بمناسبة مرور 140 سنة على ميلاد العلاّمة الدكتور محمد بن أبي شنب إبن مدينة المدية ، و بهدف إعادة إحياء الفكر الحداثي للعلامة و الحفاظ على التراث الوطني، صدر هذا الشهر بالإضافة الى كتاب " كتابات محمد بن شنب " كتابين آخرين و هما:
1 – الكلمات التركية و الفارسية الباقية في العامية الجزائرية
صدر هذا الكتاب للمرة الأولى سنة 1922 بالجزائر ، و يعد رسالة الدكتوراه المكملة للشيخ بن شنب حيثيبقى هو الوحيد في هذا المجال الى اليوم من حيث الموضوع و النوعية. حيث يعد كجسر بين الماضي و الحاضر بطريقة مباشرة و غير مباشرة للقيم المكونة للشخصية الثقافية للجزائري الآن.
يحتوي الكتاب على أكثر من 600 كلمة تركية و فارسية لا تزال مستعملة في العامية الجزائرية.
حيث جمعت من مصادر مختلفة و رتّبت ترتيبا أبجدياوشرحت الى اللغة الفرنسية .
تخص هذه الكلمات مختلف مجالات الحياة اليومية كاللباس، الغذاء ومختلف المهن و الأدوات و حتى الألفاظ العسكرية و البحرية.
الكتاب من الحجم المتوسط ،96 صفحة ،من تقديم الدكتور الهادي بن شنب .
نشر'' دار فليتس للنشر'' المدية .
2 – تحفة الأدب في ميزان أشعار العرب
يتناول الكتاب في مدخله تعريف شامل لعلم العروض ثم تحديد مفهوم الشعر، كما يعرف القصيدة ليصل إلى تركيب البيت الشعريو يختمه ببحور الشعر السبعة.
يمتاز هذا الكتاب بالبساطة في الطرح مع الذكاء في تناول بعض الآراء التي قام حولها الجدل .
لا تمر مناسبة يتحدث فيها الشيخ عبد الرحمن جيلالي عن الشيخ بن شنب إلا و يتكلم عن "تحفة الأدب في ميزان أشعار العرب . حيث قال فيه " هو كتاب فريد في بابه و حيد في فنه ،لم يؤلف مثله من حيث الجمع و الإتقان و الضبط مع و فرة المادة و كثرة الأمثلة".
كتابموجه لكل من الطلبة و الاساتذة و الباحثين لتسهيل دراسة الشعر و علم العروض و أوزان الشعر العقدة، حيث يمتاز بالوضوح و المنهجية.
الكتاب من الحجم المتوسط ،160 صفحة ،من تقديم الدكتور محمد زوقاي.
يعتبرالأمير عبد القادر من كبار رجال الدولة الجزائريين في التاريخ المعاصر، فهو مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة ورائد مقاومتها ضد الاستعمارالفرنسي بين 1832 و 1847. كما يعد أيضا من كبار رجال التصوف والشعروعلماء الدين . وفوق كل ذلك كان داعية سلام وتآخي بين مختلف الأجناسوالديانات وهو ما فتح له باب صداقات وإعجاب كبار السياسيين في العالم.
هو عبد القادر بن محي الدين بن مصطفى أشتهر باسم الأمير عبد القادرالجزائري .ولد يوم الجمعة 23 رجب 1222هـ/1807م بقرية القيطنة الواقعةعلى وادي الحمام غربي مدينة معسكر، وترعرع في كنف والديه حيث حظيبالعناية والرعاية .
2- المراحل
مرحلةالنشأة والتكوين :1807-1832:،حيث تمثل السنةالأولى ميلاده بينماترمز الثانية الى توليه إمارة الجهاد. قضى هذهالمرحلة في طلبالعلم سواء في مسقط رأسه بالقيطنة أين حفظالقرآن الكريم أو فيآرزيو ووهران حيث تتلمذ على عدد من شيوخالمنطقة وأخذ عنهم مبادئالعلوم الشرعية واللغوية و التاريخوالشعر،فصقلت ملكاته الأدبيةوالفقهية والشعرية في سن مبكرة من حيـاتـه.
وفي عام 1823 زوجه والده من لالة خيرة وهي ابنة عم الأمير عبدالقـــادر، سافر عبد القادر مع أبيه إلى البقاع المقدسة عبر تونس،ثم انتقل بحرا إلى الاسكندرية و منــها إلى القاهرة حيث زارالمعالمالتاريخية وتعرف إلى بعض علمائها وشيوخها وأعجببالإصلاحاتوالمنجزاتالتي تحققت في عهد محمد علي باشا والي مصر. ثمأدى فريضة الحج،ومنها انتقل إلى بلاد الشام لتلقي العلم علىيد شيوخ جامع الأمويين. ومن دمشق سافر إلى بغداد أين تعرف على معالمها التاريخية واحتكبعلمائها ، ووقف على ضريح الولي الصالح عبد القادر الجيلاني مؤسسالطريقة القادرية، ليعود مرة ثانية إلى البقاعالمقدسة عبر دمشقليحج. وبعدها رجع مع والده إلى الجزائر عبرالقاهرة ثم إلى برقةومنها إلى درنة وبنغازي فطرابلس ثم القيروانوالكاف إلى أن وصلاإلى القيطنة بسهل غريس في الغرب الجزائري .
المرحلة الثانية :1831 -1847
وهي المرحلة التي ميزت حياة الأمير عن بقية المراحل الأخرى لماعرفتــه من أحداث جسام وإنجازات وظف فيها قدراته العلمية وحنكتهالسياسية والعسكرية فلم تشغله المقاومة- رغمالظرف العصيب -عنوضع ركائز و معالم الدولة الحديثة لما رآه من تكامل بينهما .
فبعد سقوط وهران عام 1831 ،عمت الفوضى و اضطربت الأحوال مما دفعبشيوخ وعلماء ناحية وهران إلى البحث عن شخصية يولونها أمرهم، فوقعالاختيار على الشيخ محي الدين والد عبد القادر،لما كان يتسم بهمن ورع وشجاعة ،فهو الذي قاد المقاومة الأولىضد الفرنسيين سنة 1831- كما أبدى ابنه عبد القادر شجاعة وحنكة قتالية عند أسوارمدينة وهران منذ أول اشتباك له مع المحتلين - اعتذر الشيخ محيالدين لكبر سنه و بعد الحاح من العلماء و شيوخالمنطقة رشح ابنهعبد القادر قائلا: …ولدي عبد القادر شاب تقي،فطن صالح لفصل الخصومو مداومة الركوب مع كونه نشأ في عبادة ربه،ولا تعتقدوا أني فديتبه نفسي ،لأنه عضو مني وما أكرهه لنفسي أكرههله …غير أني ارتكبتأخف الضررين حين تيقنت الحق فيما قلتموه ،معتيقني أن قيامه بهأشد من قيامي و أصلح …فسخوت لكم به…".رحبالجميع بهذا العرض،وفي 27 نوفمبر 1832 اجتمع زعماء القبائل والعلماء في سهل غريسقرب معسكر وعقدوا لعبد القادر البيعة الأولى تحت شجرة الدردارةوأطلق عليه لقب ناصر الدين، ثم تلتـها البيعةالعامة في 4 فبراير 1833.
في هذه الظروف تحمل الأمير مسؤولية الجهاد و الدفاع عن الرعيــةو ديار الإسلام وهو في عنفوان شبابه. وما يميز هذه المرحلة،انتصاراتهالعسكرية و السياسية- التي جعلت العدو الفرنسييتـــردد في انتهاجسياسة توسعية أمام استماتة المقاومة في الغربو الوسط ، والشرق . أدرك الأمير عبد القادر منذ البداية أن المواجهة لن تتم إلابإحداث جيش نظامي مواظب تحت نفقة الدولة .لهذاأصدر بلاغا إلىالمواطنين باسمه يطلب فيه بضرورة تجنيدالأجناد وتنظيم العساكرفي البلاد كافة.فاستجابت له قبائل المنطقةالغربية و الجهة الوسطى،و التف الجميع حوله بالطاعة كون منهم جيشانظاميا سرعان ما تكيفمع الظروف السائدة و استطاع أن يحرز عدةانتصارات عسكرية أهمهامعركة المقطع التي أطاحت بالجنرال تريزيل والحاكم العام ديرليونمن منصبيهما.
أما سياسيا فقد افتك من العدو الاعتراف به ،والتعامل معه من موقعسيادة يستشف ذلك من معاهدتي ديميشال 26 فبراير 1834، والتافنةفي 30 ماي 1837.إلا أن تغيرت موازين القوى،داخليا وإقليميا أثرسلبا على مجريات مقاومة الأمير فلم يعد ينازلالفرنسيين فحسب بلانشغل أيضا بأولئك الذين قصرت أنظارهم، فتوالتالنكسات خاصة بعدأن انتهج الفرنسيون أسلوب الأرض المحروقة، كماهي مفهومة من عبارةالحاكم العامالماريشال بيجو: "لن تحرثوا الأرض، وإذا حرثتموهافلن تزرعوها ،وإذا زرعتموها فلن تحصدوها..."
كان لهذه السياسة أثرها الواضح في تراجع قوة الأمير، لاسيما بعدأن فقد قواعده الخلفية في المغرب الأقصى، بعد أن ضيق عليه مولايعبد الرحمن سلطان المغرب الخناق متحججابالتزامه بنصوص معاهدة "لالامغنية" وأمر جنده بمطاردة الأمير وأتباعه بمافيه القبائل التي فرت إلى المغرب من بطش جيشالإحتلال.
مرحلة المعاناة والعمل الإنساني : 1848 - 1883
تبدأ هذه المرحلة من استسلام الأمير عبد القادر إلى غاية وفاته. ففي 23 ديسمبر 1847 سلّم نفسه بعد قبول القائد الفرنسي لامورسيربشروطه،ونقله إلى مدينة طولون، وكان الأميريأمل أن يذهب إلى الإسكندريةأو عكا كما هو متفق عليه مع القادة الفرنسين،ولكن أمله خاب ولميف الفرنسيون بوعدهم ككل مرة، عندها تمنىالأمير الموت في ساحةالوغى على أن يحدث له ذلك وقد عبّر عن أسفههذا بهذه الكلمات "لوكنا نعلم أن الحال يؤدي إلى ما آل إليه، لم نترك القتال حتى ينقضيالأجل". وبعدها نقل الأمير وعائلته إلىالإقامة في "لازاريت" ومنها إلى حصن "لامالغ" بتاريخ 10 جانفي 1848 ولما اكتملعدد المعتقلين من أفراد عائلته وأعوانه نقلالأمير إلى مدينة "بو" PAU في نهاية شهر أفريل من نفس العام، ليستقر بها إلى حين نقلإلى آمبواز . في 16 أكتوبر 1852 ، وهي السنةالتي أطلق فيها نابليونالثالث صراحه.
استقر الأمير في استانبول ، وخلال إقامته زار ضريح أبي أيوبالأنصاريو وقف في جامع آيا صوفيا، الا أنه فضل الإقامة في مدينة بورصةلتاريخها العريق ومناظرها الجميلة ومعالمهاالأثرية، لكنه لم يبقفيها طويلا نتيجة الهزات الأرضية التي كانتتضرب المنطقة من حينلآخر ،فانتقل إلى دمشق عام 1855 بتفويض منالسلطان العثماني وفيهاتفرغ للقراءة والتصوف والفقه والحديثوالتفسير. وأهم المواقف الإنسانيةالتي سجلت للأمير، تصديه للفتنة الطائفية التيوقعت بين المسلمينوالمسحيين في الشام عام 1860. و تحول الأميرإلى شخصية عالميةتحظى بالتقدير و الاحترام في كل مكان يذهبإليه حيث دعي لحضوراحتفال تدشين قناة السويس عام 1869. توفي يوم 26 ماي 1883 في دمرضواحي دمشق عن عمر يناهز 76 سنة، دفن بجوار ضريح الشيخ محي الدينبن عربي الأندلسي، نقل جثمانه إلى الجزائر فيعام 1966.
من مؤلفاته :
1/ذكرىالعاقل وتنبيه الغافل.
2/المقراضالحاد (لقطع اللسان منتقص دين الإسلام بالباطل والإلحاد.
3/مذكراتالأمير عبد القادر.
4/المواقففي التصوف والوعظ والإرشاد
كانت المدن الجزائرية منذ القرن 18م في انحطاط مستمر ، فقدت نشاطها وحضارتها وخلت من عدد كبير من سكانها، فالجزائر مثلا كانت من أعظم الأمصار في القرن 17(100000) نسمة ولم يبق فيها إلا 30 ألف نسمة حوالي سنة 1830م ،وافتقرت وهران واقفرت من أهلها وأصبح هؤلاء 900 ن . وكذلك شأن تلمسان منذ استيلاء الأتراك عليها (155) ، أما المدية فإنها مع قلة عدد سكانها (يتراوحون بين 400 و500 ن) فقد حافظت على أهميتها وعلى دورها السياسي والإقتصادي ، فهي عاصمة بايلك التطري ، وهي قاعدة عدد كبير من الأتراك والكلغان ، وهي في طريق تجاري بين الجنوب والشمال .
الحملة الفرنسية الأولى على المدية :
من نتائج ثورة جوليت 1830 في فرنسا أن جيشها هنا أصبح يشعر بعدم مبالاة القادة والساسة بشؤونه وأصبح الجزائريون بعد سقوط شارل العاشر(charles X) يتوقعون انسحاب الفرنسيين من أرضهم ، وتساءل الجنود ما فائدة احتلال الجزائر العاصمة وحدها .
وعين كلوزيل clauzel في سبتمبر 1830 إلى فيفري 1831م ، فكانت سياسته ترمي إلى أهداف ثلاثة :
*بقاء الفرنسيين في الجزائر العاصمة.
*إنشاء إدارة فرنسية للأماكن المحتلة.
*التوغل داخل البلاد حتى يكون للمعمرين قواعد ثابتة لا ينازعهم فيها أحد ، لاسيما وأن الرأي العام الجزائري بدأ يميل ألى المقاومة مثلا :
استمال بومزراق الأتراك ،وهاجم ابنه القوافل الفرنسية عدة مرات.
وهاهو بن مزمون قائد فليسة يعلن عن عدم رضوخهللفرنسيين.
فقرر كلوزيل clauzel حملة علىالمدية (التي هي في نفس الوقت حملة استطلاع) ، لماذا ؟ ليتخلى المسلمون عن كل أمل في انسحاب فرنسا من الجزائر ولرفع معنوية الجيوش ولمعاقبة باي المدية الذي كان في نظرهم رمز المقاومة ، وأخيرا لأن المدية تحكم مع البرواقية طريق الجنوب ،فخرج الفرنسيس من الجزائر في 17/11/1830 في 10000 جندي ودخلوا البليدة ونهبوها نهبا وكانت المقاومة شديدة ، ثم استولوا على ثنية مُزايا Mouzai ثم دخلوا المدية في 22/11/1830 فعزلوا بومزراق وعينوا بايا آخر هو مصطفى بن الحاج عمر ، ثم عادوا إلى الجزائر .
وكان سلطان المغرب مولاي عبد الرحمان قد احتل تلمسان وجعل على رأسها مولاي علي ،إلا أن الأهالي ثاروا على السلطان وطردوا ممثله فبعث مولاي عبد الرحمان قائدين للدوائر كانا معتقلين بفاس فجمعا جيوشا ونصبا ممثلين للسلطان العلوي ، أحدهما في مليانة والآخر في المدية ، ولم يطل نفوذ السلطان هنا وعاد برتوزين Berthezene إلى المدية ودخلها في 29 جوان 1831م.
عهد الأمير عبد القادر:
كان الأمير بعد تأهبه للمعركة (بعد 1834) يفكر في ضرورة توسيع دولته من الناحية الشرقية بضم التطري والمدية وبالاستيلاء على مليانة حتى يتمكن من محاربة الأجانب .
ففي 1835 دخل مليانة ونصب أخاه الحاج محي الدين الصغير على رأسهاثم فكر في المدية وكان عالما بأهميتها الجغرافية والاستراتيجية (هي في طريق الجزائر والجنوب وهي قاعدة ستنطلق منها غارات على النواحي الشرقية ، وهي حصن يحمي الناحية الغربية) .وكانت نواحي المدية خاضعة لنفوذ ولي من أولياء درقاوة هو :
الحاج موسى الدرقاوي : الذي أعلن الجهاد على النصارى فقدم الى المدية في أفريل 1835وطلب من سكانها أن يسلموا له يهود المدية وأباضييها فامتنع السكان ، ثمصالحوا هذا الشيخ وسمحوا له بدخول المدية ومنها انطلق على حماره لقتال الفرنسيس (فسمي "بوحمار") ولم يرض الأمير بغيره ليتزعم الجهاد ، ونزل عبد القادر من مليانة في 20 أفريل 1835م واصطدم بالحاج موسى في حوش عمورة على 12 كيلومتر من لربعة بني جندل ، وانهزم الحاج موسى فمكنه هذا النصر من فتح المدية وعين خليفة له بها :محمد بن عيسى البركاني ، وأعدم أنصار الحاج موسى ثم عاد إلى معسكر ، وقبل مغادرته المدية استقبل الأمير مبعوثا فرنسيا وهو القبطان Capitaine St Hippolyte الذي جاء ليهنئه ويسلمه بعض الهدايا .
وتعكر الجو بينه وبين الفرنسيس فكان الأمير يغزو القبائل المبايعة لفرنسا وكان كلوزيل clauzel يغزو القبائل المناصرة لعبد القادر وهكذا عاد كلوزيل مرة أخرى إلى المدية في مارس 1836 ليفرض على السكان الباي "محمد بن حسين" الذي عينته السلطة الفرنسية ، فكان رد فعل الأمي سريعا فهاجم أنصاره المدية واستولوا على المدينة وبعثوا الباي إلى وجدة حيث قتل ، لكن في 7 أفريل 1836 دخل دي ميشال Desmichelas المدية من جديد .
وتطور الوضع شيئا فشيئا وعاد الأمير إلى وادي شلف سنة 1837 ، ثم إلى المدية وألقى القبض على 80 من الكرغلان ، وبعث بهم إلى مليانة ، وفي أثناء إقامته بالمدية ، استقبل الأمير أعيان البليدة ثم نصب بعد ذلك أخاه "الحاج مصطفى" خليفة له على المدية .
ثم زحف أول ديسمبر 1837 إلى أولاد المختار جنوب المدية ، وكان يوجد بهم رجل يدعى "الحاج عبد الله " أتى من المغرب الأقصى وتنبأ وادعى أنه المهدي ، فوقع هذا في قبضة الأمير ، فبعثه إلى سلطان المغرب الذي كان في طلبه ، ولكن خصوم الأمير مثل الدواير والعبيد وناخة وأولاد نايل وأولاد المختار ، لا زالوا يتربصون الفرص واضطر الأمير إلى غزو زناجة جنوب بوغار مدو 3 أيام حتى النصر ، وفي المدية توجه الأمير لمحاربةالزواتنة وهم كرغلان نزلوا وادي الزيتون غرب يسر ثم عاد إلى المدية ، وبهذا استقبل مبعوث الوالي فالي valée لمباحثة موضوع معاهدة تافنة ، كما استقبل بها "الحاج عيسى الأغواطي" فعينه خليفة على الأغواط ، وكان كلاهما ضد زاوية التيجانيّة عين ماضي ، قبل نهوضه لمحاربة الشيخ التيجاني ، بعث الأمير كرغلان المدية إلى تاقدمتوكان بتوقع فيهم الميل إلى فرنسا ، وفي طريقه إلى عين ماضي ، اختط حصن تازا في الجنوب الغربي للمدية .
وعندما دخلت حكومة الامير في عصرها الذهبي وبلغت سلطته أقصى ما عرفه ، قرر أن تكون المدية مقر الخليفة ، وعين "البَرْكاني" فيها ، وأصبحت المدية مع تلمسان ومعسكر ومليانة ، عبارة عن جبهة تساير الساحل ، وتقف في وجه العدو . وفي نوفمبر 1839 رجع عبد القادر إلى المدية ليستأنف الحرب ، فكانت المدينة عاصمة دولته ، فتوجه إليها الأعيان والأنصار ، ونشبت الحرب ولعب خليفة مليانة (وهو بن علال ولد سيدي علي مبارك ) وخليفة المدية (وهو البَركاني) دورا هاما مثل تعطيل مواصلات العدو ، وقطع الماء على معسكر والبليدة .
الاحتلال الفرنسي للمدية :
قرر الوالي العام فالي valée احتلال المدية وليانة ، فدخل عاصمة التيطري في 17 ماي 1940 ، فوجدها خالية من أهلها الذين كانوا قد غادروها فعززها وحصنها ، وترك بها حامة بقيادة الجنرال "دو فيفي" Duvivier ، إلى أن قدم إليها "بوجو" Bugeaud في 1 أفريل 1841 ، ففر البَركاني إلى الجنوب بعد ما خانه أعوانه وفارقه جنوده (إلى ضواحي شرشال) وفي 1842 الدائرة العسكري بالمدية التي كلفت بالقبض على "زمالة الأمير " (تلك العاصمة المتنقلة في الجنوب) .
ثم كان دخول المعمرين إلى المدية وضواحيها ( في 1847بلغ عددهم 2322 ن) وأصبحت المدية بعد 1850 تحت الحكم المدني ، فكان يتصرف بشؤونها مندوب مدني ، وبدأت الجاليات الزراعية تنزل بضواحي المدية كـ لودي lodi ودمياتDamiette في جانفي 1853 ، وبسطت السلطات الفرنسية نفوذها شيئا فشيئا ، وهكذا قررت في جوان 1854 أن تكون المدية بلدية على رأسها شيخ منتخب ، كما قررت إحداث نيابة العمالة في 1858 ، واستمر عهد الاحتلال .
مدينة جنوب الجزائر 85 كلم، تقع على سهول متيجة، عاصمة منطقة التيطري.
يبدأ تاريخ المدينة مع الرومان، دلت الحفريات على وجود المدينة الرومانية الت يكانت تسمى مديكس، بالقرب منالموقع الحالي للمدينة. مرت المدينة بعدها بفترة مجهولة رغمة كونها محطة مهمة على الطريق الرباط بين جهتي الشرق والغرب في شمال إفريقية.
أعاد الزيريون بنائها -بلكين بن زيري - ح 950 م. مع مدينتي مليانة و الجزائر على أنقاض المدينة القديمة. و أخذت اسمها المدية من إحدى قبائل صنهاجة الضاربة بالمنطقة ؟؟؟؟ أعاد السلطان يوسف بن تاشفين ح 1155 م. بناء الساقية التي أنشأها الرومان. ابتداءا من القرن الثالث عشرخضعت المدية و ماحولها لسيطرة قبيلة أولاد منديل المغراوية. سنة 1289 م. تمكن السلطان الزياني عثمان بنيغمراسن من الإستيلاء على الورشنيس و ضرب حصار على المدينة التي كانت سيطرة أولاد عزيز من أبناء توجين ثن استولىعليها.
سنة 1303 م. سقطت المدينة في يدي السلطان المريني أبو يحي، و بني بها القلعة المشهورة. عادت المدينة سنة 1366 م. لبستردها أبو زيانسلطان بني عبد الواد.
بدأت المدينة عهدا جديدا مع قدوم الأتراك و إنشاء إيالة الجزائر. قسم حسان باشا البلاد إلى ثلاث مناطق و جعلالمدية عاصمة بايليك التيطري في الوسط. و عين أول باي للمنطقة سنة 1547 م. بعد دخول الفرنسيين المنطقة جرت محاولات أولى للتوغل إلى المنطقة بقيادة دامريمون، إلا أن الباي بومرزاق أحبطها ودفع بالقرات إلى التراجع حتى الساحل.
عبئت حملة ثانية في نوفمبر 1830 م. قوامها سبعة آلاف رجل بقيادة الماريشالكلوزيل. و بعد اجتيازه موزاية دخل في معارك مع قوات الباي، استطاع بعدهاأن يرغم الباي بومرزاق على الإستسلام. و أخيرا دخلت القوات الفرنسيةالمدية في 21 الشهر ثم عين المارشيل على المدية الباي عمر من قبله. معقدوم جنرال جديد على رأس القوات الفرنسية عين هذا الأخير الباي محمد بنحسين من قبله بعد خلعه الباي السابق و اقتياده إلى الجزائر.
سنة 1836 م. استولى قائد الأمير عبد القادر في المنطقة على المدية. دخلتالمدينة في دولة الأمير بعد معاهدة التافنة 1837 م. بقيت المدينة مركزاللمقاومة حتي تاريخ سنة 1840 م. تاريخ دخول الفرنيين المدينة مجدداً.
المبحث الأول: أسباب الحملة الفرنسية على المدينة.
قبل البدء في الحديث عن أسباب الحملة الفرنسية على مدينة الجزائر يجبعلينا أن نشير إلى أمر بالغ الأهمية، وهو أن الحملة ترعرعت في أذهانالملوك الفرنسي ابتدءا من "هنري الرابع" مرورا ب "لويس 14" و "نابوليون"،لقد كانوا جميعا يرغبون في تأسيس إمبراطورية استعمارية مترامية الأطراف ،وهذا ما يفسر الإصرار الكبير ل"نابوليون" لاحتلال الجزائر لما أوفد جاسوسه "بوتان" عام 1808م بمهمة التجسس قصدا إعداد تقرير لتحضير الترتيباتلاحتلال الجزائر، وتمكن هذا الأخير من تقديم دراسة راقية، حيث تكمن بدقةمن معرفة وضع الداي وقوة الجيش العثماني .
أ- السبب المباشر:
جل المؤرخين الأوربيين يتخذون من حادثة المروحة سنة 1827م، السبب المباشرالرئيسي لاحتلال فرنسا للجزائر، وقبل الحديث عن هذه الواقعة، نحاول العودةقليلا إلى الوراء لمعرفة هذه الحادثة والتي أدت إلى القطيعة التامة بينالطرفين.
يعود سبب القطيعة إلى مسألة القمح التي ظلت مفتوحة ومعلقة لعدة سنوات،وبدأت تظهر سوء نية فرنسا اتجاه الجزائر بعد أن ساعدتها في الأوقات الحرجةوقد سمحت التجارة الخارجية للمدينة خاصة تجارة القمح التي كانت بيدالتاجرين اليهود يين "بيكري" و "بوشناق" الذين استغلوا فرصة حصار انجلترالفرنسا، وأرسلوا كميات كبيرة من القمح إلى فرنسا ، وباعوها بخمسة فرنكاتللكيلة الواحدة التي لم تكلفهم سوى أربعة فرنكات، وهكذا تحصلوا من نلكالشحنات على ثلاث ملايين وسبعمائة وخمسين ألف فرنك، هكذا أصبح ثمن القمحدينا بين الداي والحكومة الفرنسية ،أعلن "بكري" و "بوشناق" سنة 1800 م أنالديون بلغت 07 ملايين من الفرنكات، وقد نجح اليهوديان في إقناع فرنسا علىتسديد قسط من الديون، وتدخل "تاليران" وزير الخارجية الفرنسي فدفعت قسطالليهوديين سنة 1819م قيمته 7 ملايين فرنك ، ولذلك قال "بوخوص" في "تاليران" ما يلي: «لو لم يكن الأعرج، وهو يشير إلى تاليران ملك يدي ماكانت استطيع أن افعل شيء في باريس ». وهكذا هذه الصفقة الغادرة في خسارةالطرفين أموالا طائلة .
وقد وافق الداي حسين على هذه التسوية في أمل تسديد فرنسا لهذا الدين فياقرب وقت، لكن فرنسا تناست حقوق الداي، ففي ماي 1820م أعلن الداي ما يلي: «ان الحكومة الفرنسية قد نفذت جميع التزاماتها بعد انتفاضة أكتوبر 1819م » . ولم يكن للداي أي شيء من بطء هذه الإجراءات، فقد اتضح للداي حسين أنهناك مؤامرة كان القنصل "ديفال" طرفا فيها، ورأسها في باريس هو "تاليران"،اخذ الداي يرسل إلى الحكومة الفرنسية عدة رسائل يشكو فيها قائلا: « استطيعرد هذا المبلغ إلى فرنسا في مدة أربع وعشرين ساعة في حالة ما ذا كان أحدرعايا مدنيا لملك فرنسا» . واصل الداي إرسال البرقيات لكن دون جدوى وهذاما دفع بالداي إلى فقدان صبره لعدم تلقيه أجوبة من الحكومة الفرنسية.
وبمناسبة عيد الفطر من عام 1243ه الموافقة ل 1828م جاء السيد "ديفال" عشيةيوم العيد ليؤدي زيارته كما جرت العادة فاخبره الداي عن الرسائل التي بعثبها إلى ملك فرنسا في شأن أداء الدين بقي في ذمته الدولة الفرنسية في خصوصقضية بكري وبوشناق.
كان جواب القنصل في منتهى الوقاحة فقال له: « إن حكومتي لا تتنازل لإجابةرجل مثلكم» أراد القنصل من كلامه هذا استفزاز وتحقير الداي، وهذا ما أكدهالقنصل الأمريكي "وليام شالر" الذي كان من بين الحاضرين، ويؤكد أن القنصلتعمد الوقاحة وافتزاز الداي لاستدراجه لإهانته وهذا ما مس كرامته الدايلدرجة انه لم يتمالك نفسه من الغضب وضربه بمروحيته "منشة الذباب" كانتبيده على وجهه، وهذا ما يؤكده السيد "بوتان" في قوله :« ضرب الداي حسينالسيد "ديفال" إلى وجهه بمروحية من ريش النعام» وهناك رواية أخرى تقول أنالضرب لم يقع أصلا، ولكن الداي قام بتهديد القنصل بالضرب .
قام القنصل بتضخيم الأمر وخبر ملكه بما جري، فجاءه أمر أن يغادر الجزائر فغادرها معه الفرنسيين المقيمين في مدينة الجزائر هذا هو السبب الظاهر للعيان، والذي اتخذته فرنسا كذريعة لاحتلال الجزائرتحت غطاء استرجاع كرامتها، لكن نحن من واجبنا أن نبحث في الأسباب الحقيقيةللاحتلال ب- الأسباب الحقيقة للاحتلال:
الأسباب السياسية:
تتمثل في اعتبار حكومة الرياس في الجزائر تابعة للإمبراطورية العثمانيةالتي بدأت تناهز والدول الأوربية تتهيأ للاستيلاء على الأراضي التابعةلها، وخاصة أن الفرنسيين كانوا يعتقدون أنهم سيحصلون على غنيمة تقدر ب 150مليون فرنك توجد بخزينة الداي كما أن شارل العاشر ملك فرنسا كان يرغب فيخلق تعاون وثيق مع روسيا في حوض البحر المتوسط حتى يتغلب على الهيمنةالبريطانية في هذا البحر والتمركز في ميناء مدينة الجزائر الذي كان يعتبرفي نظر الملك الفرنسي تابعا لامبراطورية العثمانية المنهارة . ثم إن فيعام 1827م وجد شارل العاشر معارضة داخل مجلس النواب تسبب في مشاكل كبيرة له، وكادوا أن يطيحوا به،ولتحويل أنظار الفرنسيين إلى الخارج اتخذ "شارل العاشر" الجملة على مدينةالجزائر وسيلة لحل مشاكله وإسكات المعارضة ويكسب رضا الشعب الفرنسي، وقداعترف الملك شارل العاشر في قوله: « انه لشيء جميل أن نتقدم إلى برلمانومفاتيح مدينة الجزائر بيدنا» .
الأسباب العسكرية:
أن انهزام الجيش الفرنسي في أوربا وفشله في احتلال مصر والانسحاب منها حتىضربات لقنوات الانجليزية في سنة 1801م، قد دفع بنابوليون بونابرت أن يبعثبأحد ضباطه إلى الجزائر في الفترة الممتدة من 24 ماي إلى 17 جويلية 1808ملكي يضع له خطة عسكرية تسمح له بإقامة محميات فرنسية في شمال إفريقيا تمتدمن المغرب الأقصى إلى مصر، وفي عام 1809م قام هذا الضابط العسكري "بوتان" بتسليم المخطط العسكري لاحتلال مدينة الجزائر إلى نابوليون واقترح أن تحتلالمدينة عن طريق البر، وعند انهزام نابوليون في معركة واترلو سنة 1815وتحالف الدول الكبرى ضد الجيش الفرنسي في أوربا شعر ملك فرنسا انه منالأفضل أن يعتمد على سياسة التوسع في شمال إفريقيا ويعمل على انشغال الجيشبمسائل حيوية تتمثل في احتلال مدينة الجزائر وتحقيق انتصار باهر هناك،وبالتالي يتخلص الملك من إمكانية قيام الجيش بانقلاب ضده في فرنسا .
الأسباب الاقتصادية:
كانت أوربا بسبب ازدهارها تشعر بالحالة إلى التوسع واستغلال الآخرين منوراء البحار، هذا التنافس عجل بعزم فرنسا على احتلال المدينة ومن تمالتوسع على باقي الأقطار والاستئثار بخيراتها ، فقبل الحملة بقليل سنة 1827م، كتب وزير الحربية الفرنسي "كليرمون تاليران" تقريرا عن الأوضاعالعامة في الجزائر و خصص بالذات مدينة الجزائر حيث قال: "توجد مراسي عديدةعلى السواحل، يعتبر الاستيلاء عليها فائدة كبيرة...، وتوجد في شواطئهاملاحات غنية، والى كل هذا توجد الكنوز المكدسة في قصر الداي وهي تقدر بأكثر من خمسون مليون فرنك"
فالجوانب الاقتصادية كانت حافزا قويا في إقدام فرنسا على احتلال المدينة،فكانت تطمح في خيراتها والبحث عن أسواق جديدة لترويج منتجاتها الأسباب الدينية:
في الحقيقة أن الصراع الذي كان قائما بين الدول المسيحية الأوربية والدولالعثمانية الإسلامية قد انعكس على المسلمين بمدينة الجزائر لأن الأسطولالجزائري يعتبر في نظر الدول الأوربية امتداد للأسطول العثماني، قد دفعبالدول المسيحية في أوربا أن تتعاون فيما بينها لضرب المسلمين بمدينةالجزائر واستانبول، وقد كان المسيحيون يتهمون الجزائريين بأنهم كانوايقومون بالقرصنة في عرض البحر الأبيض المتوسط، وسجن المسيحيين الذينيعملون في السفن إلى أن تدفع دولهم عنهم الفدية .
وتظهر النية المبنية من طرف فرنسا المسيحية لاحتلال مدينة الجزائر المسلمةفي التقرير الذي رفعه السيد "كلير مون" وزير الحربية الفرنسية إلى مجلسالوزراء الفرنسيين المؤرخ في 14 أكتوبر 1827م والذي قال فيه: "انه منالممكن ولو بمضي الوقت أن يكون لنا الشرف في أن نمدنهم وذك بجعلهممسيحيين"، و نفس الاستنتاج نستخلصه من خطاب الملك الفرنسي شارل العاشرالذي أعلن أمام الجمعية الوطنية الفرنسية يوم 02 مارس 1830م بان "التعويضالهائل الذي أريد الحصول عليه وأنا اثأر لشرف فرنسا، سيتحول بمعونة اللهلفائدة المسيحية" ومن ثمة فإن الحملة العسكرية على مدينة الجزائر ونجاحهايعتبر انتصارا للمسيحية، وهي استمرار للحروب الصليبية .
ومنها اختلفت الأسباب والذرائع يتبين لنا أن فرنسا كانت لها عزيمة قويةلاحتلال الجزائر، فأعدت العدة، وحسبت لكل شيء وعندما تهيأت الظروف كانتالحملة على المدينة لتتوسع لتشمل كل البلاد الجزائرية.
المبحث الثاني: مراحل الحملة على المدينة.
أ- الحصار البحري (1827م-1830م).
اتخذت فرنسا من حادثة المروحة ذريعة لاحتلال الجزائر، هكذا أصبحت الظروفمناسبة لتطوير الأزمة، ورغم أن الداي أكد لبعض المقيمين بالجزائر انه لميقصد إهانة فرنسا، وانه مستعد للاعتذار عن الغضب، إلا أن القنصل زادالأوضاع تعقيدا فبمجرد وصوله إلى باريس جهزت فرنسا أساطيلها وبعثتها إلىالمدينة تحت قيادة الأميرال "كوليت" يطالب الداي من وجوب تقديم اعتذارلقنصلها العام "ديفال" وكان الإنذار الذي قدمته فرنسا للجزائر بواسطة قنصل "ساردينيا" "دات لي" الذي أصبح يرعى المصالح الفرنسية بالمنطقة وتضمنالإنذار مايلي:
1- على كبار شخصيات الجزائر التوجه إلى السفينة وتقديم اعتذار إلى قنصلها.
2- عند إعطاء الإشارة يجب رفع العلم الفرنسي فوق القصر وجميع أبراج وحصون المدينة.
3- يمنع مصادرة الأموال العائدة إلى فرنسا وسفن الدول الصديقة.
4- لا يحق للقراصنة تفتيش السفن التي تحمل العلم الفرنسي.
5- على الداي الاعتراف بالامتيازات القائمة بين فرنسا والدولة العثمانية وتطبيق الامتيازات.
وأعطيت للداي مهلة 24 ساعة لتنفيذ هذه الشروط، إلا انه رفض الصلح واعتبرهذه الشروط إذلالا له ولحكومته بالمدينة ، ويقول في هذا الصدد ابن أبيالضياف: "لكن الداي حسين رفض الصلح، رغم أن بطانته كاملة، نصحته بوجوبالصلح لكنه رفض" .واشتد رفض الداي من خلال قوله: "لا نجعل الصلح بينيوبينكم فضلا على أن أعطيكم رجلا من عندي" وأمام هذا الرفض هدد الداي بأنه سيفرض حصارا بحريا ،فقامت السفن الفرنسية بالإقلاع من المياه الجزائرية من شهر جوان 1827مومعها القنصل، وبعض الفرنسيين المقيمين بالجزائر بينما بقيت بعض السفنلمحاصرة شواطئ المدينة .
شرع في تطبيق الحصار في 15 جوان 1827م ، وكرد فعل الداي حسين علي هذاالحصار انه أمر في هدم المؤسسات الفرنسية في القالة وعنابة وكان ذك في 26جوان 1827م، ومهمة الحصار كانت سهلة لأنه لسوء الحظ كانت معظم وحدات أسطولالبحري الجزائري في اليونان تشارك إلى جانب الدولة العثمانية في "معركةنافارين" في أكتوبر 1827 إذ لم تستطع السفن المتبقية أن تواجه الحصار.
وللعلم فإن فرنسا لم تكتفي فقط بهذا الحصار بل أقدم سفيرها في استانبول "فيومينو" « guiffominot » على تقديمه للمذكرة المترجمة التي سلمها لرئيسالكتاب العثماني في 2 أوت 1827م، يطالب من خلالها الحكومة العثمانية علىوجوب تدخلها لتأديب الداي حسين، ولقد جاء فيها: "وحيث أن الداي زاد منتعدياته السابقة بتحقير قنصل فرنسا بالجزائر، فإن جناب ملك فرنسا اضطرلطلب ترضية عالمية مهددا بإعلان الحرب في حالة رفض طلبه، وحيث أن طلبه قدرفض وعليه فالحرب محققة" .
ولكن هذا لم يمنع من القيام بمحاولات لفك الحصار، نذكر تلك المعركة التيكانت بين أسطول فرنسي بقيادة الأميرال "غولي" "gollet " والأسطول الجزائريالمتكون من إحدى عشر سفينة، تحاول فك الحصار، ودامت المعركة عدة ساعاتتراجع الفرنسيين أمام سفن الأسطول الجزائرية، كما تكرر الصدام بين الطرفينفي أكتوبر 1828م، إذ حاول بعض الرياس مرة ثانية، لكن لم ينجح فأضاعواأربعة مراكب في نواحي "كاب كاسين" غرب مدينة الجزائر ، وقد دام الحصارلمدة 3 سنوات، وكان الحصار طويلا وصعبا جدا، تضرر منه الطرفان، حيث كلففرنسا حوالي 20 مليون فرنك كما تمكن جزائريون من اسر بعض رجال البحارةالفرنسيين وقتلهم أما مدينة الجزائر فالحصار اضربها كثيرا، فالتبادلالتجاري للمدينة مع أوربا شل تماما، وسجل ارتفاع في الأسعار داخل الأسواقالمحلية للمدينة مما أدى إلى تدهور الأوضاع الداخلية للمدينة وهكذا أصبحالحصار يقلق الرأي العام .
ونتيجة لهذا قررت فرنسا التفاوض من جديد مع الداي حسين، فأرسلت "دينرسيا" على شريطة انه عندما يصل إلى الجزائر يكون التفاوض بين الداي حسين والضباط "لابروتينير" « la broténniere » وتم اللقاء بين الطرفين في 30 جويلية 1829م واجتمع الوفدان بالقصبة لمدة ساعتين، ونوقشت خلالها الشروط التالية:
1- إفادة شخصية جزائرية تعبر عن رغبة الداي في إبرام صلح مع فرنسا.
2- يتعهد الداي بإطلاق سراح اسرى السفن البابوية .
ولكن الداي حسين رفض وطلب من الضابط مغادرة المدينة فورا، وحدد الأجلبساعتين، ولكن الضابط لم يستطيع الخروج بسبب الرياح ولم يقدر على السفر،وكان الباشا "الداي" قد أمر كل من وكيل الحرج، وباش طبجي، أن يضربواالسفينة إذا انتهت الساعتين، فلما انتهت الساعتان ضربوه فقام في ذلك الوقتوخرج وهم يضربونه، ولما وصل "لابروتنير" إلى فرنسا، كتبوا للسلطان محمود،واخبروه بما فعل معهم ، فقام محمود بإرسال رسولين إلى مدينة الجزائر،ينصحان الداي باعتدال وعدم الوقوع في الشرك الفرنسي، فلم يستمع الداي لهمالشدة ثقته في الانتصار .
فاجتمع البرلمان الفرنسي واتفق مع جميع الوزراء أن يستعد لغزو مدينةالجزائر واعتقد رئيس الحكومة الفرنسية "بولونياك" انه سيجد الحل لإسقاطالمدينة وغزوها، عن طريق تحريض محمد علي، فاستقبل وفدا قادما من مصر يحملأراء عرفت فيما بعد باسم "مشروع محمد علي" لحل الخلاف الدائر بين البلدين،وبناءا على المشروع فقدعرض محمد علي على فرنسا أن تساعده في أن يصبح حاكماعلى طرابلس وتونس والجزائر، واقترح أن يمر جيشه بالساحل الإفريقي الشماليالمحمي بالأسطول الفرنسي البحري، وقد قال محمد علي للقنصل الفرنسيبالقاهرة عندئذ انه قادر على إنهاء المشكلة الجزائرية بتجنيد 68 ألف رجل و 23 سفينة وتوفير 100 مليون فرنك لتغطية نفقات الحملة ، ولكن في الأخيرعارض كل من وزير الحربية "بورمون" ووزير البحرية "دي هوسي" مشروع محمد عليعند مناقشته في مجلس الوزراء، واعتبر المشروع إهانة للشرف الفرنسي فينظرهما.
"فمحمد علي لم يكن يختلف في نظرهما كثيرا عن "حسين باشا"، وأمام إصرار "بوليناك" في استخدام مسلما ضد مسلم عدل المشروع المقترح عدة مرات إلا انهلم يلقي تأييد من طرف مجلس الوزراء الفرنسي وتعارضت المصالح بين محمد عليوفرنسا أدى إلى قطع المفاوضات نهائيا .
وهكذا ففي جلسة 30 يناير 1830م قرر مجلس الوزراء الفرنسي، بعد دراسةاستغرقت أربع ساعات ،القيام بحملة ضد مدينة الجزائر. وفي 7 فبراير اقرالملك شارل العاشر مشروع الحملة واصدر مرسوما ملكيا بتعيين الكونة "ديبورمون" قائدا عاما للحملة والأميرال "دوبيري" قائدا للأسطول البحري،وقد بدأت الاستعدادات الحثيثة لتنفيذ المشروع .
ب- استعدادات المدينة لمواجهة الحملة.
بينما كانت فرنسا تستعد للقيام بحملة عسكرية ضد مدينة الجزائر كانت هذهتستعد أيضا لمواجهة الحملة، اقدم الداي حسين باشا لي تخصيص مرتبات لعددالجواسيس في كل من ايطاليا ومرسيليا وطولون وباريس، فنقلوا إليه خبراستعداد فرنسا لغزو المدينة وإنها أعدت أسطولا رهيبا لإرساله، وقد أكد هذاالخبر سفينتان جزائريان استطاعتا أن تتسللا ليلا بين السفن الفرنسيةالمحاصرة، كانت أحداهما تحمل العلم الانجليزي والأخرى العلم الايطاليةويتألف هذا الأسطول من حوالي مائتي سفينة حربية و 500 سفينة تجارية، ومنضمن الأخبار التي نقلت أن الأسطول سيبلغ الشواطئ الجزائرية في شهر ماي 1830، وأنه سيرسو على الأرجح غرب المدينة في شبه جزيرة سيدي فرج .
ولهذا كان حسين باشا على علم بتفاصيل الحملة قبل وقوعها، وتبعا لإطمئنانهالوهمي أن هذه الحملة لن تتعدى الضرب من البحر شأنها شأن الحملات الأوربيةالسابقة ، ففاته أن يعد جيشا ليتمركز حول المدينة، وترك تلك الفرق التيكانت عليها أن تقاتل الفرنسيين عند نزولهم إلى البر تقييم على مسافة منالمدينة تتراوح بين 25 مراحل، وكان ذلك من حسن حظ الفرنسيين عند نزولهمإلى البر كما سنرى فيما بعد، أما الاحتياطات الوحيدة التي اتخذت علىالجانب البري ،هي أن الآغا إبراهيم أمر بإضافة لمدافع إلى حامية سيدي فرج،وأرسل إليها بضع مئات من الجنود، كما أقام مخازن للحبوب من القمح والشعيرفي المدينة وما حولها تتسع لحوالي (مئة وثمانين ألف مد)، أما الجهةالبحرية فقد حضيت بعناية أكثر، وخاصة الميناء، فقد كانت الحاميات والمواقعالدفاعية تمتد على بضعة آلاف من المدافع الثقيلة،وكانت مزودة بكل ما يلزممن الرجال والذخيرة .
أقيمت كذلك ثلاث سلاسل قوية متينة قرب الساحل داخل الميناء، وكانت السفنالحربية راسية خلفها، وأمامها "خمسون زورقا"، ثمانية منها مزودة بالقذائفوالباقية بالمدافع ذات العيار الثقيل" .
كما سمح الداي لجميع العرب والقبائل بحمل السلاح الذي كان محرم عليهمسابقا، وأخبرهم أيضا بأنه سيأمر بمجرد مشاهدة الأسطول الفرنسي بان تطلقالمدفعية طلقتين اثنتين ليسرعوا إلى الحيلولة دون نزولهم إلى البر أوإعاقتهم عن ذلك على الأقل .
أرسل حسين باشا المراسيل إلى الداخل يدعون إلى الجهاد ضد الفرنسيين، فوعدهالحاج احمد باي قسنطينة ب 30 ألف محارب، ووعد حسن باي وهران ب 6 آلافمحارب، ووعد مصطفى بومرزاق باي التيطري ب 20 ألف محارب، وجمع شيوخ جرجرةبين 16 و 18 ألف محارب، وجمع أهالي ميزاب حولي 4 آلاف محارب .
ورغم هذه الاستعدادات الظاهرية، فهل استطاعت قوات حسين باشا من صد الهجوم وحماية المدينة؟ ج- سير الحملة إلى المدينة:
تدهورت الأوضاع كما ذكرنا سابقا وحدثت القطيعة التامة بين فرنسا والجزائر،فقررت أن تغزو مدينة الجزائر باعتبارها مقرا للسلطة، بقوات ضخمة، وقد أعدتالحملة إعداد محكما، فقد كان "بوتان" منظما دقيقا، أتى بجميع الترتيباتلاحتلال المدينة، كما عمل "دي بورمون" منذ تعيينه قائدا على المحملة فيالتفكير وجمع المعلومات اللازمة لمهمته ، وفي 20 مايو 1830مأذع "ديبورمون" بيانا على ضباط الحملة والجنود حثهم فيه على حسن الإستعداد ،وفييوم 25 مايو 1830غادرت الحملة الفرنسية ميناء طولون الحربي وهي تتألف من :
37000 جندي من المشاة والفرسان.
27000 جندي بحار.
103 سفينة حربية.
572 سفينة تجارية فرنسية وغير فرنسية تحمل المؤونة والذخائر والجنود.
تقرر إنزال الجنود عند سيدي فرج والزحف برا صوب المدينة والسيطرة على قصرالداي وكذا ضرورة محاصرة المدينة بالسفن الحربية ومنع وصول المئونة إليها.
نزلت أول هذه القوات يوم 19 جوان 1830 بميناء سيدي فرج وكأنهم جراد منتشر،ولم يكن هناك لا مدافع ولا خنادق سوى حوالي 12 مدفعا صغيرا وضعها الآغايحي عند بداية الحصار، ولم يكن لذا الأغا إبراهيم أكثر من 3000 فارس، وكانباي قسنطينة لا يملك إلاعددا قليلا من المحاربين، أما باي التيطري فلميصل إلا بعد عدة أيام من نزول الجيش الفرنسي. أما جيش إقليم وهران فلم يكنبعيدا عن سيدي فرج، وكان باي التيطري قد وعد الباشا ب 20 ألف فارس ولكنهحين وصل إلى الميدان لم يأتي سوى ب 1000 رجل .
هذه القوات كانت مجتمعة في معسكر "اسطاويلي"، وكان الداي حسين ينتظر النصرفي معركة اسطاويلي، وفي بداية المعركة كانت الكفة لصالح قوات الداي، فأمرالقائد "دي بورمون" بزيادة المدد والمئونة، فقام بهجوم مضاد، هكذا تغلبالجيش الفرنسي وتمكنوا من السيطرة على المنطقة .
عند الهزيمة في اسطاويلي في 19 جوان 1830 هرب إبراهيم من الميدان وتركوراءه الجيش، وبعد هذه الهزيمة استولى الفرنسيين على قلعة مولاي الحسن،وشيئا فشيئا بدأت روح الهزيمة تدب في أوسال الجهاز الإداري والاجتماعيأيضا للمدينة، فجمع الداي حسين أعيان المدينة ورجال القانون والدين وشرحلهم الوضع الذي أمامهم وطلب منهم النصيحة فيما يفعل لمواجهة الموقف. وقدوضع إمامهم السؤال التالي: هل من الصواب مواصلة المقاومة؟ أو يجب تسليمالمدينة والتوقيع معهم على معاهدة الاستسلام؟ وبعد تقليب الموضوع من عدةوجه اجبوه بجواب غامض، وهو على أنهم على استعداد لمواصلة الحرب، ولكن إذاكان رأية غير ذلك فهم يطيعون الأوامر ، وقد كان للبيان الذي وزعهالفرنسيون بمهارة تأثير على المجتمع ،مقتنعين بأن الفرنسيين قد جاروا حقامحررين من سلطة الأتراك، وكان يعتقدون أن فرنسا المتحضرة لا يمكن أن تعدبشيء إلا إذا كانت راغبة في التنفيذ، فأصبح هؤلاء من أنصار الحل السلمي. وقد تسبب هذا البيان والفارغ في شل الطاقة المحاربة .
ففي ليلة 2 جويلية عام 1830م أي قبل ثلاثة أيام من دخول الجيش الفرنسيللمدينة، اجتمع عد من أعيان مدينة الجزائر، في قلعة باب البحرية، لقد كانهؤلاء يمثلون التجار وأرباب المال، وقرروا أن ضياع المدينة أصبح أمرامحتما، وأنه إذ ما دخلها الفرنسيون عنوة فإنهم سيبيحونها وينهبون ثرواتهاويعتدون على النساء ويقتلون الأطفال، ورأو، تفاديا لذلك قبول اقتراحالباشا الثاني الذي ينص على الاستسلام بعد توقيع معاهدة وأن الفرنسيينسيتركونهم يتمتعون بدينهم وتقاليدهم وسيتركون لهم أملاكهم ومساجدهموزواياهم. فلماذا إذن يقاومون الجيش الفرنسي ويزهقون الأرواح بدل التوقيععلى معاهدة الاستسلام؟ وفي النهاية قرروا عدم مقامة الفرنسين عند دخولالمدينة وأرسلوا وفدا عنهم إلى القصبة لمقابلة الباشا واطلاعه على مااتفقوا عليه. وقد أجابهم الباشا بأنه سينظر في القضية خلال اليوم التالي.
وفي اليوم المعين 4 جويلية 1830 أرسل حسين كاتبه مصطفي مصحوبا بالقنصلالانجليزي إلى مقر القيادة الفرنسية للتفاوض مع "دي بومون"، ومع المذكورذهب أيضا احمد بوضربة وحسن بن عثمان خوجة، وبعد التفاوض ومراجعة الباشا،وقعت معاهدة الاستسلام يوم 05 جويلية 1830 .
المبحث الثالث: معاهدة الاستسلام وسقوط المدينة.
وقعت هذه المعاهدة بين القائد العام للجيش الفرنسي الكونت دي بورمون، وصاحب السمو داي الجزائر (حسين باشا) وهي تنص على ما يلي:
يسلم حصن القصبة، وكل الحصون التابعة للجزائر، وميناء هذه المدينة إلىالجيش الفرنسي صباح اليوم على الساعة العاشرة (بالتوقيت الفرنسي)
يتعهد القائد العام للجيش الفرنسي تجاه صاحب السمو، داي الجزائر، بترك الحرية له، وحيازة كل ثرواته الشخصية.
سيكون داي الجزائر حرا في أن يتصرف هو وأسرته وثرواته الخاصة إلى المكانالذي يعينه، ومهما بقي في الجزائر سيكون هو وعائلته تحت حماية القائدالعام الفرنسي، وسيتولى حرس ضمان أمنه الشخصي وأمن أسرته.
يضمن القائد العام لجميع جند الانكشارية نفس الامتيازات ونفس الحماية.
ستبقى ممارسة الديانة المحمدية حرة، ولن يلحق أي مساس بحرية السكان منمختلف الطبقات، ولا بدينهم، ولا بأملاكهم، ولا تجارتهم وصناعتهم، وستكوننساؤهم محل احترام والقائد العام يلتزم على ذلك بشرفه.
سيتم تبادل هذه المعاهدة قبل الساعة العاشرة، وسيدخل الجيوش الفرنسية عقبذلك حالا إلى القصبة، ثم تدخل بالتتابع كل الحصون المدنية والبحرية .( انظر الملحق رقم :09).
وفي يوم 06 جويلة 1830م دخل الجنود الفرنسيين مدينة الجزائر من البابالجديد بأعلى المدينة وأنزلت أعلام دولة الداي من جميع القلاع والأبراجوارتفعت في مكانها رايات الاحتلال الفرنسي ، وأقيمت صلاة للمسيحيين وخطبفيها كبيرا قساوة الحملة، فقال مخاطبا قائد الحملة الفرنسية: "لقد فتحتبابا للمسيحية على شاطئ إفريقيا"
وبعزل الداي عن مدينة الجزائر من طرف الجيش الفرنسي وجبره على الاستلام، انتهى العهد التركي بمدينة الجزائر الذي دام 326 سنة