خطاب مصالي الحاج سنة 1936-منقولباسم نجم إفريقيا أحييّكم تحية الأخوة، وأحمل إليكة تضامن مائتي ألف شمال إفريقي يقيمون في فرنسا. واحتراما للغتنا الوطنية اللغة العربية التي كلنا نعتز بها، ونعجب بها.. و أيضا تقديرا لنبل هذا الشعب الجزائري الشجاع الكريم، فقد أردت أن أعبر أمامكم بعد نفي دام اثني عشر سنة بلغتي الأم.
أنا سعيد وجد راض إذ أتمكن اليوم من عقد اتصال رسمي بكم، و أستغل الفرصة التي أتيحت لي كي أقول لكم بأني سعيد و متأثر بوجودي على أرض الأجداد، و لكي أقول لكم: كم أنا متألم في قرارة نفسي لابتعادي عن وطني منذ مدة.
إخواني الأعزاء.
باسم نجم شمال إفريقيا قدمت للمشاركة في هذا الاجتماع الكبير لكي أشرك منظمتنا في هذا المظاهراة الضخمة. إن نجم شمال إفريقيا و كفاحه الذي قاده منذ عشر سنوات دفاعا عن مصالح الشعب الجزائري، و مع ذلك فإني سأغتنم هذه الفرصة التي اجتمعتم فيها بكثرة، بل بالآلاف لكي أذكر لكم بعض التفاصيل عن الدور الذي لعبـه، ومن الواجب علي أن أقول بأن المعركة كانت صعبة و مريرة.
وتحت حكومات من أكثر الحكومات رجعية، و في الوقت الذي كان فيه الناس في بلادنا صامتين، و تحت حكم استثنائي كان نجم شمال لإفريقيا هو الوحيد الذي تجرّأ على رفع الصوت للاحتجاج ضد كل سوء استعمال للسلطة و الظلم و الإجحاف، و ليقول أمام العالم: إن الجزائر تمت.. وأنها بإرادة أبنائها تريد أن تعيش حرة و سعيدة. و هذه الجرأة هي التي جرّت على مناضلي النجم المشاق التي لا مثيل لها، كما جرّت عليهم أكثر أنواع الحقد عنصرية.
لا لأننا كنا بباريس مدينة ثورة 1489 كنا في حماية من القمع الذي أحدث تدميراته في الجانب، و في الجانب الآخر من حوض البحر الأبيض المتوسط..لقد كنا على استعداد حين علمنا بأن المظالم، و مساوئ الاستعمار تمارس فوق الأرض الجزائرية .. بمجرد أن علمنا أسمعنا الصوت المكبوت لشعب يصرخ و ينادي الإنسانية لإغاثته
لقد صدرت ضدنا أحكام بالسجن لمدة سنوات، مع التغريم بآلاف الفرنكات، و قد عرفنا النفي و التهجير، ولم يسلم أحد خلال هذا الكفاح .. و هناك أشخاص طردوا من معامل ” سيطروان” و”رونو”لأنهم أعضاء بنجم شمال إفريقيا.. هناك عاطلون حرموا من المنح المقررة للعاطلين عن العمل بسبب أنهم حضرو اجتماعات منظمتنا.
إخواني. أخواتي.
بما أنني لاحظت في هذا التجمع و جود النساء جئن ليسمعن صوت الشعب يجب أن أقول لكم بأننا إذا غادرنا بلدا بحثا – تحت أي مناخ – عن الخبز و الحرية التي حرمنا منها في بلدنا، فإننا و جدنا في باريس بلدية مختلطة يوجد على رأسها قايد بشوّاشه.
و حتى هذا اليوم، و تحت حكومة الجبهة الشعبية، مازلنا نتعرض لسلسلة من الإجراءات الخاصة و القوانين الاستثنائية في قلب باريس. وهي اجراءات و قوانين لا تستعمل إلا ضدنا نحن فقط. في قلب باريس..هناك مستشفى بوبيني، و هو مستشفى خاص بنوع من الأمراض يبعث إليه كل العرب، وكأن بهم جميعا جربا يعدي الإنسانية.. نحن في كل الظروف، و في كل الأحوال كافحنا من أجل الحرية، ومن أجل إخواننا المحرومين.
من أجل ذلك اتهمونا أكثر من مرة بكوننا شيوعيين، و هابيين، و عملاء ألمانيا، و عملاء موسكو، وغيرهما من البلدان، ونحن نقول لكم بأننا لم نكن عملاء لا لهؤلاء، و لا لأولئك، لأننا كنا و مازلنا و سنظل دائما عملاء لخدمة للشعب الجزائري..لقد عزمنا على تحمل كل التضحيات من أجل أن تكون الجزائر حرة و مزدهرة و متعلمة.
و نخبركم بأننا أيضا توجهنا إلى وزارة الداخلية، وقدمنا للسيد راؤول أوبو (RAOUL AUBAUD) نائب كاتب الدولة قائمتين بالمطالب، إحداهما تخص الجزائريين المقيمين في فرنسا، و الأخرى تخص الشعب الجزائري، ونخبركم أيضا بأننا علمنا و سررنا بانعقاد المؤتمر الذي انعقد في بداية جوان بالعاصمة، وقد أيدناه رغم ملاحظتنا عليه ضعفه و تسرّعه. و عند وصول الوفد الجزائري ( إلى باريس ) المنبثق عن المؤتمر، سارعنا إلى تحيته والاتصال به، و تبادل الآراء معه حول مشكل بلادنا. ورغم موافقتنا و تأييدنا، بل وتهنئتنا لمنظمي هذا المؤتمر الذي سيكون نقطة تحول في تاريخ الجزائر ، فإننا نقول لكم بصراحة بأنه يجب علينا اليوم أن نقدم لكم توضيحات نراها ضرورية بدون شك. نحن نوافق على المطالب العاجلة التي هي في الواقع متواضعة و شرعية، و التي نصّ عليها ميثاق مطالب المؤتمر الذي قدم على الحكومة الجبهة الشعبية، و إننا سنؤيدها بكل قوانا حتى نراها منجزة، رغم ضعفها، لأن المطالب الطفيفة قد تنفع في النقاط الهامة حين تساعد على التخفيف من هذه التعاسة الشعبية.
و هنا ألتزم باسم منظمتي و أمام الشيخ الجليل عبد الحميد بن باديس أن أعمل كل ما في وسعي لتأييد هذه المطالب،وخدمة القضية النبيلة التي ندافع عنها جميعا، لكنا نقول بصراحة و بشكل لا يقبل التراجع بأننا نتبرّأ من ميثاق المطالب بخصوص إلحاق بلادنا بفرنسا، وبخصوص التمثيل البرلماني. و الواقع، إن بلادنا اليوم ملحقة بفرنسا إداريا، وهي تابعة لسلطتها المركزية، ولكن هذا الإلحاق كان نتيجة غزو فظيع، تلاه احتلال عسكري يقوم اليوم على الفليق التاسع عشر . و الشعب لم يوافق عليه أبدا.
أما الإلحاق الذي نصّ عليه ميثاق المطالب فهو مطلوب إداريا باسم مؤتمر يقولون عنه إنه يمثل الشعب الجزائري . ومن ثمة فهناك فرق أساسي بين إلحاق لبلادنا حصل رغم إرادتنا ، و إلحاق إرادي مقبول عن طيب خاطر في المؤتمر الذي انعقد في السابع من جوان بالجزائر العاصمة ( مؤتمر مغلق لمدة ثلاث ساعات).
إننا أيضا أبناء الشعب الجزائري، و لن نقبل أبدا أن تكون بلادنا ملحقة ببلاد أخرى رغم إرادتها ، فنحن لا نستطيع مهما كانت الظروف أن نراهن على المستقبل الذي هو أمل الحرية الوطنية للشعب الجزائري .
إن هذا المستقبل يخص الجيل الصاعد. فهو و حده الذي يملك الحق في تقرير مصيره و قدره ونحن أيضا ضد التمثيل البرلماني لأسباب عديدة .إننا نؤيد إلغاء المجالس المالية ، ومنصب الوالي العام. ونقف مع إنشاء برلمان جزائري منتخب عن طريق الاقتراع العام بدون تمييز في العنصر أو في الدين.إن هذا البرلمان الوطني الجزائري الذي يتكون من عين المكان، سيعمل تحت مراقبة الشعب المباشرة، و من أجل الشعب. و نحن نعتقد من جهتنا بأن هذه هي الوسيلة الوحيدة التي تسمح للشعب الجزائري بأن يعبر عن نفسه بحرية و بصراحة بعيدا عن كل الضغوط والمناورات الإدارية.
إنه لا يمكنني في هذا الوقت القصير أن أقول لهذا الشعب الكريم في الجزائر كل ما يجب أن أقوله، خاصة و أني تجاوزت الوقت الذي حددته لي اللجنة المحترمة، بينما يجب أن ألفت انتباهكم طالبا من إخواني أن يتفهموا و أن يفكروا و أن يتأملوا جيدا، و بدون طيش في مشكل بلدنا المطروح أمامكم. و رغم أني متعب و منهك من سفرة شاقة، لأني نزلت الآن من الباخرة، فإني لا أغادر المنصة قبل أن أعبر لكم عن فرحتي و تأثري بوجودي بينكم، فوق تراب وطني.
و أخيرا، قبل أن أختتم تدخلي، أشكر اللجنة المحترمة التي أتاحت لي التكلم من هذه المنصة. سمعت منذ هنيهة الخطباء الذين سبقوني بأنهم قوبلوا باحترام و حفاوة في فرنسا من طرف حكومة الجبهة الشعبية.. لا أناقش، و لا أقلل من قيمة الجو الذي دارت فيه هذه اللقاءات، لكني أقول بأن على الشعب الجزائري أن يكون يقظا. إنه لا يكفي أن يرسل وفدا، و أن يتقدم بمطالب، ثم ينخدع بالاستقبالات منتظرا أن تتحقق الأمور تلقائيا.
إخواني.. لا يجوز النوم على الأذنين ظنا بأن الأعمال كلها انتهت، بل هي الآن ابتدأت.
يجب أن تنتظموا.. أن تتوحدوا في منظماتكم لتكونوا أقوياء، و لتكونوا محترمين وليسمع صوتكم القوي وراء البحر الأبيض المتوسط. من أجل الحرية و من أجل نهضة الجزائر تجمعوا أفواجا حول تنظيمكم الوطني نجم شمال إفريقيا الذي سيدافع عنكم و يقودكم في طريق التحرّر.”
المصدر وزارة المجاهدين الجزائر