شبان فضلوا الاستشهاد على الشهادات العلمية
بلغ عدد الذين نالوا الشهادة أثناء الثورة التحريرية بولاية المدية الإدارية ضمن الولاية الرابعة التاريخية نحو 9500 شهيدا بينهم 70 تلميذا من ثانوية بن شنب بالمدية، تتراوح أعمارهم بين 16 ربيعا كحال رويس مصطفى المولود عام 1942، التحق بالثورة عام 1958 واستشهد سنة 1959، وبين 25 سنة بالنسبة لبوديسة يوسف المولود في 13/10/1932 بالمدية، والذي التحق بخلايا الثورة عام 1956 واستشهد 1957.
وبمناسبة الذكرى الستين لاندلاع الثورة النوفمبرية، ارتأينا تقديم أضواء ولو خافتة عن هؤلاء التلاميذ الذين فضلوا الالتحاق بصفوف الثورة التحريرية بالجبال الوعرة، على مواصلة الدراسة بهذه الثانوية المدشنة سنة 1873 لنيل الشهادات أو الميداليات الذهبية، بالنسبة لممارسي رياضة العدو والسباق كإمام إلياس ونهاب علي وصفار جلول وكلاش يحي وبن زميرلي أحمد...، التي أصبح لا معنى لها تماما أمام سياسة العدو الفرنسي، الذي سارع إلى إغلاق مدارس جمعية العلماء المسلمين وتحويلها إلى ثكنات عسكرية، كما ضيقت الخناق على التلاميذ الجزائريين خوفا من انضمامهم إلى صفوف الثورة النوفمبرية، بينهم تلاميذة ثانوية بن شنب والتي تعد حسب اطلاعنا على الموضوع في عدد الملتحقين بالجبال ضمن تلامذة 49 ثانوية على مستوى القطر الجزائري سنة 1954، كان يدرس بها 6308 تلميذ و952 تلميذة من الجزائريين من إجمالي المسجلين 34468 تلميذا (نسبة الجزائريين 21 بالمائة)، أما بالنسبة للمدارس التقنية العليا، فقد كانت عمليا موصدة في وجه الجزائريين، ففي المدرسة الوطنية للزراعة التي كانت تضم 120 طالب عام 1953، لم يحظ أي جزائري بفرصة الحصول على مقعد دراسي بها، في حين ضمت المدارس التقنية والتجارية والصناعية مجتمعة سنة 1953 تسعة (9) طلبة جزائريين من بين 355 طالب مسجل بها، وفي عام 1654 شهدت جامعة الجزائر الوحيدة على مستوى شمال إفريقيا، تسجيل 179 طالب جزائري من 518 طالب موزعين عبر مختلف التخصصات.
كما يلاحظ تضارب في عدد التلاميذ الذين غادروا مقاعد الدراسة تلبية لنداء جبهة التحرير الوطني، فاللوحة التذكارية داخل ساحة ذات الثانوية تحوي 52 تلميذا شهيدا، في حين أكد المجاهد بركان بن خاوة المدير السابق لأزيد من 20 سنة، بهذه الثانوية التي قدمت أكثر من 80 شهيدا، أما أحد التلاميذ الملتحقين عشية التاسع عشر ماي 1956 زميرلين محي الدين، والذي واصل عمله في صفوف الجيش الوطني الشعبي بعد 1962(مازال على قيد الحياة)، أكد لنا بأن عدد التلاميذ الذين فضلوا التضحية من أجل استقلال الجزائر على مواصلة الدراسة بلغ 74 تلميذا، استشهد منهم 70 وبقي أربعة فقط على قيد الحياة بعد الاستقلال، ما يصعب الحصول على المادة التاريخية من صانعيها خاصة بعد وفاة المجاهد والوزير السابق بشير رويس بتاريخ 6 /10 / 2011 عن عمر 68 سنة.
دور النداء التاريخي في إضراب الطلبة
لقد اهتمت الثورة بتعبئة كل المتعلمين بالمدارس الحرة والكتاتيب والزوايا، وطلبة جامعة الجزائرالمنشأة وفق القانون الصادر في 30/12/1909، حيث كونت الاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين، بعد أن كانوا منقسمين إلى اتجاهين. الأول يضم الدارسين بالعربية تحت لواء جمعية الطلبة الجزائريينبتونس، والقسم الثاني بالفرنسية والمتعلمين في المدارس الحكومية تحت اسم جمعية الطلبة المسلمينالجزائريين، التي كانت فرعا عن اتحاد الطلبة الفرنسيين، والذي انفصل عنه منذ ثلاثينيات القرن الماضي، لينصهر الجميع في تسمية الاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين في عهد الثورة المباركة، وقد سبق وأن قام الطلبة وتلامذة المؤسسات الحكومية بعدة إضرابات عن الدراسة، منها إضراب 20 جانفي 1956، وهو الإضراب الذي فتح أعين الكثير من المتمدرسين بالمدارس الفرنسية، حيث اقتنعوا بعدم جدوى مواصلة التعليم تحت بشاعة الاستدمار الفرنسي، ما جعلهم يوجهون النداء التاريخي يوم 19 ماي 1956، وهذا نصه حسب ما جاء في مجلة أول نوفمبر (العدد:128- 129.ماي - جوان1991) والذي يشبه في محتواه بيان أول نوفمبر لكنه موجه إلى فئة الطلبة وتلامذة الثانويات (أيها الطلبةالجزائريون، بعد اغتيال أخينا الطالب بلقاسم زدور من طرف البوليس الفرنسي، وبعد مصرع أخينا بن زرجب، وبعد فاجعة الأخ إبراهيمي الطالب بمعهد بجاية الثانوي، الذي أحرقته القوات الفرنسية بالنار حيا...، وبعد اغتيال كاتبنا رضا حوحو، الكاتب العام بمعهد عبد الحميد بن باديس بقسنطينة، وبعد التعذيب الذي لقيه الاخوان الدكتور هدام بقسنطينة وبابا أحمد والطبال في تلمسان...، وبعد الاستفزازات التي شنها البوليس الفرنسي ضد منظمة الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين...، إن التحصيل على شهادة زائدة قد يجعل منا جثة حقيقية لأي شيء تصلح إذا الشهادات العلمية؟ التي تمنح لنا في وقت يكافح فيه شعبنا كفاحا بطوليا، وانتهاك حرمات أمهاتنا وزوجاتنا وأخواتنا...، إننا نقرر الإضراب التام وبصفة عاجلة، ونقرر مقاطعة الدروس والامتحانات إلى أبد غير معين، ويجب مبارحة مقاعد الجامعة للالتحاق بصفوف جيش التحرير الوطني، ويجب الالتحاق جماعات بجيش التحرير الوطني.
(الجزائر في 19ماي 1956)
تلامذة بن شنب يلبون النداء أفواجا أفواجا:
لقد سجل تلامذة ثانوية بن شنب أسماءهم في السجل الذهبي للثورة التحريرية، حيث لبوا نداء الإضراب عن الدروس وحتى نيل الاستقلال حسبما تضمنه نداء الإضراب، بالتحاقهم جماعات وأفراد بصفوف المجاهدين على مستوى أقسام ونواحي ولاية المدية الإدارية من بين تسع ولايات كانت ضمن الولاية الرابعة التاريخية، على أساس أن هذه الثانوية ذات الطابع الجهوي منذ تأسيسها 1873، لم تكن تضم تلاميذ من ولاية التيطري حينذاك بل من ولايات الوسط وبعض ولايات الجنوب، حسب ما أشارت إليه مجلة أشير في عددها الثامن الصادر في جانفي 2007، والتي كانت تصدرها مديرية الثقافة بالمدية، غير أن القائمة الكاملة من حيث تواريخ الميلاد والمدينة المنتمى إليها والانضمام إلى المجاهدين وتاريخ الاستشهاد، الموجودة في أرشيف الثانوية والمسلمة من أحد التلاميذ الذين فضلوا البندقية على القلم مازال على قيد الحياة، فإنها تضم تلميذا فقط بن عمرة محمد (1936- 1956) من الأغواط، وكيوان محمد الصغير(38-1957) ومكسي إسماعيل (39-1957) من مدينة قصر البخاري، إضافة إلى كل من سعيدي بوبكر (38-1957) ومتيجي محمد (40-1958) وسلامي أحمد (38-1958) من مدينة البرواقية. أما باقي التلاميذ الملتحقين بالثورة فيبدو أن جميعهم من مدينة المدية.
انتصار للثورة وصدمة لفرنسا:
إن إضراب الطلبة والثانويين يوم التاسع عشر من ماي 1956 يعتبر دعما قويا للثورة التحريرية، وفي كل جوانب الكفاح المسلح على غرار العمل الثوري والتأطير السياسي والطبي، وهوما يؤكده الرائد سي لخضر بورقعة صاحب كتاب (شاهد على اغتيال ثورة) بشهادته (إن إضراب 19ماي والتحاق الطلبة بجيش التحرير الوطني في الجبال، يعتبر قفزة نوعية في عمر الثورة، حيث ساهم هؤلاء الطلبة بعد قضاء مدة وجيزة في التدريب في تأطير الوحدات العسكرية المختلفة والإشراف على المصالح المختصة للجيش كالاستعلامات والاتصالات وغيرها، وعلى الصعيد السياسي كان التحاق الطلبة في الداخل والخارج بصفوف جبهة التحرير الوطني عاملا إيجابيا في ربح المعركة السياسية والديبلوماسية، التي كانت تخوضها الجزائر آنذاك على الصعيد الدولي على وجه الخصوص)، كما أن العقيد وقائد الولاية الرابعة فيما بعد سي أمحمد بوقرة ثمن عملية الإضراب في رسالة إلى الطلبة والثانويين، حيث قال في ختامها حسبما مجلة الوحدة بمناسبة الذكرى الثلاثين لاندلاع الثورة التحريرية (..ولا يفوتنا أن نسجل إعجابنا وتهانينا بحيويتكم التي لم تتأخر نتائجها).
وبخصوص التلاميذ الملتحقين، فقد نال 11 طالبا الشهادة بين عامي 56 _ 1957 و30 آخرين بين 58 _ 1959 وستة شهداء سنة 1960 من إجمالي قائمة المجاهد محي الدين زمرلين ب47 شهيدا، أما المجاهد بشير رويس الذي كان ضمن مجموعة من التلاميذ تتكون من 23 فردا، بينهم مصطفى دقداق-محمد عنان _ شيكر جلول - بن صفاري - يحي كلاش - نهاب علي - مولود بن تركية وإمام إلياس...، وقد انطلق هذا الفوج من مدينة المدية واتصل بالمجاهد أحمد الوزري (من بلدية وزرة حاليا ب8 كلم شرق المدية)، والذي قام بدوره بإيصال الفوج إلى زاوية الوزانة بالأطلس البليدي، أين التقوا بمجموعة أخرى قدمت من ضواحي العاصمة من بينهم الشهيد عمارة رشيد - بن صابر - برويس- مسلي فضيلة ومريم بلميهوب.. أين تلقوا تكوينا في دورة تكوينية مكثفة تكوينا سياسيا وعسكريا، اختتمت بحضور شخصيات ثورية كعبان رمضان وبن يوسف بن خدة، إضافة إلى العقداء عمار أوعمران وصادق دهيلس والعربي بن مهيدي، كما أكده النقيب محمد بوسماحة في إحدى مداخلاته، وحسب الرائد لخضر بورقعة فإن إضراب 19 ماي 1956 يعتبر قفزة نوعية في عمر الثورة، حيث ساهم التلاميذ في تأطير الوحدات العسكرية والإشراف على المصالح المختصة للجيش، والتي تتطلب مستوى ثقافيا معينا كالاستعلامات والاتصالات والإعلام...وهذا بعد تلقيهم تدريبات مكثفة وفي فترة وجيزة.
الإضراب كان صدمة كبرى لفرنسا:
لقد زعزع التلاميذ الذين صاروا في لحظة من اللحظات الحاسمة في تاريخ الثورة التحريرية رجالا بمعنى الكلمة الإدارة الفرنسية التي لم تتوقع إطلاقا أن تقدم هذه الفئة العمرية الناهلة من كأس ثقافتها، على ترك مقاعد الدراسة والالتحاق بالثورة عبر الجبال الشامخات الشاهقات، وللحد من تفاقم الظاهرة حاولت إدارة العدو تطبيق مختلف الأساليب، لإقناع طلبة الجامعة وتلامذة الثانويات الحكومية بالعودة إلى مقاعد الدراسة، ومن بين الإجراءات المتخذة ما حملته وثيقة سرية صدرت في الخامس عشر أكتوبر 1957، عن المديرية العامة للشؤون السياسية والوظيف العمومي في الحكومة العامة بالجزائر للولاة، ومما جاء ضمنها (..وإذا اعتبرنا أن الدروس تكون قد استؤنفت بشكل طبيعي بالابتدائي والثانوي، فإنه لا يعقل أن يكون الحال كذلك في التعليم الجامعي، حيث أن كل الطلبة المسلمين المسجلين في جامعةالجزائر مضربون عن الدراسة والامتحانات منذ 19ماي1956)، وبعد أن لاحظت الوثيقة بأن الظروف الحالية مناسبة للشروع في أسرع وقت ممكن في حملة شاملة لإقناع المضربين بالرجوع للدراسة، فإن وثيقة ثانية تعترف من خلالها ذات السلطات على أنه في حال إقناع 100 طالب بالعودة، سنكون قد حققنا انتصارا على الصعيد السيكولوجي لا يستهان به في الظرف الحالي حسب ما جاء ضمن أحد أعداد جريدة الألف، لكن فرنسا فشلت في إقناع الطلبة بالعودة إلى الدراسة رغم سياسة الإغراء المتمثلة في المنح والمساعدات المادية والغرف بالحي الجامعي، أما تلامذة بن شنب فواصلوا الالتحاق بالثورة فرادى خلال السنوات 57 _ 58 _ 1959 وحتى 1960 حينما التحق بن قرطبي عبد الرزاق بصفوف الثورة بمنطقة موقورنو حيث استشهد بأحد المعارك الطاحنة بها عام1961.