قصّة "صبرينال" مع سرطان الدم LAM7 القاتل وقساوة أطباء مستشفى بني مسوس... (من الضحكة البريئة إلى الآلام القاتلة) بدأت فلذة كبدي "صبرينال مسدور" تعاني من آلام حادة على مستوى المفاصل، وارتفاع غير عادي في حرارة جسمها، عندها ظن الأطباء في مستشفى بوفاريك أنه نوع من الالتهابات التي يمكن معالجتها، لكن في أول يوم دخلت فيه هذا المستشفى (ماي 2006) أمرت الطبيبة بأخذها لمصلحة أمراض الدم بغية إجراء فحوصات خاصة بـمخ العظام، إلا أن رئيس القسم عارض ذلك بحجة أن البنت متعبة ومرهقة من التحاليل، وبقيت سبعا وعشرين يوما تأخذ دواء " الأسبيجيك 250 ملغ"، إلى أن دخلت الطبيبة من عطلتها لتتعجب من عدم عرض "صبرينال" على مصلحة أمراض الدم، وأمرت في الحين بنقلها على جناح السرعة لمستشفى فرانسفانون بالبليدة، وبعد الفحص ذهلت الطبيبة المختصة في أمراض الدم لشدة فقر الدم لدى البنت، وبكت لحالتها واكتشفت أنها مصابة بسرطان الدم الخطير والنادر من نوع LAM7. نزل الخبر علي كالصاعقة، لكنني أيقنت أن هذا ابتلاء من الله عز وجل، بعدها نقلناها لمستشفى بني مسوس، حيث أخبرني رئيس القسم أن هذا المرض متحكم فيه في الجزائر بشكل جيد، ولا داعي للقلق، وسألته قائلا: هل هنالك إمكانية لنقلها للعلاج بالخارج؟ عندها قال لي تلك الجملة التي لم تفارق سمعي: لن تحصل على التكفل بعلاجها في الخارج حتى لو ربحت الجزائر بأجمعها، ثم أنني لن أمضي طلب تحويلها ليعرض على اللجنة الوطنية....
وبدأت رحلة "صبرينال" المسكينة مع العلاج الكيميائي، الجرعة تلو الجرعة، إلى أن وصلت إلى الجرعة الرابعة التي كانت من أقوى الجرعات، ولم تستجيب لهذا العلاج...بالموازاة مع ذلك كنت أناشد كل مسئول في بلادنا من أدناهم إلى أعلاهم أن يساعدوني لنقل ابنتي للعلاج بالخارج، فنوعية سرطانها لم يعرف منها هذا المستشفى حسب ما يذكره الأطباء إلا ثلاث حالات، ما يعني أن هذا النوع خطير جدا وغير متحكم فيه...، لكنني لم أتلق ولا حتى مكالمة هاتفية من مسئول جزائري يقول لي: الله غالب، الدولة فقيرة لا تستطيع أن تتكفل بعلاج ابنتك في الخارج،....فقد نشرت حالتها في أبرز الجرائد الوطنية ومن بينها جريدة الفجر، ولا مجيب... إن العلاج الكيميائي يتطلب دقة ونظافة فائقة في القسم، بل في بعض الأحيان عزل المريض في غرفة خاصة تدعى "الغرفة المعقمة"، وهذا ما لم يحدث ولو لمرة واحدة في القسم الذي كانت به ابنتي منذ جوان 2006 إلى غاية نوفمبر من نفس السنة...، لقد كانت محشورة في قاعة بها في المتوسط 10 أشخاص، وتفتقد إلى أدنى شروط التعقيم الخاص بالمستشفيات، الصراصير (أكبر حامل للميكروبات على ظهرها) غزت القاعة، المصلحة عبارة عن ورشة منذ صيف العام الماضي إلى الآن... لقد كانت المعاناة اليومية في هذا المستشفى، كل يوم مشكلة: الصفائح الدموية، الدم، عدد هام من الأدوية غير المتوفرة، اضطررنا إلى إحضارها بجهودنا الخاصة من داخل وخارج الوطن AMSACRINE,ACRENOME,FORTIMEL,ZOFRENNE INJECTABLE))، بعدها وبمساعدة الأقارب وذوي البر والإحسان أرسلتها لإجراء فحوصات بالخارج بمستشفى سان لوي المتخصص، وبعد اطلاع البروفيسور "أندري باروشال" على حالتها وملفّها الطبي قال: إن الجرعة الأولى من العلاج الكيميائي لم تكن كما يجب، فقد استبدل أحد مكوناتها بآخر...، وتأسف شديد الأسف لعدم قدرته على الاحتفاظ بها في قسمه، فتكاليف العلاج غالية جدا، لا تتحملها إلا الدولة من خلال التأمينات الاجتماعية... رجعت "صبرينال" وهي في حالة صعبة، ازدادت آلامها، انتفخ بطنها نتيجة انتفاخ الطحال، وبدأت مسيرة التهرب من الاحتفاظ بها في القسم بمستشفى بني مسوس، حيث قررت إحدى البروفيسورات بقسم الأطفال أنها لن تقبلها في القسم بحجة أننا أخذناها للخارج، وأيضا استخدامنا للعلاج بالأعشاب، وقبلها كانت تقول: خذوها للبيت تلعب وتأكل، وأعطوها "المورفين" بكميات كبيرة، المهم أن لا تتألم إلى أن تأتي ساعتها. هكذا يتعامل بعض أطبائنا (برتبة بروفيسور) مع مرضاهم، وأي مرضى؟ إنهم الأطفال المصابين بالسرطان، إنهم فلذات أكبادنا الذين رأيتهم يموتون الواحد تلو الآخر، والكل يكذب علينا وعلى نفسه ويقول: إننا نتحكم في هذا المرض في بلادنا...
إنها أكبر كذبة تعرَّضت لها في حياتي، وأنا الأستاذ الجامعي الذي تخرّج على يديه آلاف الطلبة...وأنا الآن أدفع ثمن تصديقي لتلك الكذبة، وأيُّ ثمن؟ إنها حياة قرّةُ عيني صبرينال.. بعد عذاب رهيب من آلام هذا المرض القاتل، توفيت "صبرينال" يوم 12/02/2008، لقد رحمها الله بعد أن قسى عليها أصحاب المهنة النبيلة، الذين عوض أن يساهموا في تخفيف معاناتها الطويلة مع سرطان الدم القاتل تعاملوا معها بقسوة لم نرى لها مثيلا حتى عند الصهاينة الذين مازالوا يحتفظون بالسفاح الملعون شارون منذ عامين في العناية المركزة ولم يملّوا من ذلك، وآخرون يحتفظون بمرضاهم فاقدي الوعي في العناية المركزة لأكثر من عشرين سنة دون أن يفقدوا الأمل في شفائهم... وفي بلادنا يتهرب الأطباء من الاحتفاظ بطفلة لشهر واحد لتموت في راحة وسكينة... إنني لا أبكي صبرينال لوحدها، بل أبكي على الغاليين: آية، رحمة، رغدة، العارم، أسامة، باديس، رحمهم الله جميعا، إنني أبكي على مصير الأطفال الآخرين: هند، ، عصام، إدريس، نور الهدى... وغيرهم كثير، إنهم عين البراءة فلماذا لا ننقذهم؟ لماذا ينتظر البعض منهم عملية الزرع منذ عام وساءت حالته وهو ينتظر أن ترحمه امرأة واحدة تتحكم في أعمار أولادنا، فلا هي اعترفت بالعجز عن التكفل بهم، ولا هي أمضت ملفات نقلهم للخارج؛ فهي الخبيرة العظيمة التي تقول نعم أو لا، فسيّالة الإعدام والعفو بيدها، ومن أراد أن يتأكد: فليسأل عن البروفيسورة العظيمة في مركز مكافحة السرطان "بيير وماري كوري" بمستشفى مصطفى باشا فسيأتيه الخبر اليقين. إنني أتألم، ليس لأنني رأيت قرة عيني "صبرينال" تضيع من بين يدي، لأن الله يعلم أننا بذلنا كل ما نستطيع من أجل إنقاذها، لكنني أتألم كمواطن جزائري، لو عصروا دمي وحللوه لوجدوا الجزائر ثم الجزائر ثم الجزائر...إنني أحس الآن بكل عقل جزائري هاجر ولم يعد، أحس بأهمية أن تكون إنسان تحفظ كرامتك، وتحس بأمن وأمان مع أهلك...
إن ضاعت مني "صبرينال" فلا أريد أن يضيع الأطفال الآخرون من آبائهم، إنها المعاناة التي تتفتت لها الحجارة، ولكن صدق الله تعالى إذ يقول: "ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون" (سورة البقرة، الآية: 74)، إنني أترجّى كل محسن ومحسنة (أفرادا ومؤسسات)، أن يفكّروا جيدا في التعاون والتكافل بغية "إنشاء المستشفى الخيري المتخصص في مكافحة السرطان عند الأطفال" ليكون صدقة جارية لهم، يرفعون به الغبن والمعاناة عن أطفالنا المساكين، على أن يكون وقفا لله تعالى، وتخصّص له أوقاف كثيرة تضمن له التمويل اللازم لتسييره وتطويره، وأنا على يقين أن هذا المركز يستطيع أن ينشئه مجموعة صغيرة من مليارديرات الجزائر، وما أكثرهم...، وآه وألف آه يا جزائر العزّة والكرامة...
رحمك الله يا "صبرينال" سامحي أباك أرجوك، فقد كنت مكبل اليدين والرجلين، وكنت عاجزا تماما أمام تلك الوضعية المخزية التي مررت بها سامحيني يا ابنتي الغالية، سامحي أباك المسكين فقد كذبوا عليه وصدّق كذبهم، وحسبنا الله في كل مسئول قرأ نداءها وكان قادرا على مساعدتها فعلا ولم يبادر إلى ذلك، حسبنا الله ونعم الوكيل، حسبنا الله ونعم الوكيل...
الدكتور أبو صبرينال فارس أحمد مسدور
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire