لن يكفيك شهر كامل لتسجل ربع حياة وفكر الشيخ الأديب والمفكر محمد المختار إسكندر الذي قضى أكثر من 75 عاما بين الكتب ومساهما نشيطا في الحركية الثقافية والدينية بالجزائر.
- فصاحب الأربعين كتابا رغم سنّه المتقدم يمتلك عقلا لم يشخ بعد إذ يختزن حقائق وأحداثا هامة من تاريخ الجزائر المعاصرة، فعندما تجلس إليه يهرب منك الوقت وأنت تستمع للكم الهائل من المعلومات والأفكار التي تأتي على لسانه تباعا حتى تخال نفسك أميا وأنت المحاط بالتكنولوجيا والدارس في الجامعات.
- عندما زرته في بيته بالمدية وطلبت منه أن يكون ضيفا على صفحات "الشروق" رأيت في عينيه سعادة غامرة لكون محاوره من الجيل الجديد وتمنى من أعماقه أن يخرج من منطقة الظل لأن ما في جعبته هدايا غالية لأجيال المستقبل.
- تتلمذ على يدي محمد العيد آل خليفة
- ولد الشيخ محمد المختار إسكندر في الثامن من نوفمبر عام 1923 بالمدية، تتلمذ على يد والده الشيخ "محمود إسكندر" ثم الشيخ "محمد بن شيكو" بالمدرسة الزبيرية، وفي 1936 انتقل رفقة عائلته إلى الجزائر العاصمة، حيث عمل والده "حزابا" بالمسجد الكبير ثم مؤذنا، بينما التحق هو بمدرسة الشبيبة الجزائرية بساحة الشهداء أين تتلمذ على يدي الشيخ محمد العيد آل خليفة والشيخ الطيب العقبي والشيخ الفضيل إسكندر. وعندما تخرج درس في المدارس القرآنية بالمدية ثم مدرسا بمدرسة الشبيبة بالجزائر من 1945 حتى أواخر 1947، وأسس في تلك الفترة وتحديدا سنة 1946 تنظيم "الشباب المناهض" مع مجموعة من رفقائه ثم عاد من جديد إلى المدية مدرسا بمدرسة الإرشاد والتهذيب حتى سنة 1951.
- وأثناء الثورة كُلّف من طرف الرئيس أحمد بن بلة بتبليغ الرسائل الثلاث لقادة جبهة التحرير الوطني والتي اجتمعت على أساسها مجموعة الـ 22 التاريخية. بعد الاستقلال كان عضوا دائما بالمنظمة المدنية لجبهة التحرير الوطني كما اشتغل مستشارا تربويا، وكان بالموازاة مع ذلك عضوا بالمجلس الإسلامي الأعلى وعضوا باتحاد الكتاب الجزائريين وعضوا باتحاد المؤرخين الجزائريين ورئيسا لجمعية التاريخ والمعالم الأثرية بالمدية وأستاذا محاضرا بالمعهد العالي للقضاء ثم مديرا للشؤون الدينية بالمدية والبليدة. وبعد تقاعده اشتغل إماما خطيبا بالمسجد الحنفي من 1982 حتى 1991. ثم تفرغ للتأليف والبحث في التراث والكتابة الأدبية وأثمرت تجربته تأليف أكثر من 40 عنوانا منها ما تمت طباعتها ومنها مازال مخطوطا ينتظر النشر. ولعل أهم كتاب صدر له هو "المفسرون الجزائريون عبر العصور"
- المذهب الحنفي في المدية وقصة ضياع كتاب الحديث للشيخ الفضيل إسكندر
- المذهب الحنفي في المدية مركز نشاطه المسجد الحنفي الموجود في قلب المدية القديمة، أسسه الشيخ العلامة الفضيل إسكندر في منتصف القرن الماضي، وكان له الفضل في انتشار هذا المذهب في العديد من مناطق الوطن حتى أصبح له أتباعه الذين مازالوا إلى اليوم يسيرون على نهجه ويتوارثونه أبا عن جد بل يعتنقه حتى بعض المعجبين بنهج الإمام أبي حنيفة النعمان.
- قضى الشيخ الفضيل إسكندر رائد المذهب الحنفي بالجزائر المتوفى في 14 أفريل 1982 حياته كاملة يبحث في علم الحديث، وقد تمكن بعد دراسة مستفيضة لكتب أعلام الحديث الستة "الشوكاني، السيوطي، ابن الهيثم، ابن المنذر، النسائي وأبي داوود" من تحقيق 13 حديثا تميز بها عن هؤلاء المحدثين، وقد اعترف بذلك كبار العلماء المسلمين في العالم. ولهذا الكتاب النادر قصة رواها لنا الشيخ محمد المختار إسكندر قائلا: "بعد جهد طويل بذله طيلة حياته، جمع الشيخ الفضيل إسكندر ما توصل إليه في كتاب أعطاه لأحد تلامذته ليكتبه بخط جميل لكنه بعد فترة من الزمن نسي تماما لمن أعطاه وظل يوصي أهله بالبحث عنه لكن من دون جدوى"، وبعد 17 سنة من وفاته كان تلميذه الشيخ محمد المختار إسكندر يقدم درسا بأحد مساجد المدية، فتحدث عن ضياع كتاب الشيخ الفضيل فتفاجأ بشخص يقول له بأنه عنده وكان من تلامذته، فكانت تلك الحادثة بمثابة معجزة حقيقية، وبقي ذلك الكتاب إلى يومنا هذا مخطوطا بين يدي حفيده جمال إسكندر الذي ينوي طبعه. ومن ضمن الكرامات التي منحها الله عز وجل للشيخ الفضيل أنه رأى في منامه أن الرسول صلى الله عليه وسلم مسح على وجهه بيده الشريفة، فكان كلما نسي شيئا من القرآن يمسح بيده على وجهه فيتذكره.
- محمد العيد آل خليفة مكّنه من جمع ديوانه وأحدهم سرق المخطوط
- قال الشيخ محمد المختار إسكندر: "كنت من أنجب تلامذة الشاعر الكبير محمد العيد آل خليفة في مدرسة الشبيبة الجزائرية بالعاصمة، إذ كنت أتمتع بذاكرة قوية وقدرة فائقة على حفظ الحيني لكل ما يكتب في السبورة، وذلك ما جعل الشيخ يبجلني ويقربني منه، وذات مرة اقترحت عليه أن أجمع قصائده التي نظمها بين 1940 و 1953 في ديوان فمكنني من ذلك، ولما أتممت جمعه أعرته لأحد الزملاء اسمه "أحمد بوعدو" وهو من منطقة القبائل عندما التقينا بمقهى تلمساني بالعاصمة، لكن هذا الأخير استغل الفرصة وأخذه معه إلى القاهرة وقدمه لدار نشر هناك ليطبعه دون أن يعلمني لكنه لم يوفق، وكان الدكتور أبو القاسم سعدالله هو من نبّهني للفعلة التي قام بها هذا الشخص فأبلغت الشيخ محمد العيد آل خليفة مما جعله يكتب رسالة يقر فيها بأني أنا من جمعت الديوان، ولما علم الشيخ البشير الإبراهمي استغل فرصة وجوده في مصر وزار دار المعارف لكنه لم يجد أثرا للديوان لأنه ضاع. وقد كان معي مخطوط ثان فأعطيته للدكتور طالب الإبراهيمي الذي تولى نشره لأول مرة بدار البعث بقسنطينة. وأنا أتأسف كثيرا لأن كل الطبعات لم يذكر فيها اسمي رغم أني جامع الديوان.
- لديه قصائد لمحمد العيد آل خليفة لم تنشر
- أكد الشيخ محمد المختار إسكندر أن لديه قصائد من نظم الشيخ محمد العيد آل خليفة لم تنشر بعد، وتأسف كثيرا لأنه تعرض للإهمال من طرف القائمين على مشاريع طبع ديوان الشيخ محمد العيد، كما أكد بأن بين يديه الآن كل القصائد التي قيلت في شخص هذا الرجل الفذ في تاريخ الجزائر المعاصر.
- في الجزء الثاني تقرؤون قصة رفع الشيخ محمد المختار إسكندر للعلم الجزائري لأول مرة في سوريا، وقصة الكلمة التي ألقاها أمام جمال عبد الناصر بمجلس الشعب المصري وجعلته يبكي. وقصة تسليمه لثلاث رسائل طلب منه بن بلة أن يبلغها لقادة الثورة والتي كانت سببا في اجتماع مجموعة الـ 22 التاريخية.
- ومضات
- · توحيد المذاهب الأربعة عمل جليل لو توحدت الرؤى ووفرت الشروط المساعدة على ذلك.
- · هناك تقصير كبير في حق مصابيح الأمة "العلماء" ولابد أن ينالوا حقهم من التكريم والتجلة.
- · من الصعب إيجاد عالم يشغل منصب مفتي الجمهورية، فهل في الجزائر الآن علماء يضاهون مصابيح جمعية العلماء المسلمين من وزن "ابن باديس، العربي التبسي، الطيب االعقبي..
- · هناك تعارض صارخ بين الفتاوى السلفية وبين خصوصيات المجتمع الجزائري، وكل التيارات الحالية لم تحاول فهم هذه الخصوصيات
- · المذهب الحنفي دخل الجزائر في العهد العثماني وتحديدا في القرن العاشر.
- · الذين قاموا بترميم المسجد الحنفي بالمدية أضاعوا كل معالمه، وأعتبر ذلك كارثة في حق تاريخ هذه المدينة العريقة
- · الزوايا في الجزائر لها دور كبير في تحفيظ القرآن وتخريج الأئمة وحتى العلماء، لكن هناك زوايا مازالت تعج بالخرافات والجمود.
- · أجهزة الإعلام الجزائرية تتحمل مسؤولية كبيرة فيما يتعلق باستيراد الفتاوى، لأنها لا تساهم في الترويج لعلماء الجزائر.
- · مشروع المصالحة الوطنية ناجح جدا، لابد ألا ننسى كيف كنا وكيف أصبحنا.
- · الانحطاط الأخلاقي في الجزائر مرده إهمال عنصر التوعية، لأن التخلص من قيود الجهل لا يكون إلا بنشر الوعي.
- · جمعية العلماء المسلمين مازالت شمعة تضيء سماء الجزائر، وأنا راض كل الرضا عن نشاطها.
- · كتبت تاريخ المدية لكن ذلك لا يكفي، لابد من إيصاله عبر أكثر من قناة للجيل الجديد الذي لا يعرف شخصية مثل الفضيل إسكندر أو بن شنب.
- · جريدة "الشروق" رائعة ومتميزة وشعبية، وأُكبر في طاقمها الشاب نشاطه وسيره على نهج خدمة الجزائر دينا ولغة وتاريخا وعصرنة.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire