على بعد 14كلم من مدينة عين بوسيف وفي الطريق المؤدي إلي شلالة العذاورة توجد أثار إسلامية لمدينة أشير الخالدة التي لعبت دورا هاما في تاريخ المغرب الإسلامي أسسها الرجل الفذ زيري بن مناد الذي خلد اسمه في سجل أبطال الجزائر
مولد زيري بن مناد
كان مناد بن منقوص ( بكسر الصاد أو ضمه ) من قبيلة صنهاجة وكان ذا مال وبنين يكرم الضيف ويحسن إلى أبناء السبيل الأمر الذي اسمه يشتهر كما كان له مسجد يتردد إليه لقضاء واجباته الدينية يروي عنه المؤرخ الكبير النويري قصة استقاها من عز الدين بن محمد ... بن باديس ...يتضمن محتواها أن رجلا من أهل المغرب كان عائدا من الحج فاعترض له اللصوص وأخذوا كل مامعه من متاع ومال فانقطع عن أصحابه . ولما سمع بإحسان مناد الصنهاجي وكرمه لأبناء السبيل قصده في مسجده وقت صلاة الظهر ... ولما علم مناد بقصته قال له : وصلت فأبشر بالخير ثم أخذه إلى منزله فأطعمه ونام ... ثم ذبح له شاة وعمل له طعاما ثانيا فأكل منه مااستطاع ثم نظر إلى كتف الشاة وأخذ يقلبه ثم صار تارة ينظر إلى كتف الشاة وتارة ينظر إلى مناد في تعجب فسأله مناد عن الأمر ... وبعد إلحاح منه قال الغريب :ألك امرأة حامل؟ . فقال مناد : بلى قال : فلك منها أولاد ؟ قال : لا ، ولكن من غيرها . قال : فاعرضهم علي ، فعرض مناد أولاده علي الرجل الغريب ثم قال له : ألك غير هؤلاء ؟ قال مناد : ليس لي ذكر إلا من رأيتهم . قال : احتفظ بالمرأة الحامل فوا لله لتلدى ولدا يملك المغرب جميعه ويملك بنوه بعده ... فأخبر مناد الغريب أنه وجد من تنبأ لأسلافه بهذا من قبل ... وبعد أيام وضعت المرأة حملها وجاء ذكرا وأسماه أبوه زيري ... وهكذا مصداقية تنبؤات الرجل الغريب وغيره ... فقد كان زيري بالفعل ملكا وأسس دولة وأنجب ملوكا وتلك قصة ولادة بطلنا
زيري الزعيم
إن زيري بن مناد كان ميالا إلى المغامرة منذ صغره فقد حكي كثيرا من الرواة أنه كان يركب عمودا من الخشب ويتقدم زملاءه في اللعب فيقوم بدور البطل في معارك يتوهمها هو وأقرانه ثم تطور هذا الميل لما أصبح شابا يافعا فصار عاشقا للمنازلة والمبارزة والعراك مما سار لها الأمر الذي جعله يكسب خبرة قتالية عالية ظهرت أثناء قيامه بغارات في أراضي زناته ( أعداء صنهاجة التقليديين ) حيث كان يعود منتصرا في كل غارة ومثقلا بالغنائم يتقاسمها بتساوي مع أقرانه ... ومن هنا اتسعت شهرته ... ثم بدأت عيون الحساد تنظر إليه حقدا فبدأت بعض المشاكل تعترض طريقه لكنه سرعان ماتغلب عليها باستعمال القوة والعزم .
كانت قبيلة صنهاجة بجانب الفاطميين أما قبيلة زناته فكانت حليفة للأمويين ولما سمع الزناتيون بهؤلاء الحساد الذين أخذوا يخالفون زيري من صنهاجة كاتبوهم وحالفوهم على محاربته لكن زيري بن مناد انتبه لذلك فخرج يوما خلال الليل دون أن يترك لهم وقتا للاستعداد فأغار على زناته في أرض مغيلة وقتل عددا كبيرا من رؤسائهم وأخذ من خيلهم وممتلكاتهم الكثير ... ولما شاع خبر هذه المعركة وانتشر بين الناس في كامل أنحاء المغرب ورده جمع غفير مشجعين ومساندين ومعترفين لزعامته .
زيري مؤسس أشير
إن الزعامة وحدها لم تكن تلبي طموحات زيري بن مناد . كما أن انتصاراته في مختلف المعارك لم تكن بالهدف الأسمى بالنسبة لرجل مثله بل كان يطمح إلى أبعد من ذلك ... يطمح إلى تأسيس قاعدة يدير منها شؤون قبيلة صنهاجة ليستتب الأمن وتستقر أحوال السكان الاجتماعية ويتحسن اقتصادهم ومن هنا فكر في بناء مدينة تكون في مستوى الأحداث ... فأختار مع أعوانه بعد التشاور الكاف الأخضر مكانا " وأشيرا اسما " ( ومعناها المخلب ) وعام 324ه زمانا
بناء أشير:عد إن اتفق زيري مع أصحابه على مكان البناء أحضر البنائين والنجارين من البويرة( سوق حمزة أنا ذاك ) والمسيلة وطبنة وأرسل إلى القائم بأمر الله في القيروان وبعث إليه بمهندس معماري يقال أنه لايوجد مثله في افريقية وقتئذ . أما الخليفة الفاطمي فقد زوده بمواد البناء الغير المتوفرة بالمنطقة كالحديد وغيره . وقد اختلف المؤرخون في مراحل تشييدها فابن خلدون يذكر بأنها بنيت على مراحل ثلاث
1- مرحلة الاختلاط
2- مرحلة التحصين
3- مرحلة تشييد القصور والمنازل والحمامات ( كلا في عهد زيري بن مناد )
أما ابن الأثير صاحب كتاب الكامل في التاريخ فيقول بأنها أسست في عهد زيري واتسعت في عهد بلكين ابن زيري .
أما البكري فقد أضاف إلى قوله ( بان أشير أسست في عهد زيري بن مناد ) الذي بني صورها بلقين يوسف بن زيري بن مناد الصنهاجي سنة 367 ه .
وصف أشير
هي عبارة على ثلاث مدن منفصلة :
1- المدينة الغربية وتسمى منزه بنت السلطان
2- المدينة الشرقية الأولى حيث القصر وهي أشير
3- المدينة الشرقية الثانية " بنيــــــــة "
أما مسجد أشير التاريخي فقد أقر الباحثون الأثريون الذين زاروا المنطقة بان أثاره مازالت قائمة حتى اليوم . فالمحراب والحيطان المبنية بالأحجار المربعة الكبيرة بالإضافة إلى مقصورة الأمير التي تقعبجانب المحراب فكلها واضحة المعالم إلا أن المنارة مازال موقعها لم يكتشف بعد ويؤكد المؤرخون والجغرافيون الذين وصفوها على أنها من أحصن المدن وأكثرها ماء وأحسنها بنايات ( قصور ، منازل ، حمامات ) يقول ابن حوقل : "أنها مدينة محصنة ...لها عيون كثرة .
ويقول صاحب كتاب الاستبصار في عجائب الأمصار : ابن زيري بني سورها وحصنها وعمرها ...
وذكر أيضا " بالقرب من المدينة بنيان عظيم عجيب يعرف بمحراب سليمان لم ير بنيان أعظم منه ولا أحكم ، فيه الرخام والأعمدة والنقوش ما يقصر عنه الوصف
وقد اكتسبت المدينة " أشير " شهرة عظيمة فصار يؤمها العلماء والفقهاء والتجار من كل حدب وصوب وانتشر اسمها في جميع أنحاء العالم الإسلامي
وكان الناس فيها لا يتعاملون بالنقود نظرا لتقلص النفوذ الفاطمي كما ذكر ذلك السيد إسماعيل العربي في كتابه " دولة بني حماد " قال : فقد كانوا يبيعون ويشترون بالمقايضة وعلى أساس البقرة والبعير والشاة .
ثم عمد زيري إلى ضرب السكة وبسط العطاء في الجند فكثرت الدنانير والدراهم في أيدي الناس واطمأنت نفوس سكان الحضر والبوادي الأمر الذي جعل المدينة تزدهر اقتصاديا وثقافيا وعسكريا .
يقول ابن خلدون :" كانت من أعظم مدن المغرب واتسعت بعد ذلك خطتها وستبحر عمرانها ورحل إليها العلماء والتجار من القاصية " .
موت زيري بن مناد
لما عزم المعز بن المنصور ألعبيدي على الانتقال إلى مصر أرسل إلى جعفر بن علي أمير ولاية المسيلة ليعهد إليه بأمر افريقية فرفض ولما أصر عليه المعز خرج عن ولايته معتصما بمغراوة وقام هناك بالدعوة الأموية ضد الفاطميين فنشبت الحرب زناته
( حلفاء الأمويين ) وصنهاجة ( حلفاء الفاطميين ) وفيها قتل زيري بن مناد في رمضان سنة 360ه جوان 970م فاحتزت مغراوة رأسه وأرسلته إلى الأندلس عند الحاكم المنتصر الأموي ... ويقول المؤرخ عبد الرحمان الجيلالي :" لما تغلب زاوي بن زيري الصنهاجي على قرطبة سنة 410ه
( 1019م ) نقل رأس والده إلى الجزائر ودفنه مع جسده تاريخ مدينة أشير
من سنة 324هجري ( تاريخ تأسيسها ) إلى تعيين بلكين بن زيري كخليفة للفاطميين على افريقية والمغرب كانت عاصمة الدولة الزيرية وأعظم مدن المغرب الأوسط .
-من تعيين بلكين إلى سنة 398 هجري ( تاريخ تأسيس قلعة بني حماد ) بقيت تلعب دورا هاما في تاريخ المغرب .
-من سنة 398هجري إلى 406هجري قلت أهمية أشير بعد تأسيس القلعة وأصبحت تحت حكم حماد بن بلكين حيث أصبحت مقرا لأحداث هامة
-( حروب ومعارك )
-من 406هجري إلى 434هجري بقيت أشير في حالة سلم . ثم ثار سكانها على القائد حماد فحصرها وفتحها ثم رجع إليها الهدوء ولكن لم يدوم طويلا حيث أن يوسف بن حماد خربها عام 455هجري ثم تراجع إليها الناس وأصبحت مقر ولاية على رأسها يوسف بن الناصر
-في عام 496هجري غازها والي تلمسان بأمر من يوسف بن تاشفين المرابطي وفتحها وخربها .ويضن أنها بقيت بعد ذلك تحت سلطة المرابطين .
-يذكر ابن خلدون بعد سنة 580هجري ( حسب الدراسة التي قام بها الدكتور رشيد بورويبة )
أن قبيلة حصين نزلت بتيطري وهو جبل أشير وملوكه وتحصنوا به مزحين منه الثعالبة الذين كانوا يسكنونها قبلهم وذلك سنة 760هجري ... ثم نسيت ولم بعد المؤرخون يتكلمون عنها .
-وفي القرن 13هجري ( 19ميلادي ) اهتم بها بعض الباحثون فنقبوا عن آثارها وتوصلوا إلى نتائج مرضية
الحفريات كان الكاتب الفرنسي " بيربروجر( BERBRUGGER) " أول من اكتشف المدينة الأثرية في الكاف الأخضر في يوليو 1850م والزيارة الثانية في أغسطس 1852م فوجد بها آثار قصبة في مكان يعرف بمنزه بنت السلطان ، وهو في رأيه يناسب أشير الأولى وشمالي هذا الحصن مكان أخر يكون على قوله أشير الجديدة ويشير هذا الباحث إلى أن مدينة أشير تعني مخلب ( وتطبق على المراكز العسكرية التي هي مثل المخلب )
-وفي سنة 1869م زارها الباحث " شاباسيار فترك لنا تصميم منزه بنت السلطان .
-وفي سنة 1908م زار النقيب رودي بدوره العاصمة الزيرية الأولى " أشير" واكتشف بها ثلاثة مواقع مختلفة :
منزه بنت السلطان وياشير أو أشير والبنية ن حيث يصف لنا منزه بنت السلطان أنه حصن مشيد بالكاف الأخضر على حوالي 10كلم شمالي شرقي مدينة عين بوسيف على قمة صخرة جدرانها قائمة ووعرة ويبلغ ارتفاعها حوالي 1300متر وهي ذات اتجاه جنوبي شمالي يميل إلى الشرق ويساوي طولها 276م وعرضها المتوسط 25م والسور يبلغ سمكه 2م وندخل السور من باب مفتوح في الجدار الغربي ونصل إليه بواسطة سلم وهذا الباب يحميه برج . ويوجد البرج النصف الدائري بالطرف الشمالي للحصن ويشمل على غرفة واحدة كانت تستعمل بدون شك كمقام للحراس أو كمرصد .أما بالنسبة للصهريج فضلعه يساوي 10م وعمقه 1.5م إذن كانت سعته 150.000لترا من الماء وكانت البئر المتصلة به اسطوانية الشكل يبلغ قطرها 2.56م وعمقها 1.50م فكانت سعتها 363لتر ولاحظ النقيب رودي على حوالي 200م من منزه بنت السلطان عينا معروفة بدالية بن عزوز ماءها بارد وعذب أما الموقع الثاني الذي اكتشفه رودي كان أشير فيقع على حوالي 12كلم شمالي شرقي مدينة عين بوسيف ، فتقع على هضبة تنحدر قليلا نحو الجنوب ، ويحيط بها سور يبلغ سمكه 2م مبني بأحجار صغيرة .أما الموقع الثالث هو البنية ، وتفصله مسافة 2500م عن الموقع الثاني "ياشير"ومساحتها 35هكتار محاطة بسور يساوي سمكه 2م ويضيف مالا حظه فيها إلا آثار بناء مستطيل واحد يبلغ طوله 21م وعرضه 19م به بئر يساوي سمكه 1.5م حيث كان هذا البناء حماما .
- وفي سنة 1912م زار أشير الباحث (جورج مارسي ) وأكد المعلومات التي جاء بها سابقه "رودي" ماعدا فيما يخص البناء المستطيل الموجود بالبنية والذي كان في رأيه مسجدا وليس حماما . وفي سنة 1954م وحتى 1956م قام الباحث (لوسيان قولفان ) "GOLVIN / L " بحفريات فسمحت له أن يدرس وبدقة مدينة البنية التي ألقي عليها اسم بلكين . حيث يقول أن أشير بلكين أو البنية لها شكل مستطيل ويبلغ طولها 800متر تقريبا وعرضها يتراوح مابين 400و450متر وكانوا يدخلون فيها من باب ذي مضلة مفتوح في الجدار الغربي ، والى هذا البناء المستطيل يضاف حصين داخل حصن ( للدفاع ) شكله شكل ركن الصخرة الذي بني عليه وهذا الحصين محاط هو أيضا بسور وفي قسمه العلوي لاحظ قولفان وجود برج مستدير يمكن أن يكون برج للإشارات ، وكان برج أخر من هذا النوع موجودا بالزاوية الشمالية الشرقية للسور
القصـــــر الزيـــــري
أ- الهندسة المعمارية للقصر قصر زيري بأشير عبارة عن مجموعة من الحجارة الموجودة في ساحة كبيرة تقدر ب 72م طولا و40م عرضا ، هذا الجدار محصن ومدعم بواسطة ركائز دعائمية ،هذه الركائز موضوعة في استقامة واحدة على طول الساحة .
كما يميز هذا السور بعض البروزات من الجهة الخارجية ، وهذا السور مدعم أيضا بواسطة قواعد كبيرة ومربعة في الزاوية على شكل أبراج مربعة وضعت بتناسق بمراعاة محور الشمال والجنوب ، فوجدت في الجهة الشمالية للقصر قاعة على شكل هندسي متعامد تحدث بروزا هاما على السور الخارجي ، أما في الجهة الشرقية والغربية فيها أربع مساحات ثانوية تتوزع بالتناظر من جهة وأخرى ومحاطة بأربع غرف ، غرفة جميلة مشكلة بروزا على السور الخارجي والغرف الثلاثة الأخرى
أصغر وأضيق من الغرفة الأولى غير إننا نميز في الجهة الجنوبية للقصر رواقا مدعما بصف أعمدة جميل المنظر وحصين البناء بقربها يعتقد أنه كان هناك وجود لمساكن أو قاعات خاصة للحراسة وحمام وغرف أخرى .وعلى مستوى السور الخارجي نجد باب المقدمة الذي يعتبر عنصرا مكملا بحكم دفاعي للقصر والذي يبلغ عرضه 9م وبروزه بالنسبة للسور الخارجي 3.30م يشكل مدخلا لقوس والذي يقدر حجمه 12الى 13م ارتفاعا غير أنه لم يبقي سوى الأساس .
ويتوسط هذا القصر فناء كبير وواسع يبلغ طوله 35م وعرضه 33م . كما وجد رواق صغير يؤدي إلى سلم أو أدراج تؤدي بدورها إلى ساحات أخرى ،ومكان لتصريف المياه . وفي الأخير واجهة الغرفة الرئيسية والتي هي قاعة العرش أو الملك .
ب - الخصائص المعمارية للقصر
إن الظواهر الرئيسية المميزة لهذا القصر نلخصها في مايلي :
1- المحور الرئيسي يخترق القاعة الرئيسية أو قاعة الضيوف والفناء وباب المقدمة .
2- القسم الأمامي لباب المقدمة يحمي المدخل الرئيسي للقصر .
3- المدخل به مسالك ملتوية بقصد تضليل العدو المتسلل للقصر خفية .
4- الجدار المستطيل المدعم في الزوايا وعلى مسافات منتظمة بواسطة دعائم البناء
5- فناء واسع وكبير تحيط به غرف جميلة جدا ووجود على مستوى المحور للمدخل الرئيسي للقصر قاعة العرش .
6- أربعة أفنية أو ساحات ثانوية أخرى محاطة بغرف متعددة
7- غرف بها انفصالات مشكلة بالتالي بروز على مستوى الجدار الخارجي .
بنو زيري بالمغرب
يرجع نسب «بني زيري» إلى قبيلة «صنهاجة» البربرية؛ التي تنتمي إلى فرع من «البرانس»، ولم تكن «صنهـاجـة» مجرد قبيـلة؛ بـل كانت شعبا عـظيـمًا، لا يـكــاد يـخــلو قطر من أقطـار «المغرب» من بطونه وأفراده، مما دفع «ابن خلدون» إلى القول بأنهم يمثلون ثلث البربر.
وقد سكنت «صنهـاجة» في مساحات شاسعة؛ امتدت من «نول لمطه»في جنوب «المغرب الأقصى» إلى «القيروان» بإفريقية، وهى منطقة صحراوية، آثروا السكنة فيها على غيرها من المدن الآهلة، لأنها- كما علل «ابن خـلدون»- تتوافق مع طبـاعهم، ورغبتهم في الابتعـاد عن الاختلاط بالناس، والفرار من الغلبة والقهر.وظهرت أسرة «بني زيري» -في أول أمرهـا- في طاعة الفاطميين، وتعـاونت معهم في صد الأخطـار التي تعرضت لهـا دولتهم بالمغرب،
وكـان أول اتصـال بينهمـا في عهد «المنصور الفاطمي»، حين قدم«زيري بن منـاد» وأهـل بيته وقبيـلته لمحـاربة «أبى يزيد الخارجي»في سنـة (335ه=946م)، فخـلع عـليه «المنصور»، ووصـله، وعقد لعلى أهـل بيته وأتبـاعه وقبيـلته، فعظم شـأنه، وصـار «بنو زيري»أعـوانًا وأتـبـاعًا للفـاطميين، ومن ثَم نشب الصراع بين الصنهـاجيين،وقبـائـل «زناته»، لأن «زناته» كـانت دائمـة الإغـارة على ممتلكات«الدولة الفاطمية».وحين عزم «المعز» عـلى الرحيل إلى «مصر» في سنة (361ه= 97م)للانتقـال إليهـا بخـلافته، وقع اختياره على «يوسف بُلكِّين ابن زيرىبن مناد الصنهاجى» ليتولى الإمارة بالمغرب خلفًا للفاطميين.
1 - يـوسـف بُلكِّيـن بن زيري بن منـاد الصنهـاجـى [362-373ه= 973 -983م]:عـينـه «المـعز» عــلى ولايــة «المغرب»، واستثنـى من ذلك «طرابـلس المـغرب»، و«أجدابيـة» و«سرت»، وعين معه «زيـادة الله ابن القديم»عـلى جبـايـة الأموال، وجعـل «عبد الجبار الخراساني» و«حسين بن خلف» على الخراج، وأمرهما بالانقياد ليوسف بن زيري.واجه «يوسف» عدة ثورات واضطرابـات بـالمغرب، كـان منهـا عصيان أهـل «تهيرت»، ثم سيطرة قبيلة «زناته» على مدينة «تلمسان»، وقد تـوجـه إلى «تـهيرت» بجنوده وأعـادهـا إلى طـاعته، كمـا توجه إلى «تلمسان» وأعادها إلى حكمه في سنة (365ه= 976م).وفــى سـنــة (373ه=984م) خـرج الأمـير «يوسف» عـلى رأس جيوشه لاستعـادة «سجـلمـاسـة» من أيدي بعض الثوار الذين استولوا عـليها،ولكنه أصيب بمرض أودى بحيـاته في شهر ذي الحجـة سنـة (373ه=مايو 984م).
2 - المنصور بن يوسف بُلكِّين بن زيري [373 - 386ه= 984- 996م]:
أوصــى الأمـير «يـوسف بـلكين» قبـل وفـاته بـالإمـارة من بعده لابنه«المـنصـور» الذي كــان بمدينـة «أشير» حين بـلغه خبر وفـاة والده،وأقـبــل عـليه أهـل «القيروان» وغيرهـا من المدن، لتعزيته، وتهنئته بــالولايـة، فـأحسن إليهم وقـال لهم: «إن أبـى يوسف وجدي زيري،
كـانـا يأخذان الناس بالسيف، وأنا لا آخذهم إلا بالإحسان، ولست ممن يُولَّى بكتـاب، ويُعزل بكتـاب»، وقصد «المنصور» من ذلك أن الخـليفة الفاطمي بمصر لا يقدر على عزله بكتاب.وقـد واجـهت «المـنصـور» عدة مشـاكـل، كـانت منهـا غـارات قبـائـل«زناته» المستمرة عـلى المدن المغربيـة في سنـة (374هـ = 985م)،واسـتيــلاء «زيري بـن عـطيــة الزنــاتــى» عــلى مدينتي «فـاس»و«سجلماسة»، مما دفع «المنصور» إلى إرسال أخيه «يطوفت» على رأس جيش كبير لمواجهة هذه القبائل، ودارت معركة كبيرة بين جموع الفريقين، أسفرت عن هزيمة
الصنهاجيين، وعودتهم إلى «أشير».ثـم تـصدى الأمـير «المـنصـور» في سنـة (376ه= 986م) لعمه «أبـى البهـار» الذي نهب مدينـة «تهيرت»، ففر «أبو البهـار» أمـامه ودخل " المنصور" المدينة، وأعاد إلى أهلها الأمن والهدوء.ثم تُوفى في يوم الخميس(3 من ربيع الأول سنة 386ه=مارس 996م)،ودُفن بقصره.
3 - باديس بن المنصور [386- 406ه= 996-1015م]:وُلد «باديس» في سنة (374ه=985م)، وتكنى بأبي مناد، وخلف أباه عـلى «المغرب» في سنة (386ه=996م)، وأتته الخلع والعهد بالولاية من «الحـاكم بـأمر الله الفاطمي» من «مصر»، وبـايع للحاكم، وأعلن
تبعية بلاده لخلافته، ثم أقطع عمه «حماد بن يوسف» مدينة «أشير»،وولاه عـليهـا، وأعطـاه خيـلا وسلاحًا، وجندًا كثيرًا، فكانت هذه هي نقطة البداية لانقسام «بني زيري» إلى أسرتين:
تحكم إحداهما بالمغرب الأدنى في «ليبيا» و«تونس»، وتحكم الأخرى- أسرة «بني حمـاد» - في «الجزائر»، متخذة من قـلعة «بني حماد»مقرا للحكم. وانفرد «بنو حمـاد» بـإقليم «الجزائر»، نظرًا لضعف قبضة الأمير «باديس» على البلاد.وقد واصـل «بـاديس» مطاردة «زناته، وأُخبر في سنة (387ه= 997م)بـأن «زيري بن عطية الزناتى» قد اعتدى على مدينة «أشير»، فبعث
إليـه بـجيـشه لمـواجـهتـه، ولكـن الجـيش هُزم عــلى أيدي الزنـاتيين،فـاضطر الأمير «بـاديس» إلى الخروج بنفسه لمواجهتهم في «أشير»،فــلمــا عــلم الزنـاتيون بذلك انطـلقوا إلى الصحراء، وتركوا المدينـة،فدخلها «باديس»، وأقر الأمور بها، ثم مات في سنة (406ه= 1015م).
4 - المعز بن باديس [406 - 453ه= 1015 - 1061م]:أُخـذت البيعـة للمعز بمدينـة «المحمديـة»، وتولى الأمر يوم وفـاة أبيه وفرح النـاس بتوليته لمـا رأوا فيه من كرم ورجـاحـة عقـل، فضـلا عن تواضعه، ورقة قلبه، وكثير عطائه، على الرغم من حداثة سِنه.وقـد حدثت في عهده بعض التطورات، حيث ألغـى المذهب الشيعي،وخـلع طـاعـة الفـاطميين، ودعـا عـلى منابره للعباسيين، وتصالح مع أبـنــاء عـمومـته الحـمـاديين سنـة (408ه= 1017م)، وواصـل مطـاردة«قبائل زناته» جهة «طرابلس»، في أبناء «حماد».ثم أُصيب «المعز بن بـاديس» بمرض في كبده أودى بحيـاته في سنة(453ه= 1061م)، بعد حكم دام سبعًا وأربعين سنة.
5 - تميم بن المعز بن باديس [ 453-501 هـ = 1061 - 1108م ]:وُلد بــالمـنصـوريـة في منتصف رجب سنـة (422ه= يونيو 1031م)، ثم تــولى إمــرة «المــهديـــة» في عـهد والده «المـعز» في سـنـــة (445ه=1053م)، ثم خـلف والده في الإمارة في سنة (453ه= 1061م)،
فـواجـه عددًا من الاضطرابـات والقـلاقـل، حيث سيطر العرب الهـلاليون عـلى كثير من منـاطق «إفريقيـة»، وثـار عـليه أهل «تونس» وخرجوا عـن طـاعته، فـأرسـل إلى «تونس» جيشًا، حـاصرهـا سنـة وشهرين،فـلمـا اشتد الحصـار على الناس، طلبوا الصلح، وعاد جيش «تميم» إلى«المهديـة»، ثم ثـارت عـليه مدينـة «سوسـة» فحاصرها وفتحها عنوة، وأمن أهلها على حياتهم.وقـد تعرضت «المهديـة» في عهده لهجمـات الهـلاليـة، لكنه تمكن من صدهم، ثم حـاصر «قـابس» و«صفـاقس»، واستولى عـليهما من أيدي الهـلاليـة الذين كـانوا يحتلونهما. وعمد إلى مهادنة أبناء عمومته في «الجزائر»، وزوج ابنته للنـاصر بن عـلنـاس أمير «الجزائر»، وأرسـلها إليه في موكب عظيم، محمـلة بـالأموال والهدايـا. ثم تُوفـى في سنة(501ه= 1107م).
6 - يحيى بن تميم بن المعز بن باديس [501 - 509ه= 1107- 1115م]:ولد بــالمـهديــة في (26 من ذي الحجـة سنـة 457هـ)، وولى الإمـارة وعمره ثـلاث وأربعون سنـة وستة أشهر وعشرون يومًا، فوزَّع أموالا كثيرة، وأحسن السيرة في الرعيـة، ثم فتح قـلعـة «أقـليبيـة»
التي استعصـى عـلى أبيه من قبـل فتحهـا، كمـا جهز أسطولاً كبيرًا، كان دائم الإغـارة على الجزر التابعة لدولة الروم في البحر المتوسط، ومات فجأة في يوم عيد الأضحى سنة (509هـ - 1115م
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire