عندما تزور ولاية المدية يكفيك أن تذكر اسم الشيخ "لخضر الزاوي" لأي شخص يعترضك في الطريق، سيفتح لك جوارحه دون مقدمات، وستجد أنه يعرف الكثير عن هذا الشيخ الجليل ويدلك مباشرة على عنوان مكتبه في المدية القديمة بزنقة "بابا علي" أو "زنقة السبابط" كما يصفونها غير بعيد عن المسجد الحنفي. بل يسعى كل من تطلب منه معلومات عن الشيخ "الزاوي" إلى اصطحابك إليه، وهو ما حدث لنا مع بائع أقمشة ترك محله مفتوحا ورافقني حتى هدفي المنشود.
- كان في اعتقادي وأنا أستمع لكلام الناس المادح أن مكتب الشيخ المفتي على شاكلة مكاتب رجال الدين في المشرق العربي، منقوش بفن الأرابيسك ومزين بالتحف الخشبية القانية اللون وبه مكتبة كبيرة مليئة بالمجلدات المذهبة، لكني تفاجأت لدى دخولي من الباب الصغير المفتوح على الشارع بغرفة ضيقة طولها إلى الداخل حوالي 03 أمتار وعرضها لا يتجاوز المترين، بها مكتب بسيط صغير يجلس وراءه شيخ مسن يرتدي جبة بيضاء وعلى رأسه عمامة صفراء ووجه يشع بمسحة بيضاء، وعلى جدار الغرفة الخلفي والجدار الأيمن رفين صغيرين بهما سلسلة من الكتب القديمة الصفراء وعدد من المجلدات.
- وعلى مقعد الاستقبال الطويل يجلس كهلان وشابان وامرأة جاؤوا يستفتونه في أمور لها علاقة بالشرع. استقبلني الشيخ بحرارة بعد أن قدمت له نفسي على أني صحفي بجريدة "الشروق اليومي" وأني أريده ضيفا على صفحاتها في أحد أعداد الشهر الفضيل فقال لي إنه من قرائها الأوفياء وأنه لا يمر صباح إلا والشروق بين يديه.
- استأذنت الشيخ في أن أعود إليه بعد أن يكمل حديثه مع زواره، لكنه أمرهم بالانصراف والعودة مساء، فذهلت لتطبيقهم الأمر برضا تام ودون أي إحساس بالغضب، بل رحب بي أحدهم وقال لي: الشيخ "بركة المدية" وضيوفه ضيوفنا ونحن في خدمتك وخدمة "الشروق".
-
- من الزاوية إلى الإمامة.. إلى الإفتاء
- بدا على ملامح الشيخ عند بداية الحديث بعض الحرج لكنه سرعان ما اندمج معي في حديث شائق أرجعه سبعين عاما إلى الوراء. طلبت منه أن يختصر لنا أهم محطات حياته فقال أنا من مواليد 1931 بقرية سي المحجوب بضواحي المدية، حفظت القرآن الكريم قبل سن الرابعة عشرة بمسقط رأسي بمدرسة "الحوض" التقليدية على يدي شيخي "سي محمد بن شهرة". ولما أتممت حفظه تاقت نفسي إلى طلب العلم والإبحار في يمّه، فانتقلت إلى زاوية "الهامل" ببوسعادة لكن لم يطب لي المقام هناك، فغيرت وجهتي بعد أشهر قليلة إلى زاوية "الإدريسية" لصاحبها الشيخ "عبد القادر بن مصطفى" بالجلفة بتوجيه من الشيخ "عطية بن مصطفى". وفي هذه الزاوية قضيت سبع سنوات كاملة تعلمت في بدايتها الأجرومية ومتن ابن عاشر، ثم تعلمت أصول الفقه والحديث وأصول النحو والصرف ثم تعمقت في العلم الشرعي... وكللت جهودي في طلب العلم بإجازة تفوّق من شيخي الولي الصالح "عبد القادر بن مصطفى".
-
- رأيت شيخي في المنام.. فزوجني ابنته
- قبل أن يعود الشيخ الزاوي إلى المدية روى لنا قصة زواجه من ابنة شيخه الولي الصالح "عبد القادر بن مصطفى" فقال: بعد أن حصلت على الإجازة رأيت في المنام أن شيخي جاءني وأهداني "قندورة" نسائية، فاستغربت من تلك الرؤيا، وبعد أيام تفاجأت بمبعوث من الشيخ "عبد القادر بن مصطفى" وهو يقول لي: إن شيخك يطلب منك الزواج من ابنته، وألح علي بالقبول إكراما للشيخ فما كان عليّ إلا أن قبلت وتزوجتها.بعد زواجي قفلت راجعا إلى المدية واستقر بي المقام بالقرية الجبلية "رؤوس الغابة" أين شرعت في تحفيظ القرآن الكريم للأطفال، كما كنت أعلّم الناس أصول الفقه وعلوم اللغة. ولما اندلعت الثورة التحريرية المباركة عيّنني مسؤولو الجبهة قاضيا شرعيا بالمنطقة، فكنت أفصل في الخصومات وأصلح ذات البين بين الأزواج وأقسم الميراث وغير ذلك من المسائل التي تهم الناس. لكن السلطات الاستعمارية لم تستسغ نشاطي ذاك وتفطنت لعلاقتي بجبهة التحرير الوطني بتحريض من معمر فرنسي اسمه "فينو"، وكان هذا الأخير مستوليا على أجزاء كبيرة من تلك المنطقة، فكدت أن أقع بين أيادي السلطات الاستعمارية لولا لطف الله بي وبعائلتي، ولم أجد من مفر إلا الهروب إلى الزاوية الإدريسية التي تعلمت بها في الجلفة. وهناك عينني شيخي وصهري في نفس الوقت مدرسا بالزاوية حتى بزغت شمس الاستقلال.
- وبعودة الحرية لأرض الشهداء عدت إلى المدية من جديد، وعينت إماما بالمسجد الحنفي بقلب المدينة القديمة ثم تحولت إلى المسجد الجديد لأشغل مهنة إمام خطيب، لأتحول بعد ذلك إلى مسجد "وزرة" التي تبعد عن عاصمة الولاية بحوالي 09 كيلومتر وقضيت هناك ثلاث سنوات، لأنتقل بعد ذلك إلى المسجد المالكي بعاصمة الولاية أين قضيت 15 سنة كإمام خطيب.
- بوتفليقة ساعدني من ماله الخاص بعد توقيف راتبي..
- بعد أحداث 1988 ودخول الجزائر في دوامة الفتنة اتهمت بالانتماء إلى الجبهة الإسلامية للإنقاذ وتم إيقافي والزج بي في معتقل "رقان" أين قضيت مدة 04 أشهر، وعندما خرجت وجدت راتبي مجمدا وعشت ظروفا مادية صعبة، لكن الرئيس بوتفليقة الذي كان صديقا لي منذ الثمانينيات زارني سنة 1993 في بيتي ولما عرف بحالي ساعدني من ماله الخاص كما ساعدني أيضا صديقه "أحمد كاياس". ولم تتوقف أفضال الرئيس بوتفليقة عليّ عند ذلك الحد بل سعى لي لدى وزير الشؤون الدينية آنذاك حتى أعود إلى منصبي من جديد، ولكن أدركني سن التقاعد، فقبلت بالأمر ولكني لم أبتعد عن خدمة دين الله ورسوله وخدمة الناس بفعل الخير، ففتحت هذا المكتب الصغير، أقدم فيه خدمات للناس من فتوى وإصلاح لذات البين ورقية شرعية، كما أعلم 08 شبان كتاب الله في مساحة لا تزيد عن 4 متر مربع كما ترون.
- يقوم الشيخ لخضر الزاوي في مكتبه الصغير بفك نزاعات وخصومات بين الناس في مدة قصيرة تعجز المحاكم عن الفصل فيها لسنوات طويلة، بل أبعد من هذا كثيرا ما يختصم الناس ويحتكمون للقانون وعندما يتعبون من أروقة المحاكم لا يجدون حلا مقنعا إلا عند الشيخ "الزاوي"، وهذا ما أكده لنا بعض المتخاصمين الذين رفعوا أيديهم بالدعاء للشيخ بطول العمر وبالصحة والعافية ليظل في خدمة الدين والأمة وأن يديم بركاته على الجميع. وعندما سألنا الشيخ عن أهم القضايا التي تطرح أمامه قال إنها غالبا ما تتعلق بالزواج والطلاق والميراث وخصومات الأراضي وحقوق الدية والشجارات. وسألناه أيضا عن سر تمكّنه من فك هذه النزاعات فقال إنه توفيق من الله عز وجل وتحكيم لكتابه وحوار بالكلمة الطيبة.
-
- استشارني بوتفليقة في الرئاسة فشجعته
- أقر الشيخ أن له علاقة صداقة قوية مع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة تعود لسنوات الثمانينيات إذ كان يزوره في المدية باستمرار برفقة صديقه "أحمد كاياس" ويتناقش معهما في الكثير من القضايا التي تعنى بشؤون الجزائر ودينها الإسلامي، وأكد أن الرئيس بوتفليقة استشاره قبل اعتلائه كرسي الرئاسة فقال له: "فلتكن رئيسا للجزائر فلعل الخير يكون على يديك". وأشاد الشيخ الزاوي بخصال الرئيس بوتفليقة فقال إنه رجل وطني صادق ومخلص ومحب لخير الجزائر وشعبها. وتذكر في خضم حديثه أن الرئيس قال له في إحدى المرات: لو كان كل من في الجبهة الإسلامية للإنقاذ مثلك لكنت واحدا من قادتها"
- بطلب من بوتفليقة تمكنت من إقناع 83 إرهابيا بالنزول من الجبل
- من جملة ما حكاه لنا الشيخ عن علاقته بالرئيس بوتفليقة قال: قبل أيام من انتهاء آجال قانون الوئام المدني أذن لي الرئيس بمحاورة الإرهابيين الموجودين في جبال المدية بعد أن فشلت "الأيياس" في اقناعهم بالنزول، وهو ما حدث فعلا، حيث رافقتني قوات الجيش إلى الجبل وقبل الوصول إلى المكان المفترض طلب أميرهم أن أصعد إليهم بمفردي، فأرسلوا لي سيارة أقلّتني إليهم، وبعد حوار طويل اشترطوا علي شرطين اثنين: الأول أن نمنحهم 15 يوما للتفكير والشرط الثاني أن يستشيروا عباسي مدني وعلي بلحاج الموجودين آنذاك بالسجن العسكري بالبليدة. وعندما أبلغت قوات الجيش قبلوا بالشرط الأول بينما رفضوا الشرط الثاني. لكن في الأخير تمكنت من إقناع 83 إرهابيا بالنزول، وقد اعترف لي بذلك المجهود الرئيس بوتفليقة وكذلك العقيد "جبار" اللواء حاليا حيث قال لي: يمكنك أن تفعل الكثير من هذه الأعمال. وفي هذا الإطار وجه الشيخ الزاوي نداء إلى كل المعنيين بمسألة الوضع الأمني في الجزائر فقال: الأمن وحده لا ينفع لابد من الحوار، نحن لا نرضى بسقوط القتلى من الجهتين، فكل هذه الدماء جزائرية وغالية الثمن.
- بوتفليقة هو من أخرج ابني من سجن بوركينافاسو
- روى الشيخ الزاوي حادثة ظلت راسخة في ذهنه وقعت سنة 1999 بعد انتخاب بوتفليقة رئيسا للجزائر بخصوص ما يعتبره خطأ وتسرع ابنه فقال: أن ابنه "أحمد الزاوي" الذي كان إماما بمسجد عين بنيان بالعاصمة وشغل منصبا قياديا في الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة والمقيم حاليا "بنيوزلندة" هرب إلى بلجيكا عندما اشتدت فتنة العشرية السوداء في الجزائر ثم انتقل إلى سويسرا أين أوقف وحول إلى سجون "بوركينافاسو" وكان قد زاره هناك، وأثناء زيارته لابنه هاتف الرئيس بوتفليقة لكنه لم يجده فترك وصية لدى أمين مكتبه، ولما وصلت الوصية أسماع الرئيس هاتفه في نفس اليوم بعد المغرب وتحادثا في الهاتف عن سر سفر الشيخ الزاوي إلى بوركينافاسو فقال له الشيخ إنه يزور ابنه "أحمد" المسجون ببوركينافاسو، وأخبره أن المحكمة حكمت عليه بـ 20 سنة سجنا، فقال له الرئيس: سأطلع الليلة على الملف ونرى ما سنفعل. وكان الرئيس عند وعده حيث اطلع تلك الليلة على ملف ابنه وأمر رجاله بالتكفل بالقضية، كما طلب من الشيخ أن يعود بابنه وعائلته من بوركينافاسو دون أن يخاف من أي شيء. لكن ابنه لم يقتنع وكان خائفا من تهديد "الجيا" له فسافر من هناك إلى "نيوزلندة" بينما عدت أنا بعائلته وأولاده إلى الجزائر، وفي المطار وجدت كل التسهيلات من رجال الأمن حيث أكرموني ورافقوني بالحراسة حتى وصلت بيتي في المدية. فأنا شاكر لشهامة بوتفليقة وسيظل فضله عليّ كبيرا ما حييت.
- ومضات
- لا يعرف عدد أحفاده
- سألت الشيخ كيف يقضي شهر رمضان المعظم فقال: رمضان في المدية مميز جدا وله طابع خاص، أقضيه في العبادة والتقرب من الله سبحانه وتعالى كما لا أتوقف عن نشاطي في المكتب. سألته عن أبنائه فقال 11 بين البنين والبنات منهم محمد الزاوي الصحفي بقناة "أورو نيوز" وعبد القادر المقيم بأستراليا، أما الأحفاد فقال إنهم كثيرون ولا يعرف عددهم بالتحديد.
-
- لا يعرف شيئا عن نشاط المجلس الإسلامي الأعلى
- سألت الشيخ عن رأيه في نشاط المجلس الإسلامي الأعلى فقال لي: لا أعرف عن نشاطه شيئا.
- شيخه قال له: أنت مرابط
- روى الشيخ أنه لما حاز الإجازة من شيخه "عبد القادر بن مصطفى" جلس أمام المسجد يفكر فجاء على باله أنه "مرابط" وإذ بشيخه يخرج من المسجد وقال له: تعال يا مرابط.
- مكتبة الشيخ مليئة بالكتب
- أكرمني الشيخ بوجبة غداء في بيته، وألقيت نظرة على مكتبته فوجدتها عامرة بالمجلدات والكتب الدينية والفكرية. تتنوع بين أمهات الكتب ومؤلفات للعلماء المسلمين الكبار.
-
- شعبية الشيخ
- عندما رافقته إلى بيته لم أصادف أحدا في الطريق لم يلق السلام ولم يسأل عن أحواله والدعاء له بالخير. فهو شعبي جدا لدرجة أني داعبته قائلا: لماذا لم تترشح "ميرا" لبلدية المدية.
- الإفتاء بالمذاهب الأربعة
- قال الشيخ إنه مجاز للإفتاء بالمذاهب الأربعة، وأنه يرى أنها كلها متوافقة وكلها في خدمة الإسلام دون غلو أو تعصب.
- صكوك الفقراء
- أخرج الشيخ من درج مكتبه ما يشبه الصكوك، سجل عليها صدقات للفقراء، سألته عنها فقال إنه يوزع مال الدية والزكاة على فقراء المدينة وكل ينال حقه حسب حالته الاجتماعية.
-
- يعد كتابا يجمع الفتاوى
- يقوم الشيخ بجمع الفتاوى الأكثر شيوعا في المجتمع الجزائري من التي يصادفها يوميا في كتاب ينوى طبعه حتى يفيد به المجتمع.
- هاتفه لا يتوقف عن الرنين
- منذ دخلت مكتبه وهاتفه الثابت لا يتوقف عن الرنين، وكل المتصلين يستفتونه في مختلف القضايا ويطلبون مشورته، ومنهم متصلون من الجالية الجزائرية بالخارج.
- مفتي الجمهورية أكثر من ضرورة
- قال الشيخ إن منصب مفتي الجمهورية أصبح ضروريا حتى يمكن الفصل في القضايا الاستعجالية والمستجدات، وشدد على أن يكون من حوله علماء مشهود لهم بالعلم الواسع والتقى.
- رأيه في التفجيرات الهمجية
- قال الشيخ إن التفجيرات التي تهز الجزائر من حين لآخر خارجة عن الدين الإسلامي الحنيف، ووصف مرتكبيها بالمخطئين لأن ما يفعلونه لاعلاقة له بالإسلام، ووجه لهم نداء الرجوع إلى جادة الصواب وأن يتركوا هذا الطريق المغلق.
- الشيخ الطاهر آيت علجت عالم كبير
- قال في الشيخ الطاهر آيت علجت أنه يعرفه جيدا وكان يجتمع معه في 1995 مع ثلة من العلماء ورجال السياسة عند الشيخ "أحمد سحنون" وقال عنه أيضا إنه مثال في العلم والتقى.
- رسالة إلى الرئيس بوتفليقة
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire