dimanche 28 novembre 2010

الحملة الفرنسية على الجزائر 1830م

المبحث الأول: أسباب الحملة الفرنسية على المدينة.
قبل البدء في الحديث عن أسباب الحملة الفرنسية على مدينة الجزائر يجب علينا أن نشير إلى أمر بالغ الأهمية، وهو أن الحملة ترعرعت في أذهان الملوك الفرنسي ابتدءا من "هنري الرابع" مرورا ب "لويس 14" و "نابوليون"، لقد كانوا جميعا يرغبون في تأسيس إمبراطورية استعمارية مترامية الأطراف ، وهذا ما يفسر الإصرار الكبير ل"نابوليون" لاحتلال الجزائر لما أوفد جاسوسه "بوتان" عام 1808م بمهمة التجسس قصدا إعداد تقرير لتحضير الترتيبات لاحتلال الجزائر، وتمكن هذا الأخير من تقديم دراسة راقية، حيث تكمن بدقة من معرفة وضع الداي وقوة الجيش العثماني .
أ- السبب المباشر:
جل المؤرخين الأوربيين يتخذون من حادثة المروحة سنة 1827م، السبب المباشر الرئيسي لاحتلال فرنسا للجزائر، وقبل الحديث عن هذه الواقعة، نحاول العودة قليلا إلى الوراء لمعرفة هذه الحادثة والتي أدت إلى القطيعة التامة بين الطرفين.
يعود سبب القطيعة إلى مسألة القمح التي ظلت مفتوحة ومعلقة لعدة سنوات، وبدأت تظهر سوء نية فرنسا اتجاه الجزائر بعد أن ساعدتها في الأوقات الحرجة وقد سمحت التجارة الخارجية للمدينة خاصة تجارة القمح التي كانت بيد التاجرين اليهود يين "بيكري" و "بوشناق" الذين استغلوا فرصة حصار انجلترا لفرنسا، وأرسلوا كميات كبيرة من القمح إلى فرنسا ، وباعوها بخمسة فرنكات للكيلة الواحدة التي لم تكلفهم سوى أربعة فرنكات، وهكذا تحصلوا من نلك الشحنات على ثلاث ملايين وسبعمائة وخمسين ألف فرنك، هكذا أصبح ثمن القمح دينا بين الداي والحكومة الفرنسية ،أعلن "بكري" و "بوشناق" سنة 1800 م أن الديون بلغت 07 ملايين من الفرنكات، وقد نجح اليهوديان في إقناع فرنسا على تسديد قسط من الديون، وتدخل "تاليران" وزير الخارجية الفرنسي فدفعت قسطا لليهوديين سنة 1819م قيمته 7 ملايين فرنك ، ولذلك قال "بوخوص" في "تاليران" ما يلي: «لو لم يكن الأعرج، وهو يشير إلى تاليران ملك يدي ما كانت استطيع أن افعل شيء في باريس ». وهكذا هذه الصفقة الغادرة في خسارة الطرفين أموالا طائلة .
وقد وافق الداي حسين على هذه التسوية في أمل تسديد فرنسا لهذا الدين في اقرب وقت، لكن فرنسا تناست حقوق الداي، ففي ماي 1820م أعلن الداي ما يلي: «ان الحكومة الفرنسية قد نفذت جميع التزاماتها بعد انتفاضة أكتوبر 1819م » . ولم يكن للداي أي شيء من بطء هذه الإجراءات، فقد اتضح للداي حسين أن هناك مؤامرة كان القنصل "ديفال" طرفا فيها، ورأسها في باريس هو "تاليران"، اخذ الداي يرسل إلى الحكومة الفرنسية عدة رسائل يشكو فيها قائلا: « استطيع رد هذا المبلغ إلى فرنسا في مدة أربع وعشرين ساعة في حالة ما ذا كان أحد رعايا مدنيا لملك فرنسا» . واصل الداي إرسال البرقيات لكن دون جدوى وهذا ما دفع بالداي إلى فقدان صبره لعدم تلقيه أجوبة من الحكومة الفرنسية.
وبمناسبة عيد الفطر من عام 1243ه الموافقة ل 1828م جاء السيد "ديفال" عشية يوم العيد ليؤدي زيارته كما جرت العادة فاخبره الداي عن الرسائل التي بعث بها إلى ملك فرنسا في شأن أداء الدين بقي في ذمته الدولة الفرنسية في خصوص قضية بكري وبوشناق.
كان جواب القنصل في منتهى الوقاحة فقال له: « إن حكومتي لا تتنازل لإجابة رجل مثلكم» أراد القنصل من كلامه هذا استفزاز وتحقير الداي، وهذا ما أكده القنصل الأمريكي "وليام شالر" الذي كان من بين الحاضرين، ويؤكد أن القنصل تعمد الوقاحة وافتزاز الداي لاستدراجه لإهانته وهذا ما مس كرامته الداي لدرجة انه لم يتمالك نفسه من الغضب وضربه بمروحيته "منشة الذباب" كانت بيده على وجهه، وهذا ما يؤكده السيد "بوتان" في قوله :« ضرب الداي حسين السيد "ديفال" إلى وجهه بمروحية من ريش النعام» وهناك رواية أخرى تقول أن الضرب لم يقع أصلا، ولكن الداي قام بتهديد القنصل بالضرب .
قام القنصل بتضخيم الأمر وخبر ملكه بما جري، فجاءه أمر أن يغادر الجزائر فغادرها معه الفرنسيين المقيمين في مدينة الجزائر
هذا هو السبب الظاهر للعيان، والذي اتخذته فرنسا كذريعة لاحتلال الجزائر تحت غطاء استرجاع كرامتها، لكن نحن من واجبنا أن نبحث في الأسباب الحقيقية للاحتلال
ب- الأسباب الحقيقة للاحتلال:
الأسباب السياسية:
تتمثل في اعتبار حكومة الرياس في الجزائر تابعة للإمبراطورية العثمانية التي بدأت تناهز والدول الأوربية تتهيأ للاستيلاء على الأراضي التابعة لها، وخاصة أن الفرنسيين كانوا يعتقدون أنهم سيحصلون على غنيمة تقدر ب 150 مليون فرنك توجد بخزينة الداي كما أن شارل العاشر ملك فرنسا كان يرغب في خلق تعاون وثيق مع روسيا في حوض البحر المتوسط حتى يتغلب على الهيمنة البريطانية في هذا البحر والتمركز في ميناء مدينة الجزائر الذي كان يعتبر في نظر الملك الفرنسي تابعا لامبراطورية العثمانية المنهارة . ثم إن في عام 1827م وجد شارل العاشر
معارضة داخل مجلس النواب تسبب في مشاكل كبيرة له، وكادوا أن يطيحوا به، ولتحويل أنظار الفرنسيين إلى الخارج اتخذ "شارل العاشر" الجملة على مدينة الجزائر وسيلة لحل مشاكله وإسكات المعارضة ويكسب رضا الشعب الفرنسي، وقد اعترف الملك شارل العاشر في قوله: « انه لشيء جميل أن نتقدم إلى برلمان ومفاتيح مدينة الجزائر بيدنا» .
الأسباب العسكرية:
أن انهزام الجيش الفرنسي في أوربا وفشله في احتلال مصر والانسحاب منها حتى ضربات لقنوات الانجليزية في سنة 1801م، قد دفع بنابوليون بونابرت أن يبعث بأحد ضباطه إلى الجزائر في الفترة الممتدة من 24 ماي إلى 17 جويلية 1808م لكي يضع له خطة عسكرية تسمح له بإقامة محميات فرنسية في شمال إفريقيا تمتد من المغرب الأقصى إلى مصر، وفي عام 1809م قام هذا الضابط العسكري "بوتان" بتسليم المخطط العسكري لاحتلال مدينة الجزائر إلى نابوليون واقترح أن تحتل المدينة عن طريق البر، وعند انهزام نابوليون في معركة واترلو سنة 1815 وتحالف الدول الكبرى ضد الجيش الفرنسي في أوربا شعر ملك فرنسا انه من الأفضل أن يعتمد على سياسة التوسع في شمال إفريقيا ويعمل على انشغال الجيش بمسائل حيوية تتمثل في احتلال مدينة الجزائر وتحقيق انتصار باهر هناك، وبالتالي يتخلص الملك من إمكانية قيام الجيش بانقلاب ضده في فرنسا .

الأسباب الاقتصادية:
كانت أوربا بسبب ازدهارها تشعر بالحالة إلى التوسع واستغلال الآخرين من وراء البحار، هذا التنافس عجل بعزم فرنسا على احتلال المدينة ومن تم التوسع على باقي الأقطار والاستئثار بخيراتها ، فقبل الحملة بقليل سنة 1827م، كتب وزير الحربية الفرنسي "كليرمون تاليران" تقريرا عن الأوضاع العامة في الجزائر و خصص بالذات مدينة الجزائر حيث قال: "توجد مراسي عديدة على السواحل، يعتبر الاستيلاء عليها فائدة كبيرة...، وتوجد في شواطئها ملاحات غنية، والى كل هذا توجد الكنوز المكدسة في
قصر الداي وهي تقدر بأكثر من خمسون مليون فرنك"
فالجوانب الاقتصادية كانت حافزا قويا في إقدام فرنسا على احتلال المدينة، فكانت تطمح في خيراتها والبحث عن أسواق جديدة لترويج منتجاتها
الأسباب الدينية:
في الحقيقة أن الصراع الذي كان قائما بين الدول المسيحية الأوربية والدول العثمانية الإسلامية قد انعكس على المسلمين بمدينة الجزائر لأن الأسطول الجزائري يعتبر في نظر الدول الأوربية امتداد للأسطول العثماني، قد دفع بالدول المسيحية في أوربا أن تتعاون فيما بينها لضرب المسلمين بمدينة الجزائر واستانبول، وقد كان المسيحيون يتهمون الجزائريين بأنهم كانوا يقومون بالقرصنة في عرض البحر الأبيض المتوسط، وسجن المسيحيين الذين يعملون في السفن إلى أن تدفع دولهم عنهم الفدية .
وتظهر النية المبنية من طرف فرنسا المسيحية لاحتلال مدينة الجزائر المسلمة في التقرير الذي رفعه السيد "كلير مون" وزير الحربية الفرنسية إلى مجلس الوزراء الفرنسيين المؤرخ في 14 أكتوبر 1827م والذي قال فيه: "انه من الممكن ولو بمضي الوقت أن يكون لنا الشرف في أن نمدنهم وذك بجعلهم مسيحيين"، و نفس الاستنتاج نستخلصه من خطاب الملك الفرنسي شارل العاشر الذي أعلن أمام الجمعية الوطنية الفرنسية يوم 02 مارس 1830م بان "التعويض الهائل الذي أريد الحصول عليه وأنا اثأر لشرف فرنسا، سيتحول بمعونة الله لفائدة المسيحية" ومن ثمة فإن الحملة العسكرية على مدينة الجزائر ونجاحها يعتبر انتصارا للمسيحية، وهي استمرار للحروب الصليبية .
ومنها اختلفت الأسباب والذرائع يتبين لنا أن فرنسا كانت لها عزيمة قوية لاحتلال الجزائر، فأعدت العدة، وحسبت لكل شيء وعندما تهيأت الظروف كانت الحملة على المدينة لتتوسع لتشمل كل البلاد الجزائرية.
المبحث الثاني: مراحل الحملة على المدينة.
أ- الحصار البحري (1827م-1830م).
اتخذت فرنسا من حادثة المروحة ذريعة لاحتلال الجزائر، هكذا أصبحت الظروف مناسبة لتطوير الأزمة، ورغم أن الداي أكد لبعض المقيمين بالجزائر انه لم يقصد إهانة فرنسا، وانه مستعد للاعتذار عن الغضب، إلا أن القنصل زاد الأوضاع تعقيدا فبمجرد وصوله إلى باريس جهزت فرنسا أساطيلها وبعثتها إلى المدينة تحت قيادة الأميرال "كوليت" يطالب الداي من وجوب تقديم اعتذار لقنصلها العام "ديفال" وكان الإنذار الذي قدمته فرنسا للجزائر بواسطة قنصل "ساردينيا" "دات لي" الذي أصبح يرعى المصالح الفرنسية بالمنطقة وتضمن الإنذار ما يلي:
1-
على كبار شخصيات الجزائر التوجه إلى السفينة وتقديم اعتذار إلى قنصلها.
2-
عند إعطاء الإشارة يجب رفع العلم الفرنسي فوق القصر وجميع أبراج وحصون المدينة.
3-
يمنع مصادرة الأموال العائدة إلى فرنسا وسفن الدول الصديقة.
4-
لا يحق للقراصنة تفتيش السفن التي تحمل العلم الفرنسي.
5-
على الداي الاعتراف بالامتيازات القائمة بين فرنسا والدولة العثمانية وتطبيق الامتيازات.
وأعطيت للداي مهلة 24 ساعة لتنفيذ هذه الشروط، إلا انه رفض الصلح واعتبر هذه الشروط إذلالا له ولحكومته بالمدينة ، ويقول في هذا الصدد ابن أبي الضياف: "لكن الداي حسين رفض الصلح، رغم أن بطانته كاملة، نصحته بوجوب الصلح لكنه رفض" .واشتد رفض الداي من خلال قوله: "لا نجعل الصلح بيني وبينكم فضلا على أن
أعطيكم رجلا من عندي" وأمام هذا الرفض هدد الداي بأنه سيفرض حصارا بحريا ، فقامت السفن الفرنسية بالإقلاع من المياه الجزائرية من شهر جوان 1827م ومعها القنصل، وبعض الفرنسيين المقيمين بالجزائر بينما بقيت بعض السفن لمحاصرة شواطئ المدينة .
شرع في تطبيق الحصار في 15 جوان 1827م ، وكرد فعل الداي حسين علي هذا الحصار انه أمر في هدم المؤسسات الفرنسية في القالة وعنابة وكان ذك في 26 جوان 1827م، ومهمة الحصار كانت سهلة لأنه لسوء الحظ كانت معظم وحدات أسطول البحري الجزائري في اليونان تشارك إلى جانب الدولة العثمانية في "معركة نافارين" في أكتوبر 1827 إذ لم تستطع السفن المتبقية أن تواجه الحصار.
وللعلم فإن فرنسا لم تكتفي فقط بهذا الحصار بل أقدم سفيرها في استانبول "فيومينو" « guiffominot » على تقديمه للمذكرة المترجمة التي سلمها لرئيس الكتاب العثماني في 2 أوت 1827م، يطالب من خلالها الحكومة العثمانية على وجوب تدخلها لتأديب الداي حسين، ولقد جاء فيها: "وحيث أن الداي زاد من تعدياته السابقة بتحقير قنصل فرنسا بالجزائر، فإن جناب ملك فرنسا اضطر لطلب ترضية عالمية مهددا بإعلان الحرب في حالة رفض طلبه، وحيث أن طلبه قد رفض وعليه فالحرب محققة" .
ولكن هذا لم يمنع من القيام بمحاولات لفك الحصار، نذكر تلك المعركة التي كانت بين أسطول فرنسي بقيادة الأميرال "غولي" "gollet " والأسطول الجزائري المتكون من إحدى عشر سفينة، تحاول فك الحصار، ودامت المعركة عدة ساعات تراجع الفرنسيين أمام سفن الأسطول الجزائرية، كما تكرر الصدام بين الطرفين في أكتوبر 1828م، إذ حاول بعض الرياس مرة ثانية، لكن لم ينجح فأضاعوا أربعة مراكب في نواحي "كاب كاسين" غرب مدينة الجزائر ، وقد دام الحصار لمدة 3 سنوات، وكان الحصار طويلا وصعبا جدا، تضرر منه الطرفان، حيث كلف فرنسا حوالي 20 مليون فرنك كما تمكن جزائريون من اسر بعض رجال البحارة الفرنسيين وقتلهم أما مدينة الجزائر فالحصار اضربها كثيرا، فالتبادل التجاري للمدينة مع أوربا شل تماما، وسجل ارتفاع في الأسعار داخل الأسواق المحلية للمدينة مما أدى إلى تدهور الأوضاع الداخلية للمدينة وهكذا أصبح الحصار يقلق الرأي العام .
ونتيجة لهذا قررت فرنسا التفاوض من جديد مع الداي حسين، فأرسلت "دينرسيا" على شريطة انه عندما يصل إلى الجزائر يكون التفاوض بين الداي حسين والضباط "لابروتينير" « la broténniere » وتم اللقاء بين الطرفين في 30 جويلية 1829م واجتمع الوفدان بالقصبة لمدة ساعتين، ونوقشت خلالها الشروط التالية:
1-
إفادة شخصية جزائرية تعبر عن رغبة الداي في إبرام صلح مع فرنسا.
2-
يتعهد الداي بإطلاق سراح اسرى السفن البابوية .
ولكن الداي حسين رفض وطلب من الضابط مغادرة المدينة فورا، وحدد الأجل بساعتين، ولكن الضابط لم يستطيع الخروج بسبب الرياح ولم يقدر على السفر، وكان الباشا "الداي" قد أمر كل من وكيل الحرج، وباش طبجي، أن يضربوا السفينة إذا انتهت الساعتين، فلما انتهت الساعتان ضربوه فقام في ذلك الوقت وخرج وهم يضربونه، ولما وصل "لابروتنير" إلى فرنسا، كتبوا للسلطان محمود، واخبروه بما فعل معهم ، فقام محمود بإرسال رسولين إلى مدينة الجزائر، ينصحان الداي باعتدال وعدم الوقوع في الشرك الفرنسي، فلم يستمع الداي لهما لشدة ثقته في الانتصار .
فاجتمع البرلمان الفرنسي واتفق مع جميع الوزراء أن يستعد لغزو مدينة الجزائر واعتقد رئيس الحكومة الفرنسية "بولونياك" انه سيجد الحل لإسقاط المدينة وغزوها، عن طريق تحريض محمد علي، فاستقبل وفدا قادما من مصر يحمل أراء عرفت فيما بعد باسم "مشروع محمد علي" لحل الخلاف الدائر بين البلدين، وبناءا على المشروع فقدعرض محمد علي على فرنسا أن تساعده في أن يصبح حاكما على طرابلس وتونس والجزائر، واقترح أن يمر جيشه بالساحل الإفريقي الشمالي المحمي بالأسطول الفرنسي البحري، وقد قال محمد علي للقنصل الفرنسي بالقاهرة عندئذ انه قادر على إنهاء المشكلة الجزائرية بتجنيد 68 ألف رجل و 23 سفينة وتوفير 100 مليون فرنك لتغطية نفقات الحملة ، ولكن في الأخير عارض كل من وزير الحربية "بورمون" ووزير البحرية "دي هوسي" مشروع محمد علي عند مناقشته في مجلس الوزراء، واعتبر المشروع إهانة للشرف الفرنسي في نظرهما.
"
فمحمد علي لم يكن يختلف في نظرهما كثيرا عن "حسين باشا"، وأمام إصرار "بوليناك" في استخدام مسلما ضد مسلم عدل المشروع المقترح عدة مرات إلا انه لم يلقي تأييد من طرف مجلس الوزراء الفرنسي وتعارضت المصالح بين محمد علي وفرنسا أدى إلى قطع المفاوضات نهائيا .
وهكذا ففي جلسة 30 يناير 1830م قرر مجلس الوزراء الفرنسي، بعد دراسة استغرقت أربع ساعات ،القيام بحملة ضد مدينة الجزائر. وفي 7 فبراير اقر الملك شارل العاشر مشروع الحملة واصدر مرسوما ملكيا بتعيين الكونة "ديبورمون" قائدا عاما للحملة والأميرال "دوبيري" قائدا للأسطول البحري، وقد بدأت الاستعدادات الحثيثة لتنفيذ المشروع .
ب- استعدادات المدينة لمواجهة الحملة.
بينما كانت فرنسا تستعد للقيام بحملة عسكرية ضد مدينة الجزائر كانت هذه تستعد أيضا لمواجهة الحملة، اقدم الداي حسين باشا لي تخصيص مرتبات لعدد الجواسيس في كل من ايطاليا ومرسيليا وطولون وباريس، فنقلوا إليه خبر استعداد فرنسا لغزو المدينة وإنها أعدت أسطولا رهيبا لإرساله، وقد أكد هذا الخبر سفينتان جزائريان استطاعتا أن تتسللا ليلا بين السفن الفرنسية المحاصرة، كانت أحداهما تحمل العلم الانجليزي والأخرى العلم الايطالية ويتألف هذا الأسطول من حوالي مائتي سفينة حربية و 500 سفينة تجارية، ومن ضمن الأخبار التي نقلت أن الأسطول سيبلغ الشواطئ الجزائرية في شهر ماي 1830، وأنه سيرسو على الأرجح غرب المدينة في شبه جزيرة سيدي فرج .
ولهذا كان حسين باشا على علم بتفاصيل الحملة قبل وقوعها، وتبعا لإطمئنانه الوهمي أن هذه الحملة لن تتعدى الضرب من البحر شأنها شأن الحملات الأوربية السابقة ، ففاته أن يعد جيشا ليتمركز حول المدينة، وترك تلك الفرق التي كانت عليها أن تقاتل الفرنسيين عند نزولهم إلى البر تقييم على مسافة من المدينة تتراوح بين 25 مراحل، وكان ذلك من حسن حظ الفرنسيين عند نزولهم إلى البر كما سنرى فيما بعد، أما الاحتياطات الوحيدة التي اتخذت على الجانب البري ،هي أن الآغا إبراهيم أمر بإضافة لمدافع إلى حامية سيدي فرج، وأرسل إليها بضع مئات من الجنود، كما أقام مخازن للحبوب من القمح والشعير في المدينة وما حولها تتسع لحوالي (مئة وثمانين ألف مد)، أما الجهة البحرية فقد حضيت بعناية أكثر، وخاصة الميناء، فقد كانت الحاميات والمواقع الدفاعية تمتد على بضعة آلاف من المدافع الثقيلة،وكانت مزودة بكل ما يلزم من الرجال والذخيرة .
أقيمت كذلك ثلاث سلاسل قوية متينة قرب الساحل داخل الميناء، وكانت السفن الحربية راسية خلفها، وأمامها "خمسون زورقا"، ثمانية منها مزودة بالقذائف والباقية بالمدافع ذات العيار الثقيل" .
كما سمح الداي لجميع العرب والقبائل بحمل السلاح الذي كان محرم عليهم سابقا، وأخبرهم أيضا بأنه سيأمر بمجرد مشاهدة الأسطول الفرنسي بان تطلق المدفعية طلقتين اثنتين ليسرعوا إلى الحيلولة دون نزولهم إلى البر أو إعاقتهم عن ذلك على الأقل .
أرسل حسين باشا المراسيل إلى الداخل يدعون إلى الجهاد ضد الفرنسيين، فوعده الحاج احمد باي قسنطينة ب 30 ألف محارب، ووعد حسن باي وهران ب 6 آلاف محارب، ووعد مصطفى بومرزاق باي التيطري ب 20 ألف محارب، وجمع شيوخ جرجرة بين 16 و 18 ألف محارب، وجمع أهالي ميزاب حولي 4 آلاف محارب .
ورغم هذه الاستعدادات الظاهرية، فهل استطاعت قوات حسين باشا من صد الهجوم وحماية المدينة؟
ج- سير الحملة إلى المدينة:
تدهورت الأوضاع كما ذكرنا سابقا وحدثت القطيعة التامة بين فرنسا والجزائر، فقررت أن تغزو مدينة الجزائر باعتبارها مقرا للسلطة، بقوات ضخمة، وقد أعدت الحملة إعداد محكما، فقد كان "بوتان" منظما دقيقا، أتى بجميع الترتيبات لاحتلال المدينة، كما عمل "دي بورمون" منذ تعيينه قائدا على المحملة في التفكير وجمع المعلومات اللازمة لمهمته ، وفي 20 مايو 1830مأذع "دي بورمون" بيانا على ضباط الحملة والجنود حثهم فيه على حسن الإستعداد ،وفي يوم 25 مايو 1830غادرت الحملة الفرنسية ميناء طولون الحربي وهي تتألف من :
37000
جندي من المشاة والفرسان.
27000
جندي بحار.
103
سفينة حربية.
572
سفينة تجارية فرنسية وغير فرنسية تحمل المؤونة والذخائر والجنود.
تقرر إنزال الجنود عند سيدي فرج والزحف برا صوب المدينة والسيطرة على قصر الداي وكذا ضرورة محاصرة المدينة بالسفن الحربية ومنع وصول المئونة إليها.
نزلت أول هذه القوات يوم 19 جوان 1830 بميناء سيدي فرج وكأنهم جراد منتشر، ولم يكن هناك لا مدافع ولا خنادق سوى حوالي 12 مدفعا صغيرا وضعها الآغا يحي عند بداية الحصار، ولم يكن لذا الأغا إبراهيم أكثر من 3000 فارس، وكان باي قسنطينة لا يملك إلا عددا قليلا من المحاربين، أما باي التيطري فلم يصل إلا بعد عدة أيام من نزول الجيش الفرنسي. أما جيش إقليم وهران فلم يكن بعيدا عن سيدي فرج، وكان باي التيطري قد وعد الباشا ب 20 ألف فارس ولكنه حين وصل إلى الميدان لم يأتي سوى ب 1000 رجل .
هذه القوات كانت مجتمعة في معسكر "اسطاويلي"، وكان الداي حسين ينتظر النصر في معركة اسطاويلي، وفي بداية المعركة كانت الكفة لصالح قوات الداي، فأمر القائد "دي بورمون" بزيادة المدد والمئونة، فقام بهجوم مضاد، هكذا تغلب الجيش الفرنسي وتمكنوا من السيطرة على المنطقة .
عند الهزيمة في اسطاويلي في 19 جوان 1830 هرب إبراهيم من الميدان وترك وراءه الجيش، وبعد هذه الهزيمة استولى الفرنسيين على قلعة مولاي الحسن، وشيئا فشيئا بدأت روح الهزيمة تدب في أوسال الجهاز الإداري والاجتماعي أيضا للمدينة، فجمع الداي حسين أعيان المدينة ورجال القانون والدين وشرح لهم الوضع الذي أمامهم وطلب منهم النصيحة فيما يفعل لمواجهة الموقف. وقد وضع إمامهم السؤال التالي: هل من الصواب مواصلة المقاومة؟ أو يجب تسليم المدينة والتوقيع معهم على معاهدة الاستسلام؟ وبعد تقليب الموضوع من عدة وجه اجبوه بجواب غامض، وهو على أنهم على استعداد لمواصلة الحرب، ولكن إذا كان رأية غير ذلك فهم يطيعون الأوامر ، وقد كان للبيان الذي وزعه الفرنسيون بمهارة تأثير على المجتمع ،مقتنعين بأن الفرنسيين قد جاروا حقا محررين من سلطة الأتراك، وكان يعتقدون أن فرنسا المتحضرة لا يمكن أن تعد بشيء إلا إذا كانت راغبة في التنفيذ، فأصبح هؤلاء من أنصار الحل السلمي. وقد تسبب هذا البيان والفارغ في شل الطاقة المحاربة .
ففي ليلة 2 جويلية عام 1830م أي قبل ثلاثة أيام من دخول الجيش الفرنسي للمدينة، اجتمع عد من أعيان مدينة الجزائر، في قلعة باب البحرية، لقد كان هؤلاء يمثلون التجار وأرباب المال، وقرروا أن ضياع المدينة أصبح أمرا محتما، وأنه إذ ما دخلها الفرنسيون عنوة فإنهم سيبيحونها وينهبون ثرواتها ويعتدون على النساء ويقتلون الأطفال، ورأو، تفاديا لذلك قبول اقتراح الباشا الثاني الذي ينص على الاستسلام بعد توقيع معاهدة وأن الفرنسيين سيتركونهم يتمتعون بدينهم وتقاليدهم وسيتركون لهم أملاكهم ومساجدهم وزواياهم. فلماذا إذن يقاومون الجيش الفرنسي ويزهقون الأرواح بدل التوقيع على معاهدة الاستسلام؟ وفي النهاية قرروا عدم مقامة الفرنسين عند دخول المدينة وأرسلوا وفدا عنهم إلى القصبة لمقابلة الباشا واطلاعه على ما اتفقوا عليه. وقد أجابهم الباشا بأنه سينظر في القضية خلال اليوم التالي.
وفي اليوم المعين 4 جويلية 1830 أرسل حسين كاتبه مصطفي مصحوبا بالقنصل الانجليزي إلى مقر القيادة الفرنسية للتفاوض مع "دي بومون"، ومع المذكور ذهب أيضا احمد بوضربة وحسن بن عثمان خوجة، وبعد التفاوض ومراجعة الباشا، وقعت معاهدة الاستسلام يوم 05 جويلية 1830 .
المبحث الثالث: معاهدة الاستسلام وسقوط المدينة.
وقعت هذه المعاهدة بين القائد العام للجيش الفرنسي الكونت دي بورمون، وصاحب السمو داي الجزائر (حسين باشا) وهي تنص على ما يلي:
يسلم حصن القصبة، وكل الحصون التابعة للجزائر، وميناء هذه المدينة إلى الجيش الفرنسي صباح اليوم على الساعة العاشرة (بالتوقيت الفرنسي)
يتعهد القائد العام للجيش الفرنسي تجاه صاحب السمو، داي الجزائر، بترك الحرية له، وحيازة كل ثرواته الشخصية.
سيكون داي الجزائر حرا في أن يتصرف هو وأسرته وثرواته الخاصة إلى المكان الذي يعينه، ومهما بقي في الجزائر سيكون هو وعائلته تحت حماية القائد العام الفرنسي، وسيتولى حرس ضمان أمنه الشخصي وأمن أسرته.
يضمن القائد العام لجميع جند الانكشارية نفس الامتيازات ونفس الحماية.
ستبقى ممارسة الديانة المحمدية حرة، ولن يلحق أي مساس بحرية السكان من مختلف الطبقات، ولا بدينهم، ولا بأملاكهم، ولا تجارتهم وصناعتهم، وستكون نساؤهم محل احترام والقائد العام يلتزم على ذلك بشرفه.
سيتم تبادل هذه المعاهدة قبل الساعة العاشرة، وسيدخل الجيوش الفرنسية عقب ذلك حالا إلى القصبة، ثم تدخل بالتتابع كل الحصون المدنية والبحرية .( انظر الملحق رقم :09).
وفي يوم 06 جويلة 1830م دخل الجنود الفرنسيين مدينة الجزائر من الباب الجديد بأعلى المدينة وأنزلت أعلام دولة الداي من جميع القلاع والأبراج وارتفعت في مكانها رايات الاحتلال الفرنسي ، وأقيمت صلاة للمسيحيين وخطب فيها كبيرا قساوة الحملة، فقال مخاطبا قائد الحملة الفرنسية: "لقد فتحت بابا للمسيحية على شاطئ إفريقيا"
وبعزل الداي عن مدينة الجزائر من طرف الجيش الفرنسي وجبره على الاستلام، انتهى العهد التركي بمدينة الجزائر الذي دام 326 سنة

samedi 27 novembre 2010

آثار الولاية



تملك الولاية رصيد أثري من الآثار التي ورثتها على حضارات غابرة.

* تقع هذه المدينة القديمة ببلدية جواب، ظهرت لاول مرة في التاريخ سنة 122 (ب.م) كانت مركزا حاميا - COHORTE - رومــانية، شيدت من طرف الامبراطور سيبتيموس سيفيروس ، ثم تحولت إلى مدينة كاملة في تخطيطها و تنظيمها العمراني DOCUMANUS - CARDUS ثم بدأت تضعف عسكريا في سنة 201 (ب.م) ، وكانت تابعة لموريطــانيا القيصرية و هي مصنفة بقرار وزارة الثقافة ج. ر. رقم 7 بتاريخ 23/01/1968 و قد أجرت فيهــا بعثة أجنبية حفرية تمخضت عنها نتائج جد هامة كما صدر عن نفس البعثة كتاب يلخص المعلومات التي تحددها بدقــة.

* تقع هذه المدينة فوق سهل أو ربوة تطل على مدينة عين بوسيف و يرجع تأسيسها لزيري بن مناد الصنهاجي في 324هـ/936م ووقع إختيار مكــانها لوفرة المياه وإطلالهــا على سفوح الجبــال الدائرة بها، كما كانت الحياة العلمية فيها رائجة، جلبت لها أشهر البنائين من إفريقيا والمسيلة، كمــا شيدت بها القصور و الإقامات والحمــامات نذكر منها قصربنت السلطان الذي مــازالت بعض أطلاله شاهدة عليه. أجريت بها حفريات من 1950 إلى 1993 كشف النقاب عن كثير من الأسرار. مصنفة ج. ر. رقم 7 بتــاريخ 23/01/68.

* كانت إقــامة شتوية لبــاي بايلك التيطري، كما كانت أيضا مركزا إداريا لتسيير شؤون بايلك الوسط، وفي عهد الباي بومزراق شهدت مدينة المدية تشييد العديد من الأعمال منها المسجد المالكي و حوش البــاي، و بنــاء دار الباي أنجز فوق أنقــاض بنــاية رومــانية، شكلهــا و تخطيطها يشبه إلى حد بعيد العمــائر والإقامــات المتواجدة بالجزائر -إيــالة الجزائر- و التي يظهر فيها جليــا التــأثير المعمــاري المورسكي وتعتبر تحفة فنية فريدة في ولاية المدية تتربع على مساحة 57 آر/ 19 آر تكون قد شيدت في الفترة 1819 - 1821. كما إستعملها أيضا عبدالقادر الجزائري كمقر إداري و عسكري للخلافة إبان جهــاده ضد الإحتلال الفرنسي نصب فيها خليفته بن عيسى البركاني، الذي بنى له الباي مصطفى بومزراق ضريحا لأبيــه الشيخ البركــاني الذي وافته المنيــة بعد إحتفــاظ الأمير به. و هي بالتالي ترجع إلى العهد العثمــاني مصنفة بموجب قرار وزارة الثقــافة ج. ر رقم 48 بتاريخ 21/07/1993.

* يقع هذا المعلم الآثري في أعــالي المدينة في الجهة الجنوبية بحوالي 5،0 كلم عن وسط التجمع السكني للمدينة، شيد في سنة 1820 كإقامة صيفية، ينقسم إلى قسمين: القسم الخاص بحــرم البــاي و القسم العام الذي يحوي على قاعات الإستقبال و أسطبلات الخيل و بيوت الحرس و يشبه كثيرا قصر أحمد باي بقسنطينة و مــازالت بعض قاعاته تحافظ على عناصرها المعمــارية خاصة التزيينــات التي تغطي البيوت وتكسي الجدران، كمــا أن الخشب و الأبواب و الزجــاج يرجعون إلى نفس الفترة و المســاحة الإجمــالية للمبنى 70 آر / 83 آر ومع ذلك فهو غير مصنف.

* تقع هذه المئذنة عند مدخل باب السيد صحراوي القديم بالجهة الجنوبية للمدينة بمحاذاة قصر العدالة القديم، و هذه المئذنة للمسجد الحنفي الذي لم يبقى له أثر حيث إندثر و شيدت فوقه محطة للبنزين و هي أسطوانية الشكل و إرتفاعها حوالي 18 مترا ذات تأثير عثماني لأن المآذن في شمال إفريقيا مربعة الشكل مســاحتها حوالي 10م مربع و هي غير مصنفة. ترجع إلى 1819م. كمــا يجهل مخطط المسجد الأصلي.

* يقع هذا المسجد بالقرب من دار البــاي إذ شيد في عهد مصطفى بومزراق على الأرجح و لا يعرف شيئــا عن تخطيطه الأول بحيث خضع هذا المسجد لإضافات وتوسيعات آخرها في سنــة 1982 غير أن لوحة رخامية باللغة العثمانية تشير إلى تاريخ إنشــاءه في ســنة ، و هو غير مصنف.

* هذه القنوات ترتكز على مجموعة من العقود يبلغ عددها سبعة عقود تحمل المجرى المــائي الذي كان يزود وسط مدينة المدية في الجهة الغربية، كما كان يزود أيضا الثكنة الرومــانية بالمياه كما دعمت هذه القنوات بتحصينات للمراقبة.

* تقع هذه المدينــة القديمة جنوب قصر البخاري بحوالي 10كلم و هي اليوم عبارة عن أطلال يرجع تأسيسها إلى العهد الرومــاني في عام 205 و كان الفضل في تشييدها يرجع إلى القائد الرومــاني SEPTIMUS SEVERUS الذي أسس العديد من المدن و المدينة في شكل مستطيل غير متســاوي 300م / 200م يحيط بها سورا قطره متران من الحجر الصلب بمحاذاة نهر، كما تشير المصادر والكتابات عن وجود لوحة حجرية تخلد SEVERUS و شخصين آخرين، كمــا كانت تشتهر أيضــا بصنـاعة الفخــار و التوابيت و هي مصنفة قديمــا بموجب قرار الحــاكم العام للجزائر 16/01/1932 و قرار 28/06/1956 ج. ر 09/10/1956 البلدية المختلطة لقصر البخــاري. و هي غير مصنفة أو بالأحرى لم يعد تصنيفهــا. مســاحتها الإجمــالية 9 هـ و 60 آر / 30آر.

* تقع هذه الحمامات حسب ما تشير إليه المصادر التاريخية تحت المبنى الحالي لمركز إعادة التربية على حوالي كيلومترين ش-ش مدينة البرواقية الحالية على الخط المتجه من البرواقية البويرة وربما من المحتمل خارج المبنى المذكور آنفا في إتجاه الجنوب، و هذا ما أكده الإكتشاف عند الشروع في تسوية المساحة لبناء مجموعة من السكنات بحيث أن الإستطلاع الأول سمح من تحديد وجود جزء من حمام لإقامة رومانية و حتى الحصن - مركز إعادة التربية - شيد فوق مركز قديم جد هام و الذي قد يكون تكملة لمدينة تراناموزا كاسترا التي تعني الأقحوان. و الحمامات كانت تأخذ عناصرها من نهر يسير LES ISSERS عن وجود إمــا تراناموزا كاسترا أو تيرينــادي TIRINADI، لأن لوحتين حجريتين -كتابتين-اللتــان تعودان إلى فترة السيفيريـين تـــحددان تهــاني موجهة إلى شخصين في شكل تحيات شرفية خاصة و هذا المفهوم يعني أنها إهداءات أنجزت من طرف نبلاء محليين غير رومــانيين، و المصادر القديمة تشير أيضا عن توفر ثلاثة أحياء منها الحي الرئيسي الذي أنشــأ بالقرب من عناصر مياه.

كمــا كانت أبراجا للمراقبة تحيط بالمدينة على امتداد 100م / 200م و البنــاية في حد ذاتها غير مصنفة.

* عمــوما كلمة خربة تستعمل للدلالة على الأطلال، و خربة السيوف المتواجدة بدراق عبارة عن بقايا لمدينة رومــانية صغيرة و التي كانت من قبل حصنا عسكريا تحتل مكانا إستراتيجيا بإطلالها على جبال الونشريس. بحيث كان يتعاطى قدماء جند الإمبراطورية الرومــانية الغربية فيها مهنة الزراعة بعد صدور قوانين تمنحهم التقسيم المئيني Centuriation فكانت أراضي المنطقة خصبة حتى دفعهم الأمر لان يستقدمون الدنيين Les PAGANIS المزارعين. يوجد فيهـا بقــايا أحصنة و أعمدة و توابيت تتربع على 25هـ وهي مصنفة في قائمة 1900 لكنه لم ينظر في إعادة تصنيفها.كما كانت تأوي عائلات قدمــاء المحاربين.

* هي عبارة عن حصن عسكري يأوي حامية رومانية و المصادر المكتوبة القديمة تذكرها كما تذكر جارتها قلعة تازة -TAZA- القريبة منها و يقولون عنها شرفة الجنوب، إستعملها الأمير عبدالقادر الجزائري كثكنة لجنده، كما شيد بها مصانع للبارود و الذخيرة الحربية و صناعة الأسلحة لكثافة غاباتهــا و هي غير مصنفة ولا يعرف شيئا عن تفاصيلها و هي تــابعة للجيش الشعبي الوطني.

* الحفريات الإنقاذية للوكالة الوطنية للآثــار هي التي إستطـاعت أن تحددها بعد إجراء الأعمال الأثرية بها عندما عثر عليها بالصدفة عند القيام بالأشغــال و هي ترجع إلى الفترة PAIENNE يعني فجر العهد العتيق القرن 1 ق.م قبل ظهور المسيحية في الجزائر عثر في عينة من توابيتهــا البسيطة على حلي وأدوات جنائزية كمـا أن الجثث كانت موجهة نحو الشرق لمعتقدات تؤمن بالحياة بعد الموت، الأمر الذي يدفعنا إلى القول بوجود مجموعة سكانية لها نظامها و بالتــالي مدينة. و هي غير مصنفة و لا تذكر المصــادر اي شيء عنهــا.


* إن هذا الخان المتواجد ببن شكاو و على علو 1248م أسس في 1858م كمــا تشير عليها اللوحة الحجرية و كان يستعمل كمكان لراحة المسافرين بالعربات و الخيول القادمة من الشمــال و المتوجهة نحو الجنوب . و هذا النوع من الخانات أو العمارة ظهر أيضــا في المشرق و الأناضول و آسيــا الوسطى في العهد السلجوقي، وهذه العمــارة أولى لها البنـائون في الأناضول إهتماما خاصا بالأخص في العقود والتزيينات بالزليج في حين أن خان بن شكاو بسيط جدا يتحكم في الطريق الرئيسي شمال جنوب، شكله مستطيل، بداخله ساحة تحيط بها مجموعة من البيوت ومطاعم و إسطبلات و مخازن تغذية الحيوانات وعمومـا إن الخــانات لم تحضى بأي دراسة تذكر رغم أنهــا ذات أهمية قصوى و ما تدره من أموال في المجــال السيــاحي. مساحته بالتقريب 1هكتــار و نصف و هو غير مصنف لكنه يعود إلى الحقبة الاستعمارية.

jeudi 18 novembre 2010

زيـــــري وأشيـــــــــر




على بعد 14كلم من مدينة عين بوسيف وفي الطريق المؤدي إلي شلالة العذاورة توجد أثار إسلامية لمدينة أشير الخالدة التي لعبت دورا هاما في تاريخ المغرب الإسلامي أسسها الرجل الفذ زيري بن مناد الذي خلد اسمه في سجل أبطال الجزائر

مولد زيري بن مناد

كان مناد بن منقوص ( بكسر الصاد أو ضمه ) من قبيلة صنهاجة وكان ذا مال وبنين يكرم الضيف ويحسن إلى أبناء السبيل الأمر الذي اسمه يشتهر كما كان له مسجد يتردد إليه لقضاء واجباته الدينية يروي عنه المؤرخ الكبير النويري قصة استقاها من عز الدين بن محمد ... بن باديس ...يتضمن محتواها أن رجلا من أهل المغرب كان عائدا من الحج فاعترض له اللصوص وأخذوا كل مامعه من متاع ومال فانقطع عن أصحابه . ولما سمع بإحسان مناد الصنهاجي وكرمه لأبناء السبيل قصده في مسجده وقت صلاة الظهر ... ولما علم مناد بقصته قال له : وصلت فأبشر بالخير ثم أخذه إلى منزله فأطعمه ونام ... ثم ذبح له شاة وعمل له طعاما ثانيا فأكل منه مااستطاع ثم نظر إلى كتف الشاة وأخذ يقلبه ثم صار تارة ينظر إلى كتف الشاة وتارة ينظر إلى مناد في تعجب فسأله مناد عن الأمر ... وبعد إلحاح منه قال الغريب :ألك امرأة حامل؟ . فقال مناد : بلى قال : فلك منها أولاد ؟ قال : لا ، ولكن من غيرها . قال : فاعرضهم علي ، فعرض مناد أولاده علي الرجل الغريب ثم قال له : ألك غير هؤلاء ؟ قال مناد : ليس لي ذكر إلا من رأيتهم . قال : احتفظ بالمرأة الحامل فوا لله لتلدى ولدا يملك المغرب جميعه ويملك بنوه بعده ... فأخبر مناد الغريب أنه وجد من تنبأ لأسلافه بهذا من قبل ... وبعد أيام وضعت المرأة حملها وجاء ذكرا وأسماه أبوه زيري ... وهكذا مصداقية تنبؤات الرجل الغريب وغيره ... فقد كان زيري بالفعل ملكا وأسس دولة وأنجب ملوكا وتلك قصة ولادة بطلنا

زيري الزعيم

إن زيري بن مناد كان ميالا إلى المغامرة منذ صغره فقد حكي كثيرا من الرواة أنه كان يركب عمودا من الخشب ويتقدم زملاءه في اللعب فيقوم بدور البطل في معارك يتوهمها هو وأقرانه ثم تطور هذا الميل لما أصبح شابا يافعا فصار عاشقا للمنازلة والمبارزة والعراك مما سار لها الأمر الذي جعله يكسب خبرة قتالية عالية ظهرت أثناء قيامه بغارات في أراضي زناته ( أعداء صنهاجة التقليديين ) حيث كان يعود منتصرا في كل غارة ومثقلا بالغنائم يتقاسمها بتساوي مع أقرانه ... ومن هنا اتسعت شهرته ... ثم بدأت عيون الحساد تنظر إليه حقدا فبدأت بعض المشاكل تعترض طريقه لكنه سرعان ماتغلب عليها باستعمال القوة والعزم .

كانت قبيلة صنهاجة بجانب الفاطميين أما قبيلة زناته فكانت حليفة للأمويين ولما سمع الزناتيون بهؤلاء الحساد الذين أخذوا يخالفون زيري من صنهاجة كاتبوهم وحالفوهم على محاربته لكن زيري بن مناد انتبه لذلك فخرج يوما خلال الليل دون أن يترك لهم وقتا للاستعداد فأغار على زناته في أرض مغيلة وقتل عددا كبيرا من رؤسائهم وأخذ من خيلهم وممتلكاتهم الكثير ... ولما شاع خبر هذه المعركة وانتشر بين الناس في كامل أنحاء المغرب ورده جمع غفير مشجعين ومساندين ومعترفين لزعامته .

زيري مؤسس أشير

إن الزعامة وحدها لم تكن تلبي طموحات زيري بن مناد . كما أن انتصاراته في مختلف المعارك لم تكن بالهدف الأسمى بالنسبة لرجل مثله بل كان يطمح إلى أبعد من ذلك ... يطمح إلى تأسيس قاعدة يدير منها شؤون قبيلة صنهاجة ليستتب الأمن وتستقر أحوال السكان الاجتماعية ويتحسن اقتصادهم ومن هنا فكر في بناء مدينة تكون في مستوى الأحداث ... فأختار مع أعوانه بعد التشاور الكاف الأخضر مكانا " وأشيرا اسما " ( ومعناها المخلب ) وعام 324ه زمانا

بناء أشير:عد إن اتفق زيري مع أصحابه على مكان البناء أحضر البنائين والنجارين من البويرة( سوق حمزة أنا ذاك ) والمسيلة وطبنة وأرسل إلى القائم بأمر الله في القيروان وبعث إليه بمهندس معماري يقال أنه لايوجد مثله في افريقية وقتئذ . أما الخليفة الفاطمي فقد زوده بمواد البناء الغير المتوفرة بالمنطقة كالحديد وغيره . وقد اختلف المؤرخون في مراحل تشييدها فابن خلدون يذكر بأنها بنيت على مراحل ثلاث

1- مرحلة الاختلاط

2- مرحلة التحصين

3- مرحلة تشييد القصور والمنازل والحمامات ( كلا في عهد زيري بن مناد )

أما ابن الأثير صاحب كتاب الكامل في التاريخ فيقول بأنها أسست في عهد زيري واتسعت في عهد بلكين ابن زيري .

أما البكري فقد أضاف إلى قوله ( بان أشير أسست في عهد زيري بن مناد ) الذي بني صورها بلقين يوسف بن زيري بن مناد الصنهاجي سنة 367 ه .

وصف أشير

هي عبارة على ثلاث مدن منفصلة :

1- المدينة الغربية وتسمى منزه بنت السلطان

2- المدينة الشرقية الأولى حيث القصر وهي أشير

3- المدينة الشرقية الثانية " بنيــــــــة "

أما مسجد أشير التاريخي فقد أقر الباحثون الأثريون الذين زاروا المنطقة بان أثاره مازالت قائمة حتى اليوم . فالمحراب والحيطان المبنية بالأحجار المربعة الكبيرة بالإضافة إلى مقصورة الأمير التي تقعبجانب المحراب فكلها واضحة المعالم إلا أن المنارة مازال موقعها لم يكتشف بعد ويؤكد المؤرخون والجغرافيون الذين وصفوها على أنها من أحصن المدن وأكثرها ماء وأحسنها بنايات ( قصور ، منازل ، حمامات ) يقول ابن حوقل : "أنها مدينة محصنة ...لها عيون كثرة .

ويقول صاحب كتاب الاستبصار في عجائب الأمصار : ابن زيري بني سورها وحصنها وعمرها ...

وذكر أيضا " بالقرب من المدينة بنيان عظيم عجيب يعرف بمحراب سليمان لم ير بنيان أعظم منه ولا أحكم ، فيه الرخام والأعمدة والنقوش ما يقصر عنه الوصف

وقد اكتسبت المدينة " أشير " شهرة عظيمة فصار يؤمها العلماء والفقهاء والتجار من كل حدب وصوب وانتشر اسمها في جميع أنحاء العالم الإسلامي

وكان الناس فيها لا يتعاملون بالنقود نظرا لتقلص النفوذ الفاطمي كما ذكر ذلك السيد إسماعيل العربي في كتابه " دولة بني حماد " قال : فقد كانوا يبيعون ويشترون بالمقايضة وعلى أساس البقرة والبعير والشاة .

ثم عمد زيري إلى ضرب السكة وبسط العطاء في الجند فكثرت الدنانير والدراهم في أيدي الناس واطمأنت نفوس سكان الحضر والبوادي الأمر الذي جعل المدينة تزدهر اقتصاديا وثقافيا وعسكريا .

يقول ابن خلدون :" كانت من أعظم مدن المغرب واتسعت بعد ذلك خطتها وستبحر عمرانها ورحل إليها العلماء والتجار من القاصية " .

موت زيري بن مناد

لما عزم المعز بن المنصور ألعبيدي على الانتقال إلى مصر أرسل إلى جعفر بن علي أمير ولاية المسيلة ليعهد إليه بأمر افريقية فرفض ولما أصر عليه المعز خرج عن ولايته معتصما بمغراوة وقام هناك بالدعوة الأموية ضد الفاطميين فنشبت الحرب زناته

( حلفاء الأمويين ) وصنهاجة ( حلفاء الفاطميين ) وفيها قتل زيري بن مناد في رمضان سنة 360ه جوان 970م فاحتزت مغراوة رأسه وأرسلته إلى الأندلس عند الحاكم المنتصر الأموي ... ويقول المؤرخ عبد الرحمان الجيلالي :" لما تغلب زاوي بن زيري الصنهاجي على قرطبة سنة 410ه

( 1019م ) نقل رأس والده إلى الجزائر ودفنه مع جسده تاريخ مدينة أشير

من سنة 324هجري ( تاريخ تأسيسها ) إلى تعيين بلكين بن زيري كخليفة للفاطميين على افريقية والمغرب كانت عاصمة الدولة الزيرية وأعظم مدن المغرب الأوسط .

-من تعيين بلكين إلى سنة 398 هجري ( تاريخ تأسيس قلعة بني حماد ) بقيت تلعب دورا هاما في تاريخ المغرب .

-من سنة 398هجري إلى 406هجري قلت أهمية أشير بعد تأسيس القلعة وأصبحت تحت حكم حماد بن بلكين حيث أصبحت مقرا لأحداث هامة

-( حروب ومعارك )

-من 406هجري إلى 434هجري بقيت أشير في حالة سلم . ثم ثار سكانها على القائد حماد فحصرها وفتحها ثم رجع إليها الهدوء ولكن لم يدوم طويلا حيث أن يوسف بن حماد خربها عام 455هجري ثم تراجع إليها الناس وأصبحت مقر ولاية على رأسها يوسف بن الناصر

-في عام 496هجري غازها والي تلمسان بأمر من يوسف بن تاشفين المرابطي وفتحها وخربها .ويضن أنها بقيت بعد ذلك تحت سلطة المرابطين .

-يذكر ابن خلدون بعد سنة 580هجري ( حسب الدراسة التي قام بها الدكتور رشيد بورويبة )

أن قبيلة حصين نزلت بتيطري وهو جبل أشير وملوكه وتحصنوا به مزحين منه الثعالبة الذين كانوا يسكنونها قبلهم وذلك سنة 760هجري ... ثم نسيت ولم بعد المؤرخون يتكلمون عنها .

-وفي القرن 13هجري ( 19ميلادي ) اهتم بها بعض الباحثون فنقبوا عن آثارها وتوصلوا إلى نتائج مرضية

الحفريات كان الكاتب الفرنسي " بيربروجر( BERBRUGGER) " أول من اكتشف المدينة الأثرية في الكاف الأخضر في يوليو 1850م والزيارة الثانية في أغسطس 1852م فوجد بها آثار قصبة في مكان يعرف بمنزه بنت السلطان ، وهو في رأيه يناسب أشير الأولى وشمالي هذا الحصن مكان أخر يكون على قوله أشير الجديدة ويشير هذا الباحث إلى أن مدينة أشير تعني مخلب ( وتطبق على المراكز العسكرية التي هي مثل المخلب )

-وفي سنة 1869م زارها الباحث " شاباسيار فترك لنا تصميم منزه بنت السلطان .

-وفي سنة 1908م زار النقيب رودي بدوره العاصمة الزيرية الأولى " أشير" واكتشف بها ثلاثة مواقع مختلفة :

منزه بنت السلطان وياشير أو أشير والبنية ن حيث يصف لنا منزه بنت السلطان أنه حصن مشيد بالكاف الأخضر على حوالي 10كلم شمالي شرقي مدينة عين بوسيف على قمة صخرة جدرانها قائمة ووعرة ويبلغ ارتفاعها حوالي 1300متر وهي ذات اتجاه جنوبي شمالي يميل إلى الشرق ويساوي طولها 276م وعرضها المتوسط 25م والسور يبلغ سمكه 2م وندخل السور من باب مفتوح في الجدار الغربي ونصل إليه بواسطة سلم وهذا الباب يحميه برج . ويوجد البرج النصف الدائري بالطرف الشمالي للحصن ويشمل على غرفة واحدة كانت تستعمل بدون شك كمقام للحراس أو كمرصد .أما بالنسبة للصهريج فضلعه يساوي 10م وعمقه 1.5م إذن كانت سعته 150.000لترا من الماء وكانت البئر المتصلة به اسطوانية الشكل يبلغ قطرها 2.56م وعمقها 1.50م فكانت سعتها 363لتر ولاحظ النقيب رودي على حوالي 200م من منزه بنت السلطان عينا معروفة بدالية بن عزوز ماءها بارد وعذب أما الموقع الثاني الذي اكتشفه رودي كان أشير فيقع على حوالي 12كلم شمالي شرقي مدينة عين بوسيف ، فتقع على هضبة تنحدر قليلا نحو الجنوب ، ويحيط بها سور يبلغ سمكه 2م مبني بأحجار صغيرة .أما الموقع الثالث هو البنية ، وتفصله مسافة 2500م عن الموقع الثاني "ياشير"ومساحتها 35هكتار محاطة بسور يساوي سمكه 2م ويضيف مالا حظه فيها إلا آثار بناء مستطيل واحد يبلغ طوله 21م وعرضه 19م به بئر يساوي سمكه 1.5م حيث كان هذا البناء حماما .

- وفي سنة 1912م زار أشير الباحث (جورج مارسي ) وأكد المعلومات التي جاء بها سابقه "رودي" ماعدا فيما يخص البناء المستطيل الموجود بالبنية والذي كان في رأيه مسجدا وليس حماما . وفي سنة 1954م وحتى 1956م قام الباحث (لوسيان قولفان ) "GOLVIN / L " بحفريات فسمحت له أن يدرس وبدقة مدينة البنية التي ألقي عليها اسم بلكين . حيث يقول أن أشير بلكين أو البنية لها شكل مستطيل ويبلغ طولها 800متر تقريبا وعرضها يتراوح مابين 400و450متر وكانوا يدخلون فيها من باب ذي مضلة مفتوح في الجدار الغربي ، والى هذا البناء المستطيل يضاف حصين داخل حصن ( للدفاع ) شكله شكل ركن الصخرة الذي بني عليه وهذا الحصين محاط هو أيضا بسور وفي قسمه العلوي لاحظ قولفان وجود برج مستدير يمكن أن يكون برج للإشارات ، وكان برج أخر من هذا النوع موجودا بالزاوية الشمالية الشرقية للسور

القصـــــر الزيـــــري

أ- الهندسة المعمارية للقصر قصر زيري بأشير عبارة عن مجموعة من الحجارة الموجودة في ساحة كبيرة تقدر ب 72م طولا و40م عرضا ، هذا الجدار محصن ومدعم بواسطة ركائز دعائمية ،هذه الركائز موضوعة في استقامة واحدة على طول الساحة .

كما يميز هذا السور بعض البروزات من الجهة الخارجية ، وهذا السور مدعم أيضا بواسطة قواعد كبيرة ومربعة في الزاوية على شكل أبراج مربعة وضعت بتناسق بمراعاة محور الشمال والجنوب ، فوجدت في الجهة الشمالية للقصر قاعة على شكل هندسي متعامد تحدث بروزا هاما على السور الخارجي ، أما في الجهة الشرقية والغربية فيها أربع مساحات ثانوية تتوزع بالتناظر من جهة وأخرى ومحاطة بأربع غرف ، غرفة جميلة مشكلة بروزا على السور الخارجي والغرف الثلاثة الأخرى

أصغر وأضيق من الغرفة الأولى غير إننا نميز في الجهة الجنوبية للقصر رواقا مدعما بصف أعمدة جميل المنظر وحصين البناء بقربها يعتقد أنه كان هناك وجود لمساكن أو قاعات خاصة للحراسة وحمام وغرف أخرى .وعلى مستوى السور الخارجي نجد باب المقدمة الذي يعتبر عنصرا مكملا بحكم دفاعي للقصر والذي يبلغ عرضه 9م وبروزه بالنسبة للسور الخارجي 3.30م يشكل مدخلا لقوس والذي يقدر حجمه 12الى 13م ارتفاعا غير أنه لم يبقي سوى الأساس .

ويتوسط هذا القصر فناء كبير وواسع يبلغ طوله 35م وعرضه 33م . كما وجد رواق صغير يؤدي إلى سلم أو أدراج تؤدي بدورها إلى ساحات أخرى ،ومكان لتصريف المياه . وفي الأخير واجهة الغرفة الرئيسية والتي هي قاعة العرش أو الملك .

ب - الخصائص المعمارية للقصر

إن الظواهر الرئيسية المميزة لهذا القصر نلخصها في مايلي :

1- المحور الرئيسي يخترق القاعة الرئيسية أو قاعة الضيوف والفناء وباب المقدمة .

2- القسم الأمامي لباب المقدمة يحمي المدخل الرئيسي للقصر .

3- المدخل به مسالك ملتوية بقصد تضليل العدو المتسلل للقصر خفية .

4- الجدار المستطيل المدعم في الزوايا وعلى مسافات منتظمة بواسطة دعائم البناء



5- فناء واسع وكبير تحيط به غرف جميلة جدا ووجود على مستوى المحور للمدخل الرئيسي للقصر قاعة العرش .

6- أربعة أفنية أو ساحات ثانوية أخرى محاطة بغرف متعددة

7- غرف بها انفصالات مشكلة بالتالي بروز على مستوى الجدار الخارجي .

بنو زيري بالمغرب

يرجع نسب «بني زيري» إلى قبيلة «صنهاجة» البربرية؛ التي تنتمي إلى فرع من «البرانس»، ولم تكن «صنهـاجـة» مجرد قبيـلة؛ بـل كانت شعبا عـظيـمًا، لا يـكــاد يـخــلو قطر من أقطـار «المغرب» من بطونه وأفراده، مما دفع «ابن خلدون» إلى القول بأنهم يمثلون ثلث البربر.

وقد سكنت «صنهـاجة» في مساحات شاسعة؛ امتدت من «نول لمطه»في جنوب «المغرب الأقصى» إلى «القيروان» بإفريقية، وهى منطقة صحراوية، آثروا السكنة فيها على غيرها من المدن الآهلة، لأنها- كما علل «ابن خـلدون»- تتوافق مع طبـاعهم، ورغبتهم في الابتعـاد عن الاختلاط بالناس، والفرار من الغلبة والقهر.وظهرت أسرة «بني زيري» -في أول أمرهـا- في طاعة الفاطميين، وتعـاونت معهم في صد الأخطـار التي تعرضت لهـا دولتهم بالمغرب،

وكـان أول اتصـال بينهمـا في عهد «المنصور الفاطمي»، حين قدم«زيري بن منـاد» وأهـل بيته وقبيـلته لمحـاربة «أبى يزيد الخارجي»في سنـة (335ه=946م)، فخـلع عـليه «المنصور»، ووصـله، وعقد لعلى أهـل بيته وأتبـاعه وقبيـلته، فعظم شـأنه، وصـار «بنو زيري»أعـوانًا وأتـبـاعًا للفـاطميين، ومن ثَم نشب الصراع بين الصنهـاجيين،وقبـائـل «زناته»، لأن «زناته» كـانت دائمـة الإغـارة على ممتلكات«الدولة الفاطمية».وحين عزم «المعز» عـلى الرحيل إلى «مصر» في سنة (361ه= 97م)للانتقـال إليهـا بخـلافته، وقع اختياره على «يوسف بُلكِّين ابن زيرىبن مناد الصنهاجى» ليتولى الإمارة بالمغرب خلفًا للفاطميين.

1 - يـوسـف بُلكِّيـن بن زيري بن منـاد الصنهـاجـى [362-373ه= 973 -983م]:عـينـه «المـعز» عــلى ولايــة «المغرب»، واستثنـى من ذلك «طرابـلس المـغرب»، و«أجدابيـة» و«سرت»، وعين معه «زيـادة الله ابن القديم»عـلى جبـايـة الأموال، وجعـل «عبد الجبار الخراساني» و«حسين بن خلف» على الخراج، وأمرهما بالانقياد ليوسف بن زيري.واجه «يوسف» عدة ثورات واضطرابـات بـالمغرب، كـان منهـا عصيان أهـل «تهيرت»، ثم سيطرة قبيلة «زناته» على مدينة «تلمسان»، وقد تـوجـه إلى «تـهيرت» بجنوده وأعـادهـا إلى طـاعته، كمـا توجه إلى «تلمسان» وأعادها إلى حكمه في سنة (365ه= 976م).وفــى سـنــة (373ه=984م) خـرج الأمـير «يوسف» عـلى رأس جيوشه لاستعـادة «سجـلمـاسـة» من أيدي بعض الثوار الذين استولوا عـليها،ولكنه أصيب بمرض أودى بحيـاته في شهر ذي الحجـة سنـة (373ه=مايو 984م).

2 - المنصور بن يوسف بُلكِّين بن زيري [373 - 386ه= 984- 996م]:

أوصــى الأمـير «يـوسف بـلكين» قبـل وفـاته بـالإمـارة من بعده لابنه«المـنصـور» الذي كــان بمدينـة «أشير» حين بـلغه خبر وفـاة والده،وأقـبــل عـليه أهـل «القيروان» وغيرهـا من المدن، لتعزيته، وتهنئته بــالولايـة، فـأحسن إليهم وقـال لهم: «إن أبـى يوسف وجدي زيري،

كـانـا يأخذان الناس بالسيف، وأنا لا آخذهم إلا بالإحسان، ولست ممن يُولَّى بكتـاب، ويُعزل بكتـاب»، وقصد «المنصور» من ذلك أن الخـليفة الفاطمي بمصر لا يقدر على عزله بكتاب.وقـد واجـهت «المـنصـور» عدة مشـاكـل، كـانت منهـا غـارات قبـائـل«زناته» المستمرة عـلى المدن المغربيـة في سنـة (374هـ = 985م)،واسـتيــلاء «زيري بـن عـطيــة الزنــاتــى» عــلى مدينتي «فـاس»و«سجلماسة»، مما دفع «المنصور» إلى إرسال أخيه «يطوفت» على رأس جيش كبير لمواجهة هذه القبائل، ودارت معركة كبيرة بين جموع الفريقين، أسفرت عن هزيمة

الصنهاجيين، وعودتهم إلى «أشير».ثـم تـصدى الأمـير «المـنصـور» في سنـة (376ه= 986م) لعمه «أبـى البهـار» الذي نهب مدينـة «تهيرت»، ففر «أبو البهـار» أمـامه ودخل " المنصور" المدينة، وأعاد إلى أهلها الأمن والهدوء.ثم تُوفى في يوم الخميس(3 من ربيع الأول سنة 386ه=مارس 996م)،ودُفن بقصره.

3 - باديس بن المنصور [386- 406ه= 996-1015م]:وُلد «باديس» في سنة (374ه=985م)، وتكنى بأبي مناد، وخلف أباه عـلى «المغرب» في سنة (386ه=996م)، وأتته الخلع والعهد بالولاية من «الحـاكم بـأمر الله الفاطمي» من «مصر»، وبـايع للحاكم، وأعلن

تبعية بلاده لخلافته، ثم أقطع عمه «حماد بن يوسف» مدينة «أشير»،وولاه عـليهـا، وأعطـاه خيـلا وسلاحًا، وجندًا كثيرًا، فكانت هذه هي نقطة البداية لانقسام «بني زيري» إلى أسرتين:

تحكم إحداهما بالمغرب الأدنى في «ليبيا» و«تونس»، وتحكم الأخرى- أسرة «بني حمـاد» - في «الجزائر»، متخذة من قـلعة «بني حماد»مقرا للحكم. وانفرد «بنو حمـاد» بـإقليم «الجزائر»، نظرًا لضعف قبضة الأمير «باديس» على البلاد.وقد واصـل «بـاديس» مطاردة «زناته، وأُخبر في سنة (387ه= 997م)بـأن «زيري بن عطية الزناتى» قد اعتدى على مدينة «أشير»، فبعث

إليـه بـجيـشه لمـواجـهتـه، ولكـن الجـيش هُزم عــلى أيدي الزنـاتيين،فـاضطر الأمير «بـاديس» إلى الخروج بنفسه لمواجهتهم في «أشير»،فــلمــا عــلم الزنـاتيون بذلك انطـلقوا إلى الصحراء، وتركوا المدينـة،فدخلها «باديس»، وأقر الأمور بها، ثم مات في سنة (406ه= 1015م).

4 - المعز بن باديس [406 - 453ه= 1015 - 1061م]:أُخـذت البيعـة للمعز بمدينـة «المحمديـة»، وتولى الأمر يوم وفـاة أبيه وفرح النـاس بتوليته لمـا رأوا فيه من كرم ورجـاحـة عقـل، فضـلا عن تواضعه، ورقة قلبه، وكثير عطائه، على الرغم من حداثة سِنه.وقـد حدثت في عهده بعض التطورات، حيث ألغـى المذهب الشيعي،وخـلع طـاعـة الفـاطميين، ودعـا عـلى منابره للعباسيين، وتصالح مع أبـنــاء عـمومـته الحـمـاديين سنـة (408ه= 1017م)، وواصـل مطـاردة«قبائل زناته» جهة «طرابلس»، في أبناء «حماد».ثم أُصيب «المعز بن بـاديس» بمرض في كبده أودى بحيـاته في سنة(453ه= 1061م)، بعد حكم دام سبعًا وأربعين سنة.

5 - تميم بن المعز بن باديس [ 453-501 هـ = 1061 - 1108م ]:وُلد بــالمـنصـوريـة في منتصف رجب سنـة (422ه= يونيو 1031م)، ثم تــولى إمــرة «المــهديـــة» في عـهد والده «المـعز» في سـنـــة (445ه=1053م)، ثم خـلف والده في الإمارة في سنة (453ه= 1061م)،

فـواجـه عددًا من الاضطرابـات والقـلاقـل، حيث سيطر العرب الهـلاليون عـلى كثير من منـاطق «إفريقيـة»، وثـار عـليه أهل «تونس» وخرجوا عـن طـاعته، فـأرسـل إلى «تونس» جيشًا، حـاصرهـا سنـة وشهرين،فـلمـا اشتد الحصـار على الناس، طلبوا الصلح، وعاد جيش «تميم» إلى«المهديـة»، ثم ثـارت عـليه مدينـة «سوسـة» فحاصرها وفتحها عنوة، وأمن أهلها على حياتهم.وقـد تعرضت «المهديـة» في عهده لهجمـات الهـلاليـة، لكنه تمكن من صدهم، ثم حـاصر «قـابس» و«صفـاقس»، واستولى عـليهما من أيدي الهـلاليـة الذين كـانوا يحتلونهما. وعمد إلى مهادنة أبناء عمومته في «الجزائر»، وزوج ابنته للنـاصر بن عـلنـاس أمير «الجزائر»، وأرسـلها إليه في موكب عظيم، محمـلة بـالأموال والهدايـا. ثم تُوفـى في سنة(501ه= 1107م).

6 - يحيى بن تميم بن المعز بن باديس [501 - 509ه= 1107- 1115م]:ولد بــالمـهديــة في (26 من ذي الحجـة سنـة 457هـ)، وولى الإمـارة وعمره ثـلاث وأربعون سنـة وستة أشهر وعشرون يومًا، فوزَّع أموالا كثيرة، وأحسن السيرة في الرعيـة، ثم فتح قـلعـة «أقـليبيـة»

التي استعصـى عـلى أبيه من قبـل فتحهـا، كمـا جهز أسطولاً كبيرًا، كان دائم الإغـارة على الجزر التابعة لدولة الروم في البحر المتوسط، ومات فجأة في يوم عيد الأضحى سنة (509هـ - 1115م