أصل التسمية
اختلفت تسميات المدية نظرا لتناوب حضارات وشعوب مختلفة عليها، فهناك من يؤكد أن اسمها يأتي من لمدونة، و آخرون يقولون أن أصل تسميتها يعود إلى الفترة الرومانية حين كانت تسمى لامبديا نسبة إلى ملكة رومانية. يروى أيضا أن كلمة المدية بربرية تعني العلو أو الأرض المرتفعة. و حسب الشيخ سيدي أحمد بن يوسف فهي المهدية أي البلدة العتيقة أو القديمة.
المدية عبر التاريخ
السفر في تاريخ المدية حافل بالمحطات الحاملة لروائع الحضارات الإنسانية، والانتصارات البطولية و الأحداث التاريخية العالية. لقد جعل منها التاريخ وجهته و مستقرا له منذ العصور الإنسانية الأولى لفترة ما قبل التاريخ إلى الفترة الرومانية، مرورا بالفتوحات الإسلامية وتعاقب دويلات مختلفة على أرضها، ثم العهد العثماني فالغزو الفرنسي. لقد كانت مسرحا تداولت على منصته العديد من الشعوب تركت بصماتها التي تمثل في أيامنا هذه شهادات وذكريات تسمح لنا بالغوص مرة أخرى لاكتشاف أسرارها.
لقد عرفت المدية الحياة البشرية منذ العصور الحجرية و هو ما أثبتته الآثار المكتشفة والحفريات، و قد اكتشف الباحثون وجود مدينة قديمة تعود إلى ما قبل ظهور المسيحية، في مقبرة المفاتحة المكتشفة سنة 1986.
قبل أن يمتد النفوذ الروماني إلى المدية كانت هذه الأخيرة تشكل جزءا هاما من مملكة نوميديا التي كان على رأسها البربر، و قد قاد الزعيم البربري تاكفاريناس ثورات عارمة ضد الرومان خاصة بمنطقة البرواقية. وقعت المدية تحت الاحتلال الروماني في أواخر القرن الأول الميلادي لتأخذ بذلك اسم أدمياس. شيدت بسهول بني سليمان مدينة رابيدوم، أما البرواقية الحالية كانت تسمى تاناراموزا ذات الطابع العسكري لتشكل هي والمدن الأخرى نقاط مراقبة للمدية التي حوطت بسور كبير.
أصبحت المدية منذ أواخر القرن السابع الميلادي تعيش عهدا جديدا في ظل حضارة إسلامية سامية، إن موقعها الاستراتيجي جعلها قطبا هاما في الحياة السياسية و الاقتصادية للعديد من الدول الإسلامية التي تعاقبت عليها إذ أصبحت رستمية سنة 787 ميلادية إلى غاية 902، ثم تولى الفاطميون الشيعة مقاليد الحكم بالمدية بعد طرد الرستميون الخوارج منها إثر تحالف الفاطميون مع قبيلة صنهاجة، و منذ القرن العاشر دخلت المدية في العهد الصنهاجي بحكم زيري بن مناد الذي عينه الخليفة الفاطمي الثاني أبو القاسم القائم سنة 960م، في هذه الفترة أذن زيري بن مناد لابنه بولوغين بتأسيس مدينة المدية و جعل آشير عاصمة لها. و قد تولى هذا الأخير حكمها سنة 970م، عرفت المدية خلال الحكم الزيري درجة الذروة من الازدهار العلمي والاجتماعي والديني.
في بداية القرن السادس عشر استطاع العثمانيين طرد الأسبان من الجزائر بقيادة الأخوين خير الدين وعروج بربروس الذين بسطوا نفوذهم ونصب عروج حاكما عليها ودخل إلى المدية بعد انهزام ملك التنس حامد بن عبيد بمنطقة المتيجة، و قد أنشأ بها حامية عسكرية تتكون من جنود أتراك و بعض الأندلسيين، ثم أصبحت المدية عاصمة بايلك التيطري منذ سنة 1548 حيث عين على رأسه حسن باشا ابن خير الدين بابا عروج، خلال هذه الفترة عرفت المدية ازدهارا وتبجيلا للثقافة و التعليم بحيث انتشرت المدارس التعليمية للنساء و الرجال و قلت الأمية وارتقى المستوى المعرفي و التعليمي لسكان المنطقة. كما شيدت العديد من المساجد في أرجاء التيطري، مثل مسجد مراد التابع للمذهب الحنفي، مسجد سيدي سليمان، المسجد الأحمر، و قد أحيطت المدية بأسوار بها خمسة أبواب و هي: باب الجزائر، باب الأقواس، باب القرط، باب سيدي البركاني و باب سيدي الصحراوي. و كان آخر من حكم بايلك التيطري من البايات هو الباي مصطفى بومزراق الذي دام حكمه منذ 1819 إلى غاية 1830.
عندما تم تعيين كلوزيل كحاكم عام للجزائر، خلال الاحتلال الفرنسي، قرر إرسال حملة عسكرية مكونة من 10000 جندي نحو المدية من أجل احتلالها و معاقبة بومزراق و ابنه وكل قادة الثورات الشعبية في هذه المنطقة، وذلك في 17 نوفمبر 1830، إلا أنهم جوبهوا بمقاومة عارمة جعلت جيش كلوزيل يعود أدراجه، أما ثاني محاولة فكانت في 19 جوان 1831 بقيادة برتوزين إلا أنها باءت بالفشل، لتأتي حملة ديميشال و تنسحب كسابقتيها جارة أذيال الهزيمة وراءها. في هذه الأثناء كان الأمير عبد القادر قد وصل إلى المدية و جعل منها قاعدة لانطلاق حملاته نحو الشرق، وعين محمد بن عيسى البركاني خليفة له بالمدية التي كانت باستمرار حلما يراود كل الحكام المستعمرين. و بحلول 1841 نزل بيجو بعدة حربية ثقيلة جعلت أعوان البركاني ينسحبون.
و في 1850 وقعت المدية تحت الإدارة المدنية ليفتح الباب واسعا أمام موجات من المعمرين الذين استولوا على ممتلكات شعبها و أراضيهم الخصبة، كان لهم دعم و حماية السلطات المحتلة الفرنسية، أما الشعوب المحلية فلقد طردت إلى المناطق الجبلية الوعرة حيث عانوا الفقر و الحرمان و كل أنواع القمع والاضطهاد سواء على المستوى الديني أو الثقافي أو الاجتماعي فقد حولت العديد من رموز الإسلام و العروبة إلى كنائس أو حانات.
لم تسلم المدية كباقي المناطق الأخرى من الوطن من المجازر و التقتيل الجماعي، هذه التجاوزات المجحفة في حق الشعب أثبتت أن طريق النضال السياسي مسدود و أن ما أخذ عنوة لا يسترجع إلا كذلك فأعلنت الثورة المجيدة في 01 نوفمبر 1954 بقيادة جبهة وجيش التحرير الوطنيين. و شهدت المدية العديد من المعارك و العمليات العسكرية التحريرية التي دارت مجرياتها في كل بلديات الولاية حيث فاق عددها 1050 عملية عسكرية، و قد استشهد بالمدية ما يفوق 10.000 شهيد في سبيل تحرير الوطن و هم مفخرة هذه المدينة التي تزكت بدمائهم الطاهرة و ذكراهم الطيبة التي كتبت تاريخ المدية بأحرف من ذهب.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire