ابن عيسى ابن دالي إبراهم ابن مصطفى ابن محمد، ولدبالمدية يوم19جوان 1896م تعلم القرآن الكريم وختم حفظه وهو في التسع السنوات من عمره،وبعون الله تعالى أتم تفسيره في الخامسة والثلاثين.
درس على يدمشايخه: الشيخ المستغالمي، الشيخ الفضيل إسكندر،الشيخ فخار مصطفى...، ومن الكتب مكتبته:الأجرومية على متن السنوسية وألفية الإمام مالك وكل كتب الفقه على المذهب الحنفي،تزوج سنة1930م وهو أبلثلاثة عشر ولدا قبل الثورة.كان في سلكالتعليم الديني حيث شغل منصب مدرس لتعليم القرآن الكريم في مدرسة سيدي سليمان بالزبيرية وذلك لعدة سنوات، كان يدرس ترتيل وتجويد القرآن الكريم بسبع أحرف.
حضرلكل المعارك في البلادمنذ إندلاع الثورة المقدسة حيث خدم في السرية مع أخيه الشهيدوكان أخوه ابن داليابراهم إمام مسجد الجديد الذي خطفته يد الإستعمار سنة 1958م عذب خلالها حتىوافته المنية، إبراهيم الذي يوجد لهشارع مسمى باسمه،من بين أصدقائه في الكفاح عبد الحميد بن باديس والبشير الإبراهيميتحصل الإمام رحمه الله على جائزة مؤذن سنة04/12/ 1934م من 12 أفريل 1934م من ولاية عامل عمالة الجزائر( إدارة أمور الأهالي) كان يلازم دروس العلم التي كانت تلقى في المسجد في مختلف المواضيع من فقه ونحو وتفسير وتجويد وغيرها، طرف اللجنة التي كان يشرف عنها آنذاك الشيخ الفضيل إسكندر،وعلى جائزة إمام سني،ثم على مرتبة إمام خطيب بعد إمتحان سنة1972مببوسعادة.
بعد الاستقلال، شغل منصب مؤذن،ثم حزاب،ثم إمام صلوات الخمس ثم إمام خطيب.عدة طلبة تخرجوا على يده في مختلف الميادين من بينهم الشيخ محمد بن جباس وفي النحوالشيخ ميسوم بن طاهر،من بين مشايخه: الشيخ الفضيل إسكندر،الشيخ مصطفى فخار،الشيخ محمدبلحسن،والشيخ الزاوي لخضر.
الفن الذي كان يحوزه هو فن التجويد والنحووكان رحمه الله بحفظ ألفية الإمام مالك (ألف بيت شعر).
وتوجد الآن بمكتبته بطاقة تعريف الإمام عبد الحميد بن باديس توفي الإمام الجليل يوم الأحد 29أفريل1984م بالمدية ببيته وذلك إثرمرض عضال ألزمه الفراش لمدة سبعة سنوات.
رحم الله كل علمائنا الأجلاء وأسكنهم فسيح جناته، وأمد طول العمرلعلمائنا،وأئمتنا،وأساتذتناووفقهم الله لما فيه خير البلاد والعباد.
ولد-رحمه الله-في مارس 1892الموافق للسنة 1310الهجرية بحوش بالفخار، على مقربة من مقبرة الزبوجة وهو ابن حميدة بن علال بن محمد بن الفخار.
ترعرع في بيت الدين والطاعة الله ورسوله فأبوه حميدة فخار أو بالفخار، كان مفتيا، وابن المفتي علال بالفخار، في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، فيما كان يعرف- قديما "بجامع الباي أو الجامع المالكي، أو الوسطاني، وقد رفع مكانه جامع جديد وهوالمسمى اليوم بجامع الإمام مالك رضي الله عنه."
فلما درج دخل كتابا كان المؤدب أو الذرار بالتعبير العامي القديم،فيه، كان يعلم الصبية القرآن الكريم ومبادئ الفقه والصرف والنحو، زوج عمته رحمها الله، الشيخ بن يلس.
وبين يدي شيخه ذاك، حفظ القرآن العظيم، وتلقى مبادئ اللغة العربية والنحو والصرف، وحفظ شيئا من الحديث وعددا من المتون، مثل الأجرومية والقطر والبردة والبيقونية وسيدي خليل وألفية بن مالك والشمقمقية والفرائض وما يتصل بها من حساب وكسور إلخ......
"فالتعليم الإبتدائي والأساسي" كان عندنا، في الكتاتيب القرآنية، التي كان مؤدبوها أو الشيوخ، أو الذرارون( من الذرية لأنهم يربون الذراري) يلقنون التلاميذ والطلبة، القرآن الكريم-كما رويت ذلك عنه-ويعطونهم سطورا في أسفل اللوحة من المتون الأساسية في ثقافتنا الإسلامية العربية، يحفظونها ويشرحها لهم الشيخ، مع ما يكتبون من القرآن الكريم. فلا يحفظ الطلبة كتاب الله إلا وقد حفظوا معه، ووعوا المتون الأساسية.
وكان يحضر مع الطلبة- حسبما كان يروي ذلك بنفسه - دروس والده في الجامع، التي كان يلقي بعضها على العموم، والبعض الآخر على بعض الطلبة دون عامة الناس.
وقد أخذ الفقه ودرس مدونة و موطأ الإمام مالك.وشرح الإمام القسطلاني و التفسير عن عالم جليل آخر، من علماء بلدنا المحروس ، المدية وهو المرحوم الشيخ ابن الحصيني-كما رويت ذلك عنه رحمه الله- وقد كانت للشيخ بالحصيني، ذاك أياد بيضاء، ومنه وفضل على كثير من مثقفي المدية، وكان هذا العالم الصوفي الفاضل، يدرس لوجه الله في الجامع، للعامة وللطلبة... وعنه روى وتعلم جل شيوخنا القدامى.
أما الحديث النبوي الشريف فقد روي عنه أن جدنا علالا وجد الشيخ الفضيل بن رمضان- رحمهم الله جـميعا- سافر إلى الجزائر العاصمة في منتصف القرن التاسع عشر، أو في التسعينيات منه، وأقاما فيها أقاما فيها أربعة أو سنة أشهر، نازلين بمقصورةالجامع الكبير، لا طعام لهم كامل تلك المدة، غير السويق والماء والسويق هو الروينة.
وكانت رحلتهم تلك لنسخ ثلاث نسخ من صحيح البخاري وثلاث نسخ من صحيح مسلم لتلاوتها من أول أحد رجب، وختمها في ليلتي السابع والعشرين والثامن والعشرين من رمضان ...كل سنة .
وعاد إلى المدية بعد رحلة الحديث تلك، لأن النسخ المطبوعة كانت نادرة، بل ربما لم يكن البخاري ومسلم قد طبعا في ذلك الوقت...فأقدم طبعات بولاق المصرية للصحيحين، من التسعينات من القرن التاسع عشر...فقد حبس الرجلان نفسيهما طوعا نصف عام بلياليه في مقصورة..لكنها مقصورة الجامع الأعظم.. وعاشا على السويق والماء، وهما بمثابة " الأسودين" عندهم إذ ذاك، لنسخ الصحيحين، بأقلام القصب والصمغ ونقع قشر شجر الجوز...
وقد سمعت الشيخ الفضيل إسكندر بن رمضان- رحمه الله- يقول: إن المدينة التي يتلى فيها الصحيحان لا يبتليها الله بالخسف.
وقد قرأ الشيخ المفتي مصطفى بن حميدة والشيخ الفضيل إسكندر بن رمضان، البخاري ومسلم وقرأهما معهم عشرات الطلبة والأئمة، أمثال الشيخ الشهيد إبراهيم بن دالي، وأخيه الشيخ بن عيسى بن دالي والشيخ الجيلالي دوخ والشيخ محمد بن الحصيني، حفيد الشيخ بالحصيني الكبير، والشيخ المرحوم عبدالرحمن الزوبير...قرؤوهما أكثر من ستين سنة، وأفادوا واستفادوا وأناروا البلد... فربطوا على قلوب الناس برباط القرآن العظيم والبخاري ومسلم.
وكان جل علم الشيخ المفتي مصطفى فخار من مطالعاته...فكان إلى حد بعيد عصاميا، فلطالما كان يقول لنا-رحمه الله قول شاعرنا:
أطلب العلم لا تضجر من مطلبفآفة الطالب أن يضـجـر!
ألـم تر أن الـحبل بـتكرارهعلى الصخرة الصماء قد أثر!!
وعلى ذكر الشعر كان يحب منه شعر الحكمة والفروسية والجود والكرم ويتغنى بمدح الرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قرأنا- رحمه الله وجازاه عنا كل خير!.
بانت سعاد فقلبي اليوممتبول.. وبردة البصيري وهمزيته... وأحب نهج البردة... التي نظمها شوقي وغنتها أم كلثوم في الخمسينيات من القرن الماضي.
ذلك أن الرجل كان صوفيا بل كان مقدم الطريقة التيجانية بالمدية. وهي من كبريات الطرق الصوفية، شيخها ومؤسسها الولي الصالح سيدي أحمد التيجاني من عين ماضي، قرب الأغواط، ولها مريدون في المغرب الأقصى والجزائر كلها وفي المشرق العربي، وقد نشط عدد كبير منهم فنشروا الإسلام بإفريقيا جنوبي الصحراء، في السنيغال والنيجر والتشاد ونيجريا....
فكان سي مصطفى أو الشيخ المفتي كما كان يسميه أهل المدينة تيجانيا، بينما كان أبو شاذليا من مريدي طريقة سيدي بالحسن بن الشاذلي رضي الله عن جميعهم......
وكان يعقد يوميا حلقة الوظيفة وهي حلقة ذكر يومية تنعقد بعد العصر حول إزار أبيض كبير يبسط فوق زرابي الجامع لئلا تشغله صورها ورسومها عن ذكرهم.... فيسترسلون في ذكرهم وتسبيحهم اللهم صلي على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق، ناصر الحق بالحق والهادي إلى صراطك المستقيم وعلى آله وصحبه حق قدره وقدره العظيم...ولا إله إلا الله ....إلخ.....
وينهان عن الشعر الهزلي.. وكان ممن يذكر معه الحاج خوني كسكسة ومبارك من الذين ترى في وجوههم سكينة الذاكرين وطمأنينة وإيمان المخلصين...
وفيما يتعلق بعلمه فكان جله من مطالعاته، فكان عصاميا إلى حد بعيد....
فلم أفتح ولم أقرأ قط، كتابا واحد من كتب مكتبته العامرة!وبها كتب كثيرة! إلا في معظم هوامشها تصحيح أو تعليق أو تسجيل في أول الكتاب المذكرات بأهم ما فيه، بخط يده......
وكان من أعز أصدقائه وقرنائه الشيخ الفضيل اسكندر بن رمضان،مفتي الحنفية بالمدية، الذي لم يكد يفارقه يوما..فكانت بينهما المناقشات الطويلة والحوار عن مختلف القضايا الشرعية عند الحنفية والمالكية وقد سافرا معا في جولة علمية وسياحية سنة 1936م إلى تونس.
وهناك زار جامع الزيتونة
وزار الشيخ الطاهر بن عاشور، شيخ جامع الزيتونة، وهو بمثابة عميد الجامعة في أيامنا فامتحنه، فأجازه في الحديث والفقه والتفسير والعربية، وأمهات الكتب والفنون العربية، على عادة القدامى...إمتحنه في الفنون الإسلامية والعربية وفي أمهات كتبها، مذكورة بأسمائها وأصحابها، ومنحه شهادة بالعلم أمضاها بخط يده، رحمهم الله في 1936م
وللشيخ المفتي أياد بيضاء على أغلبية المثقفين بالعربية أو بالعربية والفرنسية من أهل المدية، إذ أخذ عنه المئات، وربما الآلاف من أهل المدية وغيرها جل، وربما كل ثقافتهم العربية والإسلامية، لما كانوا يحضرون دروسه في النحو والصرف والفقه والتوحيد والتفسير والتجويد، ويسمعون أو يشاركون في تلاوة البخاري ومسلم، ويحضرون ختمهما في ليلة السابع والعشرين وليلة الثامن والعشرين من رمضان، حين كان يحتفل به في الجامع الجديد وهو الواقع إلى جانب مجلس القضاء اليوم.
وكان يحضر الحفل المهيب والبهيج الشيخ محمود اسطنبولي مفتي البليدة- وهو من آل إسنطنبولي من المدية وكانوا يعرفونه باسم الحاج محمود- يحضر جل القراء، يرفلون في برانسهم و جببهم البيضاء وعمائم الياسمين، فيهتز الجامع بذكرهم وترتيلهم وتلاوتهم، وتسبيحهم...ويخطبون ،فيذكرون الرسول الأعظم، صلى الله عليه وسلم ومناقب الصحابة والرواة، والشيخين رضي الله عن جميعهم... فزرعوا بذلك بذور الثقافة والشخصية العربية الإسلامية في أهل البلد.
وإني لأذكر ذلك الأستاذ الكبير- الذي لم يكن يدرس، في شبابه إلا بالمدارس الفرنسية، ولم يتعلم العربية والشريعة إلا منه، من دروسه التي لم يكن يتخلف عن واحد منها ولو أعطوه حمر النعم كما كان يحلو له أن يقول معجبا بفصاحة الشيخ وسرعة بديهته-كما كان يقول-وكله عرفان وتقدير.
وللشيخ المفتي مخطوط في مناسك الحج بخط يده عدا آلاف المذكرات في كل الدروس والخطب التي ألقاها على مدى نيف ونصف قرن أو يزيد.....
كلما كان الحديث عن ثورة التحرير والتضحيات الجسام التي قدمها الشعب الجزائري لنيل حريته واستقلاله، كلما جرى الحديث عن الأبطال الذين كانوا في الطليعة حتى أصبحت الروايات التي تتدوال عن بطولاتهم وشجاعتهم وكأنها أساطير، من ذلك مايروي عن البطلالشهيد اعمر بن هلال المعروف سي حمدان الذي مازال سكان أحياء مدينة المدية وقراها ومداشرها عندما يتحدث كبارهم ومجاهديهم عن بطولات وشجاعة سي حمدان وكأنهم يرون أساطير من نسج الخيال ، كيف لا وهو ما أدى بالصحافة الاستعمارية يوم استشهاده تكتب عبر صفحاتها بعناوين عريضة: القضاء النهائي على مسؤول جبهة التحرير بالمدية. وهذا في صحيفة صدى الجزائر الصادرة بتاريخ 09 ماي 1960.
ولد سي حمدان في شهر سبتمبر 1938 بقرية الكتاب بضواحي المدية، توفي والده وعمره لا يتجاوز البضعة شهور، له أخ وحيد يكبره وهو مجاهد أيضا، وستة أخوات، وكغيره من أبناء الجزائر الذين حرموا من طلب العلم والدراسة التحق الطفل اعمر بكتاب القرية حيث تلقى قسط من القرآن الكريم على يد الشيخ السلاني ثم انتقل إلى المدرسة الزوبيرية الحرة التي كانت المدرسة الوحيدة بالمديتة التي تلقن أبناءها الروح الوطنية واللغة العربية والتي كان لها الفضل والشرف في تخريج أعداد كبيرة من الوطنيين والشهداء والإطارات ومازالت تؤدي رسالتها إلى اليوم، ثم انقطع عن الدراسة ليساعد أخاه محمد على إعانة شؤون العائلة فاختار مهنة النجارة.
وعندما اندلعت الثورة كان عمره لا يتعدى 16 سنة، ولم ينتظر حتى يشتد عوده بل دخل الثورة بقلبه وكيانه ومع انطلاق الشرارة الأولى بدأ يتصل بالمجاهدين ويجالس المناضلين، وكان حلمه الوحيد الصعود إلى الجبل ولم يمنعه سنه من القيام ببعض الأعمال التخريبية، ونظرا للشجاعة والفطنة والذكاء الذي أظهره كلفه القائد الشهيد سي الطيب الجغلالي مفجر الثورة بالمنطقة ومنظمها بمهمة متابعة أحد الخونة للتأكد من اتصاله بالعدو، حيث كان هذا الخائن يتصل بالمواطنين ويدعي أنه من مواطني جبهة التحرير ويهددهم بمسدسه ليدفعوا له الأموال فقام سي حمدان بهذه المهمة أحسن قيام وحضر تقريرا مفصلا للقائد سي الطيب الجغلالي أثبت فيه صحة أقوال المواطنين بخصوص الخائن فأمره بإلقاء القبض عليه وفعلا تمكن من ذلك ووضعه في كوخ ريثما يفصل في أمره تاركا حارسين عليه هما الشهيدان أحمد الصالحي ومصطفى المسراتي ولكن الخائن خادع الحارسين وفر في اتجاه أحد مراكز العدو مخبرا إياهم بالواقعة وفي اليوم الموالي وبينما كان الشهيد سي حمدان بحي عين الذهب وإذا بفرقة الدرك الاستعماري تهجم عليه وتلقي عليه القبض لأن الخائن كان مندسا بينهم داخل سيارة الجيب واقتيد الشهيد إلى مركز الشرطة حيث سلطت عليه شتى أنواع التعذيب وكان أول واحد يفرض عليه شرب المازوت في ذلك المركز ورغم ذلك أنكر الشهيد معرفة الخائن وانتمائه للثورة وأنه لم تقع عينيه على ذلك الخائن، وصادف أن غاب محافظ الشرطة عن المركز فناب عنه أحد الجزائريين العاملين في المركز فطلب هذا الأخير من أفراد الشرطة المكلفين بتعذيبه واستطاقه بأن يتركوه على انفراد مع الشاب ليتكفل هو باستنطاقه حيث يستعمل معه الوسيلة النفسية ولغة الجزائريين، ولما انفرد به الشرطي الجزائري وعده بأن يطلق سراحه شريطة أن يخبره إن كان يعرف الخائن الذي أوشى به وإن كان فعلا قبض عليه وأراد قتله، وتصنع البطل سي حمدان أنه واثق من كلامه على أساس أنه جزائري وأخبره بكل ذكاء ودهاء بأنه صحيح ألقى القبض على ذلك الخائن وأراد قتله لأنه كان يدعي بأنه من الجبهة التحرير ويهدد المواطنين بمسدس يحمله ليأخذ منهم الأموال مضيفا: وإذا لم تصدقني ابعث رجالك إلى داره وفتش في مدفأة منزله وسترى بعينيك، وفعلا تم ذلك حيث لما توجه رجال الشرطة إلى دار الخائن عثروا على المسدس وعادوا به، عندها قال ذلك الشرطي الجزائر أن هذا الشاب المدعو اعمر بن هلال بريء وأن المتهم هو ذلك الخائن وفورا أطلق سراح سي حمدان وهذا بعذ 45 يوما قضاها في السجن وأدخل مكانه ذلك الخائن.
خرج سي حمدان من السجن أكثر عزيمة من ذي قبل وذلك لما رآه بأم عينيه ولما قاساه من معاملة وحشية تجاهه وتجاه أبناء وطنه.
وأقسم بأن لا يغمض له جفن إلا بخروج المستعمر الجاثم فوق صدر أمته، انقطع عن العمل نهائيا وأصبح يتظاهر بأنه يعمل وذلك لإيهام العدو وعملائه الذين كانوا يتربصون به وكان يقضي الليالي مع المجاهدين والمناضلين ولما كثر نشاطه وخاصة بعد أن قام بالعديد من العمليات الفدائية في المدينة،وضواحيها ضد الخونة والمعمرين، خشيت عليه قيادة الجبهة من افتضاح أمره فطلبت منه الالتحاق بالجبل وكان ذلك في أواخر 1956 وهو نفس الوقت الذي بدأت فيه السلطات العسكرية الإستعمارية تبحث عنه للتجنيد الإجباري وهكذا أصبح مطاردا.
من المدرسة الزوبيرية إلى الكتيبة الزوبيرية
التحق سي حمدان بإخوانه في الجبل وانضم بعدها للكتيبة الزوبيرية حيث تلقى تدريبا عسكريا أهله لخوض العديد من المعارك والمشاركة في عدة كمائن إلى جانب إخوانه المجاهدين، في سنة 1958 اشتبكت الكتيبة مع العدو في معركة مشهورة وهي معركة أولاد سنانالتي استعمل فيها العدو مختلف الأسلحة بما فيها الطائرات والدبابات وقد أصيب البطل سي حمدان خلالها بجروح في ساقه فاقترحت عليه الجبهة بعد هذه الإصابة إن كانت له رغبة في التوجه إلى المغرب مع بعض الشباب المتعلمين والطلبة لمواصلة التعليم ولكنه أصر على البقاء وسط الميدان، عندها عين محافظا سياسيا لهذا القسم الشهيد الماحي باشن، زكان هذا القسم يشمل مدينة المدية والقرى والمداشر المحيطة بها، فقام سي حمدان بهذه المهمة أحسن قيام وأعطى الثورة نفسا جديدا حيث قام نتجنيد العشرات من الشباب ودرب الكثير منهم واستطاع بفضل حنكته وذكائه وأخلاقه السامية وتفانيه أن يدخل قلب كل عائلة وقلب كل مجاهد ومناضل بالمنطقة. ومما يروى عنه أنه كان يقضي جزءا من الليل في الجهة الشرقية للمدينة والجزء الآخر في الجهة الغربية أو العكس، ويقدم توجيهاته ويعطي أوامره للمناضلين والماجهدينوعندما يأتي النهار ويلتقي مناضلو ومسؤولو مختلف الجهات يقسم كل واحد أن سي حمدان قضى الليل بينهم.!!
ملك أم بشر!!
من هنا دخل الشك البعض في أن سي حمدان ليس إلا من فئة الملائكة بدليل أن بعضهم كان يشك في لقائه في تلك الليلة وتساءل إن كان في حلم أم في حقيقة، وبالفعل فإن سي حمدان كان يتصل بالمجاهدين والعائلات والمسبلين في ليلة واحدة من شمال المدينة إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها قاطعا المسافات الطوال لم تثنه الصعاب والأهوال شأنه شأن كافة المجاهدين والأبطال الذين قدموا النفس والنفيس لتحرير الوطن.
ويؤكد لنا معظم المجاهدين والمناضلين الذين تحدثنا إليهم أن معظم العمليات الفدائية إن لم تكن كلها التي استهدفت المعمرين والخونة ومراكز الشرطة بين سنتي 1958و1960 كانت من تخطيط الشهيد سي حمدان أو بمشاركته شخصيا تنفيذا لأوامره ويشهد على ذلك قتل كبار المعمرين أمثال ماركايو، ومنقاش وغيرهما.
وكان الشهيد قبل أن ينفذ عملياته يبعث برسائل للمعمرين لدفع الأموال لجبهة التحرير بل كان يبعث برسائل للجودان ليخبره بأنه في اليوم الفلاني وفي الناحية الفلانية بالقرية الفلانية سيكون بالمكان الفلاني إن أراد مقابلته أو مواجهته!! وكانت كلما وصلت الرسالة للجودان يرتعد ويختفي لعدة أيام ريثما تهدأ فرائسه ويعود إلى حالته الطبيعية.
وتؤكد معظم العائلات والمجاهدين الذين تحدثنا معهم أن سي حمدان كان يتجول نهارا عبر الشوارع الرئيسية للمدينة وأحيائها مرتديا قشابية وحاملا كيسا به أدوات البنائين ولكنتحت القاشابية كان يحمل سلاحه وكم من مرة اكتشف أمره وينجو من الحصار بأعجوبة. وكان اللباس المفضل لديه هو اللباس المزركش أي البارا حتى أن بعضهم يروي أنه كان يندس في بعض الأحيان وسط جنود الاستعمار ولا يتفطنون له، وقد استطاع بفضل حنكته وتكثيفه للعمليات الفدائية بمدينة المدية وضواحيها أن يخفف الضغط على الأرياف والجبال المحيطة بالمدينة بعد العملية المعروفة بالربع ساعةالأخير، وأصبح الشغل الشاغل للسلطة الإستعمارية بالمدينة.
استشهاده بعد آخر اجتماع.
كانت الساعة تشير إلى الثانية من صباح يوم السابع ماي 1960حينما اجتمع سي حمدانرفقة ستة من إخوانه المجاهدين من بينهم أخيه محمد، بمنزل الشيخ زوارد بقرية الكوالة بضواحي مدينة المديةحيث انقسمت الفرقة إلى قسمين:
قسم يضم أخاه محمد بن هلال والمجاهدان مازوني جمال المدعو عبدالسلام وخالد زميرلي وقد استشهدا فيما بعد،وتوجه ثلاثيتهم إلى قرية بني عطلي على الطريق المؤدي إلى جبال تمزقيدة، أما سي حمدان فقد رافقه الباقي إلى حومة بوقلقال وهو مجمع سكني لعائلة كبيرة تعد من أكبر العائلات اللمدانية حيث توجه الشهيد إلى المركز الكازمة أو المخبأ الذي اعتاد عليه عند عائلة مجبر امحمد وحوالي الساعة التاسعة صباحالم يتفطن أحدا إلاوالمكان محاصر بقوات كبيرة من طرف أصحاب القبعات الحمراء مدججين بالسلاح والكلاب وقد حوصر الحي السكني من جميع جوانبه وكان يوما مشهودا بحي تاكبو وعين الذهب، حيث يتواجد المخبأ السري الذي كان سي حمدان متواجدا به رفقة إخوانه المجاهدين وهذا المخبأ لم يكن يعرفه سوى المجاهدين الذين أقاموا بهولهذا فإن رائحة الخيانة كانت تزكم الأنوف وهي وشاية أحد المستسلمين من الذين كانوا تعرفوا على هذا المخبأالسري وربما حتى من المقربين من سي حمدان نفسه بدليل أنه في ذلك اليوم كان جنود الإحتلال قد كشفوا سبعة مخابئ سرية أخرى عبر أحياء المدينة وكانت كل هذه المخابئ يرتادها سي حمدان والمقربين منه.
وهكذا كانت البداية بصاحب الدار الشهيد امحمد مجبر، الذي أخرج عنوة من داره وسلطت عليه أنواع التعذيب أمام الدار ولم يتفوه بكلمة ولم يخبرعن المخبأ ولا عن المجاهدين وعندها ربطوه إلى جذع شجرة ومثلوا به حتى استشهد ولكن العدو الذي كان يحاصر المسكن تأكد أن سي حمدان ورفاقه داخل الدار وبواسطة مكبر الصوتكان جنود العدو يطالبون سي حمدان بالاستسلام والخروج وتأكد البطل بأنه لا جدوى من البقاء داخل المخبأ لأن العدو عازم على هدم الدار فوق ساكنيها فاستعد للمعركة الحاسمة مع رفاقه وكان قد أخذ وعدا مع نفسه منذ التحاقه بالثورة بأنه إما أن يعيش لينعم بالاستقلال وإما أن يستشهد، أما أن يقبضوا عليه فهذا من المستحيلات السبع وانطلقت المواجهة التي دامت قرابة الساعتين استشهد خلالهاالبطل سي حمدان واثنين من رفاقه وهما الشهيدان سي يحي وعبدالرزاق القليعي وتكبد العدو أكثر من 10 قتلى وضابط برتبة رائد ولما تأكد العدو من انتهاء المعركة وجيء بجثة سي حمدان ورفيقيه والتف حولهم جنود الاحتلال وقف قائدهم قائلا: بمثل هذا البطل انتصرت فرنسا على النازية.....،
وكأنهم كانوا أقل نازية من ألمانيا ثم سلم جثته للسكان فهب الرجال يكبرون والنساء تزغردن ويرششن جثث الشهداء الطاهرة بالعطور واكن يوما مشهودا في تاريخ مدينة المدية ووري الشهيد التراب رفقة صاحب الدار في قبر واحد بمقبرة الحي المعروفة بمقبرة الزبوجة ....وهكذا استشهد البطل سي حمدان وعمره لا يتجاوز 22 سنة وقد كتبتجريدة صدى الجزائر يوم 09 ماي 1960 وبالبنط العريض تحت عنوان: القضاء النهائي لعى مسؤولي جبهة التحرير الوطني بالمدية، ولكن هيهات فقد خاب ظن العدو وتاصلت مسيرة الثورة بالمدية بنفس العزيمة وب رجال صدقوا الله ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاصدق الله العظيم ورحم الله شهداءنا الأبرار )بقلم رويس عبد السلام .
في يوم مشهود من أيام ثورتنا المباركة، وفي يوم ليس كباقي الأيام تم تشييع جنازة الشهيدتين خديجة بن رويسي وخديجة بن يخلف بمقبرة حي الروايسية اللتان سقطتا في ميدان الشرف في نفس اليوم وفي نفس الحادثة، بتاريخ 03 نوفمبر 1961م فما قصة استشهادهما؟
ولدت الشهيدة خديجة بن يخلف في 29 مارس 1945م بحي الدخلة ببلدية المدية وقد نشأت وسط الأسرة تتكون من 12 فردا وكانت خديجة أضغر إخوتها سنا.
ولما بلغت سن الدراسة دخلت المدرسة الزوبيرية التي كانت النجم الساطع للتربية والتعليم والقرآن والدين يوم ذلك، حيث أن المدارس الأخرى كانت شبه محرمة، إلا على المجندين أو المندمجين مع النظام الإستعماري الفرنسي الذي أراد محو الشخصية الجزائرية.
ولما اندلعت ثورة التحريرواشتد الكفاح كانت الأسرة من السباقين إليها والإنخراط فيها، وكانت البنت مستاءة إلى حد كبير من تصرفات الجيش الفرنسي وأعماله الوحشية.
وكان بعض أفراد الأسرة يقومون بجمع الإشتراكات وشاء الأدوية والملابس والأغذية وتسليمها للمجاهدين، كما كانوا يقومون بتوزيع المناشير على السكان وكذلك اللقاءات التي كانت غير خافية عنها رغم اتصافها بالسرية الكاملة والتحفظ الشديد.
ومع مرور الزمن استطاعت البنت أن تفهم الوضع وتكشف مغزاه، هنا أخذ
ابن عمها عبدالرزاق يعرفها بالواقع الأليم، ويشرح لها أهداف المنظمة، وهي تستفسر لماذا هذا كله يا ابن عمي؟.
وهو يجيبها والحسرة بادية على وجهه إنه المستعمر الغاشم الذي غزا بلادنا ظلما وعدوانا واحتل أراضينا وابتز خيراتنا، وأصبح يطاردنا في عقر دارنا، فأسرتها كانت مهددة من طرف جنود الإستعمار بالتفتيش تارة على ابن عمتها جلول مرابط الملقب المنصوري الذي كان ضمن المجاهدين في الجبال،وتارة بوضع الألغام في أركان المنزل، وتارتا بإخلاء المنزل من الأهل وإيقافهم مع الجدران رافعين الأيادي وفي نفس الوقت يقومون بتعذيب بعض أفراد الأسرة داخل المنزل بالتيار الكهربائي وبالضرب على مرءىومسمع من عائلتهم.
أخذت خديجة تفكر في العلاج المضاد لهذا السم فوجدته كامنا في الانضمام إلى صفوف المجاهدين وطلبت من ابن عمها أن يسمح لها بالإلتحاق بهم في الجبال... لكن حبه لها وشفقته عليها جعلاه يقنعها ويغرس فيها الفكرة الشاملة وان كل مخلص لوطنه هو مجاهد ولو كان في منزله بقيت الفتاة الغيورة المتحمسة، مقتصرة على بعض الأعمالالتي كانت تحضر في البيت... إلى أن نشر خبر المظاهرة الكبرى يوم عيد الثورة في غرة نوفمبر 1961م. وسرت البنت لهذا النبأ العظيم وكانت فرحتها كبيرة عندما وزع العلم الجزائري على بعض السكان ليلة المظاهرة. وجاء الصباح وعلت معه أصوات التظاهرين بالتهليل والتكبير وحياة الجزائر وستقوط الإستعمار.
خرجت خديجة وسط جمع من النساء والأطفال والرجال وهم يرددون الله أكبر تحيا الجزائر، ويلوحون بالأعلاموخديجة وسط الجمع بين ذهاب وإياب وجنود الإستعمار تطاردهم بالكلاب طورا وبالرصاص أطوارا، فراودها أحد أفراد أسرتها لمااشتد إطلاق الرصاص على الرجوع إلى الدار، فقالت له دعني أذهب هذه المرة فقط وكأن ساعة اإستشهاد قد حانت، وفعلا كانت النظرة الأخيرة لحيها وآهلها، حيث أنها في نفس اللحظة تلقت وابلا من الرصاص نفذ في صدرها وبطنها فخرت ساقطة على الأرض، فنقلت إثرها إلى المستشفى العسكري لكن سرعان ما لفظت أنفاسها الأخيرة مع زميلتها وبنت حيها خديجة بن رويسي في نفس الوقت.
كأن القدر قد حدد لهما موعدا في كفاحهما ووفاتهما وتشييع جنازتهما إلى مثواهما الأخير، ضمهما قبرا واحد تحت هتاف جمع غفير ملفوفين بالراية الخضراء التي استشهد من أجلها، فرحم الله الشهيدتان ورفقائهما وأسكنهما فسيح جنانه.
ولدت الشهيدة خديجة بن رويسي سنة 1941م بحي الرمالي بمدينة المدية. نشأت وسط أسرة تتكون من 06 أفراد كانت توام لأخيها عبدالله الذي استشهد هو الآخر أثناء الثورة التحريرية، توفي أبوها بعد عام من ولادتها تعلمت قليلا من القراءة والكتابة عندما كانت تذهب إلى كتاب القرية رفقة أخويها. حيث تمكنت من حفظ أجزاء من القرآن الكريم، مكنها ذلك في المساهمة في خدمة الثورة.
نضالها:
بعد اندلاع الثورة التحريرية كانت أسرتها قد انخرطت في صفوف الثورة حتى قبل انطلاقتها ومن السابقين بالتحضير لها حيث كانوا يقومون بتوزيع المناشير على السكان وترتيب لقاءات مع قادة الثورة بالمنطقة. ومع اشتداد لهيب الثورة أصبحمنزل الشهيدة ملتقى المجاهدين من كل النواحي، يجدون فيه المؤونة والذخيرة وتزودهم بالأخبار التي كانت ترصدها لهم الشهيدة حول تحركات الجنود الفرنسيين وأعمال بعض الخونة.
وكثيرا ما انعقدت إجتماعات هامة على مستوى قيادات الجيش بالولاية الرابعة حضرها الرائد محمود باشن وسي لخضر بورقعة وقادة آخرين كون أن المنزل يقع في منطقة بعيدة نسبيا عن أعين العدو الفرنسي وفي خارج المدينة وفي منطقة عالية حيث يمكن للمجاهدين الوصول إليه والذهاب منه بسهولة وإمكانية مراقبة تحركات العدو بشكل أفضل، ومع مطلع سنة 1958م بعد تأكد قوات العدو من خطورة الدور الذي كانت تقوم به الأسرة قام هذا الأخير بتدمير منزلهم تدميرا كليا بوضع أربع قنابل بنواحي المنزل بالإضافة إلى مصادرة كل ما وجدوه من أبقار وأغنام وغير ذلك.
بعد هذه الحادثة انتقلت العائلة المطاردة إلى منزل الجدة بحي الروايسية وبعد ذلك حاولت خديجة الإنضمام إلى صفوف المجاهدين رفقة أخيها عبدالله الذي كان قد سبقها إلى الإنخراط في الثورة والصعود إلى الجبل لكنهم أقنعوها بالبقاء رفقة أمها وأخويها الصغيرين وأن الثورة تحتاجها في أعمال أخرى داخل المدينة وبقيت العائلة تحت أنظار الفرنسيين يراقبون أي تحرك عن بعد بعدما أخويها سليمان ومحمد إلى معتقل لودي ذراع السمار إزداد حماس الشهيدة مع مرور الأيام وازداد حقدها على الإستعمار البغيض الذي شتت عائلتها ودمر منزلهم وصادر أملاكهم إلى أن جاءت ساعة الحسم التي انتظرتها الشهيدة بفارغ الصبر لتعبر عن رفضها للمستعمر، فكان نداء جبهة التحرير الوطني موجها للشعب الجزائري من أجل القيام بمظاهرة كبرى تزامنا مع الفاتح نوفمبر ذكرى السابعة اندلاع الثورة التحريرية، وكانت في الموعد تتقدم الصفوف الأولى رافعة العلم الوطني ومرددة هتافات الله أكبر ةتحيا الجزائر رفقة جمع من الأطفال والرجال وقليل من النساء، فتصدى لهم جنود المستعمر بالرصاص المطاطي قيتفرق الجمع ثم يعاد تنظيم الصفوف مرة أخرى وفي كل مرة يزداد حقد جنود المستعمر على المتظاهرين بإطلاق الرصاص عليهم وفي كل مرة يزداد حماس وتحدي المتظاهرين، وفي غمرة هذا المد والجزر أصيبت الشهيدة خديجة برصاصات قاتلة رفقة زميلتها خديجة بن يخلف ولفظت انفاسها بالمستشفى العسكري بالمدية، وهكذا انتهت مسيرة الشهيدة يوم 03 نوفمبر 1961م
عرف طيلة مشواره المهني بأخلاقه الفاضلة تواضعه الكبير وإخلاصه لدينه وطنه..لقد كان شعلة متوقدةمن الجدية والإلتتزام .. إنه الصحفي المرحوممحمد بن جباس الذي غادرنا إلى الدار الآخرة منذ سنتين..غادرنا في صمت بعد أن قضى أكثر من ثلاثين سنة في الظل في مجال الصحافة والإعلام ضمن طاقم وكالة الأنباء الجزائرية.
لقد أمضي "عمي محمود" كما كان يناديه أغلب معارفه. ثلاثة عقود وهو يناضل من أجل ترسيخ المبادئ التي ضحى من أجلها الشهداء وذلك من خلا ل الرصيد الهائل من المقالات والتحقيقات الصحفية التي عرفتنا بشهداء وأبطال الولاية الرابعة والمعارك الشهيرة التي جرت بها، بل كان أغلبها بخط يده، بل كانت مواضيع الثورة هي التي يفضل الكتابة فيها كيف لا؟ وهو من ساهمفي صنعها وهو في مقتبل العمر ، لقد كان يساعد والده المناضل والمعلم والإمام "محمد جباس" في ترجمة وكتابة التقارير والمنشورات الصادرة عن مسؤولي جبهة التحرير بالمنطقة الثانية بالولاية الرابعة التاريخية.
أجل عمي محمودلقد كنتمجاهدا أثناء الثورة ومجاهدا بعد الإستقلال ولم يتذكرك أحد وأنت على قيد الحياة أو حتى بعد الوفاة وخاصة مسؤوليك في وكالة الأنباء التي كنت من بين رعيلها الأول وأفنيت عمرك فيها، بإستثناء مديرية الأمن لولاية المدية التي كرمتك إضافة إلى إحدى الجمعيات الثقافية المحلية التي كرمتك سنة2002 في 18 من شهر فيفريبمناسبة يوم الشهيد حيث أقامت لك حفلا رمزيا رفقة الصحفي القدير محمود رويس أطال الله في عمره.
لقد كان في تلك اللفتة وقعها النفسي الكبير عليك حتى عينك اغرورقت بالدموع وقلت لي بالحرف الواحدكنتأتمنى لو أن هذا التكريم تم مستوى الوكالة يوم تقاعدي سنة1993م على غرار ما تفعله أغلب المؤسسات خاصة وأنني كنت من الشباب الأوائل الذينانظمواإليها في حي تيليملي مباشرة بعد الإستقلال عندما تحولت من تونس إلى الجزائر.
ورغم تقاعده إلا أنه واصل نضاله في إطار اللجنة الولائية لكتابة تاريخ الثورة وكان كل حلمه أن يصدر كتابا أو سلسلة من الكتب على الأحداث والوقائع التاريخية التي شهدتها الولاية الرابعة، ولكن شاء القدر أن يلتحق بالرفيق الأعلى قبل تحقيق حلمه.
وحتى لا أطيل على القارئ في ذكر مناقب هذا الرجل المخلص المتواضع الذي كان قدوتي يوم التحقت بالصحافة الوطنية أترك القارئ يتابع ما كتبه "عمي محمد" عن نفسه يوم طلبت منه أن يكتب لنا شيئا بمناسبة تكرمه يوم 18 فيفري 2002حيث كتب يقول" إنه ليس من العادة أن يكتب الإنسان عن ذاته ليذكر بمناقبه أو يعدد مراحل حياته،لكن هذا المقام الجليل وهذه المناسبة العظيمة تحتم على المرئ فعل ذلك" أجل لقد كان المرحوم يعتبر عملية تكريمه المتواضعة بالمناسب العظيمة.
والمرحوم من مواليد 1940 بالمدية نشأ وسط عائلة متوسطة الحال بدأ مسيرته التعليمية على يد أبيه الشيخ "محمد بن جباس" المعروف في الأوساط المثقفة بالمديةبتفانيه في نشر العلم وتربية الأجيال حيث كان والده معلما بالمدرسة الزوبيرية، وبعد تحصله على قسط من التعليم حاول المرحوم "عمي محمود"الهجرة إلى تونس لمواصلة الدراسة ضمن الأفواج الأولى التي كانت توجه من المدرسة الزوبيرية إلا أن رغبته لم تتحقق بعد إغلاق الطريق نحو تونس وصعوبة المرور حيث كان لهيب الثورة قد تأجج سنة 1956م وبعدها واصل تعليمه بالمدية على يد والده والشيخ مصطفى فخار مفتي المالكية والشيخ عمر أقدندل هذا الأخير الذي تخرج على يده المئات من حفظة القرآن الكريم بالمدية وضواحيها. بعد الإستقلال مباشرة إلتحق " عمي محمد" بوكالة الأنباء الجزائرية وكان من الرعيل الأول من الشباب الذين التحقوا بهذه المؤسسة الإعلامية الرائدة التي كانت بتونس، من خلال عمله بهذه المؤسسة أدرك المرحوم أن تبليغ الرسالة الإعلامية والعمل الصحفي لا يتم إلا عن طريق مواصلة التكوين واكتساب المزيد من العلم والمعرفة، وفاتجه لمواصلة دراسته إلى جانب عمله اليومي في الوكالة حيث تحصل على شهادة البكالوريا ثم شهادة الليسانس في الحقوق والعلوم الإدارية سنة1976م.
وقد ساعده عمله في الوكالة بالإحتكاك بالعديد من الشخصيات الوطنية والأجنبية وأكسبه ذلك خبرة كبيرة في حياته المهنية ومع ذلك إختار مسقط رأسه بالمدية حيث عين على رأس المكتب الوكالة بالمديةإلى غاية سنة 1993 حيث أحيل على التقاعد ولكن لم يثنيه على مواصلة العمل التطوعي من أجل وطنه إذ واصل مهمته كعضو في اللجنة الولائية للكتابة وتسجيل وقائعثورة التحرير إلى أن أصيب بمرض مفاجئ سنة 2002 لينتقل إلى الرفيق الأعلى 29/10/2002 تاركا وراءه مئات المقالات الصحفية التي أصبحت مرجعا للعديد من الباحثين وخاصة ما تعلقبثورة التحريرالكبرى عامة الأحداث التي عرفتها الولاية الرابعة خاصة، إلى جانب المئات من النقالات المتعلقةبالتنمية الإقتصادية والإجتماعية بالولاية.