يقدمها الريف الجزائري لعشاق المناظر الطبيعية الساحرة.))

المدية ، المدينة المقدسة في نظر الأجانب ، مع مقارنتها لبلدة مقدسة في إيطاليا

حيث يقول:

((والمدية تعتبر عند المسلمين مدينة مقدسة ويمكن أن نطلق عليها من هذه الناحية "لوريتو" الإسلام ،فهي تشبه البيت المقدس ، في ذلك الحج الإيطالي الشهير))


المدية بلاد الأساطير، والعجائب والمعجزات:

حيث يقول نفس المصدر: ((أن المدية وهي الأخرى قد حملتها الملائكة كما تقول الأسطورة من البلاد القديمة عبر الفضاء، ووضعتها على سفح الأطلس.))

المدية في شعر الوالي الصالح "سيدي أحمد بن يوسف" دفين مليانة، تأكيدا لهذا المعنى من القصيدة في الشعر الملحون ما مفاده :

أيتها المدية

يا من حملتك الملائكة

لو كنت امرأة

لما تزوجت سواك

حين يحل الشر بأبوابك

تطردينه قبل أن يحل المساء

المدية في مرآة الجزائر

محمد بن عثمان خوجة سنة 1833

حيث وصفها بقوله:

وسكان المدية، حلفاء شجاعة، ورهناء العناد، وليس لديهم ميول للصناعة ، وحالة طقسهم معتدلة صيفا وباردة كل يوم تقريبا في فصل الشتاء، ومناخ بلدهم صحي جدا.

فهذه نظرة عن مناخ وعادات وتقاليد المدية.

المدية في عهد الاتراك:

لدخول الأتراك إلى القطر الجزائري نظريتان،

-فالبعض يقول: أنهم مستغلون ، جاؤوا ليتمتعوا بخيرات الجزائر.

-والبعض يول: أنهم حماة الإسلام من غزو الإسبان المتكالب على الشطوط الجزائرية.

وبعد الدخول نموا القطر الجزائري إلى أربع ولايات :

1 دار السلطان وتشمل عمالة الجزائر اليوم

2 بايلك الشرق وعاصمته قسنطينة

3 بايلك الغرب وعاصمته مازونة ثم معسكر ثم وهران

4 بايلك الجنوب وعاصمته المدية

وكان تأسيس بايلك التيطري سنة 158م في عهد الباي حسن ، ونصب "رجب" بايا عليها ، وكانت الحدود لولاية تيطري هي الحدود الحالية لولاية التيطري.

وما كانت تقدمه المدية في عهد الأتراك بواسطة زكاة الغم لبيت المال ، ويوزع شيء على أرباب الدولة ، وكذا في عيد الأضحى، أما في عاشوراء فلا يبعث ، لأن عمالته أغلبها صحراء ، والسكان العرب أصحاب غنم ولا حرث لهم والذي يقبضه من الرعية شيء قليل يكفيه هو ومحلته ، أما عشور بلدة المدية فيجعله ((عَوْلة)) كُسْكسي ،مْحَمْصَة، بُرْغُل ، وله وكيل عولة يقدمها إلى دار الإمارة ، في كل شهر ، وهذا ما يسمى الآن عند الدول والحكومات بالتموين الإحتياطي .

أما الضريبة التي يدفعها باي التيطري تقدر بـ 76000 في كل ثلاث سنوات.

ومن أشهر البايات الذي اشتهر وكان صالحا ورعا ، وهو "عثمان الكردي" ، وهو والد " محمد باي الكبير " باي وهران ،وعدد البايات في العهد التركي يقدر ب 18 بايا ، ما بين 1516 إلى 1775.

أما القوة العسكري التي كان يملكها باي التيطري فكانت تتمثل:

1-في خمسين صبايحي ،و15 مكاحلي ، يتركب منهم حرسه الخاص.

2-نواب المدية ((التي تتركب من خمسة صفارة )) مائة وعشرين جنديا .

3-قوة احتياطية ، من مائتين زبنطوط ، أو كسيرجية في البرواقية.

4-حامية سور الغزلان ، التي تتركب من 30 جنديا ، و60 احتياطي ، وكانت القوات مقسمة إلى أع قيادات.

*قيادة التل الصحراوية.

*قيادة التل القبلية.

*قيادة سور الغزلان.

*قيادة الجنوب وتشتمل على القبائل الرحل ، وأتباع أولاد مختار .

أما الناحية الثقافية والإجتماعية ، فقد أجمع الؤرخون أنه كان عصرا مزدهرا بالثقافة والتعليم ، فقد كان يقدر عدد المكاتب القرآنية في القطر الجزائري بثلاثة آلاف كتّاب قرآني أو مْسِيد في اللهجة الجزائرية ، وكان عدد المتعلمين ، وقلة الأميين أكثر من فرنسا ، وهذا بشهادة بعضهم ، أما بالنسبة للمدية ، فقد أسسوا أربعة مساجد ، مسجد مراد للمذهب الحنفي ، والجامع الأحمر وبقيت صومعته لحد الآن في ساحة بولوكين ، التي دشن تسميتها الأخ الوزير أثناء الاحتفال بالعيد الألفي للمدية ، والذكرى العاشرة للإستقلال .

مسجد في الثكنة العسكرية، ومسجد سيدي سليمان وتهدم وبقيت الزاوية لقراءة القرآن لحد الآن ، وترميم وتجديد المسجد الملكي في عهد مصطفى باي ، وهذه الوثيقة المسجلة في رخامة المسجد مع ذكر الباني والتاريخ ، والرجاء من الله المثوبة ، وهي هذه بنصها التركي :

""ططري بكم مصطفى بك حقه ايدباستثنا أثر قويدي بو مسجدي قبلدي بنا ((ق.ت.ك)) هزاز خير موفق أيلسون باري خدا آنكيجون ((أنتشو)) هكذا ينطق بكلمة ((آنكيجون)) سافر أولدي جنت ايجره بربنا 1227-1237 .""

وهذه ترجمة ما هو مكتوب على الرخامة :

((امتثالا لأوامر الحق ، بنى مصطفى بك باي تيطري هذا المسجد وتركه أثرا ، وفقه الله العلي لآلاف الخير وأكرمه ببناء في الجنان ))

وهو الذي بنى الدار الجميلة بقرب هذا المسجد والتي سكن بها الأمير فيما بعد ، وبنى حوشا خارج المدينة للصيف ، ولا زال يعرف حتى الآن يحوش الباي وبنى قبة على ضريح الولي الصالح :الشيخ البَرْكاني ، ولازالت لحد الىن عائلات تحمل اسم الباي ((حسن باي ، محمد باي ، عباس التركي ، وبن تركية ...الخ ))

وكانت مكتبة عامة للمطالعة في نهج الإخوة بن غربية ، وكان القيم عليها :الحاج بن رقية ، هكذا قال أحد أنجاله ، وكانت المدية في عهد الأتراك محاطة بالأسوار ولها خمسة أبواب وهي على التوالي : باب الجزائر ، باب القرظ ، باب الأقواس ، باب سِيدي الصحراوي و باب البَرْكاني ، وطال العهد التركي مدة ثلاث قرون وزيادة ولا بد لهذا العهد الطويل من حسنات وسيئات ، غير أن الاستعمار وأعوانه يودون أن يظهر العهد التركي بالعجز والتأخر والاضطراب والفوضى ، حتى يظهر العهد الاستعماري على أحسن ما يرام في زعمهم .

ولذا قال ردا عليهم أمير شعرائنا في تقريظ كتاب "عثمان باشا" في العهد التركي في الجزائر للأستاذ : توفيق المدني ، فقال :

نـصـبـر ما استكبر iiأعداؤنا

في الأرض والعقبى لمن يصبر

فـمـجـدنا أعظم من iiمجدهم

والله مـن أكـبـرهـم أكـبر

عهد الاحتلال البغيض :

فلا بد لنا من وقفة قصيرة ، حتى نكون على خبرة ودراية بسبب احتلال فرنسا للجزائر ، وتحليلا للظروف السياسية والاتماعية ، والاقتصادية والأخلاقية في غاية الخطورة ، في فرنسا ، فوضى شاملة ، وانكسار وهزيمة في حرب وكساد وبطالة في المجتمع ، فتجاه ذلك كله، أرادوا أن يرفعوا من معويات جيشهم المخذول ، فكانت الضحية الجزائر المنكوبة ، وجاء اليوم المشؤوم وهو 5 جوليت1830 ، ونزل الجيش ، واحتلت الجزائر في ظروفها المعروفة وبدأ الشر ينتشر في أنحاء القطر ، وكان نصيب المدية منه ، من يوم الاحتلال إلى يوم الاستقلال ، نصيبا لا بأس به ، من الرزايا والضحايا ، والبطولة والاستشهاد ، فالمدية ما بين 1830 الى 1840 تعرضت أربع مرات للاحتلال ، وفي كل مرة يكبدون العدو الخسائر الفادحة ويقاوم رجالها مقاومة عنيفة ، حيث قال الأستاذ سعد الله في كتابه "التاريخ الحديث" ص 82 قال: وفي 27 نوفمبر ، وصل كلوزيل إلى البليدة ، قادما من حملته الفاشلة على مدينة المدية عاصمة التيطري، ونحن نذكر باختصار من محاولات كلوزيل إلى برتوزين مارس 36 بقيادة لوزيل ، و7 أفريل 1836 ، بقيادة دي ميشال إلى المدية لأنهم اكتشفوا أنها في موقع استراتيجس هام ، ورابطة بين الشرق والغرب والجنوب ، وقبل احتلالها الأخير كان الأمير(عبد القادر) قد سبقهم واعتصم بها سنة 1835 لأنه انتبه إلى موقعها وأهميته بالنسبة للمعركة الجديدة بمجرد ما بايعته الامة على القيادة وتنظيم شؤون الدولة حتى احتل مليانة والمدية ، ونصّب أخاه "محي الدين" على مليانة ونصّب على المدية "بن عيسى البركاني" ابن صاحب الضريح المشهور لأنه ادرى بامور المدينة


ونظامها الداخلي ، وكان بتصرف في القوات التالية :

1-رجال منظمون 600 رجل

2-فرسان منظمون 200 رجل

3-رجال المدفعية 30 رجلا

4-فرسان غير منظمين 4000 رجل

5-رجال غير منظمين 2000 رجل

والمجموع : 6830 رجلا

وتقول بعض المصادر أن رئيس لمدفعية هو "محمد آغا" المعروف "بابن كسكسة الكورغلي" ، ولازالت هذا العائلة في المدية لحد الآن .

وابتنى الأمير معامل حربية لصنع السلاح وإنتاج البارود والرصاص ، في كل من المدن الثلاث ، أولها المدية ، مليانة، معسكر، وقبل مغادرته المدية في مرة من المرات ، استقبل مبعوث فرنسا ، ليجس النبض ويعرف قوة الأمير ويختبر ميزان الحرارة والاستعداد ، وهكذا كان دأبهم ، حينما تشتد المعارك ، ويشعرون بالهزيمة ، يطلبون الهدنة ، وجن جنون فرنسا كدأبها دائما أن بتغلب ويتفوق عليها هذا الناشئ في ميادين مختلفة ، فجهزت أكبر قوة وكبار الضباط ، أمثال الطاغية "بيجو" ،فجددت الكرة على المدية ودارت معركة عنيفة سنة 1840 عند أسوار المدينة.

وهنا سقطت المدية ، في يد المستعمر الغاشم ، وسلط عليها نظام خاص منذ ذلك العهد، وبعد سقوط المدية ، رفع راية الكفاح والجهاد ، مع بقية جنوده الشيخ البَرْكاني ، وانظم إلى جيش الأمير بقواته التي كانت تحت قيادته ، حتى سنة 48 وهكذا بعد 17 عاما من الجهاد والكفاح المرير انتهت المقاومة النظامية وانطوت صفحة من أروع صفحات البطولة ، غير أن المقاومة الشعبية لم تنته، وقد حمل لواءها المناضل الشيخ البركاني وظل يقاوم ويكبد القوات الفرنسية بحرب الكمائن وقطع الطرقات في كثير من الجهات ، وخاصة بين جبال "شُنْوَة" و"مُوزايا" وجبال المدية.

وتقول بعض المصادر ، بقي يكافح حتى انظم إلى قوات "المقراني" في جبال جرجرة الشامخة ، والاستعانة بها ،وأما المدية بعد الاحتلال الأخير ، فكان نصيبها من هذا الشر ، مثل بقية المدن الجزائرية وأقبح أنواع الشر ماكان يمس المقدسات والمعقدات ولله در شاعنا العربي حيث قال:

يهون علينا أن تصاب جسومنا=وتسلم أعراض لنا وعقول

ومن هذه النكاية البشعة تم تحويل مسجد مراد للمذهب النفي إلى كنيسة ، لأنهم شعروا بالعاطفة الدينية متأصلة في الشعب ، ولم تستطع يد العدوان إن تطمس عروبتنا وأصالتنا مهما سلطوا علينا من أنواع المسخ ، ولله در شاعرنا الفذ :الشيخ محمد العيد ، حيث عبر عن هذا الشعور ، ويخاطب القطر الجزائري :

هاأنت في وسط الزعازع iiثابت

بـاق على الإسلام لم iiتتزعزع

بوركت من وطن تسامى فالتقى

بـالـمنتهى في مستواه iiالأرفع

إفـريـقيا أخت الحجاز iiديانة

وربـيبة البيت الحرام iiالأمنع

- ولن يضيع حق وراءه طالب-

وذلك حينما بنوا الكنيسة التي حولت إلى مسجد النور ،في العهد الجديد طالب جدنا مع جماعة من أعيان المدية إرجاعه إلى الأصل وتأدية الشعائر الدينية ، ورجع فيه تلاوة القرآن ، وصوت المؤذن يدوي في السماء ويملأ الفضاء :الله أكبر ، الله أكبر

واستمر الحال من طرف المستعمرين باتخاذ كل الوسائل للقضاء على الشخصية الجزائرية والأمة تقاوم بمختلف الطرق والتنظيمات الاجتماعية والسياسية لنشر الوعي والاستعداد ليوم خوض المعركة الفاصلة ، ودام الحال طيلة 122 سنة

عهد التحرير:

دقت ساعة الحق وانطلق الشعب يدك ويحطم كل قيد ولو كان من ذهب ، وتجاه هذا التحدي جن جنون فرنسا وجندت كل طاقاتها للقضاء على هذه الثورة العارمة ، المحكمة الحلقات والتنظيم ، وراء حركة منظمة واحد ألا وهي جبهة التحرير الوطني ، وهنا فتح الشعب الجزائري صفحات جديدة ، ليكتب عليها بدمه القاني أروع صفحات سلت في العصر الحديث، والمدية كانت في طليعة من لبى النداء ، والتحق أبناؤها وشبابها بركب حركة التحرير ، واعتصموا بالجبال الحصينة المنيعة وكبّدوا العدوّ خسائر فادحة في الأرواح والعتاد ، وكانت المدية مركز اتصال بين الغرب والجنوب والعاصمة ، ولعب موقعها الاستراتيجي دورا هاما في معركة التحرير، وقدمت على قلة عدد سكانها بالنسبة لغيرها من المدن الكبرى 1500 شهيدا ، وما من عائلة في المدية إلا واستشهد منها عدد من الأفراد يكثرون ويقلون ، حسب العائلة ، وبعض العائلات استشهد منها 13 من 15 ولذا يجد السائح كل طرقاتها وأنهاجها بأسماء الأبناء والإخوة ، وأقسم الجميع أن لا يتشحوا بالسواد ولا يظهرون الحزن والجزع ، وإذا سمعت عائلة بأن ابنها استشهد تملأ الفضاء بالزغاريد وهنا تيقن الخصم بأن الموت أصبح لا يرهب ، ومن أصبح الموت لا يرهبه فالحياة تصافحه ، والنصر يلاحقه ...

((وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)) الحج

وأصبحت المدية داخل أسوار شائكة وستار حديدي ،والحراسة مشددة ، وبالرغم من كل ذلك يدخل الفدائي وينفذ العملية وكثيرا ما يخرج ناجحا منتصرا ، وتجند الشعب بجميع طبقاته والتلاميذ مع صغر سنهم ، التحقوا مع إخوانهم في الكفاح ، ومن ثانوية واحدة ، استشهد منها ما يزيد عن 80 .

وبدأت سياسة فرنسا بعد أن حمى وطيس الحرب ، واشتدت المعركة ، فبدأت في سياسة الخداع والمكر وظنت أن الشعب يريد الخبز ويريد العمل ، فخططت برامج للبناء لتصد الشعب عن المبدأ المقدس وطلب العزة والكرامة والحرية والسيادة .

فأنفقت أمولا طائلة ، ولكن هيهات !! ولتستمع إلى معجزة القرآن حيث يصور مآلهم وخيبتهم ، حيث يقول عز وجل:

((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ )) الأنفال

استمرت المعركة قاسية ، مدة 7سنين ونصف ، وما أسهل هذه العبارة في اللسان ، وما أثقلها في الواقع المر وما قاسى فيها الشعب من أهوال وتعذيب ، وقتل وتشريد ودم ودموع ، وفي كل شبر لنا قصة ، حتى جاء النصر والفتح المبين واندهش المستعمرون وقلوبهم منكسرة ، ودموعهم منهمرة ، وفي حين أنهم ظنوا أن الشعب استسلم إلى الأبد ، وأصبح مقاطعة فرنسية ؟ وصدق الله العظيم حيث يقول ، وهذه من معجزة القرآن ، يخيل إليك كأنه أنزل الآن :

((حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ 44فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 45)) الأنعام

وقوله تعالى :

((كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ 25وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ 26وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ 27كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ 28فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ 29)) الدخان

عهد الاستقلال :

((وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا 81)) الإسراء

((وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ 5وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ 6)) القصص

وانطلق الشعب كالسيل الجارف معلنا عن فرحته وانتصاره ومقدرا جهود أبنائه ومترحما على شهدائه ،ويأسف لعدم حضورهم لهذا الفوز ولهذا النصر حيث يعلم أن ما عند الله خير وأبقى ،ولا يشك أنهم يتنعمون في فراديس الجنان والحور العين ،تغني لهم بأعذب لحن في جنات الخلود .

ويسجل عهد الاستقلال أكبر مفخرة لأهل المدية وهو بناء مسجد النور كدليل على انتصار الشعب وتعاون الأمة وتضافر جهود أبنائها للبناء والتشييد للأجيال الآتية ما هو مكتوب على رخامة المسجد للبقاء والخلود ،للشيخ "فضيل اسكندر" هذه الأبيات حيث قال :

الله أكـبـر جـاء الحق iiوانهزمت

مـعـالم الكفر وانجلت عنا iiالمحن

حيث النواقيس والصلبان قد زهقت

وحـل مـوضعها القرآن iiوالسنن

يـا مـسجد النور أنت رمز عزتنا

إذا رأيـنـاك زال الـهم والحزن

بـك الـمـديـة نالت كل مفخرة

وزادهـا بـهـجة رونقك iiالحسن

هذه هي المدية عبر عصورها ، وأتمنى أن تكونوا قد تمتعتم خلال هذه الرحلة الطويلة ، خلال ألف عام .

ولابد من الرجوع لمناسبة عيدها الألفي بهاذين البيتين للشاعر اللمداني الزميل محمد الدراجي :

وتـهنئتي بهذا العيد iiنجوى

إلـى شعب المدية iiكالمثاني

فعيشي في الحياة سجل فخر

وتيهي بالخلود على الزمان

هذه القصيدة من الشعر الحر ، بالعامية الجزائرية ، بعنوان حنين ومناجاة "المدية" وأهلها الأبرار ، للشاعر المناضل المرحوم محبوب اسطنبولي ، وهو مؤسس نادي الهلال ،جنب المسجد الحنفي الذي أسسه أبوه الشيخ محمود اسطنبولي بجوار الثكنة العسكرية .

حنين ومناجاة "المدية" وأهلها الأبرار

للشاعر المناضل المرحوم محبوب اسطنبولي

زُرْتْ بْـلادي مْـشـيـتْ فِيها نَصْ نْهارْ

لاحَـدْ عْـرَفْـنـي مْـهـاجَـرْ أو iiزايَرْ

مـا عْـرَفْـتْ غْـريـبْ وَلا أهْلْ iiالدار

ولا عْـرَفْـتْ خْـيـامْـهـا مَن iiالمقابر

عْـنـاصَـرْهـا نـاشْفة والصرْحْ iiانهارْ

فـاضـتْ الـعـبـرات عَ المجد iiالغابَرْ

الـمـسـاجـد لا تجويدْ فيها ، لا iiتَكْرارْ

والـمـؤذّنْ صـاحْ فَ الـبـوقْ iiالخاسَرْ

زادْ ولـع شْـبـابْـهـا بـحْـديثْ iiالعارْ

فـرع الـشـرفـا عـادْ لـجـدودُه ناكَرْ

الـعْـداسـي الـلِي كان يدبو فُوقْ حْمارْ

عـادْ عـلـى الـفَـرْسـانْ يفْخَرْ iiالماكَرْ

كـانْ يْـجَـزْ لَـحْـميرْ في سوقْ iiالتجارْ

راهْ رْجَـعْ خـطـيـب فُـوقْ iiالـمنابرْ

جُـزْتْ عـلـى الأحواش بدْموعي iiمدرارْ

بـيـبـان الأقـواس هـدَّمْـهُـمْ iiفاجَرْ

يـاجـوج وْ مـاجـوج هـدْفوا يا iiستّارْ

لا مَـلَّـة لا ديـن بـالـعـرضْ iiيْتاجرْ

واصْـحـابْ الـيقين تشْرَبْ في الامرارْ

وإذا بْـقَـاشْ نْـزيـهْ راه حيّْ وْ iiصابرْ

الـفـارَسْ حَـجْـبـانْ ما يسْرَحْ iiامْهارْ

وإذا رْكَـبْ تـلْـقـاهْ بـجْـوادُه iiعـاثَرْ

بَـعْـضْ مـن الـشـبـابْ تَحْكيهمْ بْكَارْ

والـبَـعْـضْ عْـتـاريـسْ دِما iiتَتْناحَرْ

لَـوْجُـوهْ مْـسـالـيـخْ لا أدبْ iiيـذكارْ

الـقـرونْ عْـلـى الَجْباهْ والسونْ iiشْوَاقَرْ

نَـسْـتَـثْـنِـي شـبـاب هـمَّة iiووقارْ

أدبْ وْ أخْــلاقْ والـوَجْـهْ iiالـنَّـايَـرْ

هـذا طَـالَـبْ ذاك عَـامَـلْ ذَا iiتـجَّارْ

وقـر الـصْـغـيـرْ طـاعْ iiالأكـابـرْ

فـرعْ الـمـديّـة الـعـالْية عْلى الأقمارْ

وارَثْ بْـهـاهـا وْ بِـهـا يـتْـفـاخر


تِـيـتـري سْبل جْناحْ عن نسلْ iiالأحرارْ

واوْلادْ الأصـولْ بـالـحـكـمـة iiظاهرْ

الَـحْـيـا والـدّيـنْ هـيْـبـة iiوافتخارْ

أمـا ولْـد عْـداسْ مـنْ بَـكْـري iiماكَرْ

الـلِّـي أَصْـلُه "ماسْ" غالي على iiالتّجارْ

وحْـجَـرْ الـوَاد مـا سـاوْمُـه iiتـاجـرْ

نَـتْـمَـشّـى وَحْـدي نـخَمَّمْ وْ iiمُحتارْ

أَتْـسـاءلْ وْ أبْـحَثْ وِينْ أَهْلْ iiالضَّمايرْ

حـيّْ بـاتـي مـا لْقيتْ فيها بَنْ iiصافارْ

ولا بـنْ مـحـمـود الـصّـيَادْ iiالماهرْ

لا بَـنْ غـربـيّة ولا بَنْ هْتشي iiالمغوارْ

جـبّـارْ الـمـكـسورْ و وْنيسْ iiالخاطرْ

امْـحـمّـدْ الـمـستْغانْمي وأهْلُه iiالأخيارْ

لـبـيـب وْأديـب ،ريـاضـي iiمـاهرْ

لا اوْلادْ الـتـامـي الأذكـيـا iiالأحـرارْ

ولا بـن عـلال الـفـقـيـر الـصابرْ

بَـلْـخَـرُّوبـي وبَـلْـحْـجَرْ و بَنْ قِيّارْ

تُـرْكْـمـانْ الـمـعروفْ بَالعزْمْ iiالقاهَرْ

لَـقْـطِـيـطَـنْ بْـرَمْـتْ وْأَنَايا iiمُحتارْ

نَـمْـشـي كْـسيفْ البالْ ،دَمْعي iiيَتْقاطرْ

بَـلْـحـاجْ وغَـرْنوط ظنّي خَلّاوْا iiالدارْ

مُـولايْ مَـصْـطْـفى راحْ مَ الدَّنيا iiسافرْ

عـايْـلـةْ الـدْويـكْ وبَنْ دالي iiالأطهارْ

أهـلـيّـيـن الـظـنْ بِـهُـمْ iiنـتْفاخَرْ

وْلادْ بَـلْـكْـسـيـراتْ نُـجـبا iiأحرارْ

الـمْـصـلّـى مَـنْ زْمـانْ بِهُمْ iiتَتْفاخرْ

وَ الـدَّواجـي غـابْ عـنّـي يـا iiنظّارْ

بَـنْ تُـركـيّـة راه م الـحـي iiمْـسافرْ

رْجَـعْـتْ شـوار الـفـج وْأَنـا مَحْتارْ

حَـوَّسْـتْ عْـلى المْلاحْ ما جْبرْت موايَرْ

تـاكـبـو نْشَفْ مَنْ ماهْ ما باقي iiشرْشارْ

والـظـمـآن بْـقـى عْـلى حرُّه iiصابَرْ

وْلادْ أحْـمَـد خُـوجـة الـنُّـجَبا iiأحرار

والـجـامـع مـا فـيـهْ لُوحة iiوحْصايَرْ

اسْكندرْ ، بَلْوَكْريفْ ، مُولايْ مصْطْفى جارْ

بَـنْ كَـحْـلـة مـا لْـقيتشْ مَنْهم iiعابَرْ

عـقْـلـي شوّرْ عينْ الذْهبْ فَرْفَرْ iiوْطَارْ

وَتْـفـكَّـرْ بَـنْ إمـامْ مـحـمُودْ iiالنّايَرْ

هَـاتَـفْ كـلَّـمْـنـي وْ خـبّرْني iiبشّارْ

قـالْ جْـنـانُـه راهْ كِـالرّوضْ iiالعاطَرْ

عـنْـبَـرْ الإخـلاصْ ومْـسوكْ iiالأذكارْ

أوفِـيـا عْـلـى الـعَـهْـدْ ما فيهم ناكَرْ

سـوَّلْـتْ عْـلى العُلْجي قالوا فَرْفَرْ iiوْطارْ

خـلـفْ عـنـدلـيـب أديـبْ iiوْشاعَرْ


وَعْـلـى بـوقَـلْقَالْ قالوا الصّرحْ iiانْهارْ


سْـألْـتْ عْـلـى الـجميعْ قالوا iiالأحرار


دُرْتْ عْـلـى الـكُـتّابْ نبحثْ دارْ iiبْدارْ

الـمـتِّـيـجـي مـاريتْ في كوانهم نارْ

حـوْشْ قـاسـمْ خْـلا وْ مـا باقِي iiنعَّارْ

بـوخـاتَـمْ ظـنّـيتْ غايَبْ عْلى iiالدارْ

وْمَـنْ الَـقْدُوعي خْلا الحوشْ وْمجْدُه iiسارْ

حـومـة بـيـرْ الزْروبْ ما باقبشْ iiأبيارْ

حوْشْ بنْ خلْفة في الصّرا مْقابَلْ iiالأحرارْ

لَـلْـمْـوالْـديّـة هْـبـطْت وْ أَنَايا iiفكّارْ

ولا بـوشـرْشـورْ فـارسْ iiالـمَـشْوارْ





ولا دَمـارْجـي ظْهرْ لي شاوا iiنْهارْ

ملاحظة :

الأسماء الملونة بالأزرق: أسماء أماكن

الأسماء الملونة بالبنفسجي : ألقاب

الأسماء المسطر تحتها سأشرحها بعد الانتهاء من الكتابة


ولا دَمـارْجـي ظْهرْ لي شاوا iiنْهارْ

واقـفْ كِي المدْهوشْ مالْقيت iiجبابرْ

لْـبَـزّيوَشْ طْلَعْتْ وَدْموعي iiمدْرارْ

مـقـامْ الـمـحْـجوبْ نَلْقاهْ iiمقابرْ

مـا وْجدْتْ المحْبوبْ ولا بو iiالانوارْ

لا الـعرْبي مُولايْ ولا سّي iiالطّاهرْ

لـلـشـارَعْ نْـزَلْتْ فُؤادي iiمَغْيارْ

لا بـلْـغـيث يْغيثْ ذا العبدْ iiالحايَرْ

ولا بـن عَـصْـمـانْ ولا بَنْ iiقيّار

بَنْ طيبة وطْسِيسْ غابوا على iiالناظَرْ

الـمَـرْجـاشْكيرْ طْلعتْ وْأنايا iiفكّارْ

لا بـوشْـنـافة لْقيت ولا بَنْ iiطاهرْ

الـشـيخْ الفَحْصْ اللِّي بَحْذاهُمْ جارْ

ولا بـن يـزّة ولا عـسـلْ يَتْقاطرْ

فـي الرجالْ العياد طَوّلْت iiالمشْوارْ

وبْـكـيـتْ عْلى بلِحصيني iiبالجايرْ

شـيـخْ اسْطنبولي وَ مصطفى فخّارْ

والـشيخْ بلْجباسْ والعْزيزْ iiبالطّاهر

شـيخْ عْلي الصْغيرْ الطلبة iiالأحرارْ

الـلِّـي كـان الـعصْرْ بِهم iiيتْفاخرْ

سْألْتْ عْلى شَرْقي و عاشورْ iiالنجارْ

وعْـلـى بَـلْقاضي اللي هو iiتاجرْ

لْـويتْ لْبابْ القرطْ وَدْموعي iiغْزارْ

بـوشـنـافة الصنديد م الدنيا iiسافرْ

لا بـلْـقـايـدْ بان في وقتْ الهجّارْ

مـاوْجَـدْتْ المديرْ بنْ عبْدي الماهرْ

جْـلَـسْتْ عْلى الطْريقْ ميَّار وْنظّارْ

لا الـحاج بحجْ جازْ ولاسي iiالنّاصرْ

لا الـصـحْراوي مرْ منّايا لا نظّارْ

لا الـحـاج سْـليمان سلْسانُه iiذاكرْ

لا بَـنْ حميدة عْلى حْصانُه لا صَفَارْ

نـعـنـيـهْ الـحداد زيتون iiالماهرْ

لا طـايْـلـة الملاّحْ لا قادي iiنحّارْ

لا الـشـيخ الحنّونْ للْبلادْ جا iiزايرْ

لا بـابـا عـلي ، لا الزبير iiالبقّارْ

لا الـسـقْـدي ولا الـقندوزْ iiالعابرْ

لا بـلْـحُـفْـري ، لا الرقّادْ iiالبهّارْ

لا بَـنْ عيمَشْ جازْ ، لاخوهْ iiالطاهرْ

لا بَـنْ خـاوَة عـلي الشهيد iiالدَّرّارْ

بـن قبايلْ عْلي حدْما وْجَدْتُه iiحاضرْ

وْ لا أولادْ مَرْمُوزْ لا شيكو iiالأحرار

مـشـيتْ بْخوطى ثاقْلة ناوي iiزايرْ

قْـصَدْتْ البَرْكاني وْغًلْقوا باب iiالدّار

لاحُـوا سـحْـبَه على الهْلال iiالنايرْ

نَـكْـروا بُـرهانُه الأشقيا iiالأشرارْ

وجْـهـادُه نَكْروهْ في الزْمان iiالغاير

ياجوج وْماجوج هجْموا عْلى iiالأوكارْ

مْـعـاهُـمْ الـمرَّادْ والجْرادْ iiالطايرْ

هـذِه هـي قَـصْتي في نَصْ iiنْهارْ

الـحقْ مْعايا يا كان مَ الوْطَنْ iiنْهاجرْ

اسطنبولي المحْبوبْ ماذا شْرَبْ مْرارْ

راضـي بَـالأقـدارْ وعْليها iiصابَرْ

الـصـلاة عْـلى أحمدْ خيرْ الأبْرارْ

مـنْ صـلـى عْـلـيهْ حقاً iiيتْباشَرْ

وعْـلى الأصحابْ والأهل iiالأطهارْ

رْضـاهُـمْ لـلمؤمنين زادْ iiالمسافرْ

وعْـلـى الـتّـابْعين سنّة iiالمختارْ

وعْـلى أهْلْ التوحيدْ غايبْ iiوْحاضَرْ

محمد المحبوب اسطنبولي

معاني التعابير المسطر تحتها :

نصْ: نصف

ناشْفة: جافة

الخاسر: هنا بمعنى المعطل والذي أصابه عطب

فرع الشرفا: أي ناحية الشرقاء

العْداسي: عديم الحياء

اللّي: الّذي

يدبو: يركب دابة

راه: إنه

جُزْتْ: مررت

الامرار : المرارة

إذا بقاش نزيه راه حي وصابر: إذا بقي نزيه فإنه حيّ وصابر

حجبان : مختفي

مساليخ: كناية عن التجرد من الحياء (من السلخ)

الناير: النيّر

ولد عداس : هو نفسه العداسي أي عديم الحياء

بكري : من زمان

وْنيس: أنيس

برمت: (قصدتها وذهبت إليها)

خلاّو : تركوا

حَوَّسْت : بحثت

مْوَايَر:إمارة بمعنى أثر

شَرْشَار :نبع أو شلاّل

فَرْفَر :رفرف وطار

سَوَّلْت :سألت

حُومَة :حي

شَوَا نْهَار :طول النهار

أنَايَا :أنـا

فَكَّار: أفكّر

الهَجَّار:(أو الهَجّارَة) بمعنى وقت الزوال

مِيَّار:مترقّب

مَنَّايَا :من هنا

خوطى:خطوات

الْحَقّ مْعَايَا يَا كَان مْ الْوَطَن نْهَاجَر :الحق عليّ ،ما كان عليَّ أن أهاجر من وطني

مدينة المدية عبر العصور

1-اسمها الحقيقي ومعناه :

اختلف المؤرخون في تسمية هذه المدينة ، وتعددت الروايات في صيغة الاسم وفي نسبه وفي تاريخه .

فهل المدية من LAMBDIA القرية الرومانية التي سبقت في نفس المكان ، مدينة المدية ؟

وهل هي كلمة بربرية كما زعم بعضهم وقال أن معناها "العلو" ، و"الأرض المرتفعة" ؟

وهل رواية بن خلدون (كتاب العبر ج 7) هي الصحيحة وقد قال في حديثه عن النعمان بن يغمراسن الزياني (681-703هـ) :

"نهض عثمان بن يغمراسن إلى المدينة و بها أولاد عزيز من توجين (وهم بربر من زْنَاتَة) فنازلها وقام بدعوته فيها قبائل يعرفون بـ"لَمْدِيَّة" وإليهم تنسب."

وفي موضع آخر يقول بن خلدون : "لَمْديَّة ..هو اسم بطن من بطون صنهاجة وقد استولى محمد بن عبد القوي (أيام بني عبد الوادي) على حصن هذا البطن المسمى بأهله ونطق بعضهم بلمدونة والنسبة إليها لَمْدَاني "


2-تأسيس المدية:

متى كان ؟ من المؤسس الحقيقي لها ؟

لا نعرف شيئا عن ذلك بالضبط.

وأما رواية من قال أن بُلُكِين بن زيري هو الذي أسسها حوالي 250 هـ فغير صحيحة ، فقد وجدت المدية قبل العهد الزيري بكثير.

فعندما قال الشيخ سيد أحمد بن يوسف (ولد بالقلعة بني راشد بين 1468 و1475 / توفي سنة 931 هـ -1524 م ودفن بمليانة) : " المدية ، المهدية ، يدخلها الشر ويخرج منها العشية ، لو كانت امرأة ما نأخذ إلا هي " زعم البعض أن المهدية معناه أن البلدة قديمة عتيقة وأنها بنيت في مكان آخر ثم نقلتها الملائكة الى مكانها هذا . وقد أسس الرومان في عهد لا يذكرونه مدنا كثيرة بما كان يسمى Mauréranie Césarienne مثل (الجزائر المدينة Rusguniae ) و(تيبازا Tipassa ) و (تنس cartenae ) كما أسسوا مدنا أخرى بنوميديا شرق القطر ووسطه مثل (سور الغزلانThamarammaa Auzia ) قرب البرواقية و لمدية Lambdia .

وقال أبو عبيد البكري الأندلسي (من رجال القرن -5هـ- 11 م) في كتاب المسالك والممالك ((المدية ...بلد جليل قديم ))

وقال الحسن بن محمد الوزاني الفاسي الأسد الغرناطي Léon l’africain : ((إن الأفارقة القدماء بنوا هذه المدينة في حدود ما كان يعرف بنوميديا Nomédie .))

وقال مرمول Marmol (مؤرخ اسباني من القرن 16 ، عاش مدة في المغرب الأوسط فو جيوش النصارى ) أن المدية عتيقة قديمة أسست في سهل خصب جميل .

فيؤكد كل ما ذكرناه أن المدية سبقت بني زيري وأنها أقدم من أشير .


3-المدية في القرون الوسطى الى بني زيان:

أجمع الكتاب على أن زيري بن مناد (في أيام الخليفة الفاطمي الثاني أبو القاسم القائم (322-324 هـ /934-936م ) أسس أشير قرب حصن عرف فيما بعد بـمنزه بنت السلطان على جبل تيطري (ولعله الكاف الأخضر اليوم)

وكان تأسيس أشير حوالي 324هـ-935م .

وبنو زيري من صنهاجة ومن أعوان الفاطميين على الخوارج وامتدت دولتهم في القرن العاشر الميلادي (الرابع الهجري) من تيارت غربا إلى زاب شرقا ،وضعت مراكز مثل الجزائر ومليانة والمدية ، وفضّلهم الفاطميون على غيرهم لأنهم أقدر الناس على محاربة بدو الزناتة جيرانهم في الناحية الغربية ،ولما تسلم زيري بن مناد سنة 349هـ-960م حكم تيارت من يد الفاطميين ، أذن لابنه بولوغين (بلوكين) بتأسيس ثلاثة مراكز ((الجزائر ، مليانة ، المدية ما بين 350 هـ و360 هـ ))

وفي الواقع فإن بولوغين (بلوكين) لم يؤسس هذه المدن التي كانت موجودة من قبل بل أدخل عليها تعديلات واصلاحات وبنى بها وشيد .

يقول ابن خلدون في حديثه عن المدية في ذلك العهد "وكان المختط لها بولوغين (بولوكين) بن زيري "(كتاب العبر ج 7 )

حتى إذا كان القرن الخامس الهجر الحادي عشر الميلادي احتل الثعالبة (وهم بطن من المعقل ) الناحية بين التيطري والمدية كما حكم أبو الفتوح بن حنوش أمير سنجاس نواحي المدية في نفس القرن.

4- المدية في عهد بني زيان أصحاب تلمسان :

قال ابن خلدون في الخبر عن أبي يحيى يغمراسن بن زيان (مؤسس هذه الدولة بتلمسان) مع مغراوة وبني توجين ((وهم زناتة منتقلون دفعهم التيار نحو المغرب وأصبحوا في القرن السابع الهجير أي الثالث عشر الميلادي ما بين الونشريس والسرسو والمدية ولهم قلعة بني سلامة التي أوت ابن خلدون ))وعندما انتشر عهد الخلافة (خلافة الموحدين بمراكش حوالي 646 -1248م ) وكثر الثوار والخوارج بالجهات ..تغلب بنو عبد الواد على نواحي تلمسان الى وادي "صا" وتغلب بنو توجين على ما بين الصحراء والتل من بلدة المدية الى جبل الونشريس....))

وبادر ملوك تلمسان بالاستيلاء على المدية بما لها من أهمية استراتيجية –إذ هي في طريق الجنوب وفي طريق الشرق الجزائري - . فتغلب بنو عبد الواد على عامة أوطان بني توجين وكانت حالتهم مع هؤلاء تختلف بين الحرب والسلم ولما استولى محمد بن عبد القوي عل المدية وعلى ضواحيها أنزل بها أولاد عزيز بن يعقوب من حشمه وجعلها لهم موطنا وولاية . وجاء في خبر سعيد عثمان (681-703هـ/ 1282-1303 م ) مع مغراوة وبني توجين مايلي :

لما عقد عثمان بن يغمراسن السلم مع يعقوب بن عبد الحق المريني صرف وجهه إلى الأعمال الشرقية من بلاد بني توجين ومغراوة (من زناتة) فصارت بلاد بني توجين كلها من عمله ..ثم نهض بعدها الى المدية (سنة 688) وبها أولاد عزيز (من توجين) فنازلها وقام بدعوته فيها قبائل يعرفون بلمْدِيَّة وإليهم تنسب المدية غدروا-حسب قول ابن خلدون –بأولاد عزيز ومكنوا السلطان الزياني من البلدة ، فقام يحيى بن عطية كبير بني تغرين ومال الى السلطان المريني المناهظ لبني زيان وبايع يوسف بن عبد الحق ورغبه في ملك الونشريس ثم عاد الى بلاد بني توجين فشردهم عنها وانتهى الى المدية فافتتحها واختط قصبتها وبعد مدة بعث أهل المدية بطاعتهم للسلطان عثمان بن يغمراسن فتقبلها منهم وأوعز ببناء قصبتها .......ابن خلدون

ولما توفي أبو سعيد هذا خلفه ابنه أو زيان 703هـ- 1304م فتغلب على المدية ، وانتهى الى جبل حصين بن زغبة في جبل التيطري ، ثم اجلبوا على المدية ، وملكها أبو زيان ، وعاد حصين وامتلك نواحيها وامتنع عليهم مصرها ، ولما هلك أبو زيان 1308م-707هـ ، قام أخوه أبو حمو وأراد أن يقسم أعماله بين أولاده فعين المنتصر على مليانة ونواحيها وأبا زيان على المدية وما إليها من بلاد حصين وعندما رجع السلطان المريني أبو الحسن من تونس ونزل بالجزائر وأراد أن يحارب بني زيان ، انظمت إليه قبائل من المغرب الأوسط مثل الثعالبة وصاحب الونشريس (وهو نصر بن عمر بن عثمان) وسويد وزناتة ، وانظم لأبي ثابت الزياني مغراوة .

فأخذ أبو ثابت على منداس وخرج على السرسو ولحق به مدد السلطان أبي عنان المريني (الخارج على أبيه) فشرد الزياني أثار الأعراب ولحق أحياء حصين بجبل التيطري ثم عطف على المدية ففتحها وعقد عليها لعمران بن موسى الجلولي وخلع السلطان المريني أبي عنان (أباه أبا الحسن ) وزحف الى تلمسان وحاصرها سنة 732-1332 فهزم ملكها وأباد بني عبد الواد ونزل المدية ثم أطل على بجاية (ابن خلدون)

ودب الضعف في دولة تلمسان وأصبح ملوكها في أواخر القرن 15 م لا يستطيعون قمع الفتن ولا منع الأعراب من غزو اعمالهم .فانفصلت المدية عنهم ومالت الى أمير تنس –وأمير تنس من الزيانيين استقر بعيدا عن تلمسان-

وكان أمير تنس أقدر من ملوك تلمسان على حماية المدية لأنه أقرب إليها وبيده ما ليس بيد ابن عمه هناك...

وهذه المدة مطلع السادس عشر ، زار المدية الرحالة الشهير "الحسن بن محمد الوزاني الفاسي " والمعروف عند الغربيين ب Léon l’africain فقد أعجب بالمدية وبموقعها وبأهلها : "فالمدية مبنية في سهل جميل خصب تسقيه أنهار كثيرة وأهلها أغنياء يسكنون دورا جميلة ، وقد استقبلوني بحفاوة وإكرام كأنني أمير المدينة ...وإذا زارهم أجنبي ذو علم ومعرفة فإنهم يعظمونه ويبجلونه ويبقونه عندهم لفصل ما بينهم من القضايا ويعلمون بقوله ويصوبون رأيه ...وأقمت عندهم شهرين..."

5-المدية في العهد التركي (1516 الى 1830):

ما هو سبب دخول الأتراك الى المغرب الأوسط ؟

في القرن السادس عشر ، عندما عمت الفوضى في المغرب ودب الضعف في الدول القائمة (بنو حفص في تونس، بنو عبد الواد في تلمسان ، وبنو مرين في فاس) عزم الاسبان على ضرب الاسلام في دياره بعد اخراجه من آخر مصر من الأندلس سنة 1492 بسقوط غرناطة ، فاحتل النصارى المرسى الكبير 1505 ووهران 1509 وبجاية 1510 فضاقت حالة المسلمين لا سيما بمدينة الجزائر فاستدعى شيخها "سالم التومي " وأعيانها الأخوين "عروج" و"خير الدين" لاعانتهم على الاسبان ، وقد اشتهر الأخوان في تونس بالحزم والاقدام والجرءة في البحر وانقاذ المسلمين .

فجاء عروج الى الجزائر وانتصب ملكا على المدينة وانطلق في بسط نفوذه داخل البلاد . واحتل عروج المدية بعد انهزام أمير تنس "حماد بن عبيد" بالمتيجة حوالي 1517 ، ثم ترك بالمدية حامية مؤلفة من الأتراك وبعض الأندلسيين وعاد الى الجزائر.

وخلفه أخوه 1518 وألحق الإيالة بالمملكة العثمانية فزوده السلطان العثماني بالمدد فعزز خير الدين المراكز الهامة في البلاد بتأسيس قواعد عسكرية تسمى (التوبة) وبعد ذلك فكر الأتراك في إدارة هذه البلاد فقسموها الى بايلكات :

1 دار السلطان (تقريبا عمالة الجزائر اليوم ودلس)

2 بايلك الغرب وعاصمته مازونة ثم معسكر ثم وهران

3 بايلك الشرق وعاصمته قسنطينة

4 بايلك الجنوب وعاصمته المدية

وكان هذا أصغر الثلاثة ، وقد أدخلت عليه تنظيمات عديدة ما بين 1518 و 1775

وقد نظمه للمرة الأولى حسن بن خير الدين (الذي عين على رأس الإيالة مرارا بين 1526 و1567 ) وأصبح هذا البايلك يسمى بايلك التطري ، متى ؟ فإننا لا نعرف التاريخ بالضبط .

ولكن بيّن مرسوم في سنة 1548م/955هـ بمقتضاه يعفى الباي رجب الشرفاء من دفع الغرامة والضرائب وكان باي التيطري ، في أول الأمر يقيم تارة بالمدية وتارة ببرج سِبَاو حيث توجد للقادة الأتراك مزارع وبساتين بوادي إيسير Isser .

وكانت قبائل وادي سيباوو الى 1775 تابعة لبايلك التطري .

وعين على رأس هذا البايلك – بين 1516 و1775- حوالي 18 بايا نذكر منهم :


رجب: 1548

شعبان: 1633

فرحات: 1663

عصمان: 1763

سفطة: 1775

ولم يتركوا في ميدان من الميادين ما يذكرون به ، واشتهر من بين هؤلاء الباي عصمان الثاني والباي سفطة.

فأما عصمان فإنه عين على التيطري سنة 1763 واشترى مزارع عرفت فيما بعد ببلاد سيدون عند أولاد حسن بن علي كما عرفت بحَوْش عصمان ، وبنى مخازن ومستودعات واصطبلات ومنه كانت تنطلق الغارات على النواحي الجنوبية.

وكان عصمان يغزو القبائل حتى وقع يوما في قبضة أولاد سيدي أحمد (وهم فرع من أولاد نايل) فقتلوه ، بجنوب زاغر توجد الى يومنا كدية تعرف بكدية الباي .

وامتنع من خلفه من غزو قبائل الجنوب الى أن عين الباي سفطة فحاول تجديد الغارات على أولاد نايل فلقي حتفه أثناء معركة . وحدث في سنة 1775 تعديل على إدارة بايلك التيطري فبعد 227 سنة من الحكم التركي بقيت مشاكل هامة بدون حل :

*خروج قبائل سيباو عن الطاعة بصفة مستمرة .

*ثورات قبائل الجنوب غير المنقطعة.

*فشل الغارات على الجنوب.

*انسحاب عدد من القبائل التي أعلنت استقلالها.

فأعاد الأتراك النظر في نظام البايلك الإداري وكونت بلاد القبائل بين أيسر وخنشلة قيادة caidat يحكمها آغا الجزائر ، بعد أعوام جرد بايلك التطري من ناحية طابلات و البويرة ، وأصبح مقر باي التطري واحدا هو المدية ، كما أصبح للبايلك حدود معينة :

1- في الشمال قبيلة مزايا وبني صالح فوق البليدة وبني مسعود .

2- وفي الشرق قبيلة بني سليمان وعريب .

3- وفي الغرب قبيلة جندل وأولاد خليفة .

وقسم البايلك الى أوطان لحل القبيلة ...يحكم بعضها آغا العرب مثل( مزليبيا وعريب) وبعضها الآخر خوجة الخيل وهو عضو الديوان ومسؤول مالي (مثل زناخة وعبادلية) وأولاد سيدي عمر وأولاد سيدي موسى وتسمى هذه القبائل العزل تدفع جميع أنواع الضرائب وتقوم بجميع الخدمات لفائدة الباي أو الداي.

وكان على المدية حاكم تركي يعينه داي الجزائر (وكان هذا الأخير يخشى سلطة باي التطري (والمدية قريبة من الجزائر) .

وتمتد سلطة هذا الحاكم الى ضواحي المدينة .

وما بقي قسّم الى تل أعلى وتل أسفل أو تل جوبي ، وكان الأول يضم قبائل بني حسن :

حسن بن علي ، بني يعقوب ، وزرة ، عوامري ، ريغة ، هوارة .

وهذه القبائل مستقرة تتعاطى الفلاحة .

والثاني يضم قبائل الجنوب المتنقلة في بعض الفصول الخاضعة لشيوخها المحليين :

دواير ، تطري ، أولاد حمزة .

أما "قايدة ديرة" فهي منطقة خاصة بشرقي البايلك ، مركزها سور الغزلان حيث كانت توجد حامية تركية ويضم قايدة ديرة :

أولاد عبد الله ، أولاد بركة ، أولاد دْريس .

وأخيرا كان جنوب البايلك يضم قبائل من الرحالة : زيانة ، عبادلية ، أولاد نايل ، أولاد سيدي عيسى .

وأسس الأتراك قايدة أولاد المختار في الجنوب حتي يكون حاجزا بيهم زبين البدو، ويمنع هؤلاء من غزو الشمال وعين الدو مصطفى بن سليمان أوزناجي (من 1775 إلى 1794) ومطماطة وجندل وبعض قبائل شلف .

وتقدمت نحو المدية لطرد الأتراك منها ، فتصدى لهم الباي بقومه وشرد جمعهم وجيء بزعمائهم فقتلوا وعلقت رؤوسهم على أسوار المدينة .

وبعد درقاوة تزعم التيجانية حركة محاربة الحكم التركي وحاول الباي حسن (1801) الاستيلاء على عين ماضي ، ولم يستطع وكرر الحملة على التيجانية سنة 1818 ، واقد انتصر دعاية التيجانية وكان آخر باي التطري هو مصطفى بومزراق 1819-1830 ، وكان قبل تعيينه خليفة للباي ، فغزا أولاد المختار بالجنوب وأولاد أفرج وأولاد شعيب . ويقال انه بنى جامع مزاري .

وكان ضابطا ماهرا وقد شارك في واقعة اسطاوالي staoueli ، وبعد الهزيمة عاد الى المدينة ، إلا أنه وجد الوضع قد تغير والأهالي قد ثاروا فنهبت البرواقية وبادرت وزرة بالإستيلاء على خيل الباي وبغال الموجودة بجنان الباي فانسحب بومزراق من المدية مدة ثم عاد إليها ثم غادرها والتحق بالاسكندرية وبها توفي

6-المدية بعد 1830 :

كانت المدن الجزائرية منذ القرن 18م في انحطاط مستمر ، فقدت نشاطها وحضارتها وخلت من عدد كبير من سكانها ، فالجزائر مثلا كانت من أعظم الأمصار في القرن 17 (100000) نسمة ولم يبق فيها إلا 30 ألف نسمة حوالي سنة 1830م ، وافتقرت وهران واقفرت من أهلها وأصبح هؤلاء 900 ن . وكذلك شأن تلمسان منذ استيلاء الأتراك عليها (155) ، أما المدية فإنها مع قلة عدد سكانها (يتراوحون بين 400 و500 ن) فقد حافظت على أهميتها وعلى دورها السياسي والإقتصادي ، فهي عاصمة بايلك التطري ، وهي قاعدة عدد كبير من الأتراك والكلغان ، وهي في طريق تجاري بين الجنوب والشمال .

الحملة الفرنسية الأولى على المدية :

من نتائج ثورة جوليت 1830 في فرنسا أن جيشها هنا أصبح يشعر بعدم مبالاة القادة والساسة بشؤونه وأصبح الجزائريون بعد سقوط شارل العاشر (charles X) يتوقعون انسحاب الفرنسيين من أرضهم ، وتساءل الجنود ما فائدة احتلال الجزائر العاصمة وحدها .

وعين كلوزيل clauzel في سبتمبر 1830 إلى فيفري 1831م ، فكانت سياسته ترمي إلى أهداف ثلاثة :

*بقاء الفرنسيين في الجزائر العاصمة.

*إنشاء إدارة فرنسية للأماكن المحتلة.

*التوغل داخل البلاد حتى يكون للمعمرين قواعد ثابتة لا ينازعهم فيها أحد ، لاسيما وأن الرأي العام الجزائري بدأ يميل ألى المقاومة مثلا :

استمال بومزراق الأتراك ،وهاجم ابنه القوافل الفرنسية عدة مرات.

وهاهو بن مزمون قائد فليسة يعلن عن عدم رضوخه للفرنسيين.

فقرر كلوزيل clauzel حملة على المدية (التي هي في نفس الوقت حملة استطلاع) ، لماذا ؟ ليتخلى المسلمون عن كل أمل في انسحاب فرنسا من الجزائر ولرفع معنوية الجيوش ولمعاقبة باي المدية الذي كان في نظرهم رمز المقاومة ، وأخيرا لأن المدية تحكم مع البرواقية طريق الجنوب ،فخرج الفرنسيس من الجزائر في 17/11/1830 في 10000 جندي ودخلوا البليدة ونهبوها نهبا وكانت المقاومة شديدة ، ثم استولوا على ثنية مُزايا Mouzai ثم دخلوا المدية في 22/11/1830 فعزلوا بومزراق وعينوا بايا آخر هو مصطفى بن الحاج عمر ، ثم عادوا إلى الجزائر .

وكان سلطان المغرب مولاي عبد الرحمان قد احتل تلمسان وجعل على رأسها مولاي علي ،إلا أن الأهالي ثاروا على السلطان وطردوا ممثله فبعث مولاي عبد الرحمان قائدين للدوائر كانا معتقلين بفاس فجمعا جيوشا ونصبا ممثلين للسلطان العلوي ، أحدهما في مليانة والآخر في المدية ، ولم يطل نفوذ السلطان هنا وعاد برتوزين Berthezene إلى المدية ودخلها في 29 جوان 1831م.


عهد الأمير عبد القادر:

كان الأمير بعد تأهبه للمعركة (بعد 1834) يفكر في ضرورة توسيع دولته من الناحية الشرقية بضم التطري والمدية وبالاستيلاء على مليانة حتى يتمكن من محاربة الأجانب .

ففي 1835 دخل مليانة ونصب أخاه الحاج محي الدين الصغير على رأسها ثم فكر في المدية وكان عالما بأهميتها الجغرافية والاستراتيجية (هي في طريق الجزائر والجنوب وهي قاعدة ستنطلق منها غارات على النواحي الشرقية ، وهي حصن يحمي الناحية الغربية) .وكانت نواحي المدية خاضعة لنفوذ ولي من أولياء درقاوة هو :

الحاج موسى الدرقاوي : الذي أعلن الجهاد على النصارى فقدم الى المدية في أفريل 1835 وطلب من سكانها أن يسلموا له يهود المدية وأباضييها فامتنع السكان ، ثم صالحوا هذا الشيخ وسمحوا له بدخول المدية ومنها انطلق على حماره لقتال الفرنسيس (فسمي "بوحمار") ولم يرض الأمير بغيره ليتزعم الجهاد ، ونزل عبد القادر من مليانة في 20 أفريل 1835م واصطدم بالحاج موسى في حوش عمورة على 12 كيلومتر من لربعة بني جندل ، وانهزم الحاج موسى فمكنه هذا النصر من فتح المدية وعين خليفة له بها :محمد بن عيسى البركاني ، وأعدم أنصار الحاج موسى ثم عاد إلى معسكر ، وقبل مغادرته المدية استقبل الأمير مبعوثا فرنسيا وهو القبطان Capitaine St Hippolyte الذي جاء ليهنئه ويسلمه بعض الهدايا .

وتعكر الجو بينه وبين الفرنسيس فكان الأمير يغزو القبائل المبايعة لفرنسا وكان كلوزيل clauzel يغزو القبائل المناصرة لعبد القادر وهكذا عاد كلوزيل مرة أخرى إلى المدية في مارس 1836 ليفرض على السكان الباي "محمد بن حسين" الذي عينته السلطة الفرنسية ، فكان رد فعل الأمي سريعا فهاجم أنصاره المدية واستولوا على المدينة وبعثوا الباي إلى وجدة حيث قتل ، لكن في 7 أفريل 1836 دخل دي ميشال Desmichelas المدية من جديد .

وتطور الوضع شيئا فشيئا وعاد الأمير إلى وادي شلف سنة 1837 ، ثم إلى المدية وألقى القبض على 80 من الكرغلان ، وبعث بهم إلى مليانة ، وفي أثناء إقامته بالمدية ، استقبل الأمير أعيان البليدة ثم نصب بعد ذلك أخاه "الحاج مصطفى" خليفة له على المدية .

ثم زحف أول ديسمبر 1837 إلى أولاد المختار جنوب المدية ، وكان يوجد بهم رجل يدعى "الحاج عبد الله " أتى من المغرب الأقصى وتنبأ وادعى أنه المهدي ، فوقع هذا في قبضة الأمير ، فبعثه إلى سلطان المغرب الذي كان في طلبه ، ولكن خصوم الأمير مثل الدواير والعبيد وناخة وأولاد نايل وأولاد المختار ، لا زالوا يتربصون الفرص واضطر الأمير إلى غزو زناجة جنوب بوغار مدو 3 أيام حتى النصر ، وفي المدية توجه الأمير لمحاربة الزواتنة وهم كرغلان نزلوا وادي الزيتون غرب يسر ثم عاد إلى المدية ، وبهذا استقبل مبعوث الوالي فالي valée لمباحثة موضوع معاهدة تافنة ، كما استقبل بها "الحاج عيسى الأغواطي" فعينه خليفة على الأغواط ، وكان كلاهما ضد زاوية التيجانيّة عين ماضي ، قبل نهوضه لمحاربة الشيخ التيجاني ، بعث الأمير كرغلان المدية إلى تاقدمت وكان بتوقع فيهم الميل إلى فرنسا ، وفي طريقه إلى عين ماضي ، اختط حصن تازا في الجنوب الغربي للمدية .

وعندما دخلت حكومة الامير في عصرها الذهبي وبلغت سلطته أقصى ما عرفه ، قرر أن تكون المدية مقر الخليفة ، وعين "البَرْكاني" فيها ، وأصبحت المدية مع تلمسان ومعسكر ومليانة ، عبارة عن جبهة تساير الساحل ، وتقف في وجه العدو . وفي نوفمبر 1839 رجع عبد القادر إلى المدية ليستأنف الحرب ، فكانت المدينة عاصمة دولته ، فتوجه إليها الأعيان والأنصار ، ونشبت الحرب ولعب خليفة مليانة (وهو بن علال ولد سيدي علي مبارك ) وخليفة المدية (وهو البَركاني) دورا هاما مثل تعطيل مواصلات العدو ، وقطع الماء على معسكر والبليدة .

الاحتلال الفرنسي للمدية :

قرر الوالي العام فالي valée احتلال المدية وليانة ، فدخل عاصمة التيطري في 17 ماي 1940 ، فوجدها خالية من أهلها الذين كانوا قد غادروها فعززها وحصنها ، وترك بها حامة بقيادة الجنرال "دو فيفي" Duvivier ، إلى أن قدم إليها "بوجو" Bugeaud في 1 أفريل 1841 ، ففر البَركاني إلى الجنوب بعد ما خانه أعوانه وفارقه جنوده (إلى ضواحي شرشال) وفي 1842 الدائرة العسكري بالمدية التي كلفت بالقبض على "زمالة الأمير " (تلك العاصمة المتنقلة في الجنوب) .

ثم كان دخول المعمرين إلى المدية وضواحيها ( في 1847 بلغ عددهم 2322 ن) وأصبحت المدية بعد 1850 تحت الحكم المدني ، فكان يتصرف بشؤونها مندوب مدني ، وبدأت الجاليات الزراعية تنزل بضواحي المدية كـ لودي lodi ودميات Damiette في جانفي 1853 ، وبسطت السلطات الفرنسية نفوذها شيئا فشيئا ، وهكذا قررت في جوان 1854 أن تكون المدية بلدية على رأسها شيخ منتخب ، كما قررت إحداث نيابة العمالة في 1858 ، واستمر عهد الاحتلال .

هذا هو تاريخ المدية إلى منتصف القرن 19م ، تاريخ ثغر ممتاز من ثغور المغرب ، لأنه في قلب المغرب الأوسط ، وفي الطريق بين الشمال والجنوب ، وفي الحدود بين أهل الحضر وأهل الوبر ، وفي ناحية خصبة فلا عجب إذا كان الصراع من أجل ضمها عنيفا ، وتاريخها كله من أجل هذا الغاية ....


مصادر ومراجع :

العربية :

عبد الرحمان بن خلدون : كتاب العبر ج 7

يحيى بن خلدون : بغية الرواد

أبو عبد الله البكري: كتاب المسالك

Leon L’Africain :Description de l’afrique ..tome III

MARMOL : l’afrique tome II page 411

FOURNEL : la Conquête de l’Afrique par les Arabes tome II

REVUE AFRICAINE : Notice sur l’histoire et l’administration du Beylin du Titteri (par Federman et au Capitaine) 1865 et 1867 le Bey Mohamed Ad-Dabbah 1873

P.BOYER : Evolution de l’Algérie Mé-diane de 1830 à 1956 .(1960)

ISMAIL URBAIN : Notice sur l’ancienne province du Titterie

JOURNALE ASIATIQUE : XIII Série pp : 111-112

E.L : Art Médéa (G.Yver) Tome III page 449-500

H GUYON :Le département du Titterie ; son passé ; son histoire.

L.Cortès :Monographie de la Commune de Bédéa .Alger 1909

(brochure)

Aucun commentaire: