vendredi 26 août 2016

عبد الله البطال (توفي عام 740م الموافق 122هـ) مجاهد مسلم ظهر في الحروب الإسلامية البيزنطية في بدايات القرن الثامن الميلادي، شارك في عدة حملات قادتها الدولة الأموية ضد الإمبراطورية البيزنطية. الحقائق التاريخية حول سيرته نادرة، لكنها نمت بعد وفاته وأصبح أسطورة شعبية، وأصبح شخصية شهيرة بارزة في الملاحم الأدبية التركية والعربية كبطال غازي.يُعتقد أن البطال أشترك في في حصار القسطنطينية (717-718). وفقاً للمصادر التاريخية (المؤرخان: اليعقوبي ومحمد بن جرير الطبري) ظهر البطال لأول مرة 727م، في واحدة من الغارات السنوية ضد الأناضول البيزنطي، قاد هذه الحملة معاوية بن هشام ابن الخليفة هشام بن عبد الملك (حكم من 723م – 743م). قاد البطَال طليعة الجيش وسيطر على مدينة خنجره، قبل أن يدخل الجيش في حصار نيقية (727) الغير ناجح.
يعتبر بلانكنشب أن سيطرة البطال على خنجره تعتبر واحدة من أعظم نجاحات الأمويين ضد البيزنطيين في هذه الفترة، إلى جانب سيطرة مسلمة بن عبد الملك على قيصرية في 726م. قاد البطال غارة أخرى لا يُعرف عنها الكثير في (731م – 732م). ولم تكن موفقة وذُكر أنه توفي فيها الأمير العربي عبد الوهاب بن بخت. في العام التالي 115 هـ تولى البطال قيادة جزء في حملة إلى جانب معاوية بن هشام ودخلوا أفيون قره حصار في فريجيا. حاول الجيش البيزنطي التصدي للمسلمين، ولكن البطال هزمهم، وأسر قسطنطين وذلك حسب المصادر الإسلامية وتقول المصادر البيزنطية أن الذي أسره البطال هو شخص كان يدعي العرش البيزنطي. وفاته
ظهر البطال آخر مرة في حملة كبيرة فيها عشرات الآلاف من الرجال من الجيش الأموي ضد البيزنطيين إلى جانب مع مالك بن شعيب، نائب حاكم ملطية، قاد البطال قوة من الفرسان قوامها 20000 في حين سليمان بن هشام قاد القوة الرئيسية التي تقف وراءها. وصلت قوة البطال وقوة مالك حتى أكرونيون المعروفة اليوم بأفيون قره حصار، ولكن تواجه وهُزم من قبل البيزنطيين بقيادة الإمبراطور ليو (الحاكم من: 717م - 741م) وولده قسطنطين في معركة أفيون قره حصار. لقى فيها جميع القواد المسلمين وثلثي الجيش حتفهم.
التراث
إذا كان عبد الله البطال لم يأخذ حقه من الشهرة في مهنته العسكرية، فقد نمت شهرته في الحكايات الشعبية. بحلول القرن العاشر الميلادي أصبح أحد أبطال الحكايات حول الحروب الإسلامية البيزنطية، سجل العالم المسعودي في كتابه مروج الذهب في القرن العاشر الميلادي أن عبد الله من "مشاهير المسلمين" الذين عرضت صورهم في الكنائس البيزنطية احتراماً له. يقول المسعودي في كتابه: «وأخبرني بعض الروم - ممن كان قد أسلم وحسن إسلامه - أن الروم صورت عشرة أنفس في بعض كنائسها من أهل البأس والنجدة والمكايد في النصرانية والحيلة من المسلمين: منهم الرجل الذي بعث به معاوية حين احتال على البطريق فأسره من القسطنطينية، فأقاد منه بالضرب ورده إلى القسطنطينية؛ وعبد الله البطال، وعمرو بن عبد الله، وعلي بن يحيى الأرمني...» ذكر ابن عساكر في كتابه تاريخ دمشق الكثير من الروايات حول البطال منها: ذكر البيزنطيين اسمه لتخويف الأطفال، ودخوله عمورية وتظاهره بأنه رسول وكشفه خططهم، ودخوله دير فيه نسوة (تزوج احداهن لاحقاً) وقتله أحد البطارقة. ومقابلته الإمبراطو ليو ووفاته وطلبه منه أن يدفنه من معه من أسرى المسلمين، ففعل الملك. ومن ناحية أخرى بداية بابن عساكر ومعاصره السموأل بن يحيى المغربي انتقد الكثير من المؤرخين المسلمين مختلف الافتراءات أدخلت في حسابات حياة البطال. ويقول الذهبي: «إن القُصّاص حكوا عنه ـ أي البطال ـ من الخرافات ما لا يليق». وقال ابن كثير بعد حديثه عن البطال: «وأما ما يذكر العامة عن البطّال من السيرة المنسوبة إلى دلهمة (ذات الهمّة) والأمير عبد الوهاب والقاضي عقبة فكذب وجهل وتخبط فاحش». وقال ابن كثير بعد أن لخص سيرته في كتابة البداية والنهاية: «وأما ما يذكره العامة عن البطال من السيرة المنسوبة إلى دلهمة، والبطال، والأمير عبد الوهاب ، والقاضي عقبة فكذب وافتراء، ووضع بارد، وجهل كبير، وتخبيط فاحش، لا يروج ذلك إلا على غبي أو جاهل ردي، كما يروج عليهم سيرة عنترة العبسي المكذوبة، وكذلك سيرة البكري، والدنف وغير ذلك، والكذب المفتعل في سيرة البكري أشد إثما وأعظم جرما من غيرها; لأن واضعها يدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.»
أعمال عنه
استغل اسم عبد الله البطال في عملين الأول في اللغة العربية (سيرة ذات الهمة والبطّال) أو دلهمه والثاني في الملحمة الأدبية التركية الشعبية سيد بطال غازي. وعلى الرغم من أن كلاهما تم تأليفهما في القرن الثاني عشر ورسما على تقاليد عربية، فهما يعرضان فروقات هامة، فالرواية التركية تتضمن العديد من التأثيرات الفارسية والتركية، بما فيها العناصر الخارقة من التقاليد الشعبية أو زخارف من الشاهنامه ورواية أبو مسلم. كل من الروايات تضع البطّال في منتصف القرن التاسع الميلادي وتربطه بملطية وأميرها عمر الأقطع (المتوفى:863م) ونتيجة لذلك أصبح مرتبطاً بشكل خاص مع مدينة ملاطية وما حولها. أخذ الصحصاح بطل قبيلة بني كلاب دور البطّال الخاص في الحروب الأموية ضد البيزنطيين في دلهمه. وفي هذه الروايات ظهر البطال كبطل إسلامي وأصبح يشبه فيها أوديسيوس (المشهور بالمكر والدهاء) في الدهاء. واعتبره الأتراك رمزاً بارزاً في فتوحاتهم للأناضول بعد فتح ملطية 1102 على يد الدانشمنديين. عُمل على قصصه (بالتركية:Battalname) في عهد السلاجقة والعثمانيين، وأصبح موضوعاً لمجموعة كبيرة للعديد من الحكايات الشعبية. ويرفع العلاهيون والبكتاشية من قدره ويسمونه بالسيد، و للبطال مزار في مدينة سيد غازي-التي سميت باسمه-، ويأتيه الزوار من مناطق بعيدة مثل آسيا الوسطى حتى أوائل القرن 20
أمير المسلمين أبو يعقوب يوسف بن تاشفين بن إبراهيم اللمتوني الصنهاجي (400 - 500 هـ / 1009 - 1106 م) قائد وأمير مسلم وَحَّد المغرب وضم الأندلس تحت مُلكه وسلطته. تولى إمارة دولة المرابطين بعد أن تنازل له ابن عمه الأمير أبو بكر بن عمر اللمتوني، واستطاع إنشاء امبراطورية مغربية تمتد بين مملكة بجاية شرقًا إلى المحيط الأطلسي غربًا، وما بين البحر المتوسط شمالًا حتى السودان جنوبًا.
دخل ابن تاشفين الأندلس للمرة الأولى بعدما استنجد به ملوك الطوائف وخاصة أمير إشبيلية المعتمد بن عباد، وخاض معركة الزلاقة ضد جيوش قشتالة وليون التي كان يقودها الملك ألفونسو السادس ملك قشتالة يوم 12 رجب 479 هـ الموافق 23 أكتوبر 1086م، فاستدرك المسلمون بهذه الوقعة الأندلس من الضياع. تَسمى ابن تاشفين لأول مرة في التاريخ الإسلامي بلقب أمير المسلمين، ثم أرسل إلى الخليفة العباسي في بغداد أبو العباس أحمد المستظهر بالله سفيرين هما عبد الله بن محمد بن العربي المعافري الإشبيلي، وولده القاضي أبو بكر بن العربي يحملان هدايا وطلب تقليده الولاية، فبعث إليه الخليفة بمرسوم الولاية. في عام 481 هـ اجتاز ابن تاشفين البحر إلى الأندلس للمرة الثانية فحاصر حصن لييط واستولى عليه، وفي عبوره الثالث استولى على الأندلس الإسلامية كاملة عام 496 هـ 1103 م، وضمها لدولة المرابطين.
ينتمي يوسف بن تاشفين لقبيلة لمتونة وهي إحدى قبائل صنهاجة الموجودة بجبل لمتونة، والتي كان لها الفضل الأكبر في انتشار المذهب المالكي في المغرب وأفريقيا والأندلس، قال ابن حزم الأندلسي: «مذهبان انتشرا في بدء أمرهما بالرياسة والسلطان، الحنفي في المشرق، والمالكي بالأندلس». قام ببناء مدينة مراكش عام 454 هـ / 1062 وجعلها عاصمة مملكته. توفي في شهر محرم 500 هـ / يوليو 1106 عن عمر يقارب مئة عام. هو يوسف بن تاشفين بن إبراهيم بن تورفيت بن وارتقطين بن منصور بن مصالة بن أمية بن واتلمي بن تامليت الحميري، من قبيلة لمتونة الصنهاجية. أمه هي ابنة عم أبيه فاطمة بنت سير بن يحيى بن وجاج بن وارتقطين. كانت قبيلته تسكن المنطقة الممتدة من وادي نون إلى رأس موغادور، إلى مدينة ازكي شرقًا، وكانت المناطق الشمالية مقرًا لبني وارتقطين، وفيها ولد ابن تاشفين عام 400 هـ الموافق 1009. عُرفت قبيلته بالسيادة وبسطت سيطرتها على صنهاجة، واستطاعت الاحتفاظ بالرئاسة منذ أن جعلها فيها الإمام ابن ياسين.
كان يوسف أسمر اللون معتدل القامة، نحيف الجسم، خفيف العارضين، رقيق الصوت، أكحل العينين أقنى الأنف، له وفرة تبلغ شحمة الأذن، مقرون الحاجبين أجعد الشعر. تربي ابن تاشفين في الصحراء وأخذ منها عادات أهلها وتقاليدهم. تلقى في طفولته العلم من أفواه المحدثين والوعاظ، إذ أن المدارس كانت نادرة في الصحراء، ولم يتعمق في العلوم الدينية، لأن المسائل المعقدة كانت من مهام الفقهاء، وفي الصحراء لم تكن البيئة مواتية لقدوم الفقهاء والتدريس فيها، وقد نال ابن تاشفين نصيبًا من تعاليم ثورة عبد الله بن ياسين.
كانت أولى زوجاته زينب بنت إسحاق النفزاوية، وهي من أسرة كانت تعمل في التجارة، اقترن بها يوسف بن علي بن عبد الرحمن شيخ وريكة، وبعده تزوجها لقوط بن يوسف بن علي المغراوي أمير أغمات، وبعد مقتله تزوجها الأمير أبو بكر بن عمر وبقيت عنده ثلاثة أشهر، ولما عزم على السفر إلى الصحراء طلقها، قال لها: «أنت إمرأة جميلة، بضة لا طاقة لك على حرارة الصحراء، وإني مطلقك، فإذا انقضت مدتك فانكحي ابن عمي يوسف بن تاشفين». وقد اقترن بها بعد تمام عدتها، وظلت زينب القائمة بملك زوجها حتى وفاتها عام 464 هـ الموافق 1071. بعد وفاتها تزوج ابن تاشفين من سيدة أندلسية تدعى قمر، ولا تذكر كتب التاريخ عنها شيئًا، والظاهر أن سيرة زينب طغت على نساء يوسف التي أنجبت الأمير علي ولي العهد وأمير الأندلس والمغرب بعد والده، ثم اقترن يوسف بسيدة تدعى عائشة أنجبت الأمير محمد الذي نسبب إليها فصار يدعى محمد بن عائشة. رُزق يوسف عددًا من الأولاد أولهم تميم الذي كان واليًا على سبتة، وعلي خليفته من بعده، وإبراهيم، ومحمد الذي كان أحد القادة البارزين في جيش والده، والفضيل، أما بناته فهما: كونة ورقية.
التَّدرُج في الحُكم...في الفترة (448 هـ / 1056 - 452 هـ / 1060) لم يكن ابن تاشفين أميرًا في جيش المرابطين، بل كان مجرد قائد عسكري يعمل تحت إمرة ابن عمه الأمير أبو بكر بن عمر اللمتوني، ولم يكن يمتلك السلطة بل كان ينفذ تعليمات غيره من الأمراء. كانت هذه المرحلة مرحلة غنية بالتجارب، أهلته للانتقال للمرحلة التالية، واستطاع خلالها ممارسة السلطة والاطلاع على خفاياها دون تحمل أدنى مسؤولية، واستطاع بعدها تسلم الإمارة والقيام بأعباء السلطة.
ظهر نجم يوسف في معركة الواحات التي وقعت عام 448 هـ الموافق 1056، فقد كان قائدًا لمقدمة جيش المرابطين المهاجم، وبعد فتح مدينة سجلماسة عينه الأمير أبو بكر واليًا عليها، فأظهر مهارة إدارية في تنظيمها. ثم غزا بلاد جزولة، وفتح ماسة، ثم سار إلى تارودنت قاعدة بلاد السودس وفتحها، وكان بها طائفة من الشيعة البجليين نسبة إلى مؤسسها علي بن عبد الله البجلي، فقتل المرابطون أولئك الشيعة، وتحول من بقي منهم على قيد الحياة إلى مذهب أهل السنة والجماعة.
كانت مدينة أغمات في ذلك الوقت مدينة مزدهرة حضاريًا، إذ كانت إحدى مراكز النصرانية القديمة، ومقرًا للبربر المتهودين، وكان يحكمها الأمير لقوط بن يوسف بن علي المغراوي. تلقى ابن تاشفين التعليمات من الأمير أبي بكر بمهاجمتها، ولما رأى أميرها أن لا جدوى من المقاومة، فر منها إلى تادلا والتجأ إلى بني يفرن، ودخل المرابطون المدينة في عام 449 هـ الموافق 1057، ثم هاجم يوسف تادلا وفتحها، وظفر بلقوط المغراوي وقتله، وقد تزوج الأمير أبو بكر بزوجته زينب بنت إسحاق.
سار المرابطون نحو مدينة تامسنا لجهاد برغواطة، وكانت برغواطة إمارة تدين بدينها الخاص الذي أسسه رجل يهودي يدعى صالح بن طريف البرناطي، نسبة إلى حصن برناط من أعمال شذونة في الأندلس، وكان أمير برغواطة أبو حفص بن عبد الله بن أبي غفير بن محمد بن معاذ بن اليسع بن صالح بن طريف. نشبت معركة بين الفريقين أصيب فيها الإمام ابن ياسين بجراح بالغة توفي على أثرها في عام 451 هـ الموافق 1059، ودفن في مكان يقال له كريفلة على مقربة من تامسنا. اختار المرابطون بعد وفاة ابن ياسين الأمير أبو بكر بن عمر اللمتوني رئيسًا على المرابطين. كانت وفاة ابن ياسين البداية الأولى في دفع ابن تاشفين لرئاسة المرابطين، إذ أن ابن ياسين كان يمسك بالسلطة الدينية وسلطة الحكم، وبعد وفاته أخذت وضعية المرابطين تستلزم حلًا لمشكلة ازدواج السلطة......تم الاتفاق بين يوسف بن تاشفين وألفونسو السادس على أن تكون المعركة في يوم الإثنين، ولكن ألفونسو بحسب رأي المؤرخ الألماني يوسف أشباخ: «كان يرى وفقًا لمبدأ ذميم، أنه يحق له أن يلجأ في الحرب إلى كل خدعة، وأن ينكث بالعهد المقطوع، فيقاتل قبل اليوم المفروض ليفاجيء العدو، وليتمكن من هزيمته، ومن ثم فقد اعتزم أن يلجأ إلى مثل هذه الخدعة، وأن يختار للقتال يوم الجمعة وهو يوم المسلمين»، ولكن المسلمون لم يدخروا وسعًا في التحوط ضد أي مفاجأة، وارتابوا في نيات ملك قشتالة، فأكثروا العيون حول معسكر ألفونسو، وبثوا طلائع تترصد حركة جيشه، واستمر الحالة على ما هي عليه حتى سحر يوم الجمعة 12 رجب 479 هـ الموافق 23 أكتوبر 1086، فارتدت الطلائع إلى المعتمد بن عباد، يخبرونه أنهم سمعوا ضوضاء الجيوش واضطراب الأسلحة متحققين من تحرك ألفونسو، وقالوا: «استرقنا السمع فسمعنا الأذفونش يقول لأصحابه: ابن عباد مُسعر هذه الحروب، وهؤلاء الصحراويون وإن كانوا أهل حفاظ وذو بصائر في الحرب، فهم غير عارفين بهذه البلاد، وإنما قادهم ابن عباد، فاقصدوه واهجموا عليه واصبروا، فإن انكشف لكم هان عليكم أمر الصحراوين من بعده، ولا أرى ابن عباد يصبر لكم إن صدقتموه الحملة». عندها بعث ابن عباد رسالة لأمير الجند ابن تاشفين يخبره بتحرك ألفونسو، فقال له ابن تاشفين: «إني سأقرب منه إن شاء الله»، وكانت تكمن قوة خطة جيش المسلمين في القوة الإحتياطية التي خطط لها أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، إذ تحتوي هذه القوة على أشجع مقاتلي المرابطين، وخطط لها أن تنقض على جيش ألفونسو في الوقت المناسب، بعد أن يكون الإعياء قد بلغ منهم مبلغه، على أن تضمن هذه القوة الاحتياطية التغلب على العدو بالمفاجأة، بجيش احتياطي يتبع نظام الكمين التي ساعدت عليه طبيعة أرض الأندلس، ووعورتها التي تتناسب مع هذا النوع من القتال.
رسمة تخيلية لأربعة فرسان في معركة الزلاقة عام 1086.
سير ألفونسو القسم الأول من جنده بقيادة الكونت غارسيا والكونت زودريك لقتال المعتمد بن عباد قائد معسكر الأندلسيين، وقصد ألفونسو من هذا الهجوم المفاجيء بث الاضطراب والفزع بين المسلمين، ولكن اصطدم جيش قشتالة قبل وصوله لمعسكر الأندلسيين بقوات المرابطين التي قوامها عشرة آلاف فارس بقيادة القائد المرابطي داود بن عائشة، ولم يستطع ابن عائشة أن يصمد أمام زحف جيش قشتالة، وكان اعتماد ابن عائشة على قوة كبيرة من رماة السهام والنبال، وأرغمهم على الارتداد إلى خط دفاعهم الثاني، وخسر المرابطون في صد القسم الأول من جيش ألفونسو خسائر بشرية كبيرة. في هذا الوقت، كانت مقدمة المعتمد بن عباد تخوض معركة غير متكافئة في العدة والعتاد، ونظرًا لكثافة الهجوم ارتدت المقدمة عن موقعها، وفرّ بعض أمراء الأندلسيين بعد أن أيقنوا بالهزيمة إلى مدينة بطليوس، واستطاع المعتمد بن عباد ومعه فرسان اشبيلية الصمود في مواقعهم، بعد أن وجدوا مؤازرة من فرسان المرابطين بقيادة داود بن عائشة، الذين صمدوا في هجوم جيش قشتالة الأول. كان ألفونسو قد أحس بالنصر القادم، عندما شاهد مقاومة المعتمد تضعف أما هجمات جيشه المتواصلة، ورأى حركة الفرار والهرب تتسع بين مسلمي الأندلس شيئًا فشيئًا، ولكن جيش المرابطين بقيادة يوسف بن تاشفين كان يرابط خلف أكمة عالية، تحجبه عن أنظار عدوه، ولم يكن قد اشترك في المعركة بعد، ولم يشترك فيها مع جيش الأندلس إلا العشرة آلاف مقاتل، عندها قرر ألفونسو مهاجمة قوات المرابطين المؤازرة لابن عباد بقيادة داود بن عائشة، وكان ضغط النصارى يزداد على ابن عائشة وفرسانه، فما كان منه إلا أن أخبر يوسف بن تاشفين بحراجة الموقف وما حل بهم، فأمدهم ابن تاشفين بكتيبة يقودها أقوى قادته الأمير سير بن أبي بكر، على رأس قوة من المرابطين، استطاعت هذه الكتيبة أن تنفذ إلى قلب جيش النصارى، وأن تتصل بقوات المعتمد بن عباد، فخف الضغط على الأندلسيين الذين أخذوا يستعيدون ثباتهم، إلا أن ألفونسو السادس أخذ يواصل ضغطه على قوات داود بن عائشة، ويزيد من تقدمه حتى أصبح أمام خيام المرابطين، واقتحم الخندق الذي يحميها.
كان ألفونسو يدفع بجنوده في غمرة المعركة إلى الأمام، حتى استطاع أن يوقع الهزيمة بالمعتمد وجيش الأندلس، واطمأن القشتاليون إلى نهاية مرضية لهم بهزيمة جيش الأندلس والمرابطين، وانشغلوا بمواصلة تقدمهم أمام تراجع المعتمد والأندلسيين، عندها قرر يوسف بن تاشفين الدخول للمعركة، فرتب خطة تمثلت في مفاجأة العدو من جهة لا يتوقعونها، فتقدم بقواته الاحتياطية وهاجم معسكر القشتاليين، مستفيدًا من هلع خيل القشتاليين من إبل ابن تاشفين التي جلبها معه من المغرب وأضرم فيه النار وأحرقه، وقتل حماته من الفرسان والرجال، وفر الباقون منهزمين نحو ألفونسو، فأقبلت عليه خيله من معسكره فارين، وابن تاشفين في أثرهم، فلما علم بما حل بمعسكره وحاميته، وتوقف ألفونسو عن مطاردة المعتمد بن عباد وجيش الأندلس وارتد من فوره لينقذ محلته من الهلاك. أردك ابن عباد من انسحاب ألفونسو إلى معسكره أن بوادر الهزيمة قد بدت على القشتاليين، فأمر أصحابه بمهاجمتهم، وحمل القائد سير بن أبي بكر بمن معه على قوات ألفونسو فزاد الضغط واستمرت الهزيمة، وفي ذلك الحين تراجع الجند الذين فرّوا إلى بطليوس في بداية الهجوم، وشاركوا في القتال فاشتد الهجوم على ألفونسو وقواته حتى أيقنوا بالفناء. لما اشتد القتال على جيش ألفونسو ودام القتال لساعات، أصبح ألفونسو وجيشه بين مطرقة ابن عباد وسندان ابن تاشفين، وكانت الضربة القاضية التي أنهت المعركة، حين أمر ابن تاشفين حرسه الخاص المكون من أربعة آلاف فارس بالنزول إلى قلب المعركة، فاستطاع أحدهم الوصول لألفونسو، وطعنه في فخذه، طعنة نافذه بقي يعرج منها طوال حياته، وكانت حينها الشمس قد قاربت على المغيب، فبادر مع قليل من أصحابه واعتصموا بتل قريب من موقع المعركة، ومن ثم انسل تحت جنح الظلام منهزمًا إلى قورية، وبهذا النصر انتهت معركة الزلاقة التي لم تستمر إلا يومًا واحدًا، وذاع خبر انتصار المسلمين في الزلاقة في كل الأقطار، وأمر يوسف بن تاشفين فكتب عنها بلاغ أرسل إلى أفريقية، ليقرأ في المساجد وكل مدن المرابطين.
حصار حصن لييط
بعد انتهاء المعركة، أقام ابن تاشفين مع قواته بظاهر إشبيلية ثلاثة أيام، ولكنه عاد بشكل سريع للمغرب بسبب وفاة ابنه وولي عهده أبو بكر المكلف بإدارة أمور المغرب، وقام بترك ثلاثة آلاف مقاتل من المرابطين، دعمًا للمعتمد بن عباد، برئاسة القائد سير بن أبي بكر اللمتوني. ما إن أَمن أهل الأندلس وأمرائها، حتى عادوا إلى ما كانوا عليه من فرقة، وانصراف لمجالس اللهو واللعب، وعاد القشتاليون للإغارة على إماراتهم ثم العودة للتحصن في حصن لييط. أما ألفونسو، فقد اطمأن بعد أن علم أن ابن تاشفين قد عاد إلى المغرب، وأخذ يطلب العون والمدد من الممالك والإمارات المسيحية في أوروبا، لتعويض خسائره الكبيرة بعد الزلاقة، فوصلته من إمارتي بيزا وجنوة الإيطاليتين إمدادات في نحو أربعمائة سفينة، فحاصر بلنسية وهاجم السواحل الأندلسية، ووجه ألفونسو هجماته على أمير إشبيلية المعتمد بن عباد، وأصبح لموقع حصن لييط أهمية كبرى في هذه المرحلة للقشتاليين، فزادوا في بنيانه وتحصينه، ليكون قاعدة متقدمة لهم في أرض المسلمين، وشُحن بالذخائر والمقاتلين حتى أصبح عدد قوات الحصن ثلاثة عشر ألف مقاتل بين فارس وراجل، فشنوا غاراتهم على سرقسطة وجاراتها، وتمادوا إلى بلنسية ودانية وشاطبة ومرسية، وأخذوا عددًا من الحصون، فأخذت الوفود الأندلسية بالتوجه نحو مراكش لطلب العون مرة أخرى لصد العدوان وحصن لييط.
قرر ابن تاشفين العبور إلى الأندلس العبور الثاني، وأخذ يعد العدة والعتاد من الجيوش وآلات الحصار، واجتاز البحر في عام 481 هـ الموافق 1088، فلما وصل الجزيرة الخضراء أعدها لتكون نقطة إمداد وإتصال، وبعث لملوك الطوائف يطلب منهم الاستعداد للجهاد، فوصلته كتائب ابن عباد من إشبيلية، ثم تحرك الجيش وبدأ حصار حصن لييط، واستخدمت المجانيق والعرادات، ولكن الحصن أظهر منعة ضد الهجمات، ولما طال الحصار تخاصم ملوك الطوائف فيما بينهم، ونتيجة لشح الإمدادات انسحب المرابطون نحو مدينة لورقة بعد حصار لحصن لييط دام أربعة أشهر، وما إن علم ألفونسو بانسحاب المرابطين حتى تسلل للحصن وأخلى حاميته التي كانت تغير على المدن الإسلامية، ثم أحرقه وعاد مسرعًا إلى طليطلة، فاستولى المعتمد بن عباد على الحصن، وبذلك تخلص أهل الأندلس من خطر وغارات حصن لييط، وقرر ابن تاشفين العودة إلى المغرب بعد أن أردف أربعة آلاف مقاتل من المرابطين إلى بلنسية.
القضاء على ملوك الطوائف.......في عام 483 هـ الموافق 1090 عبر ابن تاشفين البحر متجهًا نحو الأندلس العبور الثالث برسم الجهاد، وعبوره هذه المرة دون طلب استغاثة أو نجدة كما حدث في الجوازين السابقين، فسار نحو طليطلة مُجتاحًا أراضي قشتالة، وكان يرغب في استرجاع المدينة، فضرب الحصار حول المدينة وكان فيها ألفونسو السادس ملك قشتالة، ولكن يوسف تراجع أما أسوارها المنيعة وارتد نحو الجنوب، كُل ذلك ولم يتقدم أحد من الأندلسيين لمساعدته ضد عدوهم ألفونسو. اتجه يوسف نحو غرناطة وبها الأمير عبد الله بن بلقين، الذي عمد بعد حصار لييط إلى تشييد الحصون والاستعداد لحصار طويل الأجل استعدادً لمقاومة المرابطين، قسم ابن تاشفين جيشه إلى فرق، أرسل أحدها إلى غرناطة للاستيلاء عليها، وضربت بقية الفرق شبه حصار على كورتها لمراقبة الحصون من تغلغل النصارى لمساعدة حليفهم، وبعد حصار دام شهرين أرسل عبد الله يطلب الأمان من ابن تاشفين، فأمنه واستلم منه غرناطة فملكها، وبعث بعبد الله وأخيه تميم بن بلقين أمير ملقة إلى مراكش مع حريمهما وأولادهما، فأقاما بها وأجرى عليهما الإنفاق.
ولما خلع ابن تاشفين بني باديس وملك غرناطة وملقة، خاف المعتمد بن عباد على ملكه، ولما رجع ابن تاشفين إلى مراكش، ولى على الأندلس القائد سير بن أبي بكر، فسار نحو إشبيلية، فراسل ابن عباد على أن يسلم إليه البلاد ويدخل في طاعة ابن تاشفين، فامتنع ابن عباد، ففرض سير الحصار على إشبيلية، وبعث بعض قواده إلى قرطبة، وكان أميرها المأمون بن المعتمد بن عباد، فوقع بين الطرفين معركة انتهت بمقتل المأمون وفتح قرطبة، وكان ذلك عام 484 هـ، ثم فتح المرابطون بياسة وأبدة وحصن البلاط والمدور، ولم ينقضي شهر حتى لم يبق لابن عباد مايملكه من أرض سوى إشبيلية. لما اشتد الحصار على ابن عباد بعث إلى ألفونسو يطلب منه العون لقتال المرابطين، فبعث إليه قائده القومس في جيش من عشرين ألف فارس وأربعين ألف راجل، والتقى الجيشان قرب حصن المدور، وكان النصر للمرابطين، فرجع سير وشد الحصار على إشبيلية حتى دخلها عنوة عام 484 هـ، وقُبض على المعتمد وأهله، وحملوا إلى أن وصلوا لابن تاشفين في مراكش، الذي أمر بنفيه إلى أغمات، فسجن بها واستمر سجنه إلى أن مات عام 488 هـ. ثم ملك المرابطون بعد ذلك مابقي من بلاد الأندلس، ولم يبقى لملوك الطوائف ذكر بها، وأصبحت الأندلس تحت سلطة المرابطين، وانتهى عصر ملوك الطوائف.......الخلافة الفاطمية
لما قامت الدولة المرابطية كان هناك خلافتان تسيطران على العالم الإسلامي: خلافَة سُنِّة عَبَّاسيَّة وخلافَة شيعيَّة فَاطميَّة، لم يفكر المرابطون بالاعتراف بالدولة الفاطمية بسبب العداء المستحكم بين الفرق الإسلامية، فهم مالكيون سُنيون اعتبروا محاربة الشيعة في مدينة تارودانت جهادًا في سبيل الله، فلم تقم بين الدولتين علاقات طيبة، بالإضافة للعامل المذهبي هناك العامل السياسي الذي كان يباعد بينهم، فقد كانت الخلافة الفاطمية وهي في مصر قريبة من المرابطين وقوية في المغرب، فقد كانت تتدخل في شؤون المرابطين الداخلية، مما زاد العلاقة سوءًا، حتى أنهم عدلوا عن طريق مصر في الذهاب إلى الحجاز لأداء فريضة الحج، بالرغم من المحاولات التي بذلها الوزير الفاطمي بدر الجمالي لاستمالتهم، وسلكوا طريقًا آخر يمتد عبر الصحراء إلى أعالي السودان، حيث لا سيادة للفاطميين هناك.
الخلافة العباسية

كان المرابطون ينظرون إلى الخلافة العباسية السنية نظرة أسمى من الخلافة الفاطمية، لأنها أقرب إلى مذهبهم، ولبعدها عنهم فكانوا لا يخشونها، خاصة بعد أن تطرق إليها الفساد، ودب فيها الضعف، فأصبحت لا تشكل أدنى خطر عليهم، لذلك اعترفوا بها واتخذوا السواد شعارًا لهم، ونقشوا اسم الخليفة العباسي على نقودهم في منتصف القرن الخامس الهجري.
بعد أن بسط ابن تاشفين سيادته على الأندلس، طلب منه الفقهاء أن تكون ولايته من الخليفة لتجب طاعته على الكافة، فقرر ابن تاشفين الاتصال بالخليفة العباسي أبو العباس أحمد المستظهر بالله (487 هـ / 1074 - 512 هـ / 1118) وأرسل إليه بعثة ضمت عدد من أمرائه وفقهائه، وزودهم بهدية ثمينة وبكتاب يذكر فيه ما فتح الله على يده من البلاد في المغرب والأندلس، ويطلب تقليدًا بولاية البلاد التي بسط نفوذه عليها، أدت البعثة مهمتها بنجاح، فتلطفت في القول وأحسنت البلاغ، وعادت إلى المغرب بتقليد الخليفة وعهده للأمير يوسف بن تاشفين.
بنو حماد.........توقفت فتوحات ابن تاشفين في المغرب لجهة الشرق عند حدود بجاية حيث بنو حماد الصنهاجيين، ورغم القرابة التي تربطهم به فلم ترقهم فتوحاته، وأخذوا يتحينون الفرص للوثوب على أطراف مملكة المرابطين. وأتتهم الفرصة عندما عبر ابن تاشفين الأندلس عام 479 هـ الموافق 1086، فتحالفوا مع عرب بني هلال، وغزوا المغرب الأوسط وعادوا إلى بلادهم محمليين بالغنائم، وسكت يوسف عن الانتقام منهم وصالحهم لأنهم أقاربه، ولأنهم يشكلون حدًا مانعًا بينه وبين عرب بني هلال، ولا يشكلون خطرًا عليه كالهلاليين.
في عام 481 هـ الموافق 1088 توفي الناصر بن علناس الحمادي أمير بجاية، فبعث ابن تاشفين بكتاب تعزية إلى ولده وخليفته المنصور، وقد دلت هذه الرسالة على نيات يوسف السليمة تجاه بني حماد. استمرت حالة السلم بين الطرفين أكثر من عشر سنوات، حتى نشب الخلاف عندما هاجم أحد قادة جيش المرابطين وهو والي تلمسان تاشفين بن تنيغمر بدون إذن الأمير يوسف بني حماد، ولكنه فشل وتراجع أمام المنصور، الذي هاجم تلمسان ولم يتوقف إلا بعد أن طلب منه ابن تاشفين السلم، فعزل والي تلمسان تاشفين وعين مكانه الأمير مزدلي بن تيلكان. بعد أن ضم ابن تاشفين الأندلس أضحت مملكة بجاية ملاذًا للفارين من الأندلس، ومع ذلك لم يقم ابن تاشفين بأي تحرك تجاه بين حماد، وبقي الأمر كذلك حتى وفاته.......مرّت علاقات ابن تاشفين مع ملوك الطوائف بمراحل مختلفة من الحذر المشوب بالخوف إلى التحالف ثم العداوة التي أدت لضم الأندلس إلى دولة المرابطين. بعد أن أطلت دولة المرابطين على البحر المتوسط خشي حكام الأندلس من عبوره إليهم وكرهوا أن يكونوا بين عدوين: الأسبان من الشمال والمرابطون من الجنوب، سارع أمراء الطوائف إلى عقد مؤتمر للتشاور في أمر الخطر القادم من الجنوب، واستقر الرأي على أن يكتبوا للأمير يوسف يسألونه عن الاعراض عنهم وأنهم تحت طاعته، وأرسلوا إليه كتاب: «أما بعد فإنك إن أعرضت عنا نسبت إلى الكرم ولم تنسب إلى عجز، وإن أجبنا داعيك نسبتنا إلى العقل ولم تنسب إلى وهن، وقد اخترنا لأنفسنا أجمل نسبتينا، فاختر لنفسك أكرم نسبتيك، فإنك بالمحل الذي لا يحب أن نسبق فيه إلى مكرمه، وإن استبقائك ذوي البيوت ما شئت من دوام لأمرك وثبوت. والسلام». بعد أن تشاور ابن تاشفين مع كاتبه رأى أن يسالم أهل الأندلس. ورد إليهم بكتاب: «من يوسف بن تاشفين سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تحية من سالمكم وسلم عليكم، وحكمه التأييد والنصر فيما حكم عليكم، وإنكم مما في أيديكم من الملك في أوسع إباحة، مخصوصين منا بأكرم إيثار وسماحة، فاستديموا وفائنا بوفائكم، واستصلحوا اخائنا بإصلاح اخائكم. والله ولي التوفيق لنا ولكم والسلام».
بعد استيلاء ألفونسوا السادس على طليطلة وتهديده للأندلس، سارع حكامها بالاتصال بالأمير يوسف، وكان اتصالهم هذه المرة لطلب النجدة وليس للمسالمة، فقد فوض مؤتمر قرطبة الشعبي قاضي المدينة ابن أدهم باستدعاء ابن تاشفين لإنقاذهم. وعندما اشتد الضغط على المتوكل بن الأفطس أمير بطليوس اتصل بيوسف يطلب النجدة، وكذلك فعل المعتمد بن عباد، وانتهى الأمر باستجابة ابن تاشفين لداعي الأندلس. بعد معركة حصار لييط عام 481 هـ الموافق 1088، تغيرت الحالة بين يوسف وملوك الطوائف، وانتقلت من التحالف إلى العداوة، بعد أن رأى من تخاذلهم وخيانتهم واتصالهم بالعدو ضد المرابطين، وأدت المعارك بين الفريقين إلى إسقاط مملكة المعتمد بن عباد وأسره وسجنه في المغرب، وكذلك الحال مع حكام غرناطة وملقة، أما المتوكل بن الأفطس فقد أُعدم مع ابنيه.
لقب أمير المسلمين
كان يوسف بن تاشفين يُلقب بالأمير، ويشترك معه في هذا اللقب عدة شخصيات من قبيلته لمتونه، بعد أن استولى ابن تاشفين على المغرب وكبرت مملكته، اجتمع إليه أشياخ قبيلته وعرضوا عليه أن يُلقب بأمير المؤمنين، لأن حقه أكبر من أن يلقب بالأمير، فرفض ذلك وقال: « حاشى أن أسمى بهذا الاسم، إنما يتسمى به خلفاء بني العباس، لكونهم من تلك السلالة الكريمة، وأنا راجلهم والقائم بدعوتهم»، ولكنهم قالوا أنه لابد من اسم يمتاز به على سائر الأمراء، واقترحوا عليه لقب أمير المسلمين. قال ابن خلدون: «تسمى يوسف بن تاشفين بأمير المسلمين، وخاطب الخليفة لعهده ببغداد وهو أبو العباس أحمد المستظهر بالله العباسي، وبعث إليه عبد الله بن محمد بن العربي المعافري الإشبيلي، وولده القاضي أبا بكر بن العربي الإمام المشهور، فتلطفا في القول وأحسنا في الإبلاغ، وطلبا من الخليفة أن يعقد لأمير المسلمين بالمغرب والأندلس، فعقد له، وتضمن ذلك مكتوب من الخليفة منقول في أيدي الناس. وانقلبا إليه بتقليد الخليفة وعهده على ما إلى نظره من الأقطار والأقاليم، وخاطبه الإمام الغزالي والقاضي أبو بكر الطرطوشي يحضانه على العدل والتمسك بالخير». وإنما تسمى بأمير المسلمين دون أمير المؤمنين أدبًا مع الخليفة، حتى لا يشاركه في لقبه، لأن لقب أمير المؤمنين خاص بالخليفة، والخليفة من قريش كما في الحديث.
بعد أن تم اعتماد لقب أمير المسلمين، اصبح العمل جاريًا به في جميع بلاد دولة المرابطين، وصدرت الكتب تحمل هذا اللقب ابتداءً من منتصف محرم 466 هـ الموافق 1074، وهذا نصها: «بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا، من أمير المسلمين وناصر الدين يوسف بن تاشفين إلى الأشياخ والأعيان والكافة أهل فلانة، أدام الله كرامتهم بتقواه ووفقهم لما يرضاه. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد حمد الله أهل الحمد والشكر ميسر اليسر وواهب النصر، والصلاة على المبعوث بنور الفرقان والذكر. وإنا كتبناه إليكم من حضرتنا العلية بمراكش حرسها الله في منتصف محرم 466 هـ / 1072م، وإنه لما مَنَّ الله علينا بالفتح الجسيم، وأسبغ علينا من أنعمه الظاهرة والباطنة، وهدانا وهداكم إلى شريعة محمد المصطفى نبينا الكريم صلى الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، رأينا أن نخص أنفسنا بهذا الاسم لنمتاز به على سائر أمراء القبائل، وهو أمير المسلمين وناصر الدين. فمن خطب الخطبة العلية السامية، فليخطبها بهذا الاسم إن شاء الله تعالى، والله ولي العدل بمنه وكرمه. والسلام.........في أواخر عام 498 هـ الموافق 1104 مرض يوسف بن تاشفين، وأصابه الضعف، واشتدت به العلة. وبعد مرض دام عامًا وشهرين توفي ابن تاشفين في نهار يوم الإثنين 3 محرم 500 هـ الموافق 4 يوليو 1106، بعد أن بلغ من العمر مئة عام (400 هـ / 1009 - 500 هـ / 1106)، وحضر الوفاة ولداه أبو الطاهر تميم بن يوسف، وولي عهده أبو الحسن علي بن يوسف، ودفن بحاضرة قصره في مراكش. لما أدرك بن تاشفين أن أجله قد اقترب، استدعى ولده عليًا، وأفضى إليه بوصيته الأخيرة وهي تحتوي على ثلاث خصال، الأولى: ألا يهيج أهل جبل درن ومن وراءه من المصامدة وأهل القبلة، الثانية: أن يهادن بنو هود وأن يتركهم حائلًا بينه وبين الروم، الثالثة: أن يقبل من أحسن من أهل قرطبة ويتجاوز عن مسيئهم.......شخصيته ووصفه
قال ابن خلكان: «كان أمير المسلمين يوسف بن تاشفين حازمًا، سائسًا للأمور، صابطًا لمصالح مملكته، مؤثرًا لأهل العلم والدين، كثير المشورة لهم». وقال: «بلغني أن الإمام حجة الإسلام أبا حامد الغزالي رحمه الله لما سمع ماهو عليه من الأوصاف الحميدة، وميله إلى أهل العلم، عزم إلى التوجه إليه، فوصل إلى الإسكندرية، وشرع في تجهيز ما يحتاج إليه، فجاء الخبر بوفاته، فرجع عن ذلك العزم»
يقول علي بن عبد الله بن أبي زرع الفاسي: «كان يوسف بن تاشفين أسمر اللون نقيه، معتدل القامة، نحيف الجسم، خفيف العارضين، رقيق الصوت أكحل العيينين، أقنا الأنف، له وفرة تبلغ شحمة أذنه، مقرون الحاجبين، جعد الشعر، وكان رحمه الله بطلًا نجدًا شجاعًا حازمًا مهابًا ضابطًا لملكه، متفقد الموالي من رعيته، حافظًا لبلاده وثغوره، مواظبًا على الجهاد، مؤيدًا منصورًا، لباسه الصوف، ولم يلبس قط غيره، وأكله الشعير ولحوم الإبل وألبانها، مقتصرًا على ذلك. خُطب له بالأندلس والمغرب على ألف منبر وتسعمئة منبر، ردَّ أحكام البلاد إلى القضاء، وأسقط مادون الأحكام الشرعية، كان حسن الأخلاق، متواضعًا، كثير الحياء، جامع لخصال الفضل».