التــراث تعــريفه وأنواعه وأشكاله
التراث في معاجم اللغة العربية وفي الأدب العلمي العربي هو (ما ورثناه عن الأجداد) وأصلها من ورث يقول ابن منظور في لسان العرب المحيط، ورثه ماله ومجده
وقال الله تعالى أخباراً عن زكريا ودعاءه إياه (هب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب) أي يبقى بعدي فيصير له ميراثي ويقال (اورثه الشيء ابوه) أو (ورثه بعضا عن بعض قدما) أو اورثه (كابراً عن كابر) وروي عن النبي محمد (ص) أنه قال (اثبتوا على مشاعركم هذه، فأنكم على أرث من ارث ابراهيم).
وعليه لكي تكون للغة العربية كلمة مرادفة لـ(الفلكلور) قررت الأمانة العامة لمجمع اللغة العربية وضع (كلمة تراث) بدل كلمة (فولكلور) الانكليزية.
على اعتبار أن كلمة (تراث) تشمل ما تركه الأوائل من مؤلفات لغوية وفروعها والعلوم منها الطبية والفلكية والصناعية وغيرها وابنية وقلاع وفنون من رسم وموسيقى وغناء ورقص وغيرها وكلها تشملها كلمة (تراث) وكان لا بد هنا من تحديد كلمة خاصة مرادفة لـ(الفلكلور) وفرزها عن التراث الحضاري أو التراث القومي ووضعت تحديداً كلمة (التراث الشعبي) فأينما تجد (فولكلور) فهو إذاً (التراث الشعبي) والعكس صحيح.
تعريف التراث
لا يوجد هناك تعريف خاص بالتراث ولكن هناك تعريفات كثيرة عن علماء وكتاب التراث وبخاصة التعريف الذي قدمه (قيلبس) وهو احد علماء الآثار والتراث، حيث يقول:
(أن التراث عبارة عن استمرارية ثقافية على نطاق واسع في مجالي الزمان والمكان تتحدد على أساس التشكيلات المستمرة في الثقافة "الكلية" وهي تشمل فترة زمنية طويلة نسبياً وحيزاً مكانياً متفاوتاً نوعياً ولكنه متميز بيئيا)، بل أن العالم الأمريكي (هيرسكو فيتس) عالم الفولكلور الشهير (1895 ـ 1963) يرى ان التراث مرادف للثقافة، أي أنه جزء مهم من ثقافة الشعوب وليس منفصلا عنه.
أما ماك جريجور ـ فهو يعرف التراث بأنه من الخصائص البشرية العميقة الجذور التي تتناقل من جيل الى آخر، في حين يرى جوجن بأنه (اسلوب متميز من أساليب الحياة، كما ينعكس في مختلف جوانب الثقافة وربما يمتد خلال فترة زمنية معينة وتظهر عليه التغييرات الثقافية الداخلية العادية ولكنه يتميز طوال تلك الفترة بوحدة اساسية مستمرة).
أنواع التراث وأشكاله
1ـ التراث الحضاري: وهو يشمل ما خلفه لنا الأسلاف من تراث حضاري قديم مثل الآثار بكل أنواعها ويشمل التراث البابلي والسومري والآشوري بكل عادياتها من مسكوكات وجرار وأوانٍ ورسوم ونقوش.. وهو ما يسمى بـ(الآثار القديمة).
2ـ التراث القومي: وهو التراث الذي يشمل فترة الزمنية الذي ظهر فيه القوميات أشكالها كافة وأخذت لها نظاماً معيناً وحافظت عليه وظهرت على أثرها الأمم والقوميات واعتزت بتراثها وعلمائها من مفكرين وشعراء ومغنين وأطباء، حيث ظهرت في الفترة القوميات الرومانية والفارسية والاغريقية والعربية واتخذت لها أشكال القومية المستقلة لغة وأرضا وشعباً وعليها بني التاريخ الحديث لكل أمة.
3ـ التراث الشعبي: وهو مكمل للنوعين الأوليين الحضاري والقومي، حيث أصبحت لكل مجموعة أو بيئة صفاتها التي تتميز بها من عادات وتقاليد وصناعات وملابس.. الخ.
ولكن علماء الاجتماع (الانتربولوجيا) كانوا أكثر دقة وعلمية، حيث قسموا التراث الى فروع وأقسام لتأخذ حصتها من الدراسة الدقيقة جدا..
مثلا خبر العالم اريكسون انواعاً اربعة للتراث.
أنواع التراث ـ حسب تصنيف اريكسون ـ
1ـ التراث الاجتماعي: وهو التراث (الحياة المباشرة) وعلى مستوى افقي ممتد مع الحياة بأشكالها كافة.
2ـ التراث (النشأوي): ويعد مكملاً للتراث الاجتماعي ويتضمن عليه النقل من جيل الى آخر أو من مرحلة الى أخرى وهذا النوع من التراث في تفاعل مباشر مع التراث الاجتماعي.
3ـ التراث المادي: ويتضمن جميع المنتجات الثقافية المخزونة.
4ـ التراث الأدبي: يعتبر من المميزات الخاصة للتراث المادي وظهر مرتبطاً بفن الكتابة.
وهناك تشعبات كثيرة في التراث، منها التراث غير المادي وتدخل ضمنها الرقصات واغاني وترقيص الأطفال والتراث الثقافي يدخل من ضمنها كل تراث الثقافات من أغانٍ وأشعار وقصص أو أساطير أو ملاحم وغيرها إلا أنها تؤكد حقيقة واحدة واضحة وضوح الشمس المشرقة، وهي أن التراث ليس أدباً قديماً وليس مؤلفات الأجداد فقط، بل أن التراث يعيش في ثقافة الشعب ككل متكامل، وأن الجزء الأكبر من التراث يعيش في الحياة الشعبية Folklore والتي لها ثقافة مميزة هي الثقافة الشعبية (Culture) تمييزا لها عن الثقافة الرسمية الموضوعة (المكتوبة) مثل القصص القصيرة والروايات التي وضعها الأدباء المحدثون.
مصادر التراث
أن ما خلفه الأقدمون من مصادر مكتوبة هي أهم مجال لدراسة الباحث عن التراث، يليها كتب الرحالة العرب والأجانب والمستشرقون والوثائق والمخطوطات كلها تعطي صورة متكاملة لمختلف جوانب الحياة التي أندثرت.
لكن حياة البشر اليومية أمر لا يمكن إغفاله، فقد انتقلت للثقافة المعاصرة، كل تجارب المجتمعات السابقة وبميل بعض الباحثين الى اعتبار التراث ظاهرة ثقافية توقفت عن التطور وكانت مرتبطة بمرحلة تاريخية معينة.
وخلاصة القول أن الدارسين للتراث يحصرون اهتمامهم في المصادر المكتوبة وذلك في العالم العربي بشكل خاص، وعلينا أن لا نغفل دور علماء العرب الاقدمين أمثال الجاحظ الذي كتب عن حياة العامة في عصره وعن المكدين والشحاذين والصعاليك عام (775م ـ 868م) وكتاب البخلاء خير شاهد على ذلك وكذلك عبدالله بن المقفع 759م بكتابه (كليلة ودمنة) وكتاب الاغاني لابي الفرج الاصفهاني (897م ـ 967م) وكذلك الفارابي بكتابه الموسيقي الكبير (950م) وأيمن خلدون بمقدمته المعروفة. وأخيرا الأب انستاس ماري الكرملي الذي توفي عام 1946 وخير جامع للاساطير والحكايات الشعبية.. الخ.
جمع الفولكلور
إذا تمعنا في تاريخ الدراسات الانسانية، في بلدان العالم أجمع أن هناك اتجاهين، بل طريقتين للعمل الميداني لجمع الفولكلور من الحياة الشعبية واعدادها للدراسة بعد انتهاء عملية المسح الفولكلوري للمنطقة التي يراد منها جمع الفولكلور.
1ـ طريقة المراسلين، وهو قيام أفراد المنطقة المقيمون بها ومن أهلها وسكانها في القرى والبوادي من مثقفين ومتعلمين ومن هواة الفولكلور يمكن الاستعانة بهم واللجوء إليهم في جمع المادة الفولكلورية.
2ـ طريقة المسوحات الميدانية: وهي قيام باحثين متخصيين كل في مجاله، مثلاً المتخصص بالصناعات الشعبية أو الازياء أو الموسيقى والغناء والرقص أو الآلات الشعبية الموسيقية، وهؤلاء مؤهلون نظرياً وعملياً لجمع المادة وفق أسس علم الفولكلور وهم أساساً مدروبون على ذلك.
وقد أصبحت الطريقة الثانية هي الأكثر شيوعاً، خصوصاً بعد أن انتشرت مراكز الدوائر المتخصصة بالفولكلور وأصبحت لها مؤسسات علمية فعالة، وعلى الباحث الميداني يجب ان يعد نفسه اعداداً جيداً لذلك، ونعني الاعداد العلمي والثقافي.
كاتب المقال : ميرفت صادق .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire