بن يوسف بن خده .. حمامة السلام الجزائرية
يشهد التاريخ لبن يوسف بن خده أنه كان رجل السلم بامتياز فتحقيق السلم ليس بالسعي إليه لكن كذلك بتفادي الحرب. فضل الانسحاب في صمت على أن تراق دماء الجزائريين من جديد بعد أن ذاقوا ويلات الاستعمارل132 سنة. لكن التاريخ منحه شرف أن يكون رئيس الحكومة الذي يحرز السلام مع فرنسا مقابل تمكين الجزائر من استرجاع سيادتها. هو من المثقفين القلائل الذين خاضوا النضال الوطني والكفاح التحرري من موقع قيادي رفقة بن مهيدي وعبان ودحلب وآخرين.
ولد بن يوسف بن خده في 23 فبراير 1920 بالبرواقية ولاية المدية من عائلة ارستقراطية كان أبوه قاضيا. لازم في طفولته المدرسة القرآنية والمدرسة الفرنسية وتابع دراسته بثانوية دوفيريي بالبليدة (ابن رشد حاليا) وهناك تعرف على كل من لمين دباغين وعبان رمضان وسعد دحلب وعلي بومنجل ومحمد يزيد وانخرط مبكرا في الكشافة الإسلامية قبل أن يلتحق بالحركة الطلابية. تابع دراسته الجامعية في الصيدلة بجامعة الجزائر التي تحمل اسمه الآن وبعد تخرجه اشتغل في البليدة كصيدلي عام 1951. ناضل في صفوف حزب الشعب الجزائري بصفة سرية. في أفريل 1943 أوقفته السلطات الاستعمارية بتهمة الدعاية ضد تجنيد المسلمين الذي أقره الحاكم الجنرال بايرتون من أجل إدماجهم في المجهود الحربي. قضى 8 أشهر في السجن دون محاكمة. وفي عام 1946 وتحت إدارة حسين لحول كان ضمن فريق إدارة فريق تحرير جريدة الحزب وعنوانها الأمة الجزائرية رفقة عيسات إيدير وعبد المالك تمام. وبهذه الصفة شارك في المؤتمر الأول لحزب الشعب حركة انتصار الحريات الديمقراطية الذي انعقد في 15 و 16 فبراير 1947 بالجزائر العاصمة وأصبح بعدها عضوا في اللجنة المركزية. أصبح في نفس السنة رفقة محمد بن مهل مسؤول الطبعة الفرانكفونية للجريدة التي كانت تصدر بالعربية والفرنسية تحت عنوان المغرب العربي وهي قريبة في طرحها من أفكار الحزب. كما كلف في عام 1949 بمتابعة التحرير لجريدة الجزائر الحرة اللسان الجديد الناطق باسم حركة انتصار الحريات الديمقراطية وبالموازاة كان يرأس الفوج المركزي للدعاية والإعلام. وفي عام 1951 عوض حسين لحول الذي استقال من منصب أمين عام حركة انتصار الحريات الديمقراطية. وبعد ثلاثة أشهر من انعقاد المؤتمر الثاني لحركة انتصار الحريات الديمقراطية الذي انعقد في 4، 5 و 6 أفريل 1953 ثبت بن خدة في منصبه أمينا عاما للحركة. وبعد اندلاع النزاع بين أنصار اللجنة المركزية ومصالي الحاج قام بن خده بزيارته مرتين بين جويلية وأوت 1953 وهو ما أدخل بن خدة من جديد في دوامة مع حسين لحول وانتهى المؤتمر الثالث للحركة بين 13 و 16 أوت 1954 بتثبيته في منصبه من جديد إلا أن انقسام الحزب بات أمرا مقضيا. ومع اندلاع الثورة التحريرية كان بن خده وبعضا من رفقائه قد أودعوا السجن. وبعد أن أفرج عنه في أفريل 1955 اتصل به عبان رمضان الذي كان مسؤول جبهة التحرير الوطني بالجزائر العاصمة ودخل على التو في صفوف جبهة التحرير الوطني رفقة الكثير من الرفقاء المركزيين. ظل على صلة وثيقة وتنسيق مع عبان رمضان وضم إلى جانبه سعد دحلب الذي أطلق معه جريدة المجاهد اللسان الرسمي لجبهة التحرير الوطني. وساهم في تأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين وإنجاز النشيد الوطني قسما وفي مؤتمر الصومام الذي لم يشارك فيه عين عضوا في المجلس الوطني للثورة الجزائرية وأحد أعضاء لحنة التنسيق والتنفيذ رفقة عبان رمضان وبن مهيدي ودحلب وبن طوبال وكريم بلقاسم. وقد كون مع عبان وبن مهيدي الثلاثي الذي أشرف على المنطقة المستقلة للجزائر العاصمة وكان مكلفا بالتنسيق مع الولايات واتحادية فرنسا والوفد الخارجي لجبهة التحرير الوطني. وبعد انتهاء إضراب الثمانية أيام بين 28 جانفي و 4 فبراير 1957 وإلقاء القبض على بن مهيدي في 24 فبراير وإعدامه في 3 مارس خرج من العاصمة بأعجوبة رفقة كريم بلقاسم واتجها إلى تونس عبر الفيافي. وبعد أن فقد مساندة عبان رمضان أصبح معزولا داخل لجنة التنسيق والتنفيذ قبل أن يزاح تماما منها رفقة سعد دحلب في أوت 1957. لكنه بقي عضوا في المجلس الوطني للثورة الجزائرية. كلف بمهمات لجبهة التحرير الوطني في لندن ويوغسلافيا وبعض البلدان العربية بين والصين وأمريكا اللاتينية وعند تشكيل الحكومة المؤقتة الأولى في سبتمبر 1958 عين وزير للشؤون الاجتماعية. ولم يكن ضمن الحكومة المؤقتة الثانية ما بين جانفي 1960 وأوت 1961 إلا أنه حل في مكان فرحات عباس رئيسا للحكومة المؤقتة الثالثة في 28 أوت 1961. وفي عهده نجحت مفاوضات السلام مع فرنسا وأعلن وقف إطلاق النار في 18 مارس 1962 واستقبل بحفاوة جماهيرية يوم 3 جويلية 1962. لكن اجتماع مجلس الثورة الذي ابتدأ أشغاله في 27 ماي 1962 بطرابلس ولم يختمها إلى يومنا هذا فجر أزمة جبهة التحرير الوطني ويجد بن خده نفسة مجددا في نزاع كبير بين قيادة الأركان المدعومة من بن بله والحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية التي يرأسها هو. إنه الصراع حول السلطة هو الذي انطلق باقتراب موعد الاستفتاء على تقرير المصير والاستقلال. عندما قرر بن خدة حل هيئة الأركان العامة التي يقودها بومدين كان بذور الصراع بين الإخوة متوفرة وجاهزة والمواجهة لا رجعة فيها لكن بن خده أمام تسارع الزمن وعدم تكافؤ القوى بين جيش الحدود المدجج والمدرب ومجاهدي الداخل من الولايات التاريخية الذين أعيتهم الحرب على قلتهم وصرخات الشعب القائلة سبع سنين بركات وكذا تفكك الحكومة المؤقتة مع انسحاب أيت احمد وسعد دحلب وتوقيف بن طوبال وبوضياف وانضمام بعض الوزراء إلى بن بلة ضمن ما يسمى مجموعة تلمسان التي ضمت في 11 جويلية إلى جانب بن بله قيادة الأركان وفرحات عباس والولايات الأولى والخامسة والسادسة التاريخية أو كريم بلقاسم في ما يسمى مجموعة تيزي وزو التي ضمت في 25 جويلية إلى جانب كريم بلقاسم محمد بوضياف الولايات الثانية والثالثة والمنطقة المستقلة للعاصمة إلى جانب اتحادية فرنسا اضطر بن خدة إلى الانسحاب والاختفاء تدريجيا من الساحة السياسية. تأثر بن خدة كثيرا بالمواجهات التي اندلعت في 3 و 4 و 5 سبتمبر 1962 انسحب من الساحة السياسية إلى غاية مارس 1976 حيث وقع إلى جانب فر حات عباس وحسين لحول والشيخ خير الدين وثيقة تندد بحكم الرئيس بومدين. اضطرته السلطات آنذاك إلى الإقامة الجبرية في منزله إلى غاية 1989 حيث خرج في إطار فتح التعددية الحزبية وأسس وترأس حركة الأمة رفقة عبد الرحمن كيوان وبن حميدة والطاهر قايد وزهير إحدادن وهي حزب يدعو إلى إقامة الدولة الجزائرية وفق المبادئ الإسلامية وهو الحزب الذي حل نفسه عام 1997 حيث لم يتكيف مع قانون الأحزاب الجديد الذي انبثق عن دستور 1996. وكان بن خده طيلة فترة الإقامة الجبرية قد كرس وقته للتأليف حيث صدرت له عدة كتب منها اتفاقيات إيفيان، وفي أصول أو نوفمبر، والجزائر خلال الاستقلال أزمة 1962. وأثناء اندلاع أزمة 1992 وإيقاف المسار الانتخابي شكل رفقة الشيخ احمد سحنون ما يسمى مبادرة التضامن للتنديد بالقمع وخرق حقوق الإنسان في حق الإسلاميين ضمن حالة الطوارئ المعلنة آنذاك. وبعد مرض طويل توفي في بيته بالجزائر العاصمة يوم 4 فبراير 2003 ودفن بمقبرة سيدي يحيى وسط جنازة مهيبة حضرتها جموع كبيرة من المواطنين ومسؤولين سامين في الدولة ودفن إلى جانب رفيقه سعد دحلب
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire