الجزائر اسم لمدينة عرفت قبل مجيء العرب باسم Ecosiomme ولم تكن تطلق على وطن مترامي الأطراف إلا منذ العصر العثماني حيث أخذ العثمانيون من المدينة عاصمة لمملكة ذات حدود مقررة فاشتق اسم الوطن من اسم عاصمة دولته وهذا المعنى الحديث جزء من وطن عرف قبل مجيء الفنيقيين باسم "ليبية" وهو عبارة عن طرابلس وتونس، الجزائر ومراكش، ثم انسلخت الجزائر وما ولاها غربا من هذا الاسم وكان الجغرافيون واليونانيون واللاتينيون يقسمون هذا الوطن إلى ثلاثة أقسام :
1. ماسيسيليا : سهول سطيف، برج بوعريريج، الجزائر و وهران.
2. ماسيليا (موريتانيا الشرقية): قسنطينة، غرب تونس.
3. جيوتيلي : الصحراء.
وأطلق الرومان تسمية "المورينيين". أما مفهوم البربر فيعني بالنسبة للمفهوم اليوناني الروماني : الإنسان الأجنبي الذي لا يتكلم اليونانية والرومانية. واطلق العرب على الشمال الإفريقي أو على البلاد التي تقع غرب البلاد المصرية وقسموا المغرب إلى ثلاثة اقسام :
4. المغرب الأدنى : برقة، تونس، طرابلس، شرق الجزائر.
5. المغرب الأوسط : من بجاية شرقا إلى وادي ملوية غربا، وعليه يشمل وسط و غرب الجزائر وجزء من شرق المملكة المغربية.
6. المغرب الأقصى : من وادي ملوية شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا.
أصل السكان :
البشر كلهم من آدم عليه السلام، وهلك جمع منهم في الطوفان في عهد نوح عليه السلام ولم ينج منهم إلا من ركب السفينة ولم يبق منهم إلا أبناؤه، واتفق المؤرخون على أن أبناء نوح الذين تفرعت عنهم جميع الأمم : سام، حام، يافث. وقد ذكر ابن خلدون في أبناء يافث قطبال ثم ذكر الأمم المتفرعة عنه فقال : «وأما قطبال فهو أصل الصين من المشرق والرومان من المغرب ويقال أن أهل إفريقيا قبل البربر وأن الإفرنج أيضا منهم وأن أهل الأندلس قديما منهم» ولكنه يذهب برأي آخر كونهم من أبناء "مازيغ بن كنعان" بالرجوع إلى حادثة وفد شمال إفريقيا حين صرح أعضاؤه أمام الخليفة عمر بن الخطاب بعد فتح مصر إذ اعتبروا أنفسهم أمازيغ وليسوا بربرا، ويمكن تصنيف البربر إلى تيارين: التيار الأول يعتمد على الرواية والنقد. أما التيار الثاني فيعتمد على الخلقة والصنائع.
التيار الأول : - فرقة تقول أن البربر نشأوا في المغرب وليسوا منقولين من وطن آخر ومنهم أفلاطون.
- فرقة تقول أنهم من ولد نعمان بن حمير بن سبأ أي أنهم عرب ومنهم المسعودي.
- فرقة تقول بأنهم من الفرس وفارس من سام، ويقول مؤرخ بيزنطي عاش في القرن السادس للميلاد بأنهم من العبرانيين، وهذا ما ذهب إليه الطبراني.
التيار الثاني : يوجد في كثير من البربر عرض الأكتاف ضيقي الخصر وهذه الصف معروفة عند قدماء مصر، يوجد فيهم الشقر بالجبال (جرجرة والأوراس) وهذه الصفة نجدها في إيطاليا وأوربا، ويوجد كذلك سمر اللون معتدلي القامة، سخوني الطبع وهذه الصفات توجد في اسبانيا، إيطاليا، جنوب فرنسا (مارسيليا).
أما من ناحية الآثار فقد وجدت أواني طينية وشم عليها تماثيل عثر على مثيلاتها في قبور مصرية ولكن يوجد نظيراتها في صقلية ومالطا ووجدت بناءات للمعابد يقول البيروني أنها تشبه معابد أوربا الغربية.
البربر ليسوا أمة مستقلة وإنما هي مزيج من أمم شرقية وغربية وحد بينها الوطن.
الحياة الاجتماعية عند البربر القدامى :
ينقسم البربر إلى جذعين : البرانس و البتر.
البرانس هم سكان الحضر يعيشون على الزراعة.
البتر هم سكان البدو يعيشون على الترحال.
اتصف البربر بالشجاعة وحب العمل والكرم والتمسك بالحرية، ويقول المؤرخ اليوناني ستيفاني في كتابه "التاريخ القديم لإفريقيا الشمالية" إن أخلاق لبربر وعوائدهم لفتت أنظار المؤرخين والباحثين القدماء سجلوا لهم خصوصيات ومنها «أنهم مجتمع تسوده الطهارة ولعفاف ولهذا كانوا يصلون إلى عمر طويل محتفظين بصحتهم البدنية، فهم لا يأكلون اللحم (الخنزير) إلا قليل منهم رغم تربيتهم للمواشي كما نجدهم لا يربون الخنزير».
ويعرف أنهم عاشوا على زراعة القمح والأشجار المثمرة والزيتون كما عاشوا على تربية البقر، كانوا يعبدون الجماد ويقدسون الشمس والقمر ،الكبش والثور ويتخذون لها تماثيل، وكان لهم إله شبيه بآلهة مصر (آمون) ومظاهره تتمثل في كبش أقرن، وكان للبربر طقوس لدفن موتاهم وذلك بوضعهم في حفر مربعة لشكل في الصخور وكان مدخلها عموديا تسمى بالحواميت وكان اتجاه القبور نحو الشرق (الشمس).
المنازل : وجدت آثارها في الأماكن المرتفعة والكهوف على مقربة من السيول (المياه) ومن المنازل المكتشفة منزل قرب معسكر ومناماوال أخرى بوهران،سعيدة، سطيف، تبسة.
الملبس : لباسهم كان من جلود الحيوان واتخذوا زينتهم وحليهم من بيض النعام والأصداف، وكانت رؤوسهم غير مكشوفة يدل على ذلك وجود تماثيل حجرية تشخص إنسان ذلك العصر مكسو الرأس بالجلد أو الريش.
المطعم (الطعام) : كان من البقول وبعض الأشجار الطبيعية.
الوجود الفنيقي في الجزائر 880 – 146 ق م
يعتبر الفنيقيون أمة سامية هاجر أبناؤها من الجزيرة العربية إلى بلاد الشام واستقروا في مدينة صيدا وصور (لبنان) وهم منسوبون إلى وطنهم فينيقيا وهي قطعة مستطيلة تطل على البحر وهم أمة قليلة ولكنهم تركوا آثارا جليلة وكانوا بطبيعة وطنهم بحريين تجاريين وهم أول أمة دخلت مصر حيث عقدوا مع الفراعنة اتفاقا تجاريا يسمح لهم بنقل البضائع من مصر والتجارة بها في جزر البحر الأبيض المتوسط، فأصبحوا يشقون بمراكبهم هذه الجزر وينقلون إلى حضارات الشرق ومن مراسيهم : بايبلوس ببيروت صيدا وصور، وكانت تجارتهم مع الليبيين مقايضة يأخذون منهم الأنعام والصوف والجلود والعاج ويدفعون لهم عوض ذلك أقمشة مصبوغة بالحمرة وأسلحة وأواني من زجاج، ثم أسسوا بالسواحل مراكز يستريحون فيها ويصلحون سفنهم اهمها : حضرموت (سوسة) هابونة (عنابة – بونة) إجلجلي (جيجل) صلداي (بجاية).
تأسيس قرطاجنة :
تتعدد الأساطير حول التأسيس ولكن الأرجح أنها تأسست سنة 814 ق م وأن المؤسس امرأة تدعى عليسة ديدون (الفارة) وسياق الأسطورة أنها من بيت الملك، تزوجت كاهنا ولها أخ، وبعد وفاة الملك ورث ملكه فقتله أخوها طمعا في ملكها إلا أنها احتفظت بمال زوجها وفرت إلى شمال إفريقيا حيث اشترت من البربر مكان قرطاجنة على الخليج التونسي وبلغت أوج عزها في القرن الرابع إلى أواخر الثالث قبل الميلاد. ولما تأسست أطلق على السكان اسم البونيقيين ومن المدن التي تم تأسيسها: بونة، روسيكادا(سكيكدة)، شولو(القل)، إجلجلي، شرشال، دلس، تنس، أغادير (المغرب) ميلية، طنجة، بنزرت.
وفي الحقيقة فإن الفنيقيين الذين أسسوا دولة قرطاجنة لم يكن هدفهم إخضاع واحتلال موانئ شمال إفريقيا بالقوة وإنما كان هدفهم إقامة مراكز تجارية والتعاون مع سكان المنطقة وعليه فإن الحكم القرطاجي كان متساهلا متسامحا مع الأهالي. ولم يعمل قادة قرطاج على التخلص من زعماء العشائر ورؤساء القبائل وإنما حاولوا الاندماج في المجتمعات المحلية وازدادت أواصر التعاون والمحبة بين الفنيقيين والأهالي عن طريق الزواج والعمل المشترك في المشاريع التجارية (استخراج النحاس، صناعة الرصاص والحلي، نحت الحجارة، طريقة البناء)
ديانتهم : وثنيين يعبدون الشمس والقمر، يتخذون للشمس تمثالا يسمى (بعلا) وللقمر تمثال يسمى (ستارتي) وكانوا يقيمون لهما تمثالين بكل مدينة من مدنهم. فالشمس عندهم إله السماء والأرض يتوسلون برضاه بتقديم القرابين وأكثر ما تكون من أبناء الملوك، والقمر إله الحب والجمال كانوا يمثلونه بصورة امرأة بيدها حمامة، ولما نماوالوا ليبيا تأثروا بعقائدهم فأخذوا إله آمون وسموه (بعلامون) وعبدوه حسب تقاليدهم.
1. ويمكن تلخيص أسباب سقوط قرطاجنة وانهيارها في النقاط التالية :
2. الانقسامات السياسية التي كانت تمثل مصالح عرقية واقتصادية متضاربة.
3. اهتمام الدولة بالربح والتجارة وإهمال الجوانب الحيوية الأخرى.
4. المعاملة السيئة في الفترات الأخيرة للأهالي بالإضافة إلى الغرور الذي أصبح سائدا في الأوساط الارستقراطية.
تدخل حكام روما في شؤون الإمارات المتواجدة في شمال لإفريقيا وانتهاجهم سياسة فرق تسد قصد إضعاف العشائر وتقليص نفوذ قرطاجنة والتمهيد للاستيلاء عليها وهذا ما تم بالفعل خلال الفترة الممتدة من 149– 146 ق.م.
الاحتلال الروماني
انتهت الحرب البونيقية بالقضاء على مملكة قرطاجنة وتخريب العاصمة واستولوا على التراب الأصلي وأطلقوا عليه مملكة الرومان بإفريقيا وجعلوا على هذه الولاية واليا، ولم تكن الجمهورية الرومانية تطمع في توسيع الولاية في أول الأمر لكن إيطاليا ضاقت بأهلها بسبب استحواذ طبقة الأغنياء على أراضيهم وجلب العبيد (3 ملايين)وأصبح عدد كبير من الإيطاليين لا أراضي لهم ولا عمل، حتى كان بروما أكثر من 400 ألف لا عمل لهم سوى التجول في الأزقة، ولرفع هذه الأزمة قررت الجمهورية إرسال أولئك الفقراء إلى الولايات الرومانية فجاءوا إلى قرطاجنة بـ 6000 إيطالي، وبعد واقعة "الطابوس" 46 ق م. استعمر الرومان شرق نوميديا وأطلقوا عليه اسم "نوميديا الجديدة" أما موريطانيا الشرقية (سطيف) فقد بقيت تحت يد أمراء بربريين إلى أن حكمها "يوبا الثاني" الذي مهد الوطن للرومان وشجعهم على امتلاكه، وفي سنة 42 م ألحقت موريطانيا بروما نهائيا وبذلك تم للرومان الاستيلاء على الوطن الجزائري، ولم يتقدموا إلى الصحراء، كما لم يخضع البربر الساكنين بالجبال لروما، ومن خضع منهم كان يشن الثورات ضدهم.
حدود الرومان في الجزائر :
في بداية القرن الثالث كان الحد الروماني مارا جنوب الأوراس ثم يصعد شمالا فيمر بناحية بوسعادة فيشمل الحضنة بجهتها الغربية ويمر ببوغار، تيهرت، تلمسان، مغنية، واعتمدت روما في فتح الشمال الإفريقي على ثلاثة أشياء :
السياسة : كانت تزكي نار الفتنة بين ملوك البربر وتحارب أبطالهم.
الجند الروماني : كانوا معروفين بالإخلاص والطاعة والصبر وكانوا يحاربون وقت الحرب ويشتغلون بالفلاحة وقت السلم.
تجنيد البربر :
جمهورية المدن الخمسة :
كانت سيرتا عاصمة الملوك النوميديين (ميلة، روسيكادا، شولو، كوبكلوم –جميلة- ) وكانت في أول الأمر قلاعا حربية ثم أخذ عمرانها ومن القرى التابعة : أورسيكادا، هيستار (بني زياد بقسنطينة)، صدار، وعلى القرى رؤساء منخرطون في سلك موظفي سيرتا، وكما كان لسياسة هذه الجمهورية رجال كان للديانة كذلك رجال وهم أقسام:
1. رجال الدين
2. لقائمون على الهيكل بذبح قرابينه وتقديمها للنار ولا يكون إلا من أهل بيت شريف.
3. المراقبون للأعمال الدينية.
4. العرافون لمعرفة الأمور الغيبية
5. المرشدون وهم الذين يقومون بإرشاد العامة إلى وجوه العبادة.
وقد كان السكان في هذه الجمهورية على طبقتين:
الطبقة الأولى : طبقة الديكرونون (الرجال الثلاثة) يختارهم الحكام.
طبقة العظماء: وهم من كان عضوا بمجلس الشيوخ أو قائدا وبلغ درجة تسمح له بالركوب CHEVALIER.
لجنة الأعضاء الخمسة: وهم من كان له مرتبة أهل الطبقة الثانية.
العرافون.
رجال الشرطة.
أمناء المال البلدي.
ويشترط فيمن يكون عضوا بهذا المجلس زيادة على كونه من أهل الحقول أن يكون نظيف السيرة ذا مال وأن يكون عمره 30 سنة فما فوق.
المدن الرومانية :
تنقسم إلى خمسة أقسام:
1. المدن البحرية وهي تجارية.
2. المدن العسكرية يسكنها الجنود.
3. المدن الفلاحية أكثر من يسكنها البربر.
4. عواصم أولية وثانوية يسكنها كبار الولاة.
5. مدن النزهة وهي لاصطياف الأسر، ومن هذه المدن (جميلة، تيبازة).
وكان من عادة الرومان إذا أرادوا تعمير مكان خطوا به خطين أحدهما من الشرق إلى الغرب والآخر من الشمال إلى الجنوب ثم يجعلون شكلا مربعا حول نقطة التقاء الخطين ويتخذون ذلك المربع مساحة للقرية ويحيطون هذه الساحة بدكاكين وأقواس جميلة وتقام في هذه الساحة الحفلات وتجرى بها الانتخابات وتقرأ على الأمة القرارات، كما اعتنى الرومان ببناء المسارح والملاعب والهياكل الدينية.
الديانة الرومانية :
كان للرومان آلهة عظمى وأخرى صغرى خاصة بالأسر والمناماوال، وكانوا يعبدون القوى الطبيعية والنار والموتى من أسلافهم، وكانوا يمثلون أرواح الآلهة في الديدان فيطعمونها، ومن آلهتهم العظمى جوبيتار (كوكب المشتري) وهو إله المطر، وجينون junon آلهة النور والزواج. وللالهة معبد مشترك بروما. وهناك آلهة للحرب والخلافة والتجارة والأخلاق ويبلغ عدد الآلهة 160 إلها يستعينون بها ويستغيثونها في جميع شؤونهم حتى قال أحدهم "وطننا مملوء بالآلهة حتى أن وجود إله أيسر علينا من وجود رجل".
حياة الرومان :
كانت حياتهم حياة بساطة لا رفاهية فيها حتى أن من عظمائهم من كان يحرث بيده، وحتى بعد استيلائهم على الأوطان بقوا فلاحين وبقيت الصنائع والفنون بيد غيرهم من الأحرار والمماليك، ولكثرة انشغالهم وشدة عنايتهم بكسب الثروة صاروا أقل الأمم حبا في الملاهي، وكانت ملابسهم خشنة وتكثر نساؤهم لبس الحلي وظهور الزينة وصبغ الشعر وطلاء الوجه، وللخاصة لباسهم، فالشيوخ لهم قمصان ذات حواشي حمراء، والأحرار لهم حلة بيضاء وهو رداء يبلغ طوله 9 أذرع، ومساكنهم كانت خشبية ثم ترقوا في العمارة فتفنوا في البناء بالحجارة كما لم تكن لهم نوافذ لعدم معرفتهم بصناعة الزجاج، وكان الضوء معدوما ليلا في مدنهم، وبقوا على بساطتهم إلى أن تمكنوا من الاستيلاء على الأمم فأخذوا عن اليونان وأهل المشرق الملابس الرقيقة وزينوا البيوت بالتماثيل والرخام وفرشوها بالزرابي.
الرومان وعلاقتهم بالبربر:
لعل القائد الإفريقي الوحيد الذي خاض معارك طاحنة ضد الرومان هو يوغرطة حيث أنه ناضل حتى وفاته لإيقاف الزحف الروماني، وبدأت المناوشات بينه وبين الرومان عندما حاولوا تقسيم الدولة النوميدية إلى ثلاث دويلات، فقاومهم وانتصر عليهم سنة 116 ق م. ونجح في توحيد نوميديا، وأصبح حاكما لسيرتا سنة 12 ق.م. لكن الرومان استعملوا ضده أسلوب المخادعة للتخلص منه وهكذا استعملوا صهره أي والد زوجته الذي توسط بين يوغرطة وقادة روما ولكنه ألقى القبض عليه وسلمه إلى الوكيل المالي وذلك سنة 106ق.م. ووضع في سجن على شكل متر بقي فيه إلى أن مات جوعا يوم 07/01/104ق.م.
وقد ساعد حكام روما على تطوير الزراعة وتوطيد الأمن وتنويع وسائل الإنتاج وإحياء أراضي جديدة وتنظيم الأسواق ولكن النظام الروماني الذي بدأ قويا يوم كان يعتمد على قاعدة شعبية تحول إلى نظام إقطاعي أين الثراء محسور في فئة كانت شغوفة بجمع التحف الثمينة. ونتيجة لهذه الأوضاع والأزمات والاضطرابات الداخلية تشجع رجال البربر على الثورة بالإضافة إلى ضربات الوندال، ولكن التصفية النهائية كانت من طرف الفاتحين العرب.
الفتح العربي الإسلامي:
هناك حديث عن مفهوم الفتح أو الاستعمار، ويقصد بالفتح نشر دين الله ورفع كلمته أما الاستعمار فيقصد به البحث عن مجالات جديدة ويندرج تحت الفتح أسباب أخرى وهي حماية ظهر الدولة الاسلامية وطرد البيزنطيين من المنطقة ووضع حد لنشر المسيحية واليهودية، وقد تم الفتح على مراحل :
المرحلة الأولى : حملة عمرو بن العاص : بعد أن قضى على الهيمنة البيزنطية في مصر واصل زحفه نحو طرابلس ولم يلق مقاومة من طرف القبائل البربرية، ولكن الخليفة عمر بن الخطاب أمر برجوع الفاتحين إلى مصر لكي لا يتعرض الجيش لهجومات البيزنطيين المتمركزين في تونس
المرحلة الثانية : حملة عبد الله بن سعد (644) : انطلق بجيش قوامه 20.000 (ابن خلدون نفى ذلك وقال 4000) في خلافة عثمان فالتقى بجيش البيزنطيين، وعرض على البربر اعتناق الاسلام أو دفع الجزية، ورفض القائد فدارت معارك بين الجيشين وهلك فيها القائد البيزنطي،ومع ذلك رجع عبد الله بن سعد ويعلل المؤرخون هذا التراجع بتخوف القائد المسلم من البيزنطيين، وعلله البعض الآخر بتخوفه من ضياع الغنائم.
الحملة الثالثة : حملة معاوية بن خديج (666) : توقفت الفتوحات الإسلامية في جميع الجهات شرقا وغربا بسبب الفتنة التي حصلت على الخلافة، ولما تولى معاوية الخلافة استؤنف الفتح وقام بتعيين معاوية بن خديج واليا علة مصر وكلفه بفتح المغرب، فتقدم بجيش كبير خاض معارك مع الجيش البيزنطي ولكنه تراجع نحو الشمال تخوفا من الهزيمة.
الحملة الرابعة : حملة عقبة بن نافع (670) : قام بحملة ناجحة على شمال إفريقيا أدت إلى استقرار نسبي في المنطقة وقام بتأسيس مدينة القيروان التي أصبحت فيما بعد قاعدة لانطلاق الفتوحات في منطقة المغرب العربي، ولكن تم عماواله حيث وشي به للخليفة بأنه استولى على الغنائم.
الحملة الخامسة : حملة أو مهاجر دينار(674) : هو أول قائد مسلم يدخل الجزائر، حيث واصل فتح المغرب العربي، فقام بفتح نوميديا واتخذ من ميلة (ميلوم) مدينة جديدة لعملياته خلافا لسيرتا، واستمر في فتح المنطقة إلى أن بلغ نواحي تلمسان فاغتيل وتراجع الجيش.
الحملة السادسة : حملة عقبة بن نافع الحفيد (682) لما تولى يزيد بن معاوية الخلافة ولى عقبة على إفريقيا، وواصل الفتح حتى المحيط الأطلسي، وأثناء عودته قتل بالقرب من بسكرة في كمين نصبه له كسيلة الذي توجه إلى القيروان واحتلها.
الحملة السابعة : حملة زهير بن قيس البلوي (688) : أمره الخليفة عبد الملك بن مروان باستئناف فتح المغرب فخاض هذا الأخير معارك مع الجيش وانتصر على كسيلة ولما كان في طريقه نحو العودة وقع في كمين فقتل ومن معه (13 فارسا).
الحملة الثامنة : حملة حسان بن نعمان (696 – 701) : ولي حسان على إفريقيا سنة 696، فدمر حصون البيزنطيين ثم مقر القرطاجيين 698 وهرب كل البيزنطيين نحو أوربا، وواصل حملته على نوميديا فحاصرته الملكة البربرية الكاهنة وزعزعت جيشه وانسحب حسان إلى برقة وبقي فيها خمس سنوات، وفي هذه الثناء قامت الكاهنة بتخريب البلاد فنقم البربر على ملكتهم، ولما عاد حسان سنة 701 انضم إليه عدد كبير من البربر، وأدركت الكاهنة نهايتها فأرسلت بولديها إلى حسان اللذين ولاهما على البربر، ودارت معارك بينه وبين الكاهنة وسقطت سنة 702 بالقرب من تبسة (بئر العاتر) ورجع حسان إلى قرطاجنة وطرد باقي البيزنطيين ووضع القاعدة الأساسية للدولة الإسلامية في المنطقة.
آثار الفتح العربي الإسلامي :
يرجع عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو في كتابه سوسيولوجية الجزائر انسجام البربر مع العرب دون غيرهم إلى العوامل التالية :
التنظيم القبلي أو العشائري : فالبربر مثل العرب منظمون وفق نظام عشائري يتناسب مع بيئتهم الطبيعية وكانت كل قبيلة تنسب إلى أب أو جد واحد (النظام الأبيسي) بمعنى أن الرابطة بين أفرادها هي رابطة الدم، فأفراد القبيلة هم بنو فلان والكلمة المرادفة لكلمة ابن في العربية هي آيت وظلت بعض القبائل تستخدمها حتى بعد أن تعربت مثل قبيلة آيت عباس، أما عن رئيس القبيلة أو شيخها فيطلق عليه أمغار.
اشتراكهم في النسق القيمي : البربر مثل العرب يمجدون الشجاعة والكرم والمروءة والمحافظة والتمسك بالحرية.
اشتراكهم في النشاط الاقتصادي (الزراعة والرعي) : يتفاوت نشاطهم حسب البيئة
أهم آثار الفتح العربي الإسلامي على المنطقة :
1. انتشار الدين الإسلامي في كل المنطقة وتراجع أو زوال اليهودية والمسيحية، وأصبح البربر بعد اعتناقهم الإسلام أكثر أنصاره تعصبا له.
2. التركيبة الاجتماعية التي أصبحت تتشكل من سكان البربر والعرب الفاتحين الذين وفدوا على المنطقة بأعداد كبيرة فاقت السكان الأصليين بالإضافة إلى العرب البربريين بفعل المصاهرة.
3. انتشار اللسان العربي حيث أقبل البربر على تعلم اللغة العربية ليتيسر لهم حفظ القرآن الكريم ، كما ساهمت البعثات التي أرسلت بها الخلافة من معلمي القرآن والفقه مساهمة كبيرة في نشر اللغة العربية وتعليم القرآن وبناء المدارس والمساجد.
4. توحيد القبائل البربرية واختلاطهم بالفاتحين المسلمين الوافدين من شبه الجزيرة العربية.
5. على المستوى السياسي أصبحت المنطقة جزءا مكملا ومساعدا للعالم الإسلامي ، ويظهر ذلك في مشاركة البربر في نشر الإسلام وفتح الأندلس والمشاركة في الحروب الصليبية.
ولكن التعصب القبلي أدى إلى ضعف دولة المغرب العربي والذي اتسم بظهور دويلات صغيرة وضعيفة بالإضافة إلى تضاعف الهجمات الصليبية على المنطقة.
الدويلات الإسلامية في الجزائر
على يد حسان تم فتح العرب حربيا وسياسيا ودينيا، ولكن معاوية أضاف المغرب إلى ولاية مصر مما جعل الأمن يضطرب وكثرت الفتن وكادت جهود حسان تذهب هباء لولا أن تداركها مجيء موسى بن نصير الذي جند 19 ألف من البربر وأمر قائدهم طارق بن زياد بغزو الأندلس، فتوجه إليها سنة 92هـ، وأصبح المغرب والأندلس ولاية واحدة إلى أن دخل عبد الرحمن بن هشام بن عبد الملك الأموي إلى الأندلس سنة 138هـ، فاستولى عليها(واستقل)، وفي سنة 140هـ، تأسست سجلماسة (المغرب الاقصى)وكانت بها دولة بني مدرار. وفي سنة 144هـ تأسست مدينة تيهرت دولة الرستميين، وفي سنة 172هـ دخل إدريس الأكبر للمغرب الأقصى وأسس دولة الأدارسة. وكانت هذه الدول غير مرتبطة نسبيا مع الخلافة في المشرق.
الدولة الرستمية (160-296 هـ / 779-909 م):
مؤسسها عبد الرحمن بن رستم الذي بويع للخلافة (160 هـ) وهي دولة أباظية (مذهب من مذاهب الخوارج) سموا بالخوارج لخروجهم عن الإمام علي كرم الله وجهه. شهد من خلالها المغرب الأوسط ازدهارا في ميادين العلم والعمران والفلاحة والتجارة (مع السودان)، وقد اشتهرت فيها المكتبة التي كان يزورها الطلاب من كل ناحية، إلا أنها لم تهتم بالجانب العسكري وهذا ما سهل سقوطها على يد الشيعة العبيديين وهرب الاباضيون إلى ورقلة وغرداية.
أسماء لبعض العلماء
-أبو بكر بن أفلح - أبو اليقظان محمد بن أفلح - أبو حاتم سيف - أبو عبد الرحمن بكر بن حماد التيهرتي
الدولة العبيدية (297- 380 هـ/910- 993 م):
تنسب إلى عبيد الله المهدي وهو أول أئمتها، وكانت قاعدتها في تونس، ثم انتقلت إلى مصر حيث أصبحت تعرف بالدولة الفاطمية، وقد قامت على المذهب الشيعي ( شيعة الرجل من يتابعه ويناصره وهم من تولى بيعة علي بن أبي طالب وفضله على جميع الصحابة، وكان أشهرهم عبد الرحمن بن سبأ اليهودي، ثم كثرت الفرق فكان منها الزيدية، شيعة إدريس، الإمامية، الإسماعيلية والباطنية وهم القائلون بإمامة اسماعيل بن جعفرالصادق وهو المذهب الذي شاع بالجزائر) والدولة العبيدية مستقلة استقلالا تاما وحكومتها مطلقة فالإمام معصوم وتجمع له كل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، ومع ذلك لم ينسجموا مع سكان إفريقيا فغادروها إلى مصر.
دولة الادارسة (178- 375هـ /788م – 1018) :
نسبة إلى إدريس بن عبد الله بن الحسن بن علي الذي طمح إلى إنشاء الخلافة العلوية فتقدم وزحف على القابل التي كانت لا تزال تؤمن بالمجوسية، كما تمكن من نشر الإسلام بين القبائل البربرية التي كانت تدين بالنصرانية واليهودية ، فبسط نفوذه على المغرب الأقصى ثم اتجه إلى مدينة تلمسان، فأسس مسجد القرويين، وامتاز عهده باللامركزية في تسيير شؤون دولته.
الدولة الحماية (408-552 هـ / 1018-1152م):
تولى حماد بن زيري الصنهاجي شؤون إفريقيا بعد انتقال المعز بالخلافة الفاطمية لمصر، وكني بأبي الفتوح، فشيد مدينة (أشير) ،ثم أنشئت مدينة القلعة إثر اتفاق زيري الحماد، وشيد بالقلعة مباني ومساجد، وأحيطت بأسوار وأبواب، وأقبل عليها المسلمون من إفريقيا والمشرق، كالتجار والحرفيين والفقهاء، ثم انتقل الحماديون إلى بجاية وأسسوا فيها مراكز للإشعاع الفكري، وعاشت الدولة الحمادية طيلة حكمها في جو يسوده الرخاء.
الوجود التركي العثماني في الجزائر 1515-1830
أصبحت الجزائر عرضة للخطر المسيحي في القرن 14و15، فاستنجد سكانها بالأتراك المتواجدين في البحر الأبيض المتوسط (القراصنة)، ولبى الإخوة خير الدين وعروج الدعوة، وطردوا الاسبان، واستقر بذلك الأتراك في الجزائر.
النظام السياسي
مر حكم الأتراك في الجزائر بأربعة أنواع من الأنظمة بدأت بحكم :
باي لارباي
البشوات
الأغوات
الدايات. وفي هذا النوع هناك ديوان عام وديوان خاص، وهو شبيه بالنظام الحالي، الذي ينتخب خمسة موظفين سامين وشيخ الإسلام، هذا بالنسبة إلى الديوان الخاص الذي هو مجلس تنفيذي. أما الديوان العام في المجلس التشريعي من الأتراك. وكانت الجزائر مقسمة إداريا إلى أربعة مقاطعات:
الجزائر وضواحيها
بايلك الشرق (قسنطينة)
بايلك الغرب (وهران)
بايلك التيتري (المدية)
بالإضافة إلى بايلك الأوطان وهي قبائل يحكمها الشيخ.
وكانت توجد في الجزائر مناطق تتمتع بنوع من الاستقلال الذاتي مثل بلاد القبائل والمناطق الصحراوية، حيث كانت تخضع لرؤساء القبائل وتراقبها ثكنات عسكرية وتدفع ضرائب للسلطة، وكان النظام التركي لا يولي المناصب للجزائريين وكان مبنيا على القوة العسكرية.
النظام العسكري:
كان النظام العسكري مصنف إلى صنفين:
أ: اليولداش: القوة البرية عرف بأسلوبه الطاغي.
ب: الرياس البحرية: وهي العمود الفقري للجيش.
النظام الاقتصادي:
لم تكن الصناعة متطورة بالمفهوم الحالي، ارتكزت على الصناعات اليدوية مثل صناعة النسيج والأحذية والدباغة والخشب والزجاج ومواد البناء وصناعة السفن والأسلحة، كما اهتموا بصيد السمك، وكانت جل النشاطات الاقتصادية متمركزة بالمدن مثل الجزائر، المدية، وهران، تلمسان، قسنطينة ،عنابة، ففي تلمسان وحدها 500مصنع لصناعة النسيج والخشب والجلد والحديد، وكانت الصناعة المحلية منظمة تنظيما دقيقا، بحيث كان الحرفيون منخرطين في نقابات حسب التخصص، فنجد شارع الدباغين والنجارين، الحدادين، ولعبت الهجرة الأندلسية دورا إيجابيا في تحريك النمو الاقتصادي، فأنشئت مصانع للنجارة والحدادة والمجوهرات والنسيج، وأصبحت الجزائر تصدر إلى تونس والمغرب البرانيس ذات الجودة العالية. أما سكان الأرياف وهم الأغلبية (94%) يشتغلون في الفلاحة وتربية المواشي، وكانت الأراضي الفلاحية شديدة الخصوبة تدر منتوجات كثيرة ومتنوعة، بالإضافة إلى منتوجات زراعية صناعية لكن تبقى بسيطة كالقطن والزيت...، ولكن السياسة الجبائية المرتفعة قلصت نوعا ما من النشاط الفلاحي خاصة عندما نقصت الغنائم البحرية.
التركيبة البشرية:
كان المجتمع الجزائري متكونا من الأتراك وهم الطبقة الحاكمة، وتضم في صفوفها الموظفين السامين والجنود بالإضافة إلى الكراغلة والسكان الأصليين والسود والوافدين من الأندلس رفقة أقلية يهودية. وكان المسلمون على المذهب المالكي، كما تكونت طبقة بورجوازية تسكن المدن الساحلية وتملك أحسن المناماوال ويخدمها في بيوتها الأسرى العبيد من الأوربيين، كما كن لبعض العائلات اليهودية نفوذا كبيرا في الحياة الاقتصادية وخاصة التجارة الخارجية، سكان المدن 6% يعيشون في مدن مزودة بالمرافق العامة مثل العيون، الفوارات، الحمامات، المقاهي، المطاعم، الفنادق والدكاكين.