أحفاد منفيي كاليدونيا الجديدة يستعيدون هويتهم الجزائريةعلى بعد 20 ألف كيلومتر بعيدا عن الجزائر، وأزيد من 27 ساعة على متن الطائرة من الجزائر إلى باريس ثم طوكيو فكاليدونيا الجديدة والتي هي عبارة عن جزر متناثرة في المحيط الهادي، يوجد نحو 20 ألف جزائري من أحفاد المنفيين الجزائريين إلى كاليدونيا الذين هجروا إلى هذه الجزر عقب ثورة الشيخ المقراني (1870 - 1871م)، وبفضل جهود الصديق التاوتي وثلة من المخلصين تم ربط جزائريي كاليدونيا مجددا بوطنهم الأم وبعائلاتهم في الجزائر وتمكنوا لأول مرة من زيارة أرض الأجداد، جريدة المستقبل فتحت مجددا قضية جزائريي كاليدونيا، وأعدت لكم هذا الملف تابعوا.منفيو كاليدونيا يسترجعون ذكراهالتاوتي انتشلهم من 130 سنة من الضياع بين التاريخ والجغرافيارغم مرور ثلاث سنوات على وفاته إلا أن جزائريي كاليدونيا الجديدة لازالوا يدينون للدكتور الصديق التاوتي بالمحبة والإخلاص كيف لا وهو الذي عرفهم بانتماء أجدادهم لبلد عربي مسلم اسمه الجزائر، والذي يوجد في الطرف الآخر من الكرة الأرضية.وعلى خطى والده أبى مصطفى كمال التاوتي نجل الفقيد إلا أن يربط مجددا أواصر الدم والدين بين أحفاد الجزائريين المبعدين إلى كاليدونيا الجديدة وبلدهم الأم رغم بعد المسافة، فقام مصطفى كمال رفقة والدته بزيارة كاليدونيا الجديدة يوم 27 نوفمبر 2008 لإحياء الذكرى الثالثة لوفاة الصديق التاوتي وذبح جزائريو كاليدونيا عجلا بهذه المناسبة وصلوا على روح الفقيد، وغطت هذا الحدث صحيفة "أخبار كاليدونيا"، وزار مصطفى كمال كلا من بوراي ونيساديو (إفريقيا الصغرى) وهوآيلو وبونيرون وبواتديميي وتوهو وهينغن التي يوجد بها قبر الزعيم الكاناكي الثائر "جون ماري تيباو"، وكل هذه المناطق تابعة لكاليدونيا الجديدة، ووعد مصطفى كمال بعض منفيي كاليدونيا بمواصلة ما قام والده في البحث عن عائلاتهم في الجزائر وربطهم بها.عرب كاليدونيا يبحثون عن أصلهمقصة اكتشاف الصديق التاوتي لجزائريي كاليدونيا الجديدة الذين كانوا يجهلون أصلهم تعود إلى بداية الثمانينيات عندما نُظم مؤتمر للمسلمين في الجزر المتناثرة على المحيط الهادي كجزر موريس وفيجي وسلطنة تانغا، والتي تضم في مجموعها أقلية مسلمة تقدر بنحو 20 ألف مسلم أو ما نسبته أقل من 10 بالمئة من سكان هذه المناطق، وخلال هذا المؤتمر التقى الصديق التاوتي الذي كان آنذاك مساعدا لرئيس البنك الإسلامي للتنمية مكلفا بالأقليات المسلمة في العالم برجل أسترالي مسلم يدعى "فضل الله ويلفوت" فقال له هذا الأخير "أخي الكريم أنا أسترالي وقد سمعت بأناس في كاليدونيا الجديدة يقولون بأن أصلهم مغاربة، وهم يبحثون عن جذورهم، وبما أنك تدرس أحوال المسلمين فلماذا لا تبحث عن أمور هؤلاء الناس"، ومن هنا انطلق الصديق التاوتي في البحث عن أصول هؤلاء المسلمين المغاربة الذين قذفت بهم أقدار التاريخ في متاهات الجغرافيا، وكاد الاختلاط بينهم وبين قبائل الكاناك (السكان الأصليون) والفرنسيين الذين يحتلون الجزيرة إلى اليوم أن يذيب هوية جزائريي كاليدونيا في بوتقة الثقافة الفرنسية إلى حد الانصهار لولا لطف الله بهم والذي سخر لهم عبادا له مخلصين أمثال الصديق التاوتي لانتشالهم من غياهب الضياع الثقافي.اكتشاف المنفيين في 2891ويروي مصطفى كمال التاوتي للمستقبل كيف قام والده بأول زيارة إلى كاليدونيا الجديدة في 1982، حيث أخذ الصديق التاوتي هذه القضية محمل الجد ودونها في سجله ثم عرضها على رئيس البنك الإسلامي للتنمية الدكتور محمد علي المدني والذي وافق على فكرة مساعدة مسلمي كاليدونيا المجهولين على التعرف على أصولهم وجذورهم وربطهم بدينهم وهويتهم.سافر التاوتي عبر الطائرة إلى مدينة نوميا عاصمة كاليدونيا الجديدة، ولحسن حظه التقى في الفندق برجل اسمه علي بن أحمد لوسيا ويلقب ب"لولو" وهو كاليدوني وكان يعتقد أنه من أصول مغربية، ولكنه خلال اقتسامه لنفس الغرفة مع الدكتور التاوتي اكتشف أن أصله جزائري من تيارت وأمه أصلها من الأغواط، وأخبره الصديق التاوتي الذي يحمل شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة السوربون بفرنسا أنه جاء لربط الاتصال بمسلمي كاليدونيا، فسعد علي بن أحمد لوسيا بهذا النبأ ووعده أن يرافقه إلى مناطق تجمع عرب كاليدونيا في بوراي ونيساديو.منفيو كالدونيا جزائريون وليسوا مغاربةلم يصدق عرب كاليدونيا بأن هناك من جاءهم من الجهة الأخرى للكرة الأرضية ليساعدهم على التعرف على أصولهم، وكانت الفرحة تملأ قلوبهم "هل سيكتشفون أخيرا وطنهم الحقيقي؟"، هل سيجيب هذا القادم من بعيد عن سؤال لطالما طرحه كل عربي كاليدوني على نفسه "من أنا؟ ومن أكون؟"، كانت الفرحة عارمة إلى درجة أن 100 شخص ومعهم 50 سيارة جاءوا إلى المطار لانتظار الصديق التاوتي، وكان استقبالهم له حارا، وكأنه لقاء بين أب وأبنائه المفقودين في متاهات التاريخ.واكتشف التاوتي أن هناك جمعية لعرب كاليدونيا، وبعد التعرف على مستقبليه كان أول ما قام به هو زيارة المقبرة التي تضم قبور الجزائريين الأوائل الذين وطئت أقدامهم أرض كاليدونيا منذ القرن التاسع عشر، ولاحظ أن أسماء الموتى أغلبها جزائرية، وبعد الاستماع لهم والتعرف على ما عاشوه وما عرفوه عن آبائهم وأجدادهم، تبين للصديق التاوتي حقيقة انتمائهم، فقال لهم "لا تقلقوا فقضيتكم سهلة"، وأخبرهم أنهم جزائريون من أحفاد مبعدي ثورة المقراني التي تفجرت بين سنتي 1870 و1871، إذ أن فرنسا بعدما أخمدت ثورة المقراني والشيخ الحداد، قامت بمحاكمات صورية وقضت بإبعاد الأسرى إلى كاليدونيا الجديدة الواقعة في المحيط الهادي والتي يتطلب الوصول إليها قطع بحار ومحيطات بدءا من البحر الأبيض المتوسط مرورا بالبحر الأحمر عبر قناة السويس فالمحيط الهندي المترامي الأطراف وصولا إلى المحيط الهادي أكبر المحيطات مساحة في الكرة الأرضية، وهناك انقطع أي اتصال بين المبعدين وأهاليهم، وراحوا ضحية التاريخ والجغرافيا، وقدم الدكتور الصديق التاوتي باسم الشعب الجزائري اعتذاراته لمنفيي كاليدونيا الذين قطعت أواصرهم بالوطن الأم منذ ذلك التاريخ.بناء أول مسجد في كاليدونياتعرف التاوتي على الطيب عيفة رئيس ناحية "بوراي" وبوفناش وبن حميش والميسوم وغيرهم من جزائريي كاليدونيا، وبعد أن تم حل أكبر لغز حير عرب كاليدونيا، طلب منهم التاوتي تحديد احتياجاتهم وتقدير قيمتها، وكان أهم شيء بالنسبة لهم هو بناء مسجد لأداء الصلاة ومدرسة لتعليم العربية ومركز ثقافي لإنقاذ أبنائهم من الضياع الثقافي، إذ أنهم لم يكونوا يعلمون حسب مصطفى كمال عن الإسلام شيئا، وقد تكفلت السعودية بإنجاز مسجد في "نوميا" عاصمة كاليدونيا الجديدة، في حين دشن البنك الإسلامي للتنمية في نهاية التسعينيات مسجدا ومركزا ثقافيا ب"بوراي" حيث يقطن أغلب جزائريي كاليدونيا.وأصبح أحفاد المقراني وبومزراق والمبعدون الجزائريون إلى كاليدونيا أكثر ارتباطا بوطنهم الأم خاصة بعد أن قام التاوتي بربطهم بأهلهم في الجزائر، بعد أن وجهت الحكومة الجزائرية في 2004 دعوة إلى منفيي كاليدونيا لزيارة أرض أجدادهم بمناسبة الذكرى الخمسين لاندلاع الثورة. ولندع الكاتب محمد بوعزارة يصف لنا اللحظات التاريخية لمنفيي كاليدونيا عندما وطئت أقدامهم أرض الجزائر بعد 130 سنة "بعدما نزل أولئك المنفيون بأرض الوطن بعد رحلة طويلة وشاقة كانت مشاعرهم فياضة لقد اتجهوا بمجرد نزولهم من الطائرة إلى تربة الأجداد يقبلونها الواحد بعد الآخر"، وأضاف "لا أكتم القارئ سرا إذا قلت له إن رفقاء العيفة وبوفناش من ذلك الوفد راحوا يحضنون بعد عناقهم لتربة الوطن الصديق التاوتي وكأنه الوالد الذي لم يروه منذ سنوات".العلم الجزائري في بيت كل منفيوأصبح أخيرا لمنفيي كاليدونيا وطنا اسمه الجزائر ودينا اسمه الاسلام ولغة هي العربية حيث انتدب لكاليدونيا إمام لتعليمهم أصول الدين الإسلامي واللغة العربية، وعلق في كل بيوت منفيي كاليدونيا علم الجزائر، وقد زار الصديق التاوتي كاليدونيا أربع مرات، كما توالت زيارات منفيي كاليدونيا إلى الجزائر خاصة بعد أن تعرفوا على عائلاتهم في وطنهم الأم وصاروا يتبادلون الرسائل والمكالمات الهاتفية، وقد أنجز التلفزيون الجزائري تحقيقا تاريخيا عن منفيي كاليدونيا بمساعدة الصديق التاوتي وتبعه الجزائريون باهتمام وتأثر، واكتشف بعضهم لأول مرة أنه خلف هذا العالم توجد دماء جزائرية تنبض بالحياة كانت إلى وقت غير بعيد ضائعة في غياهب النسيان، وقد ألف الصديق التاوتي كتابا بعنوان "المبعدون إلى كاليدونيا الجديدة: مأساة هوية منفية"، كما قامت شابة من منفيي كاليدونيا بإنجاز كتاب عن هؤلاء المبعدين باللغة الفرنسية وشاركت به في معرض الجزائر الدولي وتوقف عندها الرئيس بوتفليقة للحظات عند زيارته لذاك المعرض.العرب الجزائريون "الضائعون" في جزر المحيط الهادي منذ القرن ال91زارهم: د.صالح مهدي السامرائيأخبرني المرحوم الدكتور علي الكتاني أن عرباً جزائريين هُجِّروا بعد دخول فرنسا الجزائر إلى كاليدونيا الجديدة التي تبعد عشرين ألف كيلو متر شرق الجزائر، فقررت أن أتفقدهم، وحملت نفسي من جدة إلى طوكيو ست عشرة ساعة طيرانا ومن طوكيو إلى سيدني تسع ساعات ومن سيدني إلى كاليدونيا الجديدة ساعتين ونصف، استقبلني في مطار عاصمة الجزيرة "نوميا" شخصان أحدهما الأخ الداعية موسى بوخ "أصله من جيبوتي وعمل في فيتنام ثم هاجر للعمل في كاليدونيا الجديدة والآن مقيم في كوالالمبور"، والمرحوم محمد عبده "مهاجر من اليمن"، وكان الأخ موسى هو دليلي في الجزيرة، واستضافني خلال مدة بقائي.أما العرب الجزائريون فهم موجودون في العاصمة نوميا إلا أن مقرهم الرئيس في مدينة "بواري" على بعد مائة وسبعين كيلومتراً إلى الشمال، ولقد تم نفي هؤلاء بعد احتلال فرنسا للجزائر، وذلك إثر المقاومة البطولية التي قام بها الشعب الجزائري في ثورات متتالية ضد الاحتلال، منها ثورة المقراني، كما كان يحدث احتكاك وتحرش يومي بين الجنود الفرنسيين وأفراد الشعب الجزائري، فمن شاكس وعاكس فرنسياً يُبعَد إلى أقاصي الدنيا.في العاصمة بواري رأيت ما يأتي:1 - المسجد الوحيد بالجزيرة.2- جالية إندونيسية تناهز الخمسة آلاف وأفراداً من جيبوتي واليمن وتونس.3 - تمثالاً لفتاة عربية نصب في قلب العاصمة ويقال إنها كانت أجمل بنات الجزيرة وتزوجها الحاكم الفرنسي وعمل لها هذا التمثال.4 - امرأة من أصل جزائري تعمل في أحد المخازن، كأنها في ملامحها توأم للرئيس بن بله، وعن طريق المترجم سألتها: إذا أتيحت لك فرصة للذهاب إلى الجزائر هل توافقين؟ فردت بالإيجاب.أما مدينة بوراي فهي مكان تجمع العرب الجزائريين وعمدتها جزائري ولفت نظري فيها:1 - جيلان من العرب، الكبير منهم يعرف شيئاً من العربية، لكن الشباب لا يعرفها.2 - لا يعرفون من الإسلام إلا دفن الموتى في المقبرة الجزائرية التي يعلوها الهلال والكتابة العربية، وبجانبها غرفة واسعة من القصدير، فإذا توفي أحدهم يجتمع الناس، وبعد الدفن يذبحون بقرة ويتناولون الطعام عند المقبرة، وذلك طقس غريب ولا يقل غرابة عن قصة هؤلاء المساكين!.3 - رأيت بعضهم يسكن في أكواخ هم وزوجاتهم الفرنسيات "حيث جلب لهم الفرنسيون مهجَّرات فرنسيات" وسألت أحدهم واسمه "ميسوم" وهو يتكلم اللهجة الجزائرية ويسكن كوخاً... سألته: هل نبني لكم مسجداً، فرد قائلاً: إذن ينتهي الإسلام "إن لم تبنوا". أما الآخر فاسمه "العربي" ويسكن بيتاً متواضعاً حديث البناء وله سيارة.4 - أسماء العرب فرنسية، ولكن لاحظت أنهم يحتفظون بأسماء عربية أيضاً.5 - كان يتردد عليهم شاب تونسي مبعوث من الشيخ بن باز رحمه الله فاستعاد بعضهم هويته الإسلامية.بعد هذه الزيارة الخاطفة لبوراي عدت للعاصمة وجمعت الوثائق عن العرب ووعدتهم أني لعدم معرفتي بالفرنسية أسعى لحث شخصية جزائرية تعمل في البنك الإسلامي للتنمية وتهتم بمسلمي العالم لزيارتهم والاعتناء بهم وهو الدكتور صديق التاوتي.ملاحظات عامة على الزيارة1- يشكل العرب في كاليدونيا الجديدة نسبة مهمة من السكان تصل إلى نحو الخمس، إذ يبلغ تعدادهم عشرين ألفاً في بعض التقديرات.2 - نصف أهالي الجزيرة من السكان الأصليين "بولونيزيون".3 - عندما وصل الجزائريون إلى الجزيرة منفيين تم حجزهم في معسكرات اعتقال، وكان حراسهم الفرنسيون يلعبون القمار والرابح منهم يأمر جزائرياً بأن يحفر حفرة يدفن فيها نصف جسمه، ثم يصوب له طلقة نارية تقتله.4- عدلت قوانين فرنسا في أواخر القرن التاسع عشر وأعطي هؤلاء بعض الحرية وأخرجوا من معسكرات الاعتقال وأعطوا أراضي يزرعونها وأثقلوهم بالضرائب.5 - زوجوهم بالمحكوم عليهن بفرنسا.6 - سألوا السلطات أن يكون لهم محل للعبادة وقالوا للمسؤولين: إن الحيوان فقط ليس له دين، فأجيبوا نبنِ لكم كنائس، فوافقوا.7 - بعد عودتي إلى جدة حدثت الدكتور صديق التاوتي فزارهم بعد زيارة له لأستراليا وتعرف أكثر على أحوالهم.وسعى جزاه الله خيراً فبنى لهم مسجداً ومركزاً إسلامياً.وقد سعى الدكتور صديق التاوتي لدى المسؤولين في الجزائر في آخر عهد الرئيس الشاذلي بن جديد، فدعت صحيفة المجاهد وفداً من عرب كاليدونيا الجديدة وتعرفوا على أقاربهم، وقام الدكتور التاوتي بمصاحبة وفد تلفازي جزائري إلى كاليدونيا الجديدة وسجل فيلماً وثائقياً عن العرب فيها وذلك في يناير 2001م، كما وضع الدكتور صديق التاوتي كتاباً عنهم باللغة الفرنسية، وترجمه للعربية.8 - المسجد والمركز في بوراي ليس فيه إمام ولا داعية، وطلبت مرات عديدة من اتحاد المسلمين في فرنسا برئاسة الحاج تهامي إبريز أن يرسلوا داعية فرنسياً من أصول جزائرية إلى هناك، على أن تكفله بعض الهيئات في البلاد العربية، ولكن مع الأسف لم تحدث أية استجابة.وأخيراً، فإن الجنسية الفرنسية ضرورية، لأن كاليدونيا الجديدة جزء من فرنسا، ومن الصعب على الجنسيات الأخرى الدخول والعمل... فهل من مستجيب
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire