البيان الفرنسي الأول إلى الشعب الجزائري عام 1830
هذه مناداة من سار عسكر أمير الجيوش الفرنساوية
إلى سكان الجزائر وأهالي القبائل
بسم الله المبدي المعيد وبه ستعين
يا أيها ساداتي القضاة و الأشراف و العلماء وأكابر المشايخ والاختيارية، إقبلوا مني أكمل السلام وأشمل على أشراف قلبي بمزيد من العز و الإكرام، أما بعد اعلموا هداكم الله إلى الرشد و الصواب سعادة سلطان فرانسه مخدومي وعزة جنابه الأعلى عز نصره، قد أنعم علي بتوليته أياي منصب سار عسكر ويا أعز أصدقائنا ومحبينا سكان الجزائر ومن ينتمي إليكم من شعب المغاربة ،أن الباشا حاكمكم من حيث أنه تجرأ على بهدلة بيرق فرانسه المستحق كل اعتبار، وإقدام على إهانته فقد سبب بجهله هذا كل ما هو عتيد أن يحل بكم من الكوارث و المضرات لكونه دعى عليكم الحرب من قبلنا، فإن عزة اقتدار سلطان فرانسه دام ملكه نزع الله من قلبه ورأفته المعروفة المشهورة، فلا بد أن هذا الباشا حاكمكم – من قلة بصيرته وعماوة قلبه – قد جذب على نفسه الإنتقام المهول، وقد دنا منه القدر المقدر عليه ومن قريب يحل به ما استحقه من العذاب المهين.
أما أنتم يا شعب المغاربة، إعلموا أو تأكدوا يقينا أني لست آتيا لأجل محاربتكم، فعليكم أن لا تزالوا آمنين ومطمئنين في أماكنكم وكل ما لكم من الصنائع و الحرف براحة سر. ثم إني أحقق لكم أنه ليس فينا من يريد يضرّكم لا في مالكم ولا في أعيالكم ومما أضمن لكم أن بلادكم وأراضيكم وبساتينكم وحوانيتكم، وكل ما هو لكم صغيرا كان أو كبيرا يبقى على ما هو عليه ولا يتعرّض لشيء من ذلك جميعه أحد من قومنا، بل يكون في أيديكم دائما، فامنوا بصدقي كلامي، ثم إننا نضمن لكم أيضا ونعدكم وعدا مؤكدا غير متغير ولا متأول أن جوامعكم ومساجدكم لا تزال معهودة معمورة على ما هي عليه الآن و أكثر، وأنه لا يتعرّض لكم أحد في أمور دينكم وعبادتكم، فإنّ حضورنا عندكم ليس هو لأجل محاربتكم وإنما قصدنا محاربة باشتكم الذي بدأ وأظهر علينا العداوة و البغضاء. ومما لا يخفى عليكم غاية تحكمه وقبح طبعه المشؤوم. ولا ينبغي لنا أن نطلعكم على أخلاقه الذميمة وأعماله الرذيلة فإنّه واضح لديكم لأنّه لا يسعى إلا على خراب بلادكم ودثارها وتضييع أموالكم و أنفسكم ، ومن المعلوم أنّه إنما يزيد أن يجعلكم من الفقراء المنحوسين المبهدلين الخاسرين أكثر من المسخط عليهم، فمن أعجب الأمور كيف يغبى عنكم أن باشتكم لا يقصد الخير إلا لذاته ، و الدليل كون أحسن العمارات و الأراضي و الخيل و السلاح و اللبس و الحلي وما أشبه ذلك كله من شأنه وحده.
فيا أيها أحبابنا سكان المغرب أنّه عزّ وجل ،ما سمح بأن يصدر من باشتكم الظالم ما فعله من أعمال الخبث و الردى إلا إنعاما منه سبحانه و تعالى عليكم ،حتى تحصلوا بهلاكه وبزوال سلطنته على كل خير، ويفرج عنكم ما أنتم فيه من الغم و الشدة و إذ و الحال هذه أسرعوا واغتنموا الفرصة و لا تعمى أبصاركم عما أشرفه الله عليكم من نور اليُسر و الخلاص، و لا تغفلوا عما فيه مصلحتكم، بل استيقضوا لكي تتركوا باشتكم هذا وتتبعوا شورنا الذي يؤول إلى خيركم وصلاحكم ، وتحقققوا أنه تعالى لا يبغي قط ضرر خليقته، بل يريد أن كل واحد من براياه يجوز ما يخصه من وافر نعمه التي سبغها على سكان أرضه.
يا أيها أهل السلام إن كلامنا هذا صادر عن الحب الكامل، وإنّه مشتمل على الصلح و المودّة وأنتم إذا شيعتم مراسليكم إلى أوردينا حينئذ نتكلم وإياهم و المرجو من الله تعالى، أن محادثتنا مع بعضنا بعض تؤول إلى ما فيه منافعكم وصلاحكم، وعشمنا بالله أنكم بعدما تحققتم أن مقاصدنا و غياتنا الفريدة ليست هي سوى خيركم ومنفعتكم تشيعوا لنا صحبة مراسليكم كل ما يحتاج إليه عسكرنا المنصور من الذخائر، ما بين طحين و سمن وزيت و عجول و غنم وخيل وشعير ومايشبه، وحين وصلت مرسلاتكم هذه إلينا فحالا ندفع الثمن فلوسا نقدية على ما تريدون و أكثر. هذا و أما إن كان منكم معذا الله خلاف ذلك حتى تختاروا محاربتنا ومقاومتنا، إعلموا أن كل ما يصيبكم من المكروه و الشر إنما يكون سببه من جهتكم فلا تلوموا إلا أنفسكم فأيقنوا أنّه ضدّ إرادتنا، فليكون عندكم أنّ عساكرنا المنصورة تحيط بكم بأيسر مرام ودون تعب، وإن الله يسلّطها عليكم فإنه تعالى كما أن يأمر من يجعل لهم النصر و الظفر بالرحمة و المسامحة على الضعفاء المظلومين، فكذلك يحكم بأشد العذاب على المفسدين في الأرض العائثين على البلاد، فلا بد أنكم إن تعرّضتم لنا بالعداوة و الشر هلكتم عن آخر.
هذا يا أيها السادة ما بدا لي أن أكلمكم به فهو نصيحة مني إليكم وايقنوا يقينا مؤكدا أن كلام سلطاننا المنصور المحفوظ من الله تعالى غير ممكن تغييره لأنه مقدّر و المقدر لا بد أن يكون
و السلام على من سمع وأطاع.
كُلّف وزارة الحربية الفرنسية ، الماركيز دي كليرمون تونير وهو عقيد في هيئة الأركان من عائلة تنحدر من بيكاردي ، بتحضير بعثة حملة الجزائر . في حدود منتصف شهر جانفي من العام 1830، أصدر الماركيز دي كليرمون تونير أمرا بتأسيس مكتب خاص في وزارة الحربية ،كُلّف بتنفيذ خرائط ومخططات الحملة أشرف عليه النقيب فولتز من هيئة أركان الجيش، وبنهاية شهر ماي من العام نفسه كلّف الكومت دي بورمون الماركيز دي كليرمون تونير بطباعة بيان باللغة العربية الدي أعدّه دي ساصي بروح التعبير المستعمل في شمال إفريقيا، وصدرت نُسخ البيان بتقنية الطبع الحجري بمطبعة أنجلمان.حيث كان إلمام دي كليرمون تونير
باللغة العربية ، وعلاقاته مع سكان منطقة ميدي الفرنسية، و اتصالاته المتينة مع عدد من القناصل و الشخصيات الرسمية و الرحالة الأمريكيين و الإنجليز و الهولنديين، الفضل في إتمامه للدراسة الميدانية لمحيط مدينة الجزائر
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire