الروائي الجزائري علي بومهدي والذاكرة الجماعية لسكان البرواقية
الطيب ولد العروسي
معهد العالم العربي بباريس
ينتاب القارئ أو الناقد الأدبي الكثير من القلق والتساؤل حول تجاهل أعمال علي بومهدي، وتطرح مجموعة من الأسئلة تتركز جلها حول هذا النسيان؟ وفي هذا الإقصاء؟ وهذه اللامبالاة؟رغم أن الرجل كتب في سن مبكرة وباللغة الفرنسية، إلا أن الكثير من أرخوا إلى الرواية الجزائرية المعاصرة لا يذكرونه، أو إن ذكره بعضهم فهم يرددون نفس الأفكار، فإلى أي شيء يعود ذلك؟ما هي المواضيع التي يتشكل منها عمله الروائي "قرية البرواق"؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه في مداخلتنا التي عنوناها بالروائي الجزائري علي بومهديوالذاكرة الجماعية لسكان البرواقية من خلال هذه الرواية عبر المحاور الآتية:
- حياته وأعماله
- حول عنوان الرواية
- المرأة ومرارة الواقع
- المنام والمدّاح والمخيال الاجتماعي
- أنا الجزائري والأخر الاستعماري
- التنافس بين عائلة اليعقوبي وعائلة القرطبي
- المقابلة بين فضاء البرواقية وفضاء المدية
- الدراسة: بين المدرسة الفرنسية والمسيد المدرسة القرآنية
- تبلور الوعي الوطني من خلال التشكيلات السياسية الموجودة في القرية
- مغادرة الجزائر والالتحاق بفرنسا
- العودة إلى الجزائر بعد الاستقلال ثم الرجوع إلى فرنسا
حياة وأعمال بومهدي علي
ولد الروائي الجزائري علي بومهدي في مدينة البرواقية بولاية المدية سنة 1934، حيث واصل دراسته بامتياز، كان دائما من بين المتفوقين، نشأ في أسرة ميسورة الحال لكن الاستعمار استولى على أهم أراضيهم الخصبة في "وادي الشعير" بالقرب من قرية البرواقية، كان والده ينتمي إلى الحركة الإصلاحية الجزائرية، وأنشأ مدرسة لتعليم اللغة العربية. مما شجعه علي على مواصلة دراسته في قريته ثم في المدية، وانتقل إلى فرنسا مع انطلاق ثورة التحرير الجزائرية لمواصلة تعليمه، ثم إلى بريطانيا عام 1958 لنفس الغرض باللغة الانجليزية. تؤكد ابنته بأن تحديد مشوار والدها لم يكن صدفة فلقد تحقق "بفضل ثلاثة عوامل أساسية، الأول الجانب العائلي، فهو أكبر إخوته، أربع بنات وأربعة أولاد، وفي هذا المجال كان له حظ كبير من الاعتناء من والديه فشجعوه على مواصلة الدراسة في فرنسا، لأنه كان دائما الأول في القسم"، ثم تواصل : "أما الجانب الثاني فهو اجتماعي لأنه ينتمي لعائلتين ثريتين وكبيريتين في المنطقة (اليعقوبي وقرطبي)، أما العامل الثالث فهو الجانب الثقافي"، لقد كان والده مثقفا ويحب الشعر والأدب وكان همه تشجيع ولده على مواصلة تحصيله العلمي، وأيضا من ناحية أمه فلقد كانوا يعطون للثقافة مكانة مهمة.
رجععليبعد الاستقلال إلى الجزائر هو وزوجته وأولاده، لكنه لم يمكث طويلا إذ عاد إلى فرنسا وتنقل في كثير من مدنها، ليصبح مديرا لمدرسة إعدادية، ثم مديرا لثانوية في أحواز باريس بمدينة "مونفرماي" منطقة يسكنها أكثر من ثلاثين جنسية، أغلبهم من الجزائر والمغرب وتونس، ثانوية صعبة بحكم تواجدها الجغرافي، وبتكاثر المشاكل الاجتماعية فيها.
أعماله
تجدر الإشارة إلى أن العمل الذي نحن بصدد تقديم قراءة حوله، سيرة ذاتية تتطرق إلى حياة علي السارد وبطل السيرة الذاتية "قرية البرواق" فمن خلال عيون طفل صغير نتتبع الأحداث التي مرت بها الأسرة، ومن خلالها أحداث القرية، "يقدم هذا الكتاب طفولة الكاتب في مجتمع تقليدي (متحجر) قبيلة اليعقوبي الذي هو أحد أطفالها والتي تخرج فقيرة من حرب التحرير"، وروايته قرية البرواق كما يؤكد على ذلك الكاتب فرانسوا روبير تعتبر وثيقة حول مجتمع وثقافة، وفي هذا المجال فإن عمل علي بومهدي يستحق أن يقرأ، فحول أحداث طفل صغير تتشكل أحداث المجتمع الإسلامي، عرش اليعقوبي ، إضافة إلى حكايات نساء يتألمن من الحياة"، ترتبط رواية "قرية البرواق" بمسار المجتمع من الناحية الاجتماعية والتاريخية، وعليه فإن الخطاب التاريخي كما هو معروف لا يمكن أن ينفصل على تاريخ الأمة.
ترك علي بومهديإذن، روايتين(أو سيرتين ذاتيتين) الأولى بعنوان: "قرية البرواق"Le village des Asphodèles "، الصادرة في باريس، عن مشورات "روبيرت لا فون" عام 1970، تطرق فيها إلى ذاكرة مدينة البرواقية الاجتماعية قبل انطلاق ثورة التحرير الجزائرية، وفي نفس السياق أنجز الرواية الثانية عام 1987 بعنوان: الرجل –اللقلق للتيتري" "L’homme-cigogne du Titteri، الذي تطرق فيها إلى أحداث مستوحاة من عائلة والدته.وكل من تطرقوا إلى أعماله يذكرون بأنه بدأ في عمل ثالث، لكنه لم يسعفه الحظ للانتهاء منه، حيث وافتهالمنية عام 1994 بمرض عضال، بعد تحصله على التقاعد، عرف الرجل بحبه للأشياء الجميلة مثل الأثاث القديم، أو اهتمامه بحديقة بيته التي كان يقضي فيها ساعات طويلة، أو بخلق أجواء فرح تلم كل سكان القرية الفرنسية التي كان يقطن فيها.
كان من ضمنالمرشحينفي القائمة الصغيرة لجائزة "غونكورد" سنة 1970، والتي كاد أن يحصل عليها، لولا وجود القامة الإبداعية الفرنسية الكبيرة المتمثلة في الروائي ميشال تورني، هذا علاوة، وبدون شك، على الأسباب السياسية لأن الجزائر كانت خارجة للتو من فترة حالكة من الاستعمار الفرنسي، بعد حرب تحريرية مجيدة، الشيء الذي لم يكن (ربما) يسمح للنقاد الفرنسيين في ذلك الوقت على التجريء بمنح جائزة من هذا العيار إلى كاتب جزائري.لكنهمنح عن نفس الرواية جائزة "إفريقيا المتوسط" (السنة الأولى) عام 1972
حول عنوان الرواية
استوحى الكاتب عنوان عمله من تلك النبتة المعروفة في المنطقة وهي نبتة برية، وتستعمل أيضا كدواء لبعض الأمراض، ومنها جاء اسم المدينة البرواقية، حيث يحدد العالم العربي ابن البيطار قائلا إنه نبات" له ساق في غلظ الأصبع الوسطى طولها ذراعان وأكثر مستديرة على أطرافها من نحو ثلث الساق، زهر أبيض ضخم يشبه زهر البرواق زهره أبيض ضخم فيه يسير حمرة إلا أنها مليحة المنظر وثمره مستدير، وأصله كأنه أصل العنصل كما وصفنا قبل. غيره: يستعمل في أضمدة الجبر والقيل والفتوق وهو غاية في ذلك جدا".فهي عشبية برية تسكن الأراضي البور وعلى حاشية الغاباتولها أوراق كثيرة تخرج من أصل واحد كورق البصل،قد يصل طولها النصف متر، جوفة تخرج من بينها أربعة أغصان أو ستة رقاق التي تعلو من الأرض بنحو النصف متر، تحمل أزهارا بيضاء جميلة المنظر، عنقودية التجميع هامية الارتكاز، سداسية التركيب والتقسيم، تخلف بذورا صغيرة، مستديرة الشكل. وجذور البرواق إذا طبخت في الماء ثم صفى ذلك الماء، أما موسوعة ويكبيديا فتحددهاكالتالي: "البرواق. يطلق الاسم على جنس إسفوديلس وأنواعه أعشاب معمرة أو حولية، وجذورها ليفية أو متجمعة على هيئة درنات وزهرات طويلة منجمة وهي ثلاثية التركيب وردية أو بيضاء، ذات عرق أوسط في كل بتلة"، حيث سميت القرية باسمه منذ زمن طويل، هذا ما يؤكده السارد حينما يخرج في جولة مدرسية مع معلمهم "كانت هناك نبتة موجودة في كل مكان وغزت خاصة الأراضي الفقيرة المغطاة بالحجارة، وبعض النبات حرقت من الشمس وعوضت بحبات صغيرة، بينما توجد أخرى في المرتفعات"، فلقد أكد لهم المعلم أن يتمعنوا فيها "إنها البرواق التي أعطت اسمها للمدينة، والبرواقية هي مدينة البرواق"، هكذا اكتشف السارد علاقة هذه النبتة بقريته التي أصبحت اليوم مدينة كبيرة ودائرة مهمة وتحمل نفس الاسم.
المرأة ومرارة الواقع
تؤكد أغلب الأعمال الأدبية الجزائرية على صعوبة حياة المرأة التي لم تكن تغادر جدران بيتها، إذ تبدأ الرواية بعودة الوالدة من الحمام والسارد يتبعها وهي تتحاشى الالتقاء بالرجال، أو بجلب انتباههم لها، وهي حياة محدودة في خدمة الأب بشكل خاص، تحضير الأكل وتلبية طلبات زوجها، والأطفال بشكل عام السهر عليهم، فهي أول واحدة تنهض، وآخر واحدة تنام، وتعيش في فضاء مغلق، لحسن الحظ أن الجارات يترددن عليها من حين لآخر لتتبادل معهن أخبار القرية ونسائها، من تطلقت ومن أنجبت، ومن خرجت على القوانين التي تفرضها عنها العادات والتقاليد البالية، غير أن أهم واحدة كانت تنقل لها الجديد وتبالغ فيه في بعض الأحيان حتى تبين بأنها تعرف وتدرك الكثير من الخبايا، هي "القابلة" حينما تطلب لإعانة النساء على الولادة، وهي طبيبة عندما تمرض إحداهن ومعالجة نفسية للمرأة التيتعاني وضعا مؤلما، كذلك الذي عاشته أم السارد التي كانت قد أنجبت بنات عدة وكان فرح الإنجاب يتحول إلى قرح، لأن الوالد كان يعاقبها بوضعها في مكان منفرد من البيت، ويسمعها كلاما لاذعا، ويتجنب الالتقاء بها وكأنها هي المسؤولة على ما حدث لها، ناسيا قضاء وقدر الله سبحانه عز وجل، وكانت زيادة البنات غير مرحب بها "لم يكن من السهولة العثور على القابلة، لأنها كانت في تنقل دائم في القرية، كانت تنادي أطفال وبنات القرية "بأولادي"، ولم تكن تغمض عينيها حتى تطمئن بأنهم في صحة جيدة، وهكذا تلح على معرفة جديدهم، وكانت باستمرار في زيارة من عائلة إلى أخرى، وتزود النساء بالمناسبة بأخبار المدينة".
هكذا كانت النساء تلتقين في المناسبات فقط "لا تستطيع أمي ولا جدتي تعدي عتبة الباب، خارج المناسبات الكبيرة مثل زواج، أو ولادة، أو موت، فهذه الأحداث هي التي كانت تسير حياتهن وتعطيها معنى".هذا علاوة على أن الأم كانت يتيمة ولم تكن تذهب لبيت والدها إلا نادرا، لأن المرأة التي عوضت أمها كانت تحكم البيت بقبضة من حديد وهذا ما نراه في المقطع التالي الذي يصف السارد فيه زيارة أمه لبيت والدها "خلال مدة إقامة أمي كانت تتحاشى التقرب من لالة، وتبحث الأم عن مصاحبة الخادمات، حيث تكون مرتاحة بينهن، تميل إليهن لتربح حنانهن وثقتهن وتساعدهن في أعمالهن، إما في المطبخ، أو في بقية الأماكن الأخرى من البيت"، فالوالدة في هذه الحال لا هي مرتاحة في بيت والدها، ولا في بيت زوجها الذي كان يعاملها معاملة قاسية، فانكبت على رعاية أولادها وتحدي تلك العواقب من أجل إسعادهم والوقوف إلى جانبهم، وهذا ما تقوم به مع علي في حمايته من والده عندما يرتكب بعض التجاوزات أثناء لعبه خارج البيت مع أصدقائه، او حينما يذهب عند أعمامه دون علم والده، أو لما يذهب إلى المسيد متأخرا "كنت حينما أحصل على قطعة من الفلوس من أمي، أحتفظ بها كثيرا للأيام الصعبة، ما يعني أنني عندما أعطي سببا لغيابي، حينها أشتري اسفنجة وآخذها إلى الشيخ في ورقة ملطخة بالزيت، كان لهديتي الصغيرة أثر سريع عليه، يتغير مزاجه، ولم يعد هناك أي سبب للحديث عن غيابي".
فبالإضافة إلى أولادها كانت تستقبل جاراتها وتحضر لهن الشاي وتحكي معهن على أحوالهن وأحوال الجارات، ومن ضمن هاته الجرات السيدة "مونتو" الجارة اليهودية التي هرب عنها زوجها وتركها مع ولدها المعتوه، كانت تقصدها وتشتكي لها صعوبة حياتها، فنحن عنها الوالدة وتعطيها بعض ما هو متوفر من أكل وشرب، بعد أسابيع حاولت السيدة مونتو أن تزوج ابنها من إحدى العائلات المسلمة، ولكنهم لما عرفوه تراجعوا، مما أجبر الوالدة على الالتحاق بالجزائر العاصمة. عوضتها في سكنها السيدة "حليمة وهي من عائلة فلاحية، بدأ زوجها يعمل كنادل في المقهى، وكانت حليمة تسكن في الأحياء القصديرية، حيث النساء والأطفال يعيشون خارج بيوتهم، ويهيئون طعامهم أيضا، وعلى بعد مسافة يبدأ الحي المهجور للمدينة حيث المومسات بوجوههن الملونة من كثرة المساحيق يفتنن الرجال بشكل غير لائق"
كما نجد المرأة الممثلة في عزيزة البنت الوحيدة لأحد سكان الحي ذات الجمال الخلاب “كانت تهتم بشراء حاجيات نساء الحي، وكان ينظر إليها كالمتمردة، تمشي حافية القدمين، وكانت البنت الوحيدة لصحراوي الذي يسكن بجانب المقهى، كان أبوها "خياطا" ولم يكن لديه محلا، فكان يأخذ مكانا في كل يوم أربعاء ويخيط للناس"، وذات يوم التحقت والدة السارد بأسرتها في المدية، ولما عاد الساردمن جولته في المدينة وجد "والده مع عزيزة تلك الفتاة الجميلة، لما عادت الأم إلى البيت احتفظ الفتى بالسر أمام والدته، واختفت عزيزة، وتزامن اختفاؤها مع انتشار وباء التيفويد الذي قضى عليها، وكاد يقضي على الآب.
نحن أمام طفل يكتشف فصول الحياة وهو ينمو في ربوع تلك القرية، ويتكلم عن الأحداث التي مرت بها الأسرة، ولادة البنات ورفضهن من المجتمع بتناقضاته وصعوبته في تلك الفترة الصعبة "البرواقية مدينة بالجنوب الجزائري على حدود الهضاب العليا، حيث يتطرق الكاتب إلى اسرته، عرشه، يكتشف ويتركنا نكتشف معه العالم حوله المجاور لحدود عالم الكولون غير المتاح له، جزائر الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات لطفل جزائري من الداخل، تعاني المرأة ويلات التخلف الاجتماعي وتضع أمام أعينها تحديات كثيرة من ضمنها الحفاظ على بيتها وشرفها وأسرتها وأولادها، وهذا ما يتجسد جليا في رواية "قرية البرواق".
المنام والمدّاح والمخيال الاجتماعي
يلعب المنام دورا كبيرا في الرواية، لان الأسرة تلجأ إليه تقريبا كل صباح لتستمع لمنام كل واحد، وكأنه يساهم في تحديد مصيرهم، وهذا ما نراه في بداية الرواية عندما ترجع الوالدة من الحمام، وبعد أن تحكي لعجوزها أجواءه، تنتقلن إلى الحديث عن الأحلام التي رأتها كل واحدة منهن، وهو موضوع يتردد كثيرا في الرواية بين الجدة والأم، وبين الأم والوالد، وكأنهم يريدون تحقيق آمال يصعب الوصول إليها في الوضع الذي هم فيه، وذات يوم بعد أن كان الآب والأم ينعتان علي بالأطرش والكسول، راح الوالد يشرح مناما رآه يتلخص في تفرشه "لشجرة، فذهب الوالد إلى الإمام الذي أكد له بأنه سيكون لعلي مستقبلا زاهرا، وستفرحون به، لأن الشجرة تثمر وتعطي حينما يحين قطافها"، ومنذ ذلك اليوم تغيرت نظرتهم إلى علي، أصبح يحمل اسم "سي علي"، قرب هذا الحلم أيضا الأب والأم "لم يكن والداي قريبان من بعظهم مثل ذلك اليوم وجدتهم في وضع أستطيع أن نسميه بالسعادة"، كما كانت الأم تنظر القابلة لتطلب منها شرح المنام الذي رأته، وكانت تؤكد لها دائما بأنه إيجابي وسيعود على الأسرة بخير.
أما المداح الذي تعرف عليه الطفل أيام السوق، فقد كان يحكي للحضور شجاعة السيد علي رضي الله عنه، أو الصحابة وعلى الذين صنعوا مجد الإسلام، "مما يجعل الشاب يمرح في أمور تشيله من الواقع الصعب".
شكلا هذين المحورين نوعا من التفاؤل المستمر لدى السارد تركاه يتخيل غدا أفضل، منطلقا من ماضي المسلمين المليءبالتحديات التاريخية المجيدة التي بنت عبقرية استطاعت أن تساهم في بناء الحضارة الإنسانية مدة طويلة من الزمن، ومن الحلم الذي وجد عناية كبيرة من الكثير من الكتاب القدماء، وعلى رأسهم ابن سيرين في كتابه المشهور تفسير الأحلام المترجم لعدة لغات، لذا فالحلم أو الرؤية، هو"سلسلة من التخيلات التي تحدث أثناء النوم, وتختلف الأحلام في مدىتماسكها ومنطقتيها، وتوجد كثير من النظريات التي تفسر حدوث الأحلام، فيقولسيجمدوند فرويدأن الأحلام هي وسيلة تلجأ إليها لإشباع رغباتها ودوافعها المكبوتة خاصة التي يكون إشباعها صعبا في الواقع. ففي الأحلام يرى الفرد دوافعه قد تحققت في صورة حدث أو موقف"، وهذا ما يريد إيصاله السارد بطريقة واعية أو غير واعية، لان الاهتمام بالمنام أو الرؤية أو الحلم هو تعبير لأشخاص يحدوهم الأمل في البحث عن الخروج من أوضاعهم. والمداح صقل مخيال الشاب فأصبح يتردد عليه باستمرار ليبني أو يؤسس عالمه وانتماءه الثقافي والفكري. وبتعايش بالتالي مع عالم الكبار الذين يأتون لسماع المداح ويتفاعلون معه، مما جعل الطفل يمر بمراحل مختلفة خلال تقلباته النفسية والجسدية والرؤيوية، فهذه التطورات الخاصة هي منافذ أخرى لاكتشاف عالم الكبار، "إن مسار كل طفل يجيب أو يلتقي مع التطورات والتحولات والتغييرات الاجتماعية والسير مع كل نشاط جديد يسمح بوضع الأمور في نصابها"، ولقد اتفق أغلب المهتمين بالمتن الروائي المعالج لسنوات ما قبل وأثناء حرب التحرير " بأن التغييرات التي عرفتها الجزائر منذ خمسينيات القرن الماضي مسجلة، ومحسوبة ومثبتة بشكل كبير من قبل الكاتب صاحب العين التي لا تتعب والتي سجلت لنا الأحداث الاجتماعية بشكل قوي" وهذا ما يتأكد لدى قارئ رواية، أو سيرة علي بومهدي "قرية البرواق"، التي عالج فيها مجموعة من المشاكل التي نجدها مشتركة لدى الكثير من الكتاب الجزائريين في ذلك الوقت. الطفولة المعجونة بالعادات والتقاليد والمكونات السياسية والثقافية "أتذكر الأشياء البسيطة، سي البركاني يظهر لي مرتديا لباسا أخضر لون القداسة والجنة"، والمرابطين والأولياء هم مكون آخر لتلك الطفولة، والمجتمع الذي تربى فيه السارد. يلجؤون إليه متبركين بكراماته، وهم بذلك يبحثون عن حل بديل لأوضاعهم التي زادها الحضور الاستدماري صعوبة، وتخلفا مرا بل ومعقدا.
أنا الجزائري والأخر الاستعماري
لم يكتشف السارد الآخركونه كان يعيش في الحي "الأسود" وهو حي فقير يجمع الأهالي وكانت تسكن معهم جدتهم أم الوالد، ولما ضاق بهم المكان استأجروا بيتا من جاكوب اليهودي "اكترى والدي بيتا من عند جاكوب"، وجاكوب "يؤكد على أن بيته يحتوي على البركة، والله شاهد على ما أقول"، فيرد الأب أن البركة بالنسبة إليه هو "أن يكون لابنه مستقبلا زاهرا، وسيأتي المولود الجديد بالفرح والسعادة. كان الحي الذي نسكن فيه لصاحبه جاكوب، ثم يؤكد السارد بأن أغلب سكانه "كانوا يهودا فقراء، يعيشون في بؤس، ويسعون في متاجرهم المقابلة للسوق يبيعون الملابس البالية"، ترك هذا الانتقال لدى السارد نقلة نوعيه إذ عرف من خلالها بأن البيت الذي "كنا نسكن فيه لم يكن مركز العالم كما كنت أتخيل، ولكنه يكون الجانب الشرقي للقرية الأكثر بؤسا، في الغرب توجد البيوت الكبيرة بشرفات واسعة، وبجانبها الورود كانوا يسكنونها أوروبيون".
أما القرية فكانت تتكون من 'بناية البلدية التي تكوّن جانبا معماريا يصعد إليها بواسطة الدروج الكبيرة والمرصعة بالبلاط الأبيض...خاصة ساعتها الكبيرة، وكانت هناك عمارتان كبيرتان تحتلان فضاء كبيرا موجودتان وراء المسجد، ومدرسة للأولاد ملحقة بمدرسة البنات، وفي مدخل الحي الأوروبي توجد بناية الدرك المحفوظة بجدران عالية"، هكذا يكتشف السارد المدينة، ومن خلالها يكتشف الآخر الذي يسكن في فضاءات واسعة، لقد تم اكتشاف جانب آخر من المدينة حينما نظم الفرنسيون حفلة بساحة الكنيسة حيث رأى النساء والرجال من مختلف الأعمار "يرقصون ويتبادلون كلام الحب ويتباوسون، مناظر هزت السارد لأنه لم يرها من قبل".
واصل لعبه مع أقرانه، لكنه كان مجبر على الذهاب بعيدا لجلب الماء إلى البيت "أحمل دلوا صغيرا، وأذهب للبحث عن الماء، ألتقي بأطفال وبنات القرية وهم يحملون أنواعا مختلفة من الأوعية وهم يتنقلون في الشوارع بحثا عن ليترات من الماء، بعض البيوت عندها آبار في فناء بيتها، كنا ننتقل من دار إلى أخرى وكانت نفس الإجابة "بئرنا ناشفة"، إنها معاناة يومية اكتشف السارد من خلالها الآخر الذي ينعم بكل شيء، والعرب هم الذين يخدمونه، ويسهرون على تنظيم حدائقهم، لكن لحسن الحظ أنه تم حفر بئر أمام مسجد المدينة، وأصبح الأولاد يذهبون إليها ويجلبون منها الماء. هذا إضافة إلى استيلاء المستعمر على احسن الأراضي الخصبة، فعلى سبيل المثال كان "المستعمر "بيرقو" من أغنى المستعمرين في المنطقة، وكان رئيسا للبلدية، وبالنسبة إليه، هناك من خلقوا ليكونوا مسؤولين وآخرون يطبقون الأوامر، وبينهم سد لا يمكن عبوره"، وفي الجانب الاخر اكتشف معاناة الفلاحين الصعبة حينما يزور أهله "كيف يعيش هنا، ليس سهلا، خاصة في فصل الشتاء"، اكتشف "وادي الشعير" والأراضي الخصبة، أرض أهله من والده، ولما عاد إلى القرية قال له والده: "إنك ستعمل عند المستعمرين لأنك لا تهتم بنفسك وتعمل ما تشاء، والعمل عندهم يعني أكثر من الانحطاط والتمزق الاجتماعي، وهي عبارة عن استيلاب لكل حرية"، لم يكن للمستعمرين "أية علاقة بنا وبأهلنا، كانوا يلتقون في الكنيسة، ويعبرون الدروج يمرون على أطفال الأهالي وهم يطلبون وكأنهم جزء من الكنيسة.
هكذا يرسم السارد الهوة بينه وبين الأوروبيينالذين يسكنون نفس المدينة، ولكن كل فئة تعيش في عالمها، وأن عالم السارد يعيش في بؤس حتى غدا "الشحاذون يلتمون في مخرج المدينة، أين تنظم سهرة الرقص يوم السوق وبنوا بيوتا قصديرية، ومع الوقت تحولت إلى حي مهجور"، كما أصبح الحي يجلب الكثير من الفلاحين الذين أجبروا على مغادرة أراضيهم "تغيرت طبيعة السكان وعقليتهم رويدا، رويدا، غزا الفلاحون القرية وبدأوا يجمعون أنفسهم جماعات.
جاؤوا من بعض القرى المجاورة ومن الأرياف، أما علي ورفاقه فكانوا يخرجون خارج القرية ويبحثون عن الأشجار المثمرة التي كانوا يقطفون منها ما وصلت أيديهم لها، كما راحوا يبدعون ألعابا "من خيالهم الطفولي، وأثناء سيرهم مروا بالمساجين وهم يعملون في حدائق وبساتين المستعمر، عرفت القرية غضب واحد من السجناء الذي هشم رأس المسؤول عنه"، بدأت هذه المفارقات بين أولاد الأهالي وأسرهم وبين عيشة المستعمرين وطغيانهم، مما ترك بعض الشباب ينظم إلى بعض التشكيلات السياسية للقضاء على هذه المفارقات.
لقد أبدع بومهدي في تصوير النفوس البشرية، لأنه تتبع كل صغيرة وكبيرة وقعت في قرية البرواقية، "تحكي رواية علىبومهدي طفولة السارد من البرواقية إلى المدية، تمر الحياة بين ألم ووحدانية الأم وصعوبة الآب، المجروح من ولادة البنات المتوالية، يخلق الطفل علاقة هائلة مع الحي"، وكان مع أصدقاء له تمردوا وراحوا يكتشفون القرية وسكانها، واحوازها.
التنافس بين عائلة اليعقوبي وعائلة القرطبي
يركز السارد في مناسبات مختلفة على هذا التنافس بين هاتين الأسرتين، والتي ينتمي إليهما معا، عائلة اليعقوبي من الأب، وعائلة القرطبي من الأم، الأولى سليلة وادي الشعير هجّرت من أرضها بعد أن استولى الكولون على أهم أراضيها وسكنت قرية البرواق، أما الثانية فهي من المدية. "يقدم هذا الكتاب طفولة الكاتب في مجتمع تقليدي (متحجر) قبيلة اليعقوبي الذي هو واحد من أطفالها تخرج من الحرب فقيرة، تصف هذه الرواية عائلة اليعقوبي حيث الآب يولي أهمية كبيرة للشرف، وصاحب الحكم، بينما النساء تبقى في فضاءات مغلقة وهمهم العمل المنزلي “، كانت عائلة اليعقوبي قبل مجيء الفرنسيين عائلة مالكة ، لا أحد "من عائلة اليعقوبي اشتغل عند المستعمرين، أصبحت هذه العادة كدين ثان، ولكن لما استولى المستعمر على أراضيهم أخذت حياتهم شكلا تراجيديا".
تعود هذه المكتسبات إلى الجد الذي عمل قاضيا في قصر الشلالة وكان ذكيا " ومعروف في الجنوب الجزائري (بقصر الشلالة)، حصل على هذه الشرعية بفضل صفائه الحميدة، وبين جدّه وشدته، كان يغض النظر على بعض التجاوزات الصغيرة في مجازاة مرتكبي الجرائم، وأعطى أوامر بقبول الرشوة التي يسلمها فيما بعد إلى الأبرياء في نهاية الحكم، كان شريفا، ولم يكن يخاف من المشادات مع الفرنسيين، يملك بناية في الجزائر، وأرضا في البليدة، وأخرى في الشلالة وكان يولي أهمية لتربية الخيول"، زرع هذا الجد في أسرته حب العائلة، والأنفة والكبرياء، وذات يوم "ترك أسرته وأولاده والتحق بمكة صحبة شخصان من اليعقوبي، أخذوا معهم قطعا من الذهب، وبندقيتين، ولا أحد يعرف لماذا ترك ارضه وأولاده، بعظهم يقول أنه أجبر على المنفى من الفرنسيين، وآخرون يقولون بأنه سمع طلبا غريبا من الكعبة، لأنه كان مؤمن جدا"، غير أنه وبعد غيابه تفرق الأولاد واستعادوا جزءا من أملاكه، ثم انتقل بعضهم إلى المدينة . لقد ترك لهم الجد أيضا مكتبة غنية بأمهات الكتب وكان لها مكانة هامة في البيت، "مكتبتنا الجميلة حيث كانت الرفوف مملوءة بمجلدات كبيرة، بعضها تبدوا معطوبة وجاهزة للنسف ولتجزئة أوراقها"، والمستفيد الأكثر منها هو الوالد الذي كان يعود إليها ويقرأ بعض من كتب السير والأدب، وكان يلتم حوله مجموعة من أصدقائه وهو يقرأ لهم الشعر وصفحات من التاريخ
أما عائلة القرطبي فهي أسرة محافظة وحضرية ومن الأسر الكبيرة في المدية، تقطن في بيت كبير شبيه بقصر، يميل أهله إلى التجارة وإلى حياة معزولة، لا يخرج فيها الأولاد إلى الشارع، وليس لديهم أصدقاء كثيرون، ويعيشون في فضاء شبه مغلق، ونقطة الخلاف هو أن عائلة اليعقوبي تعتبر نفسها أكثر شرفا وكرما وانفتاحا، بينما عائلة القرطبي تعتبر نفسها متحضرة تعيش في نظام وهدوء، وتعيش في رفاهية، حيث توجد الخادمات وأهم الأثاث الذي يزين الخزائن وموائد الأكل، عائلة القرطبي على لسان الجد تتهم اليعقوبي بأنهم مجرد فلاحين يقضون كامل أوقاتهم في قراءة الكتب، والمجلدات التي لا يأتي منها شيء مادي مهم مثل التجارة. "كان والدي في وقت الأكل صحبة جدي يتكلم له على الكتب التي قرأها، وعلى مرض السكر في كتاب الشيخ العبودي، الشيء الذي كان يقهر سيدي (جدي) يسخر من كلام والدي يقول له، أظن أن بعض الكتاب يقضون وقتهم في كتابة تعاسات، ولكنهم أقل عرضة من أولئك الذين يقرءون لهم"، يواصل الآب التحدث عن الكتاب العرب الكبار مثل ابن سينا، وذات يوم طلب السارد من جده لماذا لا يزورهم أبدا في قريتهم فكان رده "أسرة اليعقوبي مشحونة بالأنفة الزائدة والغرور، يقضون أوقاتهم يقولون خطبا ويقرؤون الكتب والجرائد بدل أن يعملون ويعيشون في حالة يرثى لها، لحسن الحظ أنك تشبه أمك فأنت لست مثل اليعقوبين."، هذه التنافسات تشف على اختيار كل عائلة مسارها، نورد هنا حوار دار بينه وبين ابن عمه الذي قال له: "نحن من عائلة القرطبي ومعروفين في المدينة، بينما أنت من عائلة فقيرة، أجابه السارد إنك بخيل كوالدك، لقد فاجأته عدة مرات يحسب فلوسه، فأجابه ابن عمه، لو كان أبي بخيلا فأنت طلاب، أنت يعقوبي، أمش من عندنا، أنا قرطبي".
حافظت عائلة القرطبي على تجارتها ولحمتها، بينما عائلة القرطبي تركت أرضها ورحلت ليفتح والد السارد وعمه محلا تجاريا، أما عمه الصادق فقد سافر إلى فرنسا وبقي هناك، وعمه جلول اختار طريق التمرد والسهر والنساء والشرب، حتى أصيب بالشلل وبقي يعيش في حالة يرثى لها، ضيع الأموال، وعاث فيها سادا، لحسن الحظ أن شقيقه أرسل له سيارة مرضى يتنقل بها. هذا التشرد وهذا الوضعية هي التي كانت محل انتقاد من طرف عائلة القرطبي، أما عائلة اليعقوبي فكانت تنتقد القرطبي لأنها تعيش في عزلة عن العالم ولا تهتم بأحد.
المقابلة بين فضاء البرواقية وفضاء المدية
عندما تنقل السارد من البرواقية إلى المدية اكتشف أنه حل بعالم منظم حيث أخذ القطار من قريته مارا "ببني شكاو، ولما وصلت إلى المدية أحسست بأنني في بلد أجنبي، لأن كلمات المجاملات التي تعلمتها في قريتي بدت لي غير كافية، فالكل هنا يتكلم بهدوء، ولاحظت أن الأطفال راحوا يسخرون مني ومن كلامي ولباسي، فأحسست أن مسالة الشرف التي تنشط كل عائلة اليعقوبي بدأت تحكرني"، لم يجد الترحاب اللائق من عائلة والدته، وكان الأولاد يسخرون من منظره وملبسه، وجاءت "الخادمة لتواصل عملها، اما جدي فراح يهتم بموعده مع أصدقائه، ولما حلوا قدمني إليهم "إنه حفيدي نجح في امتحاناته وجاء ليواصل دراسته في الإعدادية هنا في المدية، ثم طلب جدي من ابن عمي أن يأخذني إلى المدينة، بانت لي كبيرة وفيها ساحتين، "التحتانية" و"الفوقانية" المغطاة بالإسمنت والقريبة من كشك جميل، وليس بعيدا من هنا توجد الكنيسة، ومن ثمة الإعدادية، كنت متحمسا لأروي لوالدي النظرة الرائعة حول جدي"، كان الأطفال يرتدون أثوابا أوروبية، "وعندما عدت إلى أسرتي كلمتهم على حفاوة الاستقبال، فكانت أمي سعيدة، أما والدي فكان يرى في تواجدي معهم مجرد مرحلة حتى أنهي دراستي، كانت أسرة جدي كبيرة، وسكنهم كأنه ثكنة.
أما المدينة فإن الحياة فيها يغلب عليه الجانب الروتيني " لا يوجد فيها حكاء، ومعروفة بمحلاتها الصغيرة، حيث الحرفيين منكبين على صناعة الجلد ويخرجون منه مشتقات كثيرة ، وكانت رائحته تغزو الشارع، إضافة إلى البهارات والحلويات ورائحة القهوة.كانت البيت تقلقه بنظامها ووجد نفسه في مدينة بعيدا عن رفاقه، فكان ينتظر عطلة نهاية الأسبوع والعودة إلى بيته بفارق من الصبر "مجيء الخادمتين لتنظيف حجرتي، كانت بالنسبة لي من أنذر الفرص عندما أكون معهن كنا نضحك ونخلق جوا من المودة يربطني بهن أكثر، رغم أنه لم يكن ينتظرهم شغل كبير في حجرتي، لكنني كنت أقوم بمجموعة من الحيل لأبقى معهن أطول مدة'، لكن خارج الخادمتين "لا أحد يهتم بأحوالي المادية، كانت لالة تأتي بالخادمات من القرى تعلمهن وتربيهن وتشتري لهن ما يحتجن لدى زواجهن، حتى يصبحن زوجات مميزات، وكان الجد حريص على نظام معين في البيت، فلا أحد يتجرأ على رفض طلباته أو انتقاده، بينما في البرواقية كان الفتى يخرج متى يريد ويذهب حيث يريد مع رفاقه، ويتمتع بأقوال المداح يوم السوق، ولكنه يعيش في بيت متواضع يستقبل الضيوف ويعرف الجيران، عكس ما لقيه عند جده في المدية.
لما دخل عم السارد الانتخابات البلدية ونجح فيها، هدم رجال رئيس البلدية والكولون حانوته، ففكر في الاستعانة بالجد (القرطبي)فطلب منهأن يعيره مبلغا من الفلوس وعوض أن يسلمه له باليد، بعثه له عن طريق البريد "وكأنه بحاجة إلى وصل، أو كانه خائف أن لا أرجع له أمواله، ظننت أنه سيأتي لرؤية الوضع الذي آل إليه متجري ويساندني ضد عدونا المشترك الذي فضل أن يهينني"، ولما حضرت أموال الجد "أعاد عمي سعيد الفلوس إلى جدي عبر البريد"، لما دخلت الإعدادية التقيت بأولاد المستعمرين الذين كانوا يمثلون أغلبية التلاميذ، وكان حديثهم بذيئا جدا، لم أمكث طويلا حتى فهمت بأنهم كانوا يحتقروننا"، توفي الجد فحضر الوالد صحبة الوالدة، "كان أبي يرتدي سحنته التراجيدية، لقد مات جدك القرطبي
الدراسة: بين المدرسة الفرنسية والمسيد المدرسة القرآنية
بدأ السارد تعليمه في الجامع، أو المسيد بالقرية، ورسم لنا أجواء ملقن القرآن وهو يعلم الأطفال، ويحفظهم آيات من الذكر الحكيم ويعاقب كل من لا يحفظ بالفلاقة "عرفت متأخرا بأن "الفلاقة" ما هي إلأأداه تعذيب كان يستعملها الأتراك لمعاقبة العبيد"، لم يكن السارد من بين المجتهدين، ولاقى مخالفات كثيرة من معلم القرآن، ثم التحق بالمدرسة الفرنسية التي لاحظ غياب أولاد الأهالي منها، والتقى بأولاد الكولون غريبي المزاج يتكلمون ببذاءة، ويعيشون مع بعض، لم يكونوا يصادقون أولاد الجزائريين، فاجتهد علي وجعل التعليم أمامه كتحدي، إذ كان من بين التلاميذ الأوائل في قسمه، لما انتهت العطلة " دخل المدرسة بعد حل وجزر مع المدير وعمه، لم يكن الطفل يعرف اللغة الفرنسية، ولا الطقوس المتعامل بها، فكان أول يوم بالنسبة إليه اكتشاف كبير ولكنه يوم مرهق أيضا"، وكانت هناك "عادة قديمة في القرية يستوجب على كل طفل يدخل المدرسة أن يكون لديه حذاء جديدا، وقميصا جديدا، مع منديل أبيض يعلق في حزام البنطلون، إضافة إلى لوحة".
أما في المدرسة القرآنية فلم يطلب منه شيئا، وكان بعض الأهالي يحبذونها على المدرسة الفرنسية، وهم يوصون بمقاطعة كل ما يأتي من المستعمر، وكان الضحية الكبرى هم أولاد المهجرين والفلاحين الأطفال الذين "لم تكن ليهم لا مدرسة قرآنية ولا حكومية ولا مكان للعب، وقعت مشادات بين الفلاحين"، وفي المدرسة الفرنسية كانوا مجبرين على تحية العلم كل يوم، وعلى ترديد النشيد الفرنسي مما كان يؤلم السارد، وكان الانتماء السياسي للمعلمين ينعكس في دروسهم، "بدأت أقرأ وأفهم معاني الكلمات، تخيلت حوارا بين مربع وبين مستطيل، أو بين البئر والماء، كانت المعلمة تحدثنا على المارشال بيتان، وكانت تظن أنني بورجوازي ثري، فأجبرتني على شراء مجموعة من صور المارشال وهو واقف وجالس ينظر إلى اليمين وأمامه"، والغرض من ذلك هو غرس أفكار المارشال في الناشئة، ولكن الأمور تفاقمت في القرية، فكنا نجبر على تحية العلم والمارشال "بينما كان ابن عمي اليوسفي وشقيقه محمد ورفاقهم ينادون بأعلى صوتهم "يحيا مصالي الحاج، وفي عدة ثواني انقلبت مديتنا والحي الذي كان يسكن فيه عمي، وأمام البيت "كانت مملوءة بالنساء اللواتي كن تبكين وتطلبن بإطلاق سراح أولا عمي" ، لكن رغم هذا الحصار وتلك المعاملات إلا أن تعليم اللغة العربية كان متواصلا سواء في البرواقية أو في المدية التي كان التعليم فيها "بالعربية الكلاسيكية في المدرسة الحرة للشيخ رحماني المعروف باعتداله، وكان هذا الشيخ معروف بلباقته وأدبه حتى أن الأولاد يظهرون أكبر من سنهم.
تبلور الوعي الوطني من خلال التشكيلات السياسية الموجودة في القرية
لقد أدى الضغط واللامبالاة من الاستعمار وأعوانه إلى بلورة الوعي السياسي في القرية، إذ يقول السارد "كنت أمشي في الشارع وبغتة التقيت مع رجل أجنبي عن المدينة يرتدي لباسا أوروبيا وطربوشا وشعره الطويل، التقيت معه عدة مرات محاط بشباب المدينة، أولاد عمي يقفون بجانبه ويسمعون كلامه، كان يمر يوميا أمام دكاننا، فحينما يراه أصدقاء عمي السعيد يتوقفون فجأة عن الكلام، وكأن حضوره يزعجهم، عرفت فيما بعد أنه جاء ليوعي شبابنا، وراحوا يتكلمون عن حزب الشعب الجزائري، وكان يدعو إلى الكفاح والالتحاق بالحزب للتخلص من الاستعمار، هذا الأجنبي هو مصالي الحاج يسكن في حي في مدينتنا عند الحاج "منير الحاج حامد" وهو رجل فقير يسكن بالقرب من البيوت القصديرية"، فكان وجود الزعيم محل نقاش بين سكان القرية بين موال وناقد، وكان المتأثرون به قد بدأوا يطلقون لحاهم متشبهين به، "وكان أولاد عمي قد كونوا جماعات ويتناقشون بمتعة أفكار الزعيم مصالي الحاج"، وكان لأحداث سطيف وخراطة انعكاسها على سكان القرية، وكذلك أهوال الحرب العالمية الثانية، انتشرت النقاشات السياسية، "وتحول محلنا إلى ديوان سياسي"، وكان عمي يفضل قراءة جريدة "الجزائر الجمهورية" أمام المحل من الصفحة الأولى إلى الصفحة الأخيرة، ثم يطلع على الجرائد الأخرى، وكان من مساندي فرحات عباس وكان يقول "ما نقترحه نحن هو رمي فرنسا في البحر"، كما ساهم الأهالي في السياسة المحلية ودخلوا الانتخابات التي كانت نتائجها ملفقة لأن رئيس البلدية "السيد بيرغولت يعاد انتخابه باستمرار، كان يترك حتى الأموات ينتخبونه، كانت جريدة الجزائر الجمهورية تتكلم عن الفلاحين ويتهمون الاستعمار الذي كان هو سبب كل تعاستهم".
كانت هذه الإرهاصات بداية لتحضير ثورة التحرير الجزائرية التي ساهم فيها الجزائريون بكل شرائحهم وفئاتهم الاجتماعية. "يقدم هذا النص طفولة الكاتب في مجتمع تقليدي، المتجر، عرش اليعقوبي، والسارد واحد من أبنائها، تبادل الانتقادات بعد نهاية حرب التحرير الوطنية، هذا النقد اللاذع يصبح اتهاما شديدا ضد الثورة المغدورة في التعبير الكتابي".
مغادرة الجزائر والالتحاق بفرنسا
كانت رغبة والد السارد هي مواصلة دراسة ابنه خاصة لأنه كان من بين المتفوقين في المدرسة، مما تركه يعمل كل ما في وسعه للالتحاق بعمه في باريس، "قرر المراهق الذهاب إلى باريس في وقت كان فيه رفاق اللعب يحلمون بتغيير حياتهم بأخذ السلاح"، اقترب منه أحد رفاقه ليقول له بأنه كون فرقة وجمعوا أسلحة للمساهمة في انطلاق الثورة، وفد صاحبه عمه إلى المطار وقبل ذلك أخذه معه ليقدم له صديقه "فرحات عباس، الذي يكن له احترما بدون حدود، اصبت بالدهشة وانا أقف أمام شخصية مهمة، ولكن عمي أصر أن يأخذني معه، وقادني نحو مكتب قائلا:
إنه الرجل الأكثر إخلاصا الذي عرفت في حياتي، استقبلني فرحات عباس بحيوية ثم طرح عني سؤالا:
من أخذ السلطة في فرنسا بعد ثورة 1789، ثم أجاب إنها البورجوازية".
لما وصلنا إلى المطار قال لي عمي "أعرف وتذكر أنه في كل الحالات بأن اليعقوبي يجب عليه قبل كل شيء أن يحتفظ على كرامته، ونزاهته وشرفه"، فكان رد الفتى "من أجل هذا أنا ذاهب إلى فرنسا، سلمت على يديه، وافترقنا ووجدت نفسي وحيدا فجأة أمام المجهول".
العودة إلى الجزائر بعد الاستقلال ثم الرجوع إلى فرنسا
عاد السارد إلى قريته بعد الاستقلال، فلاحظ أن الفرنسيين ذهبوا بعد حرب ضروس وبدت قريته مثل بقية قرى التيتري تموت ببطيء، وتشبه القرى المهجورة "في غرب الولايات المتحدة، الأرصفة مكسرة والشوارع محطمة"، لكنه أيضا وجد أن اغلب رفاقه استشهدوا في حرب التحرير، "مات عراب، وغرنينة أيضا، وكذلك سليم، ابن عمي مختار توفى، عمي السعيد توفى، كل العائلة ماتت".
تفرقت العائلة وانتقل والديه إلى السكن في شقة صغيرة في المدية، "طلبت من أمي أن تأكل معنا، رفضت، ثم أصر والدي على اعتدالي عن الذهاب إلى فرنسا، إذن بما أنك ترغب في العودة إلى فرنسا، الله يحفظك، أطلب منك شيئا بسيطا، حاول أن تبعث لنا بأخبار الجنرال ديغول، أما نحن فنسلم عليه بشكل أخوي".
بالنسبة للسارد فإن وقت البطولة والفروسية ذهب إلى الأبد، "وجاء وقت التكنوقراط، المحاسبون وتجار الزرابي"
مات رفاقه ابطالا وفتحوا النار على العدو ولم يجد أي واحد منهم، عاد ليستقر في فرنسا ويعمل فيها ويتزوج مع فرنسية، اخذ التقاعد ومات مباشرة بعد ذلك.
إننا أمام رواية بمثابة وثيقة حقيقية تطرق فيها كاتبها إلى الذاكرة الجماعية لسكان قرية البرواقية، متحدثا عن المتناقضات التي كانت تسيرها في مجال الحياة اليومية، وفي المعاملات الاستعمارية لأهلها، "قدم لنا علي بومهدي تسلسلا للأحداث بقلم رشيق وهدوء كبير وهو أحسن ضمان لموهبته"، ولقد أرخ إلى فترة معينة من تاريخ القرية ما قبل إشعال فتيل ثورة التحرير الجزائرية، ولذا قدم بومهدي "شهادة مهمة حول تلك المرحلة في البرواقية والمدية، وثيقة ثرية يجب قراءتها.
قرر السارد الالتحاق بفرنسا "أواصل دراستي في إحدى ثانوياتها، هنا أولاد المستعمرين يبحثون عن مشاكل، والدراسة سيئة، مات الجد"
تطرق بومهدي إلى الأحداث التي شكلت حياة سكان قرية البرواق، آمالهم آلامهم، هناك مشترك كبير ومهم التقت حول الأكثرية والمتمثل في ثورة التحرير الجزائرية التي التحقت بها كل الشرائح الاجتماعية رافضة تكالب الاستعمار، مثلها مثل القرى والمدن الجزائرية في كامل التراب الجزائري "كان السارد يتحاشى غضب والده المولع بعرشه يذكر نجاحة وانتصاره لسوء الحظ تفرقوا بعد أن استولى المستعمر على أراضيهم، يضاعف الطفل علي غضب والده، بينما أوضاع مختلفة تزعزع حياة المدينة الصغيرة، عدوى مرض التيفوس، أحداث ماي 1945، مجيء معلمين جدد، توسع العصيان الشعبي وتبلورت النقاشات السياسية بين موالين لمصالي الحاج وفرحات عباس، كللت دراسة السارد بالنجاح في امتحاناته في البرواقية، ثم انتقل إلى المدية عند بيت جده من الأم، لكنه لم يتعود على الحياة في هذا الوسط الغني الذي لفظه، فقرر الانتقال إلى فرنسا لمواصلة دراسته. ورغم أنه رجع إلى الجزائر وعمل فيها إلى أنه أصيب بذعر لما رأى صعود البيروقراطية، وانتشار الرشوة، مما تركه يصاب بحيبة أمل تركته يعود إلى فرنسا ويستقر فيها.
إنه عمل سردي يحكي الذاكرة الجماعية لسكان البرواقية بكل تجلياته ومكوناته، منها المسكوت عنه كالدعارة وعالم النساء والسهر الذي أغوى عم السارد، إضافة إلى اختلاء الوالد بالطفلة عزيزة، وارتكابه جريمة الزنى، هذا علاوة على الحزازات الأسرية التي تمثلها بشكل قوي أسرتي اليعقوبي والقرطبي وهو تنافس ناتج عن بقاء عائلة القرطبي ثرية، وفقر أسرة اليعقوبي نتيجة لمعطيات ملموسة والمتمثلة في استغلال الاستدمار لخيراتها، وتفرق الإخوان بعد موت الجد الحكيم، الذي رغم أنه كان يعيش بعيدا عنهم ، إلا أن حضوره كان دعامة كبيرة في تآزر الأسرة، هذا ناهيك على التطرق إلى المكونات الأساسية للقرية، الإمام الذي يلعب دور المرشد الديني، تعليم القرآن، ومساعدة الناس في حل مشاكلها، جرى كل ذلك من خلال ريتم معاناة الطفولة، كالتشرد، والشحادة، واكتشاف أولاد الأوروبيين وهو يعيشون في بحبوحة، مع تقديم لمجتمع البرواقية بأقلياته وبؤسها وتآزرها فيما بينها.
وعليه، فعندما ينتقل السارد إلى المدية يكتشف عالما يمكن أن نطلق على جزء منه بعالم الحداثة لأن أهله يعيشون مستقلين ومالكين ويتعاملون مع مستجدات الحداثة من طعام ولبس ومعاملات، وحفاظهم في نفس الوقت على أصالتهم.
لكننا وفي نهاية هذا المداخلة، نسجل ثلاثة ملاحظات حول هذا العمل الضخم المتكون من 436 صفحة، تطرق فيه الكاتب إلى أشياء عديدة أتينا على ذكر بعضها، لكنه
أولا لم يتحدث على حياته في فرنسا بعد أن سافر إليها طالبا، ولا نعرف كيف كان موقفه من حرب التحرير الجزائرية
ثانيا عالج الكثير من الأحداث المشكلة لمدينة البرواق، لكنه لم يسجل لنا التواريخ التي حدثت فيها، عدا أحداث سطيف والحرب العالمية الثانية المعروفة.
ثالثا، وفي آخر صفحة من الرواية عندما تكلم عن أصدقائه الذين ماتوا شهداء، وصف غرنينة وصديقا آخر، بأنهم وجدوا حتفهم بعد أن قاموا بعمليات إرهابية، من خلال وضعهم القنابل في الأحياء والأسواق، وهذا خطاب يقوله الفرنسي الذي كان يصف المجاهدين بالإرهابيين وينسى الأعمال الشنيعة من إبادة وتعذيب تجاه الجزائريين.
فلا يجوز وصف الشهداء بالإرهابيين، وهذا شيء غير منطقي، لأنهم أعطوا حياتهم من أجل إخراج المستدمر الذي كان السبب في هجرته وهجرة الكثير من الشباب من البلاد.
المراجع المعتمدة في هذا البحث
1- regard sur le romancier de Titteri Ali Boumahdi .- Sofia Boumahdi du 8 mars 2004 voir le lien
2- écrivains de langue française, in notre librairie mois de janvier 1992
3- F, Aubert. Revue études, février 1971
4 Le village des Asphodèles. Ali Boumahdi. - Paris : Robert Laffont. - 1970
5-L’homme-cigogne du Titteri. - Ali Boumahdi. - Paris : Bayard Jeunesse. - 1987
6- Bibliographie de la France, biblio journal officiel de la librairie. - Paris : cercle de la librairie, 1972- 1979,
7-- الجامع لمفردات الأدوية والأغذية لابن البيطار، بيروت : دار الكتب العلمية،
8- Dictionnaire le petit robert ; dictionnaire alphabétique et analogique de la langue française. – nouvelle édition du petit Robert de Paul Robert, texte remanié et amplifié sous la direction de Josette Rey- Debove et Alain Rey. - Paris : les éditions Robert. – 2016
9-- Notre librairie, Paris : Cerf, Avril 1971
10- Encyclopédie Wikipédia, voir le lien suivant ; https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AD%D9%84%D9%85
11-Dictionnaire des oeuvresAlgeriannessen langue française: essais, romans, nouvelles, contes, récitsautobiographiques, théâtre, poésie, récits pour enfants / sous la direction de Christiane Achour - Paris: l’harmattan. - 1990
12- Dictionnaire des livres de la guerre d’Algérie (roman, nouvelles, poésies, photos…) de Benjamin Stora ,- Paris : l’harmattan, - 1996, page 65
3 - Dictionnaire des œuvres Algériennes en langue française, sous la direction de Christiane Achour.- Paris : L’harmattan, 1990, page 373
- Notre librairie. Paris : cerf.- 1992
- Encyclopédie Wikipédia, voir le lien suivant ;https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AD%D9%84%D9%85
- Romancières Algériennes photophones, (langue, culture, identité), de Dalila Arezki. - Paris : Séguier 1999
- Le Roman algérien de langue française (1950- 1990) thématique de Rabah Soukehal. - Paris : Publisud. – 2003
- La Littérature au soleil du Maghreb de l’antiquité à nos jours de Pierre Grenaud.- Paris : l’harmattan, 1993
- Nouveaux regards sur la littérature de langue française. - Gérard Prénal.- Rennes ; les éditions Gaater, 2014
- نجد في هذه الرواية رغبة الكاتب الذي حرص على تقديم كل شيء لاحظه أو عايشه في المدينة، مما تركه يركّز على تتبع الأحداث الصغيرة ووصفها، كما جعلته هذه الرغبة يلجأ إلى تقديم كل ما أمكنه من معلومات عن الأمور التي يعرفها
-regard sur le romancier de Titteri Ali Boumahdi .- Sofia Boumahdi du 8 mars 2004 voir le lien
http://regardsurmedea.blogspot.fr/2011/03/ali-boumahdi-romancier-du-titteri-1934.html
- Ibid.
- écrivains de langue française, in notre librairie mois de janvier 1992, page 111
- F, Aubert. Revue études, février 1971, page 297- 298
- Le village des Asphodèles. Ali Boumahdi. - Paris : Robert Laffont. - 1970
-L’homme-cigogne du Titteri. - Ali Boumahdi. - Paris : Bayard Jeunesse.- 1987
- أعتقد أن أمورا ثلاثة تحالفت ضده لكيلا يحصل على الجائزة، الأولى سياسية كون الاستقلال كان على مسافة قريبة من ترشيحه إلى الجائزة، ولم يكن، في أري، ممكنا منحها أياه، ثانيا، ربما حتى لجنة الجائزة في ذلك الوقت كانت تأخذ بعين الاعتبار هذا المعطى السياسي الذي لم يحظى بجائزة غونكورد، وثالثا فضلوا منحها لميشال تورنيه وهو قامة إبداعية ما في ذلك من شك. وخلاصة القول هو أن الجوائز، في ذلك الوقت، لم تكن تخضع لمقاييس إبداعية بقدر ما كانت تبنى على معطيات سياسة وهذا ما تؤكد ابنة الروائي "من اللائق ألا نفكر بأن الجائزة لم تكن أدبية محضة، وأن لجنة التحكيم اختارت ميشال تورنيه في مناخ ما بعد الاستعمار، فهل يمكن منح أهم جائزة فرنسية إلى مغاربي آنذاك؟ رغم أن الرواية عرفت الرواية نجاحا كبيرا ونفذت بسرعة"، وأنها صدرت عن منشورات روبير لا فون، وهي من بين أهم دور النشر الفرنسية في ذلك الوقت.
- Bibliographie de la France, biblio journal officiel de la librairie. - Paris : cercle de la librairie, 1972- 1979, page 692
- الجامع لمفردات الأدوية والأغذية لابن البيطار، بيروت: دار الكتب العلمية، 2001، ص 36
- Dictionnaire le petit robert ; dictionnaire alphabétique et analogique de la langue française. – nouvelle édition du petit Robert de Paul Robert, texte remanié et amplifié sous la direction de Josette Rey- Debove et Alain Rey. - Paris : les éditions Robert. - 2016, page 153
-Le village des asphodèles de AliBoumahdi. - Paris : les éditions Robert Laffont. -1970, page 284
- ibid., page 284
- هذا ما نجده في كتابات مولود فرعون، أو رشيد ميموني، أو رشيد بوجدرة، أو رابح بلعمري وآخرين ممن تطرقوا إلى وضع المرأة الجزائرية المأساوي الموغل في العادات والتقاليد البالية والمحدد
- مما يفكرنا بمعاملة الرجال في الجاهلية، حيث كانوا يدفنون البنات وهن حيات، وفي حالة والد السارد فإنه لم يكن يفرح ولا يسأل على المولودة ويتشاءم من ولادتها إذ تعلو وجهه الكآبة ولا يسأل عن صحة زوجته أما صحة المولدة فحدث ولا حرج.
-Le village des asphodèles de AliBoumahdi. - Paris : les éditions Robert Laffont. -1970, page 33
- Ibid., page 25
- لالة هو الاسم الذي أطلق على زوجة الوالد أي جد السارد، وهو اسم تكنى به أم الوالد، أو سيدة كبيرة ذات موقع محترم في الأسرة.
- Le village des asphodèles de AliBoumahdi. - Paris : les éditions Robert Laffont. -1970, page 382
.,Le village des asphodèles de Ali Boumahdi. - Paris : les éditions Robert Laffont. - 1970page 91
- Ibid., page 180
- Ibid., page 269
-Ibid., page 272
- Notre librairie, Paris : Cerf, Avril 1971, page 37
- - Le village des asphodèles de AliBoumahdi. - Paris : les éditions Robert Laffont. -1970, page 113
- Ibid., page 114
- Encyclopédie Wikipédia, voir le lien suivant ; https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AD%D9%84%D9%85
- Romancières Algériennes photophones, (langue, culture, identité), de Dalila Arezki. - Paris : Séguier, page 19
- Le Roman algérien de langue française (1950- 1990) thématique de Rabah Soukehal. - Paris : Publisud. - 2003, page 449- 450
- Le village des asphodèles de AliBoumahdi. - Paris : les éditions Robert Laffont. -1970, page 17
-Ibid., page 55
- Ibid., page 56
- Ibid., page 58
- Ibid., page 59
-Le village des asphodèles de AliBoumahdi. - Paris : les éditions Robert Laffont. - 1970, page., page 59
- Ibid.., page 59
-Ibid., page 220
-Ibid., page 63
- Ibid. , page 139
-Ibid., page 169
- Ibid., page 173
Le village des asphodèles de AliBoumahdi. - Paris : les éditions Robert Laffont. - 1970, page-. , page 242
-Ibid., page 242
ibid., page 235
-.Dictionnaire des oeuvresAlgeriannessen langue française:essais, romans, nouvelles, contes, récitsautobiographiques, théâtre, poésie, récits pour enfants / sous la direction de Christiane Achour - Paris:l’harmattan. - 1990, page 373
- Notre librairie. Paris : cerf.- 1992, page 112
- Le village des asphodèles de Ali Boumahdi. - Paris : les éditions Robert Laffont. - 1970, page 191
- Ibid., page 196
- Ibid., page 196
Ibid. ,page 25
.-Le village des asphodèles de AliBoumahdi. - Paris : les éditions Robert Laffont. - 1970, page, page 383
-Ibid. , page 384
- Ibid., page 358
.- Ibid. , page 385
Ibid., page 386
--Le village des asphodèles de Ali Boumahdi. - Paris : les éditions Robert Laffont. - 1970, page، page 287
-Ibid.، page 345
- Ibid., page 358
-, Ibid. Page408
.,Ibid. page 409
-Ibid., page 409
-.Le village des asphodèles de AliBoumahdi. - Paris : les éditions Robert Laffont. - 1970, page, page 85
-ibid., page 77
- Ibid. page 77
- Ibid., page 191
-ibid., page 280
.Ibid. , page 284
-Le village des asphodèles de AliBoumahdi. - Paris : les éditions Robert Laffont. - 1970, page, page 341
- Ibid., page 223
- Ibid., page 226
Ibid.,page 285
-Ibid., page 292
- Dictionnaire des livres de la guerre d’Algérie (roman, nouvelles, poésies, photos…) de Benjamin Stora ,- Paris : l’harmattan, - 1996, page 65
- Dictionnaire des œuvres Algériennes en langue française, sous la direction de Christiane Achour.- Paris : L’harmattan, 1990, page 373
- Le village des asphodèles de AliBoumahdi. - Paris : les éditions Robert Laffont. - 1970, page 432
- Ibid., page 433
- Ibid., page 434
Ibid., page 434
-Ibid., page 435
-Le village des asphodèles de Ali Boumahdi. - Paris : les éditions Robert Laffont. - 1970, page., page 435
-Ibid., page 435
-La Littérature au soleil du Maghreb de l’antiquité à nos jours de Pierre Grenaud.- Paris : l’harmattan, 1993, page 187
- Nouveaux regards sur la littérature de langue française. - Gérard Prénal.- Rennes ; les éditions Gaater, 2014, page 19- 20
-La Littérature au soleil du Maghreb de l’antiquité à nos jours de Pierre Grenaud.- Paris : l’harmattan, 1993, page 424
- Dictionnaire des œuvres Algériennes en langue francaise sous la direction de Christine Achour.-Paris : l’harmattan, 1990, page 373
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire