توفيت "صبرينال" بسرطان الدم LAM7...
بعد أن رفض مستشفى بني مسوس استقبالها
خذوها للبيت تأكل وتلعب حتى تموت
انتقلت إلى رحمة الله "صبرينال مسدور" يوم 12/02/2008 في مستشفى بوفاريك بقسم الأطفال، حيث كانت تحضى برعاية خاصة، فلم تكن تعالج مرضها وإنما تأخذ مسكنات تخفف عنها آلام المرض، لكن الذي يؤلمنا اليوم (بعد وفاتها) أننا اتصلنا بمستشفى بني مسوس عن طريق رئيسة القسم لتحضى صبرينال برعاية متخصصة غير يائسة من مكافحة هذا المرض الخبيث، فكان الجواب قاسيا وبلا رحمة ولا شفقة على بنت تبلغ من العمر 3 سنوات ونصف: لا تحتفظوا بها في قسمكم فهذه حالة ميؤوس منها، أحقنوها بالصفائح الدموية وابعثوها لبيتها! ! ! !
هذا ما يحصل للأطفال المصابين بالسرطان في بلادنا، إنهم يسرّعون موتهم، عن طريق توقيف العلاج (بحجة أنه مكلف)، أو عن طريق إعطائهم مسكنات إلى أن يموتوا، وفي بعض الأحيان يتركون بدون صفائح دموية إلى أن يحدث لهم نزيف داخلي أو خارجي ويفارقون الحياة! ! ! !
فكرت كثيرا قبل أن أكتب هذا المقال، الذي أريد من خلاله أن أرفع الغطاء عن أكبر كذبة تعرّضت لها وتعرّض لها الكثير من الآباء والأمهات، وهي: أن سرطان الدم متحكم فيه جيدا في بلادنا، ولسنا بحاجة إلى أن ننقل أبناءنا للعلاج في الخارج، فالحمد لله الدواء متوفر، ويغطّي حاجات مرضانا، وأن الصفائح الدموية التي يحتاجها المرضى المصابين بهذا المرض الخبيث متوفرة ولستم بحاجة أيها الآباء أن تشغلوا بالكم على أبنائكم، ثم لا تتخوفوا من القاعات المخصصة لاستقبال أبنائكم فهي معقمة ونظيفة إلى درجة أنكم لن تجدوا صرصورا واحدا بها، فلا داعي لأي خوف، فمرض السرطان بالنسبة لمستشفياتنا –والحمد لله- أصبح كالحُمَّى التي يمكن علاجها بسرعة؟ كلام، كلام، كلام...
ما يحزّ في نفسي وأنا الأستاذ الجامعي الذي تخرّج على يديه الآلاف من الطلبة، آمنت بهذه الكذبة في مرحلة ما، وبدأت تتكشف أمام عيني شيئا فشيئا لكن بعد ماذا؟
يوم أن نقلت فلذة كبدي إلى المستشفى قال لي رئيس القسم "البروفيسور العظيم": إن حالة ابنتك متحكم فيها، ولا داعي للقلق، قلت: هل هنالك إمكانية للتكفل بعلاجها في الخارج؟ قال: لن تحصل على ذلك حتى ولو ربحت الجزائر بأجمعها...ثم أنني لن أوقع على الملف الذي يقدم للجنة الوطنية للدراسة...
في الشطر الأخير من كلامه كان صادقا، فقد حفت قدماي وجف قلمي وأنا أترجى كل من أعرف ومن لا أعرف أن يساعدوني في نقل ابنتي للخارج، فنبوءة "البروفيسور العظيم" كانت صادقة، الأبواب كلها مغلَّقة...في النهاية اجتهدت بمساعدة من لن أنسى خيره أبدا من ذوي البر والإحسان، ونقلت ابنتي لإجراء فحوصات بفرنسا بمستشفى سان لوي المتخصص، وبعد أن اطلع البروفيسور "باروشال" على ملف فلذة كبدي قال: لم تحترم مكونات بروتوكول العلاج الكيميائي بشكل جيد فقد عوضت بعض مركباته بمركبات أخرى، وهذا خطأ...عندها علمت ما سر موت الأطفال المصابين بهذا المرض الخبيث الواحد تلو الآخر، إنه الترقاع، وقصور الإمكانيات رغم الأموال الطائلة المُرصدة لمستشفياتنا...وكأنني أرى مصير ابنتي المسكينة بين عيني، حيث كلما سألنا عن طفل من الأطفال الذين كانوا مع ابنتي قالوا: أما سمعتم؟ رحمة الله عليه، رحمة الله عليها...(آية، عبد الله، العارم، رغدة، رحمة...).
لماذا يرتاح المصابون بهذا المرض عندما يعالجون في المستشفيات الفرنسية، البلجيكية، الألمانية، البريطانية...ولماذا يكون مصيرهم الموت عندما يعالجون في مستشفيات بلادنا؟ لماذا يموت أبناؤنا وهم ينتظرون عملية زرع النخاع، علما أن منهم من وصل إلى المرحلة التي يجب زرع النخاع فيها، ثم تتراجع حالته لتعود به إلى نقطة الصفر، هذا إن لم يكن مصيره كمصير المسكينة "آية" التي توفيت وهي تنتظر عملية الزرع، أو كمصير "العارم" التي أجريت لها عملية الزرع ولم تنجح وفارقت الحياة، ولم تجد وهي تصارع الموت حتى سيارة إسعاف تنقلها في راحة تامة من المستشفى إلى ولايتها لتموت ببيتها مرتاحة...
كنت أتقزز كلما التقيت ذلك "البروفيسور العظيم" الذي كذب علي، وأتقزز أكثر كلما شاهدته يلعب مسرحية الحريص على النظام في قسمه، وأزداد اشمئزازا كلما رأيته يتحدث بازدراء وتكبر واحتقار مع آباء المرضى...ووالله لم يجلس إليَّ مرة واحدة ليشرح لي أو لزوجتي حالة ابنتي، ولا حتى ليشاورنا عن الإجراءات التي سيتخذها مستقبلا لعلاجها...والعكس كل العكس حدث عندما نقلت ابنتي لإجراء فحوصات معمقة في الخارج، الكل يحاول أن يساعدك، ويتأسف شديد الأسف عندما يعجز.
عندنا تقف إحدى "البروفيسورات العظيمات" في وسط القاعة التي حشرت فيها ابنتي والأطفال المصابين بهذا المرض الخبيث والكل يسمع وتقول: لقد قلت لكم خذوها –ابنتي- للبيت تلعب وتأكل مع أخيها فيما تبقى لها من أيام، لن تشفى حتى ولو أخذتموها إلى فرنسا أو أمريكا...لن تشفى أبدا، المعجزات تأتي من الله...حكمت عليها بالإعدام...دون رحمة أو شفقة على أمها التي كانت تسمع كلامها وهي تبكي، لم ترحم حتى الأطفال الآخرين الذين كانت أمهاتهم تسمعن وترين مصير أولادهن...إنه الجفاء، إنه الخرق الصارخ للسر الطبي، الذي ينص قانونه على أن يعلم بالمرض الولي لوحده دون غيره...
إنني لا أبكي مصير ابنتي التي نشرت صورها وحالتها في الصفحات الرئيسية في الجرائد الوطنية ، ولم أسمع من أي مسؤول جزائري في الوزارات المعنية كلمة طيبة أو خبيثة على الأقل: الله غالب، أو لا تتعب نفسك لن تحصل على المطلوب...إنني أبكي مصير أبنائنا الذين يعانون ويُفقدون الواحد تلو الآخر، وأطرح التساؤلات التالية:
لماذا يدمر أولادنا بالعلاج الكيميائي الهندي؟ لماذ لا يستعملون المنتجات الأوروبية أو الأمريكية الفعالة؟ ثم هل نعجز عن استحداث مستشفيات متخصصة في أمراض سرطان الأطفال؟ هل نعجز أن نفتح فروعا جهوية متخصصة في عمليات زرع النخاع عوض أن تحتكرها امرأة واحدة تتحكم في أعمار الناس بمركز بيير وماري كوري بمستشفى مصطفى باشا؟ لماذا لا نواجه الحقيقة ونعترف بعجزنا عن علاج المصابين بسرطان الدم خاصة النادر منه مثل LAM7 ، وننقذ أبناء الجزائر بعلاجهم في الخارج؟ لماذا لا يبادر المحسنون إلى إنشاء وقفيات خاصة ينفق ريعها لمساعدة المصابين بهذه الأمراض الخطيرة؟ لماذا لا ينشئ المحسنون بزكاتهم وصدقاتهم المستشفى الوقفي الجزائري المتخصص في سرطان الأطفال؟
سامحيني يا ابنتي الغالية، سامحي أباك المسكن، فقد كذبوا عليه وصدق كذبهم ودفع الثمن غاليا...فقد كنت عاجزا تماما أمام الأبواب التي أغلقت في وجهي، وكأنني كُبّلت بالسلاسل والأقفال من رجلاي إلى عنقي ورميت في بحر بعمق سحيق، وضاقت علي الدنيا بما رحبت،...رحمة الله عليك يا صبرينال...رحمة الله عليك يا قرة عيني ويا فلذة كبدي... وآه وألف آه يا جزائر العزة والكرامة...حسبنا الله ونعم الوكيل...حسبنا الله ونعم الوكيل...
المجروح الفقير إلى رحمة ربه:
الدكتور أبو صبرينال فارس أحمد مسدور
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire