ثانوية ابن شنب بالمدية
حكاية 74 تلميذا فضلوا الاستشهاد على الشهادة
لا تزال ثانوية ابن شنب بولاية المدية إلى اليوم رغم المراحل التي عرفتها شاهدا على نقطة فارقة في تاريخ الجزائر ككل، فهي المؤسسة التي عرفت استشهاد 74 تلميذا فضلوا الالتحاق بالثورة التحريرية بعد النداء الذي وجهته قيادة جبهة التحرير في 19 ماي 1956.
تأسست هذه الثانوية من طرف السلطات الاستعمارية عام 1873، وهي المؤسسة الرائدة من حيث عدد الملتحقين بصفوف جيش التحرير الوطني إبان الثورة التحريرية والذين لا يزال اللوح التذكاري شاهدا عليهم داخل ساحة الثانوية ونحن نحتفل بالذكرى الـ57 ليوم الطالب المتزامنة والاحتفالات المخلدة للذكرى الخمسين، فالثانوية لازالت شاهدة على التحاق 74 تلميذا بالجبال مفضلين الاستشهاد في سبيل الله على شهادة المستعمر الغاشم والبندقية على القلم.
وأكد لنا أحد التلاميذ الملتحقين عشية التاسع عشر ماي 1956 ممن بقوا على قيد الحياة وهو المجاهد زميرلين محي الدين، والذي واصل عمله في صفوف الجيش الوطني الشعبي بعد 1962 أن عدد التلاميذ الذين فضلوا التضحية من أجل استقلال الجزائر على مواصلة الدراسة بلغ 74 تلميذا، استشهد منهم 70 وبقي أربعة فقط على قيد الحياة بعد الاستقلال، ما يصعب الحصول على المادة التاريخية من صانعيها، خاصة بعد وفاة المجاهد والوزير السابق بشير رويس عام 2011 عن عمر 68 سنة.
إضراب 19 ماي وأثره على طلبة ثانوية ابن شنب
وقبل هذا التاريخ سبق وأن قام الطلبة وتلامذة المؤسسات الحكومية بعدة إضرابات عن الدراسة، منها إضراب 20 جانفي 1956، وهو الإضراب الذي فتح أعين الكثير من المتمدرسن بالمدارس الفرنسية، حيث اقتنعوا بعدم جدوى مواصلة التعليم في ظل همجية الاستدمار الفرنسي، ما جعلهم يوجهون النداء التاريخي يوم 19 ماي 1956 إلى فئة الطلبة وتلامذة الثانويات بعد سلسة من الاستفزازات التي شنها البوليس الفرنسي ضد منظمة الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين على أثر اغتيال كل من الشهيد الطالب بلقاسم زدور وكذا بن زرجب وإبراهيمي الذي أحرقته القوات الفرنسية بالنار حيا، ورضا حوحو الكاتب العام بمعهد عبد الحميد بن باديس بقسنطينة، والتعذيب الذي لقيه الأخوان الدكتور هدام بقسنطينة وبابا أحمد والطبال في تلمسان وغيرهم من الطلبة آنذاك.
وتقرر حينها على أثرها الدخول في الإضراب وبصفة عاجلة، ومقاطعة الدروس والامتحانات مع مغادرة مقاعد الجامعة للالتحاق بصفوف جيش التحرير الوطني، وجماعات وفرادى، ومنهم تلامذة ثانوية ابن شنب الذين سجلوا تلامذة هذه الثانوية أسماءهم بأحرف من ذهب، فبعد أن أضربوا عن الدروس التحق العديد منهم جماعيا بصفوف المجاهدين على مستوى أقسام، ونواحي ولاية المدية من بين تسع ولايات كانت ضمن الولاية الرابعة التاريخية باعتبار أن الثانوية كانت ذات طابع جهوي آنذاك فلم تكن تضم تلاميذ من ولاية التيطري فقط بل ولايات الوسط وبعض ولايات الجنوب، غير أن القائمة الكاملة من حيث تواريخ الميلاد والمدينة المنتمي إليها والانضمام إلى المجاهدين وتاريخ الاستشهاد، الموجودة في أرشيف ثانوية بن شنب والمسلمة من أحد التلاميذ الذين مازالوا على قيد الحياة، فإنها تضم تلميذا فقط بن عمرة محمد (1936-1956) من الأغواط، وكيوان محمد الصغير (38-1957)، ومكسي اسماعيل (39-1957) من مدينة قصر البخاري، إضافة إلى كل من سعيدي بوبكر (38-1957)، ومتيجي محمد (40-1958) وسلامي أحمد (38-1958) من مدينة البرواقية، أما باقي التلاميذ الملتحقين بالثورة فيبدو أن جميعهم من مدينة المدية.
إضراب الطلبة والثانويين يوم التاسع عشر من ماي 1956 يعتبر دعما قويا للثورة التحريرية، في العديد من جوانب الكفاح المسلح استطاع من خلاله التلاميذ أن يزعزعوا الإدارة الفرنسية التي لم تتوقع إطلاقا أن تقدم هذه الفئة على ترك مقاعد الدراسة والالتحاق بالثورة عبر الجبال، وللحد من تفاقم الظاهرة حاولت إدارة العدو تطبيق مختلف الأساليب، لإقناع طلبة الجامعة وتلامذة الثانويات الحكومية بالعودة إلى مقاعد الدراسة عن طريق الإغراء المتمثلة في المنح والمساعدات المادية والغرف بالحي الجامعي، أما تلامذة ثانوية بن شنب فواصلوا الالتحاق بالثورة فرادى في السنوات 57-58-1959 وحتى 1960، حينما التحق بن قرطبي عبد الرزاق بصفوف الثورة بمنطقة موقورنو، حيث استشهد في أحد المعارك الطاحنة بها عام 1961.
وبلغ عدد الذين نالوا الشهادة أثناء الثورة التحريرية بولاية المدية ضمن الولاية الرابعة التاريخية أزيد من تسعة ألاف شهيد، بينهم 74 تلميذا من ثانوية بن شنب فضلوا الاستشهاد على الشهادة العلمية، وكتبوا أسماءهم بأحرف من دم من أمثال رويس مصطفى، وبوديسة يوسف، والشهيد إمام إلياس، ونهاب علي، وصفار جلول، وكلاش يحيى، وبن زميرلي أحمد ومصطفى دقداق، ومحمد عنان وشيكر جلول، وبن صفاري، ومولود بن تركية وغيرهم من أبطال الولاية الرابعة.
ام. ب
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire