الحركة الوطنية
بعد أن دب الوهن في المقاومات الشعبية المسلحة وتمكن السلطات الاستعمارية من بسط سيطرتها علما الجزائر بدأت في مطلع القرن العشرين مرحلة جديدة من النضال والمقاومة عرفت بمرحلة النضال السياسي وقد اتسمت في بدايتها بظهور نوع من المقاومة التي تعتمد على اللوائح والعرائض الاحتجاجية والصحافة لتصبح فيما بعد في شكل نوادي وجمعيات ثقافية وخيرية ورياضية.
إن أهم ما يميز النضال السياسي في الجزائر منذ بدايته هو انقسام عناصره إلى 3 تيارات متباينة تتمثل في:
1- الأهالي الذين لم يجدوا بدّا من قبول النظام الاستعماري دون أن يتخلوا عن أحوالهم الشخصية الإسلامية وبذلك يكونون في درجة دنيا.
2- الإندماجيون الذين يعملون للحصول على حقوق مقابل خدمات كبرى.
3- الوطنيون الذين لا يثقون في النظام الاستعماري.
وإضافة إلى حركة الشبان الجزائريين فإن الأمير خالد (1875م-1936م) يعد من أبرز الشخصيات الجزائرية التي قامت بدور هام في الميدان السياسي في هذه الفترة، حيث شارك في الانتخابات البلدية وأسس صحيفة " الإقدام " ودخل في صراع حاد مع حركة الدكتور بن تامي الاندماجية والذي كان إلى جانبه في تأسيس " لجنة الدفاع عن مصالح المسلمين " وعندما تأكدت السلطات الفرنسية من أنه قد يصبح زعيما وطنيا شددت عليه الخناق ثم نفته خارج الوطن.
وأسس الدكتور بن تامي " جمعية النواب المسلمين الجزائريين " الاندماجية لكن هذه الجمعية لم تمكث طويلا حتى انقسمت إلى ثلاث اتحاديات هي:
- اتحادية النواب المسلمين العامة برئاسة زروق محي الدين.
- اتحادية النواب القسنطينية برئاسة الشريف سيسبان.
- اتحادية النواب المسلمين بوهران برئاسة بن عواة باشتارزي.
و كان للمهاجرين الجزائريين في فرنسا دور كبير في إنشاء حزب " نجم شمال إفريقيا " سنة 1926 بباريس، وذلك بفضل الظروف التي كانوا يعيشون في ظلها والمتمثلة في وجود تنظيمات مختلفة وحياة نقابية نشيطة. إذ قام هؤلاء بالانخراط في التـنـظيمات النقابية والسياسية التي يقترب برنامجها من طموحاتهم، وقام مصالي الحاج، بعد أن أصبح رئيسا لهذا الحزب، بعرض برنامجه في المؤتمر المناهض للإمبريالية المنعقد في بروكسل ببلجيكا في السنة نفسها وأهم محتوياته، الاستقلال الكامل للجزائر وإنشاء جيش وطني وبرلمان جزائري منتخب بواسطة الاقتراع العام. وجلاء الجيش الفرنسي من التراب الجزائري، لهذا قررت السلطات الفرنسية حل النجم سنة 1929م الأمر الذي دفعه إلى ممارسة نشاطاته في السرية تحت إسم " نجم شمال إفريقيا المجيد".
أسس النجم لنفسه جريدة " الأمة " سنة 1930م وقامت بنشر المذكرة التي إرسلها مصالي الحاج إلى عصبة الأمم والتي يكذب فيها الإدعاءات الفرنسية بأن الجزائر صارت فرنسية وإلى الأبد ومرة أخرى يتعرض الحزب للحل ويعاقب زعيمه بـ 6 سنوات حبسا لإعادة تشكيل منظمة محلولة ولكن الحزب واصل نشاطاته تحت اسم جديد هو "الإتحاد الوطني لمسلمي شمال إفريقيا ".
لقد كان النجم حزبا يضم كافة أقطار شمال افريقيا ويعمل على تحريرها بل واهتم أيضا بمشاكل العالم العربي والدليل على ذلك تلك المظاهرة الضخمة التي نظمها في باريس يوم 14 جويلية 1936م وحضرها أكثر من 40 ألف جزائري نادوا خلالها: " حرروا شمال إفريقيا، حرروا سوريا، حرروا العالم العربي" كما شارك الحزب مشاركة فعالة في المؤتمر الإسلامي الأوربي بجنيف.
ولقد تمكن نجم شمال إفريقيا من تسريب أفكاره إلى داخل الوطن بشكل واسع وكبير بعد إنعقاد المؤتمر الإسلامي الجزائري في جوان 1936م بمدينة الجزائر، وسبب إنعقاده يتمثل في أن بعض الحركات الجزائرية رأت بعد وصول الجبهة الشعبية إلى الحكم في فرنسا أن ظروفا جديدة أصبحت مواتية للمطالبة بالحقوق الوطنية خاصة عندما قدم مشروع بلوم فيوليت "Blum-Violette " الذي رفضه المعمرون بكل قوة فاضطرت الحكومة الفرنسية إلى سحبه. وقد شاركت عدة شخصيات جزائرية في هذا المؤتمر ومن بينها الدكتور محمد الصالح بن جلول والصيدلي فرحات عباس والشيخ عبد الحميد بن باديس، وقدموا في إطاره مجموعة من المطالب إلى الحكومة الفرنسية تتلخص في إلغاء جميع القوانين الاستثنائية، وإلحاق الجزائر بفرنسا إلحاقا إداريا لا قوميا مع توحيد الإدارة وفصل الدين عن الدولة وحرية تدريس اللغة العربية وحرية التعبير، والمساواة في الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية.
تسارعت الأحداث بشكل كبير بعد سنة 1936م إذ قامت السلطات الفرنسية بحل نجم شمال إفريقيا مرة أخرى في 26 جانفي 1937م إلا أنه عاد إلى الظهور في 11 مارس 1937م تحت إسم جديد وهو "حزب الشعب الجزائري " كما صدم الإندماجيون الجزائريون بالتعنت الفرنسي فقام فرحات عباس بتأسيس حزب جديد أسماه " الإتحاد الشعبي الجزائري" سنة 1938م، وقام الدكتور محمد الصالح بن جلول بتأسيس "الإتحاد الفرنسي الإسلامي الجزائري " في العام نفسه. وفي 1939م إبان اندلاع الحرب العالمية الثانية تقرر السلطات الفرنسية تعليق كل الأنشطة السياسية والصحفية التي لا تعلن تأييدها لفرنسا لذلك توقفت جرائد الحركة الوطنية منها جريدة "البصائر" ومجلة "الشهاب" الناطقتان بإسم جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. وجريدة "البرلمان" وجريدة "الشعب" الناطقة باسم حزب الشعب الجزائري. ويساق الجزائريون في حرب لا تعنيهم ومرة أخرى يتساءل الوطنيون عن المخرج فيقدم فرحات عباس مذكرة للوالي العام الفرنسي يدعو السلطات الفرنسية إلى الإعتراف بالأمة الجزائرية التي يجب أن تتحرر كباقي أمم العالم. وفي 1943م تقدم عدد من الشخصيات الجزائرية ببيان فبراير 1943م وسلمت نسخا منه للحلفاء وكذلك للجنرال ديغول الذي عين الجنرال كاترو حاكما عاما للجزائر، وأهم ما جاء في هذا البيان إلغاء النظام الاستعماري فورا وإنشاء دولة جزائرية لها دستورها وبرلمانها وإشراك الجزائريين في تسيير شؤونهم وتحقيق الحريات العامة.
لقد كان لمجازر 8 ماي 1945 أثرا بالغا في مسيرة الكفاح الوطني، حيث تأكد بعدها أن الإستعمار الفرنسي لايمكن أن يخرج إلا بمثل ما دخل، ومن هنا فقد عاد "حزب الشعب الجزائري" تحت إسم جديد هو " حركة لإنتصار للحريات الديمقراطية " (MTLD) كواجهة رسمية في أكتوبر سنة 1946 تحت زعامة مصالي الحاج، ويدخل في الإنتخابات ويفوز فيها لكن الإستعمار يزور نتائجها إلى أن أصبحت مثلا يضرب، ومن أحضان هذه الحركة تبرز " المنظمة الخاصة" التي تهدف إلى تدريب الشباب الجزائري على حمل السلاح، استعدادا لليوم المشهود ويتعرض الحزب لانشقاق كبير سنة 1954 بين أنصار الأمين العام وأنصار اللجنة المركزية.
كما ظهر حزب "الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري" (UDMA) على إنقاض التجمع المنحل إثر مجازر 8 ماي 1945 والذي عرف باسم " أحباب البيان والحرية " تحت زعامة فرحات عباس وذلك في شهر ماي 1946 وعاد للظهور في نفس الفترة الحزب الشيوعي الجزائري المؤسس سنة 1935 وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين تحت قيادة الشيخ البشير الإبراهيمي والمؤسسة سنة 1931.
عرفت هذه الفترة انتشار فكرة التحرر وانحصار المد الإستعماري، فقد كان للثورة المصرية 23 جويلية 1952 وللحركات المسلحة في كل من تونس والمغرب صدى كبيرا في نفوس المناضلين الجزائريين الذين تأكدوا من عدم جدوى الأحزاب السياسية في مسألة التحرر الوطني.
وهكذا فقد تأسست " اللجنة الثورية للوحدة والعمل" (CRUA) يوم 6 مارس 1954 بهدف إيجاد قيادة ثورية موحدة تتخذ الكفاح المسلح وسيلة لإسترجاع السيادة الوطنية ثم تقوم مجموعة 22 بعقد أول اجتماعاتها يوم 23 جوان 1954 لإتخاذ الت,,,,*ير اللازمة لإنطلاق الكفاح المسلح وقد ترأس هذا الإجتماع التاريخي الشهيد مصطفى بن بوالعيد وينبثق عن هذه المجموعة قيادة تتكون من 5 أفراد ثم 6 وتشرع في الإعداد لإندلاع الثورة في أول نوفمبر 1954
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire