قصة القائد الاسطوري الكبير الاسكندر الذي كاد ان يحكم العالم اجمع ...الى القصه
تآمر مع والدته علي قتل أبيه حتي ينفرد بحكم الإمبراطورية الإغريقية
قتل أعز أصدقائه تحت تأثير الخمر وباع 30 ألف أسير فارسي في سوق الرقيق !
كان الاسكندر الأكبر من أعظم القادة العسكريين في كل العصور، فقد كان عبقرية عسكرية.. وكان أيضا عبقرية سياسية، فرغم فتوحاته الشاسعة التي تعدي بها حدود بلاده الي فارس ومصر والهند، كان يتوج هذه الفتوحات بإرضاء أهلها واحترام دياناتهم، حتي أنه عندما جاء الي مصر ذهب الي واحة سيوة وادعي أنه ابن الاله آمون.. و.. ربما كان هذا الاتساع في الأفق مرجعه الي أنه كان تلميذا للفيلسوف اليوناني الكبير أرسطو.
وقد استطاع والده فيليب عندما تولي عرض مقدونيا أن يخضع بلاد الاغريق، ويوحد كلمتهم تحت علم واحد وكان أمله أن يخضع الشعوب المجاورة لنفوذه، كما كان من آماله أن يعلن الحرب علي الامبراطورية الفارسية ويخضعها لنفوذه، وهي التي ظلت لسنوات طويلة تخيف المدن اليونانية، وتفرض سلطانها عليها.
وكان فيليب هذا متزوجا من ست زوجات، ولكنه لم ينجب سوي وريثين شرعيين من زوجته الملكة أوليمبياس، وكان أحد هذين الورثين مصابا بالصرع ولا يصلح لأن يرث فيليب الذي استطاع أن يخضع المدن اليونانية لسلطانه، أما الآخر فهو الاسكندر الذي ورث عن والده الشجاعة، وعن أمه الدهاء والمكر وقد فكر فيليب طويلا فيمن يرثه في ملكه العريض، وهو مقبل علي حروب كثيرة يشاركه فيها ابنه صاحب العبقرية العسكرية، الاسكندر، وتتابعت علامات الاستفهام علي رأسه، ماذا يحدث لو أن الاسكندرقتل في أحد المعارك! هل يصبح العرش بلا وريث؟! وهداه تفكيره أن يتزوج للمرة السابعة حتي يأتي بولي للعهد لو حدث لابنه الاسكندر حادث يودي بحياته سواء في ميادين القتال أو في غير ميادين القتال!
وكان من الطبيعي أن يحدث خلاف بين فيليب وزوجته الملكة أوليمبياس، فهي لا تريده أن يتزوج عليها، وكان من الطبيعي أيضا أن يغضب الاسكندر لغضب أمه، وان كان البعض يري أن الاسكندر كانت له طموحات لا حدود لها، وأنه كان يريد أن يغزو العالم كله وليس بلاد فارس وحدها، وأن هذا المجد ينبغي أن يلصق به لا بأبيه، فهو يعيش للمجد، وخياله يحوم حول تكوين امبراطورية شاسعة الأطراف يكون هو امبراطورها، لا والده الذي يريد أن يتزوج علي والدته من أجل ولي للعرش قد يخلفه علي مملكته.. ويقول بعض المؤرخين أن الملكة أوليمبياس، قد دبرت مؤامرة مع ولدها الاسكندر للتخلص من والده فيليب، فتم اغتيال فيليب بطعنة في أحد حفلات الزواج!
* * *
كان من الطبيعي أن تحدث فتن واضطرابات عقب اغتيال فيليب، ولكن حزم الاسكندر ومقدرته العسكرية والسياسية، جعلت الفتن تنام في مهدها وتدين له البلاد بالولاء التام، وعندما حاولت احدي المدن اليونانية الثورة عليه، سرعان ما أخمد هذه الثورة بعد أن هدم المدينة وسوي بيوتها بالأرض! كما أمر أن يباع رجالها وأطفالها ونساؤها في سوق العبيد!
وكون الاسكندر الذي أصبح الاسكندر الأكبر جيشا منظم من مقدونيا ليبدأ مشروعه الامبراطوري في التوسع والاستيلاء علي الدول المجاورة، لنشر الثقافة الاغريقية بجانب أطماعه أن يكون سيدا علي العالم!
والغريب أنه عندما كان يهاجم الفرس، وكان معهم عدد كبير من الجنود المرتزقة من الاغريق، وكان عددهم يزيد عن عشرين ألف مقاتل، وقد أمر الاسكندر بعد هزيمة الفرس، بقتل كل هؤلاء المرتزقة باعتبارهم خانوا بلادهم، وانضموا الي جيش الفرس.
* * *
وقاريء التاريخ يعرف كيف استطاع الاسكندر هزيمة الفرس هزيمة منكرة، وأصبح قائدا عسكريا لا ينافس بعد هزيمته ملك الفرس دارا وبعد أن أصبحت صورته في العالم صورة القائد الشاب المنتصر دائما، والذي روع الجميع بما كان يصنعه بعد أن ينتصر في معركة من المعارك، فإنه مثلا بعد أن أسقط مدينة صور وأخذها من يد الفرس دمر المدينة، وباع 30 ألف من أهلها كرقيق وعندما استولي علي مصر رحب به المصريون باعتباره قد أنقذهم من نير الاستعمار الفارسي.
* * *
لقد انتقل الاسكندر من نصر الي نصر، فقد قضي علي امبراطورية الفرس واستولي علي أملاكها، كما استولي علي مصر والهند، وكان من أطماعه أن يكون أعظم أسطول في العالم، وأن يخضع العالم لسطوة حكمه.
ويبدو أن الاسكندر وقد أسكره خمر هذه الانتصارات المذهلة، فإذا به في لحظات شعوره بتألق هذه الانتصارات يتحول الي انسان آخر.. انسان يملأه الزهو والغرور، وعدم الاعتداد بالآخرين، حتي انه أمر بقتل أحد أصدقائه المقربين وابنه بالقتل (بارمينيو) كما قتل صديقه كليتس وهو في حالة سكر في معركة معه وهو تحت تأثير الخمر.
يقال أن بطليموس قد أخرج جثمانه من بابل حيث توفي ونقله الي الاسكندرية (ومازال المغامرون يبحثون كل حين عن هذا الجثمان الذي لا تقدر قيمته التاريخية بمال إن وجد).
ويقول:
حياة الاسكندر تعتبر العامل الحاسم في نقطة ارتكاز التاريخ الانساني..
يعتبر الاسكندر في المنتصف الهندسي للتطور الانساني، والحياة الانسانية بعده تختلف اختلافا بينا عن الحياة قبله، فكأنه يقع في منتصف رحلة الانسانية (كما أن نشاطه يقع في قلب العالم كما تخيله) اذا نظرنا الي خريطة العالم، فإننا نتبين للوهلة الأولي المسافات الشاسعة التي اخترقها بجيشه (كما فعل من قبله قورش العظيم ودارا العظيم) ثم نتبين الهدف الي أخذ نفسه بتحقيقه ومقدار من تحقق من هذا الهدف.
لم يكن هدفه تحقيق الفتوحات فحسب، بل كان من أهدافه استكشاف المناطق ثم استعمارها والاستقرار فيها، وحقق هذه الأهداف وتشابك الغزو العسكري مع السياسة السليمة والفن والتجارة والتقدم التقني والعلمي، وفي هذا الشأن فاق الاسكندر كل من سبقوه، فاقهم بالاستفادة الكاملة مما تركوه له، ومما ورثه عن الحضارة الاغريقية.
ويقول عن شخصية الاسكندر:
كان انسانا فيه كل فضائل الانسان ونقائصه.. هو رجل قتل أصدقاءه عندما غاب عقله بفعل الخمر، كما كان يقتل أعداءه بآلالاف وهو في كامل عقله سواء اشترك في مؤامرة لقتل والده أو لم يشترك في تلك المؤامرة لا يغير شيئا من حكمنا عليه.. كان يتأسف كثيرا علي جرائمه ويندم علي أفعاله الخاطئة ولكنه لم يغير من طباعه ولم يقومها، كان شديد التدين ولكنه لم يمتنع أن ينصب إلها، كان باني ملك عظيم ولكنه لم يتزوج لينجب وريثا للعرش إلا في آخر الأمر، رغم كل هذه التناقضات في حياته، فإن حياته كانت ذات معني عظيم.. ورث نبوغه من أبيه، وحدة طبعه من أمه..
* * *
المهم أن الاسكندر الذي كون امبراطورية هائلة، وبني مدينة الاسكندرية في مصر، والاسكندرونة بالشام مات بعد أن أقام وليمة شراب في بابل فمات في 323 ق.م وأن هذه الامبراطورية كما يقول ه.ج.ويلز سرعان ما تمزقت اربا تلك الرقعة الهائلة من الأرض. وقبض سلوقوس أحد قواده علي معظم الامبراطورية الفارسية من السند الي افيسوس، واستولي علي مصر قائد آخر هو بطليموس، كما اختار مقدونيا قائد آخر اسمه انتيجوناس، أما بقية الامبراطورية فإنها رزحت في غمرات الفوضي وعدم الاستقرار، وجعلت تنتقل الي أيدي مجموعة متعاقبة من المغامرين المحليين، وابتدأت غارات البرابرة من الشمال وأخذت تتسع مجالا وتزداد وحدة، حتي انتهت الأمر بظهور قوة جديدة هي قوة الجمهورية الرومانية التي جاءت من الغرب وأخذت تخضع الجزء تلو الجزء الي أن ربطت بينها جميعا امبراطورية جيدة أطول عمرا.