mercredi 26 octobre 2022



العلامة محمد بن أبي شنب أول دكتور جزائري في الوطن العربي عضو مجمع اللغة العربية بدمشق
لما كان لهذه الأمة مكانة علية ومنزلة رفيعة قيض الله لها رجالاً نقاداً حفاظاً فقهاء ورعين متيقظين حفظوا تراث الأمة من التلوث بضلال المضلين وتولوا حمايتها من أهل البدع والأهواء والزندقة، فكان العالم الدكتور محمد بن أبي شنب الذي أبى إلا أن يتصدى للهدامين العابثين أعداء الأمة العربية والإسلامية في حاضرها ومستقبلها. فمن هو هذا العالم الجليل؟
نسبه:
هو محمد بن العربي أبي شنب([2]) ولد عام 1869م في مدينة المدية بناحية (تاكبو عين الذهب) والمدية بلدة مشهورة من أعمال الجزائر تبعد عن العاصمة حوالي 88 كلم وتعلو عن سطح البحر نحو 920 متراً وكان والده من أهل اليسار وأعيان الزارعين مشغلاً بأراضيه وأملاكه الخاصة.
وكان جده لأبيه من رجال الجندية أيام الدولة العثمانية بالجزائر ثم تقاعد في أواخر حياته إلى أن توفي يوم هجوم الأمير عبد القادر على المدية حوالي سنة 1840م ودفن بعيداً عن بلده على ضفة نهر الشلف وترك ولده العربي غلاماً قد ناهز 14 سنة. وإن من المعروف عن تاريخ أجداده أنه كان منهم بعض القواد بالجيش المصري، وهم يعودون في المنشأ والجنس لأتراك بلدة بروسة من إيالة الأناضول وقد اشتهروا فيها بالشرف العظيم والمجد المؤثل، ولولا نكبة الحريق التي أنتجتها حروب الأمير عبد القادر في وجه الاستعمار بضواحي المدية لأتانا عن تاريخ هذه الأسرة وعن غيرها من الأسر بالمدية شيء كثير.
ويرجع تاريخ انتقال هذه الأسرة للجزائر إلى أوائل القرن الثامن عشر عندما كان على رأس هذه العائلة آنذاك جده محمد المذكور وكانت أمه من عائلة شريفة المنصب عالية الكعب ابنة باش تازي أحمد طبيجي قائد عرش بلدة (ريغة) ما بين (المدية) و(مليانة) وقد تولى هذا الأخير القيادة أيام قيام دولة الأتراك على البر الجزائري إلى أن ظهر الأمير عبد القادر فالتحق بحاشيته ومكث (ببلاطة) إلى أن مات رحمه الله.
نشأته وعلمه:
نشأ محمد بن أبي شنب في حجر والديه موقراً مقدماً على إخوانه وأقرانه معتنى به من قبل أهله وذويه وذلك لما كان من الكياسة والاستقامة في الرأي وقد روي أنه لم يعلم أو يتذكر أحد أنه أغضب أهله يوماً قط ولما بلغ سن التميز ألحقه والده مع شقيقه أحمد بالمكتب القرآني فأخذ القرآن عن شيخه أحمد بأرماق ثم اشتغل بعد ذلك بالدرس وتعلم اللغة الفرنسية بالمكتب الابتدائي بالمدية إلى أن حصل على شهادته فارتقى منه إلى (الكوليج) college المدرسة الثانوية فقرأ بما شاء الله أن يقرأ حتى تشبع بالمعلومات فتخرج فيها متحصلاً مبادئ حسنة من علم الجغرافية والتاريخ واللغة والحكمة والحساب والطبيعيات وغيرها وبمدارسة هذه العلوم تربت في نفسه ملكة الذوق العلمي فاشتاقت روحه إلى الاستزادة من العلم والتمكن منه.
رحلته في طلب العلم:
سافر الشيخ منفرداً بنفسه من (المدية) إلى العاصمة وذلك في عام 1886م فالتحق وسلك في مسلك طلبة المدرسة العادية (Lècole normale) ثم مدرسة المعلمين بأبي زريعة من أرباض الجزائر ثم عمل على المطالعة وكان لا يتخلف عن الدروس مع ما رافق ذلك من حسن السيرة وسلامة القلب إلى أن أتقن كل ما درسه في سائر الأقسام وطبقاتها، فتخرج أستاذاً في اللغة الفرنسية مجازاً بإجازاتها في المعلومات العامة، وأوجب برنامج الدراسة آنذاك على الطالب المتخرج من إتقان واحدة من الصناعات الاختيارية فاختار العلامة تعلم صناعة النجارة.
كان بارعاً في الرسم والتصوير وعلى الخصوص في رسم الآلات والأدوات الصناعية، ولقد قضى مدة لا تزيد عن سنتين في تلك المدرسة فقط حيث تخرج في شهر تموز (juilliet) سنة 1888م وكان قد بلغ من العمر فقط 19 عاماً.
اجتهاده ومناصبه:
عين معلماً بالمكتب الرسمي في قرية سيدي علي قرب المدية تعرف باسم وامري وجندل فدرس وعلم فيها أربع سنين إلى سنة 1892م ثم عينته الدولة بمكتب الشيخ إبراهيم فاتح الرسمي بالجزائر فانتقل إليه وسكن فيه وهو مع معاناته لأتعاب لتعليم لم يأل جهداً في جمع المعارف وتحصيلها حيث التحق بالمدرسة العليا (iycèe) لتعلم اللغة الإيطالية ودرس علوم البلاغة والمنطق والتوحيد وعلم الكلام على يد الأستاذ الشيخ عبد الحليم بن سمانة وكثيراً ما كان يرجع هو إليه فيها ويقول الشيخ عبد الحليم: ما علمت في حياتي كلها أحد يرجع إلى تلميذه غيري وإني لمعترف له بالفضل والنبوغ.
وباجتهاده وكده تمكن العلامة من حفظ اللغة العربية وآدابها ودقائقها العلمية الأصولية وأخذها أخذا محكماً وله اليد العليا في أخبار العرب وشعرائهم وتراجم رجالهم وأنسابهم ومعرفة طبقاتهم.
وعندما آنس من نفسه الكفاءة التامة تقدم للامتحان بالجامعة الجزائرية الفرنسية فأحرز شهادة في اللغةUGM أيdipiôme darabe وذلك يوم 19 حزيران 1894 وفي هذه السنة نفسها ناب عن الشيخ أبي القاسم سديرة في دروسه العربية بالجامعة فمكث في هذه النيابة عاماً كاملاً مع المباشرة بمكتب الشيخ إبراهيم الفاتح وفي سنة 1896م دخل سلك طلبة البكالوريا فحصل على شهادتها الأولى واقبل على القسم الثاني فشرع في تحضير دروس الفلسفة والمنطق، ولما تهيأ لدخول الامتحان النهائي أصابه الجدري فتخلف عن حضوره وقعد به المرض عن غرضه السامي، ولما شفي ولى وجهه نحو دروس اللغة الإسبانية والألمانية واللاتينية فبرز فيها ولازم أستاذه فأخذ عنه الفارسية ولغة أجداده وأسلافه التركية وتعرف أيضاً على حبر يهودي أخذ عنه العبرانية وبفضل اجتهاده في تحصيل هذه اللغات صار يتقنها مع موافقة اللهجة وحسن التأدية حتى كان الكثير ممن لا يعرفونه يعتقد عندما يسمعه يتكلم بإحدى هذه اللغات أنه من صميم أبنائها وأما اللغة الإنكليزية فكان له رأي فيها وذلك لباعث نفسي وعامل روحي ناتج عن عاطفة له هناك.
وفي 8 أيار 1898م عينته الأكاديمية أستاذاً بالمدرسة الكتابية في مدينة قسنطينة خلفا عن شيخها الأستاذ عبد القادر المجاري عندما انتقل إلى المدرسة الثعالبية بالجزائر، فدرس بها النحو والصرف وعلوم الأدب والفقه وبقي قائماً بكل ما أنيط به من مسؤوليات إلى يوم 19 جانفي 1901م حيث عين مدرسا بالمدرسة الثعالبية بالعاصمة في مقام الشيخ عبد الرزاق الأشرف حيث درس بها اللغة والنحو والصرف والمنطق والعروض والبيان وغيرها.
وبعد عامين حنت نفسه لمن يشاركها الحياة ويقاسمها الآلام واللذات واطمأن للزواج فتزوج بكريمة الشيخ قدور بن محمود بن مصطفى الإمام الثاني بالجامع الكبير ويعرفون بآل الكاتب وكان زفاف الأستاذ يوم 15 نوفمبر 1903م ثم بعد أن جاوز 4 سنين رزقه الله بخمسة أولاد ذكور وأربع إناث بكرهم الأستاذ المرحوم سعد الدين وإنه لغرس طيب من غرس والده وسهم صائب من كنانته كان قد اشتغل مدرساً بالمدرسة الثانوية (college) بالمدية ثم عميداً لكلية الآداب الجزائرية.
ثم في يوم 7 ديسمبر الذي هو الشهر الأول لزواجه أضيفت للشيخ ابن أبي شنب دروس أخرى يلقيها بالجامعة في علم العروض وترجمة المراسيم الشرعية والبحث في اللهجة المحكية (الدارجة) والمقارنة والتنظير بينها وبين الفصحى هذا علاوة على ما كان يلقيه من الدروس بالثعالبية، فاجتهد الشيخ في أدائه لواجبه بالمدرستين معاً ولكن في حوالي سنة 1908م أسندت إليه دراسة صحيح الإمام البخاري ورواية "الحضور" بجامع سفير بالعاصمة وفي السنة نفسها ارتقى إلى رتبة محاضر: (mâtre de confèreces) بالجامعة فعمر في هذه الرتبة وقام بها على افضل وجه حتى طار صيته في الآفاق وشهدت بفضله الأعلام وتقاطرت عليه المكتبات وكبار العلماء والرؤساء ومشاهير الكتاب والأدباء وهم في كتاباتهم ما بين شاكر ومادح ومعجب ومسترشد ولقد استعان به الكثير من عشاق العلم والتأليف.
وكان من أشهر مراسليه العلامة أحمد تيمور باشا من مصر وأعضاء المجتمع العلمي العرب بدمشق ومنهم الرئيس محمد كرد علي([3]) وعلامة تونس حسن حسني عبد الوهاب وعلماء مستشرقون منهم: كويدرة m.godera وميقول اسين بلاسيوس .Miguel asin palacios والمستشرق أفينوقريفي m.agriffth وكراتشوفسكي m.kratchowski من علماء أوروبا والغرب الأقصى وغيرهم.
وفي سنة 1920م انتخبه المجمع العلمي العربي بدمشق عضواً به وكتب في المجلة العلمية بحوثه اللغوية والتاريخية والأدبية، وفي العام نفسه تقدم لنيل شهادة الدكتوراه بتأليف كتابين جليلين في موضوعيهما:
الأول: دراسة لغوية عن الشاعر العباسي أبو دلامة
والثاني: دراسة بحث فيها عن الألفاظ التركية والفارسية المستعملة في لغة أهل الجزائر.
فنال درجة الدكتوراه في الآداب بدرجة ممتازة وكان مبرزاً في علوم اللغة والآداب لكثرة ما قرأ ودرس من هذه العلوم، وقد منحته في العام نفسه الحكومة الفرنسية وسام جوقة الشرف (chevalier).
وفي سنة 1924 عين أستاذاً رسمياً في كلية الآداب الكبرى بالعاصمة عوضاً عن كولان m.colin وترك المدرسة الثعالبية بعدما قضى فيها معلماً ومرشداً ناصحاً مدة 23 سنة.
وقد اختلفت طريقته في التدريس فكن يغلب عليها التشويق في اللغة العربيّه فيستعذبونها في نفوسهم ولا يفرغون من الدرس إلا ونفوسهم متأثرة ومملوءة بالإعجاب بكنوز العرب وأمجادهم المختلفة، واصبح الذي يسخط على العرب ولغتهم من أعجب الناس بهم وأشد دفاعاً عن هذه اللغة العزيزة. وفي العام نفسه انتخبه المجمع العلمي الاستعماري بباريس عضوا عاملاً به acadèmie science colonial paris فأصبح محسوداً عند الآخرين فناصبه بعضهم العداء وحملوا في قلوبهم حقداً كبيراً عليه، ولكن هذا كله لم يؤثر في عطاء العلامة واشتغاله وكان لا يهزه مدح مادح ولا قدح قادح، ومع جده وتفانيه في عمله فقد تم انتخابه من قبل مجلس إدارة الجمعية التاريخية الفرنسية كاتباً عاماً بها.
انتدابه للمؤتمرات العلمية: أوفدته الحكومة رئيساً للجنة امتحانات البكالوريا التي أقيمت بتونس وانتدب لتمثيل الحكومة في مؤتمر المباحث العليا المغربية الذي عقد بالرباط أفريل 1928م فذهب بصحبة عميد كلية الآداب آنذاك الأستاذ م. مارتينو m.martino فالتقى هناك عدداً من علماء أهل المغرب والوافدين إليها أمثال: الوزير محمد المقري والسيد أحمد الرهوني وزير عدلية المنطقة الإسبانية والسيد محمد الحجوي نائب وزير العلوم والمعارف والسيد ح. عبد الوهاب نائب المملكة التونسية والشيخ عبد الحي الكتاني وطائفة من المتشرقين منهم: ليفي بروفانصال m.levy-provencal وغيرهم الكثير، قدم في هذا المؤتمر بحثاً ظريفاً كتبه بالفرنسية عن العلامة ابن القنفد القسنطيني وكتابه: "الفارسية في مبادئ الدولة الحفصية" فازدادوا بالشيخ إعجاباً كما دعي لإلقاء محاضرة ثانية باللغة العربية فكانت تحت عنوان: "رأي غريب في القرآن منسوب للجاحظ".
ثم مثل الحكومة في المؤتمر السابع عشر اللمستشرقين في مدينة أكسفورد oxford فالتقى عدداً من أساتذة السوربون lasorbonne وكان من جملة من لقيه هناك الأستاذ ماسي m.massè وقودفروا دونبين m.goedefroy dmombynes وغيرهم أمثال: محمد كرد علي مندوب الدولة السورية ورئيس المجمع العلمي العربي بدمشق والدكتور طه حسين مندوب الدولة المصرية والمستشرق مارقوليوث margoline و نالينيو nallino ليقدم بحثاً رائعاً وممتعاً في الأدب الأندلسي وتاريخه وجعل محور كلامه يدور حول شخصية وحياة وشعر أبي جعفر أحمد بن كاتبة الأندلسي.
مرضه ووفاته: عكف الشيخ في آخر حياته على دراسة شعر أبي العلاء المعري وتحليل أفكاره مع المقارنة بينه وبين مزاحميه من شعراء العرب والفرس والفرنجة مثل: دانته الياري dante alighieri الشاعر الإيطالي([4]) والإنجليزي جون ميلتون Milton ([5]) إلى أن أصيب بمرض أعيا الأطباء علاجه فأشاروا عله الدخول إلى مستشفى مصطفى باشا بالعاصمة ولكن لم يغن عنه شيئاً فلازمه المرض مدة شهر كامل ووافاه الأجل يوم الثلاثاء 5 فيفري 1929م ودفن في الغد الموافق 27 شعبان 1347هـ عن عمر يناهز الستين وكان يوم جنازته يوماً مشهوداً حضر فيه رئيس الجامعة العام ونائبه ومدير أمور الوطنين ونائب الوالي العام وأساتذة الكليات الأربع بملابسهم الرسمية وباقي مدرسي المدارس وعميد كلية الآداب وأعلام البلد وأعيانه.
أثاره ومؤلفاته:
بحث العلامة محمد بن أبي شنب كثيراً في غوامض وعويصات المسائل وصنف وأنتج جراء ذلك ما يزيد على 50 كتاباً في سائر العلوم المتداولة عند العرب والإفرنج والعادات والتقاليد وقد أحيا بعض التآليف بالنشر والتحقيق وبعضها بالتنقيح والتصحيح أو بالشرح والتعليق عليا. منها:
1. تحفة الأدب في ميزان أشعار العرب 1906 و 1928
2. شرح لمثلثات قطرب 1906.
3. أبو دلامة وشعره وهو أطروحته لنيل شهادة الدكتوراه التي حصل عليها سنة 1924م
4. الأمثال العامية الدارجة في الجزائر وتونس والمغرب 3 أجزاء 1907.
5. الألفاظ الطليانية الدخيلة في لغة عامة الجزائر (لا زال مخطوطاً)
6. فهرست الكتب المخطوطة في خزانة الجامع الأعظم بالجزائر 1909.
7. معجم بأسماء ما نشر في المغرب الأقصى (فاس) من الكتب ونقدها 1922.
8. خرائد العقود في فرائد القيود 1909.
وغيرها من الكتب والمؤلفات وقد حقق وصحح العديد من كتب التراث العربي منها:
1. البتسان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان لابن مريم التلمساني عام 1908 ([6])
2. عنوان الدراية فيمن عرف من علماء المائة السابعة في بجاية للغبريني 1910 ([7])
3. الذخيرة السنية في تاريخ الدولة المرينية 1920
4. الفارسية في مبادئ الدولة الحفصية
5. وصايا الملوك وأبناء الملوك من أولاد الملك قحطان بن هود النبي مع تعليقات عليه.
6. شرح ديوان عروة بن الورد لابن السكيت 1926
7. طبقات علماء أفريقية لأبي ذر الخشني([8]) مع ترجمة فرنسية 1915 ([9])
8. وكان من جملة ما قام به من الأعمال في هذا الحقل أيضاً أنه ترجم إلى الفرنسية رسالة للإمام الغزالي في رياضة الأولاد وتربيتهم نشرت بالمجلة الإفريقية larevue africaine سنة 1901م.
أدبه وشعره: كان الشيخ رحمه الله من النوابغ في الشعر لكنه سلك فيه مسلك العلماء وقد خاض في معظم فنونه ونكته ما عدا الهجاء فلم يهج أحداً، ومن ذلك قصيدة طويلة يستنهض بها أمته وبني جلدته للأخذ بيد العلم ورفض التخاذل:
أفيقوا بني عمي برُقْي المشارف
وجدوا وكدوا في اكتساب المعارف
فقد ذهب الأعلام والعلم بينكم
ولم يبق إلا كل غمر وخالف
خلت أربع العرفان واستوطن البلى
وغف غراب الجهل حقاً بشارف
فيا وحشتا من طالب ومدرس
ومنشد أشعار وراوي اللطائف
وقال يمدح بلده ومسقط رأسه "المدية":
للمدية فضل على كل بلدة
بصحة جو واعتدال هواء
وما هي إلا جنة قد تزخرفت
بفاكهة طابت وأعذب ماء
وقال مبتهلاً إلى الله عز وجل:
دعوت جليلاً عظيماً قديراً
سميعا عليما حليما خبيرا
وحيداً وليس كمثله شيء
رحيما وللمذنبين غفورا
ببابك ربي وقفت ذليلا
فكن لي إلهي معينا نصيرا
تراني وحيدا فريدا غريبا
ترى السقم أضوى عظامي كثيرا
ما قيل فيه:
شاهده العلامة محمد كرد علي في مؤتمر المستشرقين في أكسفورد وهو يلقي أحد بحوثه فقال: شهدته يخطب بالفرنسية في مؤتمر المستشرقين وهو في لباسه الوطني: عمامة صفراء ضخمة وزنار عريض وسراويل مسترسلة ومعطف من صنع بلاده فأخذت بسحر بيانه واتساعه في بحثه وظننتني أستمع عالماً من أكبر علماء فرنسا وأدبائها في روح عربي وثقافة إسلامية أو عالماً من علماء السلف جمع الله له بلاغة القلم وبلاغة اللسان ووفر له قسطاً من العلم والبصيرة وقد فطر على ذكاء وفضل غرام بالتحصيل وقيض له أن يجمع بين ثقافتين ينبغ ويفصح في كل لغة بمعانيها.
قال عنه الشيخ عبد الحميد بن باديس: لما عرفناه فقدناه
أما الشيخ البشير الإبراهيمي فقد قال عن محمد بن أبي شنب: فقدنا بفقده ركنا من أركان العلم الصحيح وعلما في أعلام التاريخ الصحيح.
أما أستاذه الشيخ عبد الحليم بن سمانة فقال عنه: ما علمت في حياتي كلها معلماً يرجع إلى تلميذه غيري وإني أعترف له بالفضل والنبوغ.
أما الأستاذ مارتينو([10]) فقد قال: إذا كان ابن أبي شنب قليل النظير في الجزائر فهو عديم المثال في فرنسا.
أما المستشرق الفرنسي ألفريد فقال: كان ابن أبي شنب مخلصاً لدينه ومتمسكاً بلباسه التقليدي ولكي لا يتنكر لتقاليده الإسلامية لم ير من واجبه أخذ الجنسية الفرنسية مما يجبره على التخلي على الشرائع الإسلامية وعن منزلته الشخصية([11]).
وفي تأبينه قال مدير كلية الآداب في جامعة الجزائر: إن المنهج الذي نهجه ابن أبي شنب يدل دلالة واضحة على مقدار ما يستطيع أن يعمله العقل والعمل في الارتفاع من أصغر المناصب إلى أعظمها وإني أود أن يوقر هذا المنهج شباب هذه البلاد وشباب فرنسا نفسها([12]).
ويصف لنا الشاعر محمد السعيد الزاهري([13]) حادثة تعرفه على الشيخ ابن أبي شنب بقوله: كانت أول معرفتي بالشيخ أني كنت سنة 1922م وأنا يؤمئذ لا أزال أطلب العلم في الكية الزيتونية وجاءتها لجنة في تلك السنة من العلماء الفرنسيين لامتحان طلبة الباكلوريا في تونس.
وكانت هذه اللجنة تحت إشراف الدكتور أبي شنب فاستغرب الناس في تونس أيكون عالم جزائري غير متجنس بالجنسية الفرنسية رئيساً مشرفاً على لجنة علمية فرنسية يرأس جلساتها بملابسه وبزيه الجزائري وتعالم الناس الخبر فسمعته أنا وفرحت به وداخلني يومئذ شيء من النخوة والكبرياء وجمعت نفرا من إخواني الطلبة الجزائريين وذهبنا نزوره سألته: كيف تصنع إذا أدركت الصلاة وأنت في جلسة رسمية؟
فقال: أوقف الجلسة للاستراحة فيستريح زملاؤه بخطوات يمشونها ودخائن يشعلوها وأستريح بأداء المكتوبة.
المصادر:
1ـ إرشاد الأديب لمعرفة الأديب أو معجم الأدباء لياقوت الحموي دار الكتب العلمية بيروت 1991م.
2ـ الأعلام لخير الدين الزركلي دار العلم للملايين الطبعة الثانية عشرة 1997م.
3ـ تذكرة الحفاظ للذهبي دار الكتب العلمية نسخة مصورة د.ت.
4ـ الديباج المذهب في معرفة أعيان العلماء المذهب لابن فرحون المالكي تحقيق مأمون الجنان منشورات دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الأولى 1996م.
5ـ سلسلة في الأدب الجزائري الحديث لصالح الخرافي منشورات المؤسسة الوطنية للكتاب الطبعة الأولى 1986م.
6ـ كتاب المعاصرون لمحمد كرد علي علق عليه وأشرف على طبعه محمد المصري مجمع اللغة العربية دمشق 1980م.
7ـ كتاب محمد بن أبي شنب وأثاره للشيخ عبد الرحمن الجيلالي طبع المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر 1983م.
8ـ معجم المطبوعات العربية والمعربة ليوسف إليان سركيس طبعة مصر 1926م.
([1]) كاتب سوري.
([2]) انظر ترجمته في الأعلام 6/ 266 وفي كتاب محمد بن أبي شنب وأثاره للشيخ عبد الرحمن الجيلالي طبع المؤسسة الوطنية للكتاب ـ الجزائر 1983م.
([3]) انظر المعاصرون لمحمد كرد علي صفحة 341.
([4]) من أعظم شعراء إيطاليا 1265 ـ 1321 ومن رجالات الأدب العالمي سطر اسمه بملحميته الشعرية المسماة الكوميديا الإلهية حيث وصف فيها طبقات الجحيم والمطهر والفردوس في سفرة وهمية قام بها بقيادة فرجيليوس وحبيبته بياتريس.
([5]) من مشاهير شعراء الإنكليز 1608 ـ 1674 فقد نظره فأملى على زوجته وابنتيه ملحمته المسماة الفردوس المفقود.
([6]) هو محمد بن محمد الشريف المليتي المدبوني أبو عبد الله الملقب بابن مريم التلمساني انظر معجم سركيس صفحة 236
([7]) انظر الأعلام 1/90 ومعجم سركيس صفحة 1407 والغبريني هو أحمد بن أحمد أبو العباس الغبريني من قبائل البربر في المغرب مؤرخ مولده في بجاية 644هـ وتولى قضاءها ومات فيها شهيداً 704هـ انظر الديباج المذهب رقم الترجمة 135 بتحقيقنا والأعلام 1/ 90.
([8]) هو محمد بن الحارث بن أسد الخشني القيرواني ثم الأندلسي أبو عبد الله مؤرخ من الفقهاء الحفاظ من كتبه: القضاة بقرطبة أخبار الفقهاء والمحدثين تاريخ علماء الأندلس تاريخ الإفريقيين وطبقات فقهاء المالكية توفي نحو 366هـ انظر إرشاد الأريب 6/ 472 وتذكرة الحفاظ 3/ 196 الأعلام 6/ 75.
([9]) انظر معجم سركيس صفحة 1626.
([10]) مارتينو مدير كلية الآداب في جامعة الجزائر انظر المعاصرون لمحمد كرد علي صفحة 342.
([11]) انظر الموسوعة الجزائرية/ الإنترنت.
([12]) انظر المعاصرون لمحمد كرد علي صفحة 341.
([13]) هو محمد السعيد الزاهري من مواليد 1899 بليانة بسكرة في الجزائر درس في قسنطينة وتتلمذ على يد الإمام عبد الحميد بن باديس انتقل إلى تونس واصدر عدة جرائد وهي: الجزائر والبرق والوفاق وأسس المدرسة الإصلاحية وكان من علماء الجزائر المهمين من مؤلفاته: حاضر تلمسان بين النخيل والرمال شؤون وشجون وغيرها توفي سنة 1956 انظر صالح الخرفي سلسلة في الأدب الجزائري الحديث المؤسسة الوطنية للكتاب الطبعة الأولى صفحة 109.

 

Aucun commentaire: