شهادات حول استشهاد العقيد الطيب الجغلالي
ظلت كل الكتابات التي تخص حياة المجاهد بوقا سمي الطيب"1908-1959"الملقب أثناء الثورة التحريرية ب سي الطيب الجغلالي،نسبة إلى أخواله ببني جغلال بتا بلاط، تشير إلى أنه وقع ومن معه من خيرة قادة الولاية الرابعة التاريخية،في كمين بجبل قعقع بحد السحاري بولاية الجلفة حاليا،حيث سقط شهيدا رفقة 13مجاهدا أخر وهو في طريقه إلى مقر قيادة الولاية السادسة،لتسلم مهمة قيادتها بتكليف من الحكومة الجزائرية المؤقتة بتونس،بعد استشهاد العقيد سي الحواس"أحمد بن عبد الرزاق"والعقيد سي عميروش يوم 28/03/1959،وهذا دون تحديد الجهة التي نصبت الكمين،حتى عام 1986 حين فكر مجاهدو ولاية المدية الإدارية والولاية السادسة التاريخية، في نقل رفاة العقيد الطيب الجغلالي من الولاية السادسة إلى مسقط رأسه بالمدية بمناسبة تدشين مقبرة لشهداء المنطقة،فاشترط عليهم مجاهدو الولاية السادسة تحديد مكان إعدام المجاهد النقيب النوي علي بن مسعود بالمنطقة الأولى بالولاية الرابعة التاريخية"بالغابة الكحلة ببلدية بوشرا حيل بشرق المدية حاليا بهدف نقل رفاته-كذلك- إلى المسيلة مسقط رأسه وهذا ما وقع بالفعل.
بعدها تسربت معلومات تفيد بأن الكمين نصبه النقيب على بن مسعود الذي كان مشرفا على المنطقة الأولى-الولاية السادسة،المتاخمة للولاية الرابعة جهة الشمال الشرقي بالنسبة لحدود الولاية السادسة، وليس الجيش الفرنسي كما شاعت الأخبار حينذاك،وهي النقطة التي كان قد أثارها النقيب محمد صايكي في مذكرته المعنونة ب"شهادة ثائر من قلب الجزائر" في طبعتها الثانية عام2003،وكذا تصريح العقيد أحمد بن شريف الذي تعجب فيه من ظاهرة الاستمرار في كتم الحقيقة التاريخية عن الأجيال المتلاحقة بعد الإستقلال،أثناء كلمته التي ألقاها يوم29/07/2004 بالعمارية ،بمناسبة إحياء الذكرى الخامسة والأربعين لذات الشهيد،والتي جاء فيها(إن الكمين نصبه إخوة له في الجهاد وليس الجيش الفرنسي؟)وقبل أن يكمل جملته انقطع التيارالكهربائي لسبب من الأسباب، وفي نفس الذكرى التي أشار إليها المجاهد الرائد لخضر بورقعة صاحب كتاب(شاهد على اغتيال ثورة) لما استفسر ناه عن ظروف استشهاد العقيد الطيب الجغلالي، بقوله"لا يمكن لأية ثورة أن تكون على بياض،وأن تكون كذلك مفروشة بالورود والزرابي"بعدها انتقلنا إلى بيت المجاهد شراير محمد المعروف ب"محمد الصغير أثناء الثورة" والذي قضى أكثر سنوات الكفاح المسلح بالناحية الثالثة -المنطقة الخامسة-الولاية الرابعة،من أكتوبر1956 لغاية1961 حين ألقت فرنسا عليه القبض.
وعن شهادته حول هذا الكمين؟قال(حان الوقت لقول الحقيقة التاريخية لأبنائنا مهما كانت.وهذا قبل انقراض الجيل الذي حرر الجزائر ومن ورائه الشعب من نير الاستعمار الفرنسي. وحسب ما جاء ضمن مذكرات محمد صايكي،وكذا بالجزء الأول من كتب الولاية الرابعة للفترة"1959-1962".فإنه بعد استشهاد سي الحواس رفقة نائبه الرائد عمر إدريس وإلقاء القبض على نائبه الثاني الرائد عمر صخري بنواحي بوسعادة، أصبح الطيب الجغلالي العضو الوحيد الذي بقي على قيد الحياة،وبعيدا عن قبضة العدو من بين أعضاء مجلس الولاية السادسة.وعن العملية التي راح ضحيتها العقيد الطيب الجغلالي وثلة من خيرة قادة الولاية؟.حدثنا المجاهد محمد الصغير بمنزله المتواضع الكائن ببلدية ذراع السمار غرب المدية بنحو4كلم فقال:كنت يومها بأولاد سعيد التابعة آنذاك لبلدية جواب وبأسفل جبل بولقرون مكان استشهاد الرائد مقراني رابح"سي لخضر بتاريخ05/03/1958" بشرق المدية،ثم انتقلنا إلى جبل بولقرون وأنا-أضاف- الذي أشرفت على تمرير سي الطيب الجغلالي من جبل بوقعدن حتى منطقة ديره بنواحي سور الغزلان،حيث أخذنا من الراحة وقتا كافيا،وفي الغد انتقلنا إلى الناحية الأولى التي كانت تحت مسؤولية المدعو يحي العايب ولقبه حسب ما أتذكر هو ابن علية-اغتاله الإرهاب بشلالة العذاورة،وبالناحية الأولى للولاية السادسة انتهت مهمتي قال محمد الصغير،حيث أوكلت مهمة إتمام المشوار إلى المجاهد يحي العايب حتى الطريق المشهور برقم:40 وهو الحد الفاصل حينذاك ما بين الولايتين التاريخيتين الرابعة و السادسة،وعنده انتهت كذلك مهمة يحي العايب. وعن ذاكرته حول الأفراد المرافقين للطيب الجغلالي.قال كان معه قرابة 15عنصرا من خيرة أبناء الولاية الرابعة،ومنهم على سبيل المثال:حميدو-محمد باشن-مكاوي ومختار بن بدوي،ومن الأدوات الحربية التي كانت عند سي الطيب الجغلالي:منظار سبق وأن غنمناه في إحدى المعارك ببوقعدن،وسلاح من نوع 52ن.خ.غ /كركري.أستلمه من عند أحد جنود الكتيبة الحكيمية قبل توجهه إلى الولاية السادسة،وبعد حادثة استشهاده رفقة مرافقيه يوم29/07/1959 راودتنا الشكوك فيما يخص ظروف وملابسات الواقعة الأليمة،خصوصا بعد تسرب معلومات غير موثقة تفيد بان الكمين الذي وقع فيه سي الطيب الجغلالي ،وهو الخبر الذي أكده المجاهد بالعالم مسعود"من مواليد1924 ببني سليمان شرق المدية"والذي التحق بصفوف الثورة عام 1956 بالمنطقة الأولى-الولاية الرابعة،وفي 1958 انتقل إلى منطقة بوقعدن حتى أوت 1961 حيث ألقت عليه فرنسا القبض بالناحية الثانية وتحديدا بقرية أولاد بويحي التابعة لبلدية بوسكن دائرة بني سليمان شرق المدية حاليا-التابعة للمنطقة الخامسة بالولاية الرابعة،وذلك برتبة محافظ سياسي حسب وثائقه الثبوتية على مستوى الناحية،وحسب ما حدثنا به فإنه- بعد الحادثة- شاع خبر يفيد بأن المدعو علي بن مسعود هو الذي دبر عملية الاغتيال بأمر من محمد شعباني مسؤول الولاية السادسة آنذاك،وهذا حسب أحد المجاهدين الذين كانوا رفقة سي الطيب الجغلالي يدعى لخضر الروان،وهو الوحيد الذي نجا من الموت والذي أكد لنا-أضاف بالعالم مسعود-بأن سي الطيب الجغلالي أصيب بجروح وأن علي بن مسعود هو الذي أطلق عليه الرصاص مرة ثانية فقتله؟وأما محدثنا صاحب الشهادة الحية،حسب ما أدلى لنا به.فقد أجاب عن فحوى سؤالنا المتعلق بالإجراءات المتخذة بعد تضارب أخبار صاحب الكمين؟قائلا: بعد سماعنا الخبر الحزين قام كل من سي رابح درموش مسؤول الناحية الثانية "شهيد"ومحمد أنطوان"عاش بعد الاستقلال"وسي أمحمد مسطاش،برحلة استخباراتية نحو الولاية السادسة،بهدف التحقيق السري لكشف الحقيقة،حيث توصل هذا الوفد من خلال عمليات التحري المشوبة بالحذر والحيطة إلى نص السؤال المطروح،من قبل النقيب علي بن مسعود والمتمثل في لماذا تكلف الحكومة المؤقتة رائدا من الولاية الرابعة بترأس قيادة الولاية السادسة؟ وهو نفس المحتوى الذي أورده النقيب صايكي في مذكراته ضمن عنوان جزئي( المؤامرة التي حيكت ضد الطيب الجغلالي.ص:88.ومما جاء فيها لقد وقعت خلال هذه الفترة مؤامرة رهيبة ضد الطيب الجغلالي،دبرها مسؤولو مناطق الولاية السادسة،وهم محمد شعباني-سليمان لكحل-موح بالقاضي وعلي بن مسعود.وأن سي الطيب الجغلالي أخذ معه بعض إطارات الولاية الرابعة"نحو15نفرا"بغية تدعيم المناطق الأخرى،ولكن حب الزعامة والمسؤولية أعمت بصيرة المسؤولين المذكورين....ولمتابعة هذا الفصل من تاريخ الثورة التحريرية،واصل محمد الصغير حديثه الشيق معنا فقال:وبعد أن تأكد الخبر كلفت-أنا- من طرف أحمد ديره"مازال على قيد الحياة"وعبد القادر المدرب والذي مازال كذلك على قيد الحياة،وهما مسؤولا المنطقة الخامسة على التوالي المتاخمة كذلك للولاية السادسة جهة الشمال،بمهمة إلقاء القبض على علي بن مسعود منفذ العملية،بواسطة فكرة لقاء قادة المناطق الأولى والرابعة بقيادة كل من على بن مسعود وموح بالقاضي على التوالي بالولاية السادسة من جهة ومسؤولي المنطقة الخامسة بالولاية الرابعة المتاخمة،وذلك بقرية قراتن ببلدية المعمورة التابعة لدائرة سورالغزلان حاليا،فقمت شخصيا بتنصيب خلية تقصي أخبار تحرك علي بن مسعود،وبعد قرابة الخمسة أشهر وصلنا خبر دخوله تراب الولاية المنطقة الخامسة،رفقة فرقة من جنوده تتكون من نحو34 مجاهدا،وبالفعل أضاف محدثنا جاءتني معلومات دقيقة ومفصلة عن اللباس ونوع الأسلحة التي بحوزتهم،فبادرت وعلى الفور بتوجيه رسالة مكتوبة عبر مصلحة الاتصالات،تحذره من خطورة المنطقة الواقعة ما بين سيدي عيسى وديره لوجود جنود العميل بن لونيسي،وهذا لأجل استدراجه نحونا، وبعد ذلك عدت إلى قرية قراتن ببلدية جواب آنذاك،والتابعة حاليا لبلدية المعمورة دائرة سور الغزلان ولاية البويرة،وبعد الغد وصل صاحبنا إلى ناحية قراتن ليلا،حيث ضاعفنا من تواجدنا،ولكن من دون تسريب الخبر لباقي الجنود،تجنبا لكارثة قد لا تحمد عقباها،فأقدمت على توجيه رسالة ثانية إليه،ندعوه من خلالها إلى "الرفيش"أي اللقاء والتجمع لأجل الراحة،بحوش المدعو عبد القادر بن مسعود والذي يبعد بنحو 1.5كلم من قرية قراتن بناحية المعمورة،وتأمينا للطريق المؤدي للحوش السالف الذكر،أمر الرائد علي بن مسعود جنوده بالتمركز بقمة الجبل،بهدف العسة أي المراقبة لأنه لم يكن يثق فينا 100 في المائة،وعند الساعة 11.30دقيقة ليلا تجنب علي بن مسعود الطريق المرسوم له سلفا للوصول إلى الحوش،حيث شق المسلك الذي يتوسط قمة جبل قراتن والمتميز بالانحدار،أما موح بالقاضي فقد صعد الهوينة حتى قمة الجبل،وهذا تحت أنظارنا نحن الأربعة فقط،وفي هذه الأثناء قام محمد الجيلالي-مازال على قيد الحياة وبالبليدة- بإلقاء القبض على محمد بالقاضي أحد مدبري عملية اغتيال الطيب الجغلالي،أما علي بن مسعود فجاء راجلا وسط جبل قراتن-كما أسلفنا-متوجها نحو الحوش المتفق عليه،ووفق خطة مرسومة وبدقة تقدمت نحوه وعلى كتفي سلاح من نوع "كارابيل "على مقربة منه بنحو6أمتار فبادرت بحذيره قائلا:ارفع يديك ولا تتحرك،فقام كاتبي الخاص بتجريده من سلاحه الخاص من نوع"ماص55ومسدس"بالإضافة إلى المنظار العسكري الذي كان عند سي الطيب الجغلالي حسب المواصفات،فقمنا بتقييده وأدخلناه الداردون علم جنوده، فسألناه السؤال التالي:أين هو سي الطيب الجغلالي؟وسي حميدو؟ وسي باشن؟و...فأجاب قائلا:هم خونة.هم ضد الثورة،وإثر ذلك مباشرة أخبرت مسؤول المنطقة الخامسة-الناحية الثانية-فصدرت إلينا أوامر تأمر بتسليمه إلى مسؤولي المنطقة الثانية بالولاية الرابعة،فقمت أضاف المجاهد محمد الصغير،بتسليمه إلى جيش التحرير الوطني بناحية أولاد العربي ببني سليمان شرق المدية،بعد رحلة شاقة ومحفوفة بالمخاطر عبر جبال أولاد سعيد فأهل الشعبة فبني معلوم ثم أولاد العربي،حيث أعدم رفقة موح بالقاضي بمنطقة أولاد سيدي موسى قبالة بلدية بوشرا حيل حاليا،لأعود مباشرة إلى المنطقة الخامسة-الناحية الثانية لمواصلة الجهاد حتى يوم02/10/1961أين ألقي علي القبض من طرف العدو الفرنسي بالناحية الثالثة جهة بلدية شنيقل الآن بشرق المدية،إثروشاية أحد المواطنين.
وعن الذين ألقوا القبض على علي بن مسعود وموح القاضي؟ حصرهم محدثنا في نفسه وكاتبه الخاص،ومحمد الجيلالي وامحمد بن قدور فقط.بينما أشار محمد صايكي إلى كل من عبد القادر المدرب ومحمد بن قدور وبوبكر؟أما فيما يخص مصير مرافقي علي بن مسعود فقد أكد محمد لصغير قائلا:بعد أن شاع بينهم خبر الخيانة وإلقاء القبض على قائدهم وتخوفنا من عمليات الانتقام تمكنا من تجريد 13جنديا من سلاحهم وتركناهم أحرارا،أما الباقون فقد تمكنوا من الفرار والعودة إلى الولاية السادسة فتبعهم المجاهدون الذين جردناهم من سلاحهم ختمها صاحب هذه الشهادة التاريخية المجاهد محمد الصغير.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire